المقالات
ما بعد الأسد: آفاقُ العلاقاتِ التركيةِ الإيرانيةِ في ظل التحولات الإقليمية
- يناير 11, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد/ أماني السروجي
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
شهدتْ العلاقاتُ التركيةُ-الإيرانيةُ تحولاتٍ عميقةً في أعقاب التطورات المتسارعة على الساحة السورية، حيث أثّر سقوطُ نظام بشار الأسد والارتدادات الناتجة عن هذا التحول بشكلٍ كبيرٍ على طبيعة التفاعل بين البلدين، حيث إن تراجعَ النفوذ الإيراني في الداخل السوري مقابل صعود الدور التركي، خلق مشهداً من التوتر و الاصطفافات المتباينة، مما وضع أنقرة وطهران في مواجهةٍ معقّدةٍ تجمع بين ضرورات التعاون وإكراهات التنافس.
مع تغير توازنات القوى في سوريا لصالح تركيا، أصبحتْ المعادلةُ الإقليميةُ أكثرَ حساسيةً، حيث إن إيران التي طالما دعّمت نظام الأسد السابق كجزء من استراتيجيتها الإقليمية، تواجهُ الآن تحدياً كبيراً مع انحسار دورها لصالح النفوذ التركي المتزايد، وفي ظل هذا الواقع الجديد، يبدو أن العلاقاتِ بين البلدين تتجهُ نحو مرحلةٍ حاسمةٍ تُختبرُ فيها قدرةُ الطرفين على إدارة خلافاتهما واستكشافِ مساحاتٍ جديدةٍ للحوار والتفاهم، في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية المشتركة.
لذا سوف نستشرف في هذا التقرير مستقبلَ العلاقات التركية الإيرانية بعد سقوط نظام الأسد السابق، وذلك من خلال استعراض الدور التركي والإيراني في سوريا في مرحلة الأسد، كما سنناقشُ تأثيرَ سقوط الأسد على التوازنات الإقليمية.
أولاً: دورُ تركيا وإيران في سوريا قبل سقوط الأسد:
1- الدور التركي:
منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، لعبتْ تركيا دورًا محوريًا في مسار الأحداث، حيث دعمتْ المعارضةَ السوريةَ سياسيًا وعسكريًا في مواجهة نظام الأسد، من خلال دعم الفصائل المتحالفة معها وتزويدها بالأسلحة والمعدات العسكرية، فضلاً عن تقديم المساعدات الإنسانية وإعادةِ الإعمارِ في المناطق التي تسيطرُ عليها تلك الفصائل في شمال سوريا، وتمثلتْ أهدافُ أنقرة في إسقاط نظام الأسد في منْعٍ تشكيلِ كيانٍ كرديٍ مستقل على حدودها الجنوبية، وإدارة أزمة اللاجئين السوريين الذين تجاوز عددهم 3.6 مليون لاجئ داخل أراضيها، وهو الأمرُ الذي شكّل عاملَ ضغطٍ في الداخل التركي ليس فقط على الصعيد الاقتصادي والبنية التحتية، بل أيضًا ضغطًا سياسيًا كبيرًا.
ونظراً لما تشكلّهُ قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من تهديدٍ للأمن القومي التركي، حيث تعتبرها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني PKK، نفذت تركيا عملياتٍ عسكريةً مباشرةً في سوريا (درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام)، لتأمين حدودها ومنْعِ توسّعِ القوات الكردية المدعومة أمريكيًا، كما لعبت دورًا فاعلًا في مسار أستانا التفاوضي بالتعاون مع روسيا وإيران، سعيًا لتحقيقِ تسويةٍ سياسيةٍ تُراعي مصالحها الأمنية والجيوسياسية.[1]
2- الدورُ الإيراني:
شكّلَ نظام الأسد السابق ركيزةً أساسيةً للمشروع الجيوسياسي الإيراني، وحليفًا استراتيجيًا ومحورًا أساسيًا في “محور المقاومة” الذي ضمَّ حزبَ الله اللبناني وفصائلَ شيعيةً أخرى، وقاعدةً عسكريةً ولوجستية متقدمة للحرس الثوري الإيراني، فقد قدمت طهران دعمًا عسكريًا واقتصاديًا كبيرًا للنظام السوري السابق، بما في ذلك إرسال خبراء وقوات من الحرس الثوري الإيراني وميليشيات شيعية من دول مختلفة، بهدفِ الحفاظِ على نفوذها الإقليمي وضمانِ استمرار تدفقِ الأسلحة والدعم إلى حزب الله عبر الأراضي السورية، كما استثمرت إيران بشكلٍ كبيرٍ في البنية التحتية السورية، سعيًا لتعزيز وجودها طويل الأمد وتأمينِ جسرٍ بريٍ يصلهُا بحزب الله في لبنان وتعزيز نفوذها عبر المنطقة وشمال إفريقيا.[2]
ثانيًا: تأثيرُ سقوطِ نظام الأسد على التوازن الإقليمي:
يُعد سقوطُ نظام بشار الأسد في ديسمبر2024 نقطةَ تحوّلٍ تاريخيةٍ في سوريا، حيث أنهى 54 عامًا من الحكم العائلي الذي اتّسم بالفساد والوحشية، لا سيَّما خلال السنوات الـ14 الأخيرة التي شهدت حربًا شبه مستمرة، هذا التحوّل لا يقتصر تأثيره على سوريا فحسب، بل يمتد ليُعيدَ تشكيلَ التوازنات الإقليمية في الشرق الأوسط، خاصةً فيما يتعلق بالنفوذ التركي والإيراني في سوريا.[3]
يمثلُ سقوطُ الأسد نقطةَ تحوّلٍ كبيرةٍ بالنسبة لتركيا، التي عانت لعِقدٍ من تداعيات الأزمة السورية سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، هذا التحول لا يمثل فقط مكاسب لتركيا على الصعيد الداخلي، بل يحملُ تأثيراتٍ استراتيجيةً على نفوذ أنقرة الإقليمي، وعلى الجانب الآخر يمثلُ انهيارَ النظام ضربةً موجعةً لنفوذ إيران، التي كانت تعتبرهُ حليفاً استراتيجياً وقاعدةً عسكريةً ولوجستيةً تسهلُ له التوسّعَ الإقليمي ودعمَ الميليشيات الموالية له في مناطق مختلفة من الشرق إلى شمال إفريقيا.
-
تحولُ تركيا إلى القوة الفاعلة الأولى في سوريا: حيث إن تركيا، التي دعمت المعارضة السورية طوال سنوات الحرب، وجدت نفسها في موقعٍ فريدٍ لرسِْم مستقبل سوريا وتوجيه المرحلة الانتقالية، هذا النفوذ سيمكّن أنقرة من فرضِ رؤيتِها للحل السياسي وإعادةِ تشكيل مؤسسات الدولة بما يتوافق مع مصالحها، وهو ما سيعززُ من أمنها القومي، خاصةً في المناطق الحدودية، حيث ستتمكن تركيا من الحدِّ من تهديدات وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، كما ستصبحُ أنقرة الفاعلَ الرئيسي في إعادة إعمار سوريا، وهو ما سيفتحُ البابَ أمام الشركات التركية للمشاركة بفعالية في مشاريع البنية التحتية والتنمية، وهذا التعاون الاقتصادي سيعززُ الروابطَ التجارية بين البلدين، وعلى الجانب الآخر فقد تكبدت إيران خسارةً استراتيجيةً بانهيار الأسد، حيث خسرت خلال ١٢ يوم ما جمعته في ٤٠ عام، وخسرتْ أهمَّ قواعدِها العسكريةِ في المنطقة، كما مثل خسارة كبيرة لمحور المقاومة، الذي تُعدُ سوريا ركيزةً أساسيةً له الذي ترعاه إيران وشكّلَ أهمَ أدواتها لتعزيز نفوذها في المنطقة، مما يُضعفُ من قدرة إيران على ممارسة نفوذها في المنطقة ومواجهة خصومها.
-
إعادةُ تشكيل المشهد الجيو-اقتصادي في الشرق الأوسط: حيث إن الوضعَ الجديدَ المتمثلَ في تراجع النفوذ الروسي والإيراني مقابل تصاعد النفوذ التركي، قد يفتح الباب أمام فرصٍ جديدةٍ في قطاع الطاقة، لا سيَّما فيما يتعلق بمشروع خط الأنابيب الذي يربطُ قطر بتركيا وصولا إلى أوروبا، وهو المشروع الذي رفضته سوريا في 2009 لحماية مصالح روسيا التي تعد المورد الأساسي للغاز الطبيعي لأوروبا.
وفي المقابل وقّعت سوريا عام 2011 اتفاقيةً مع إيران والعراق لإنشاء خط أنابيب آخر، تهدفُ إيرانُ من خلاله إلى خلّقِ توازنٍ جديد لمصالحها، لا سيَّما تغييرُ قواعدِ اللُعبة مع الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه توقف على أثر اندلاع الأزمة السورية، والآن بعد سقوط نظام الأسد لم يعدْ هناك أيُّ عائقٍ سياسيٍ أمام بناء خط أنابيب الغاز بين قطر وتركيا، وهو ما سيعزز من موقع تركيا كفاعلٍ رئيسيٍ في سوق الطاقة الدولية.[4]
-
ضَعفُ موقفِ إيران في لبنان وضَعفُ محتمل في العراق والقوقاز: تمثلِ سوريا عنصرًا محوريًا في الاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، إذ تُعدّ جسرًا لوجستيًا أساسيًا يربطها بحلفائها في لبنان، مثل حزب الله، من خلال سيطرتها في سوريا، تتمكن إيران من نقل الأفراد والأسلحة والدعم المالي، مما يُعززُ نفوذَها الإقليمي ويُشكل خطَ دفاعٍ أماميٍ ضد إسرائيل، وفقدان النفوذ الإيراني في سوريا سيُضعف قدرتها على دعم هذه الحلفاء، ما قد يُجبرها على إعادة تصميم استراتيجيتها لضمان استمرار التأثير الإقليمي وتجنّبِ عزلةٍ جيوسياسيةٍ.[5] ومع الوقت قد تستغل تركيا هذا الضعف وتعمل على توسيع مكاسبها لتمتدَ إلى لبنان وتغيير الوضع القائم، كما قد تتوسع تركيا في القوقاز بشكلٍ أكبر، من خلال دعم أذربيجان للسيطرة على ممر زانجيزور التجاري الذي سيربط أذربيجان وأرمينيا بتركيا، وهو الأمر الذي تخشى منه إيران خاصةً بعد دعم تركيا لأذربيجان في ناغورني قره باغ، حيث سيتم إبعاد إيران بالكامل من منطقة القوقاز.
وأما عن العراق، فتمثلُ بغداد عمقاً أمنياً واقتصادياً وتجارياً ومالياً واستراتيجياً لقوة وصمود إيران أمام السياسات الغربية خاصة الأمريكية، واستمرار الساحة العراقية ضمن النفوذ الإيراني أهم ملف يشغلُ تفكيرَ طهران في الوقت الراهن، وتتنافس تركيا وإيران أيضًا في العراق، حيث تواجه إيران ضغوطًا تركيةً متزايدةً في شمال البلاد، هذه التحركات تُنذر بمحاصرة إيران من الشمال والغرب، لا سيَّما بعد تراجع قوة حزب الله بعد الخسائر التي تكبدها في الحرب مع إسرائيل، وتقلص تأثيره، وهو ما يعني ضَعفَ نفوذ إيران في العراق واليمن، مما يُعقّد معادلاتِ النفوذ الإقليمي ويضع طهران أمام تحديات تتطلب استجابة استراتيجية مدروسة.[6]
-
تعزيزُ المصالحِ التركيةِ البحرية في شرق المتوسط: تسعى تركيا لإبرام اتفاقٍ مع الحكومة الانتقالية في سوريا لترسيمِ الحدودِ البحرية بالمتوسط وفقا للقانون الدولي، وفي حال نجحت تركيا في ذلك سيمثلُ خطوةً تاريخيةً قد تُعيدُ رسْمَ العلاقاتِ بين البلدين وتغير موازين القوى في شرق البحر المتوسط لصالح تركيا. وتهدف أنقرة من هذه الاتفاقية إلى تعزيز مكانتها الجيوسياسية في المنطقة، وتوسيع حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة، ما يفتحُ المجالَ لاستكشاف واستغلال موارد الطاقة مثل الغاز الطبيعي والنفط، كما ستعزز القوة التفاوضية لتركيا على الساحة الدولية، ويمنحها ميزةً استراتيجيةً في مواجهة القوى الإقليمية الأخرى.[7]
-
الانعكاسات على ملفات إقليمية أخرى: تعزيز النفوذ التركي في سوريا سيؤثرُ بشكلٍ مباشرٍ على ملفاتٍ إقليميةٍ أخرى، لا سيَّما الملف الليبي، حيث تتصارعُ القوى الكبرى على النفوذ، فقد تتمكن تركيا من تعزيز وجودها عبرَ استغلالِ مكاسبهِا الإقليمية لتأكيد موقعها كشريكٍ رئيسيٍ في عمليةِ السلامِ وإعادةِ الإعمارِ، كما أن نجاحَ المعارضة السورية التي كانت تدعمها تركيا من الممكن أن يخلقَ حالةً من الثقة في الأطراف المتصارعة للعمل مع تركيا كشريكٍ موثوقٍ وقادرٍ على حل الأزمات بالطرق الدبلوماسية، وأما في العراق، فإن السيطرة على شمال سوريا ستُسهل على أنقرة توسيعَ عملياتها العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني مع تعزيز التعاون الاقتصادي مع بغداد وأربيل.
-
تحسينُ العلاقاتِ التركية مع الدول العربية المعتدلة: سقوط نظام الأسد قد يُسهم في تحسين العلاقات بين تركيا والدول العربية المعتدلة، خاصة تلك التي كانت مترددة في التعاون مع تركيا بسبب دعمها للمعارضة السورية، هذا التحسن في العلاقات قد يُفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي في المنطقة، كما أن وجود تركيا كلاعب رئيسي في سوريا سيُمكّنها من تشكيل تحالفاتٍ إقليميةٍ جديدة، لا سيَّما مع دول الخليج التي تشترك معها في رؤية مشتركة لسوريا ما بعد الأسد.
-
تعزيزُ دور تركيا في القضية الفلسطينية: حيث أنه من المتوقعِ أن تخرجَ القضيةُ الفلسطينية من قبضة المحور الشيعي، فقد اعتمدت بعض الفصائل الفلسطينية، خاصةً حركتي حماس والجهاد الإسلامي، على الدعم الإيراني عبر سوريا، مما جعلها جزءا من الاستراتيجيةِ الإيرانية في المنطقة، وبعد انهيارِ النظام السوري وتراجع النفوذ الإيراني، وقد تتجه هذه الفصائل نحو إعادةِ النظر في تحالفاتها ومساراتها السياسية، وفي هذا السياق قد تتمكن تركيا من لَعبِ دورٍ أكبر في عملية السلام الفلسطينية، خاصة في ظل دعمها المستمر للقضية الفلسطينية، وهو ما قد يُعزز من مكانة تركيا كوسيطٍ موثوق في النزاعات الإقليمية.
ثالثًا: سيناريوهات مستقبل العلاقات التركية الإيرانية:
سقوطُ نظامِ بشار الأسد في سوريا سيمثلُ نقطةَ تحولٍ كبرى في المشهد الإقليمي، حيث سيفرض واقعًا جديدًا على ميزان القوى في الشرق الأوسط، وهو ما سيؤدي بدوره إلى إعادة تشكيلِ التحالفاتِ وتغيير أولويات الدول الفاعلة في المنطقة، وعلى رأسها تركيا وإيران، فبالنظر إلى المصالح المتضاربة أحيانًا والمتداخلة أحيانًا أخرى بين البلدين، فإن العلاقاتِ التركيةَ-الإيرانيةَ قد تدخلُ مرحلةً جديدةً من التفاعلات، تتراوح بين التنافس والصراع أو التعاون المشروط، في هذا السياق، يبرز سيناريوهان محتملان لمستقبل العلاقات التركية الإيرانية في ضوء سقوط النظام السوري.
السيناريو الأول: تصاعدُ التوتر والمواجهة غير المباشرة:
تتمثلُ الأولويةُ التركيةُ الآن في سوريا في الحفاظ على وحدةِ الأراضي السورية وضمان السلام والاستقرار والحدّ من تهديدات الجماعات الإرهابية، فضلاً عن تأسيس إدارة شاملة لا تتسم بـالانتقامية، حيث تسعى تركيا جاهدةً حتى لا يتكررُ في سوريا ما بعد الأسد ما حدث في العراق في مرحلةِ ما بعد صدام حسين، فهي لا ترغب في أن يؤسسَ الأكرادُ حضوراً واسعًا كما حدث في العراق حيث تحملت أنقرة أضراراً أمنيةً كثيرةً من سقوط صدام حسين، وتحقيقِ الاستقرار في سوريا سينعكسُ بشكلٍ مباشر على الداخل التركي.
وفي هذا السياق تختلف تمامًا نظرةُ إيران لسوريا والعراق عن تركيا، فضَعفُ العراق حولها إلى مجالٍ حيويٍ للنفوذ الإيراني، ونفس الشيء لسوريا، لذا لا يُتوقعُ في الفترة المقبلة أن تتخلى إيران عن نفوذها في سوريا و تتقبلَ خسارةَ رأس المال السياسي الضخم الذي أنفقته للحفاظ على نظام الأسد والانسحاب دون محاولة البقاء فيه.
وفي هذا الإطارِ من المتوقعِ أن تتبنى إيران استراتيجياتٍ متعددةً لزعزعة الاستقرار وخلْقِ توترات تؤثر على تركيا ومصالحها في سوريا، وذلك من خلال دعمها للميليشيات المحلية والمجموعات المسلحة في سوريا حيث قد تستغل إيران الوحداتِ الكرديةَ خاصةً قوات سوريا الديمقراطية والتي ترفضُ تسليم السلاح في الوقت الراهن وتشترط وجود بعض الضمانات، وتقوم بتمويلهم لتحدي السلطة الجديدة في دمشق، كما قدم تقوم بتمويل ودعم العلويين، لخلْقِ توتراتٍ مع الفصائل السنية المدعومة من تركيا، وقد تستخدمُ الفصائلَ الشيعيةَ كسببٍ للتدخل في الشأن الداخلي السوري بهدف حماية هذه الفصائل وضمان تمثيلهم في الفترة المقبلة.
بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تعيدَ إيران التزامها بإعادة تسليح حزب الله في لبنان عن طريق القوات الكردية حيث قد تستغلُ الفصائل الكردية الراغبة في التعاون معها، كما قد تستفيد من العناصر المضمنة داخل مؤسسات الدولة السورية في ظل نظام الاسد السابق، لتسهيلِ توصيلِ الإمداداتِ للحزب، كما يمكن أن تعتمدَ على طرقِ التهريبِ البحري من خلال السفن التجارية ونقل الأسلحة مباشرة إلى السواحل السورية ثم إلى الأراضيِ التي يسيطرُ عليها حزبُ الله، كما يمكن أن تستبدلَ طرقَ الإمدادِ التي تمر عبر سوريا والعراق ولبنان بالصومال التي تمثلُ منطقةَ نفوذٍ كبيرة لتركيا، حيث قد سبق وأرسلت إيران أسلحةّ للحوثيين عبر مقديشو[8].
كل هذه الأمور مجتمعة من الممكن أن تؤثرَ بالسلب على مستقبل العلاقات التركية الإيرانية، حيث إنه إذا شعرت تركيا أن إيران تعملُ بشكلٍ مباشرٍ على تقويض مصالحها في سوريا، فقد يؤدي ذلك إلى مواجهةٍ سياسيةٍ وربما أمنيةٍ غير مباشرة (حروب بالوكالة) في المنطقة، كما قد تتصاعد الاتهامات بين الجانبين، مما يؤدي إلى برودِ العلاقاتِ الدبلوماسيةِ وتراجع مستوى التنسيق بينهما، مع انخفاض احتمالات التعاون الإقليمي، وعلى الرغم من ذلك إلا أنه من غير المتوقع أن تتبنى إيران سياسةً خارجيةً تضعها في مواجهةٍ مباشرةٍ مع تركيا.
السيناريو الثاني: الحوارُ والتفاوض والتنافس السلمي:
يمكنُ تصورُ سيناريو تهدئةٍ بين أنقرة وطهران يقوم على الحوار والتفاوض، خصوصًا مع الضغوط الاقتصادية المتزايدة على إيران نتيجة العقوبات الأمريكية، وهو ما قد يدفعها للبحث عن دعمٍ اقتصاديٍ وسياسيٍ إقليميٍ، تتمثل أولى خطوات هذا السيناريو في تعزيز الحوار الدبلوماسي بين الجانبين، حيث قد تسعى إيران إلى بناء قنوات تواصل أكثر فعالية مع تركيا، بهدف تقليص التوترات الناتجة عن التنافس الإقليمي في سوريا، والتوصلِ إلى تفاهماتٍ مشتركةٍ حول مستقبل المنطقة، تركيا، بدورها، قد ترى في هذا الحوار فرصةً للحدِّ من النفوذ الإيراني في المناطق المجاورة دون الدخول في مواجهة مباشرة.
من الجانب الاقتصادي، تواجهُ إيران ضغوطًا خانقةً بسبب العقوباتِ الأمريكيةِ كما من المتوقعِ أن تزدادَ العقوباتُ الاقتصاديةُ على إيران خلال ولاية ترامب الجديدة، وهو ما قد يدفعها إلى تعزيز العلاقات التجارية مع تركيا كوسيلةٍ لتخفيف هذه الضغوط، فالتبادل التجاري بين البلدين، الذي يبلغ حوالي 12 مليار دولار، يشكلُ قاعدةً جيدةً للتوسّعِ في التعاون الاقتصادي، تركيا، التي تسعى دائمًا لتوسيع نفوذها التجاري الإقليمي، قد تجد في تعزيز هذه الشراكة الاقتصادية فرصةً لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية.
على الرغم من الضغوط الأمريكية، فإن موقفَ تركيا من العقوبات على إيران كان متباينًا في السابق، ما بين الالتزام النسبي بها لتجنّبِ التوتر مع واشنطن، ومحاولات الالتفاف عليها للحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع طهران، من المتوقع أن يستمرَ هذا التوازنُ التركيُ في المستقبل، حيث قد تحاول أنقرة استغلال علاقتها بإيران كوسيلةٍ لتعزيز دورها الإقليمي دون الدخول في صدام مع القوى الدولية.
في ظل الفراغ الذي خلّفه سقوطُ نظام الأسد، قد يكون التنسيقُ الإقليميُ بين تركيا وإيران ضروريًا لضمان الاستقرار ومنْعِ تصاعد التوترات الطائفية أو العرقية، هذا التنسيق يمكن أن يشملَ قضايا عدةً مثل إعادة الإعمار في سوريا، والتعامل مع الجماعات المسلحة، وترتيبات إدارة الحدود.
مع ذلك، يظل هذا السيناريو غير مرجّحٍ نظراً لما يواجههُ من تحدياتٍ كبيرةٍ، أبرزها التنافس على النفوذ الإقليمي، خصوصًا في سوريا والعراق، حيث يسعى كلُ طرفٍ إلى تعزيز مكانته في مواجهة الآخر، بالإضافة إلى ذلك، فإن الضغوطَ الأمريكيةَ على كلا البلدين، سواء من خلال العقوبات على إيران أو التوترات السياسية مع تركيا، قد تعيق أي جهود لتعزيز التعاون بينهما.
ختامًا،
في النهاية، يبدو أن سيناريو التهدئةِ بين إيران وتركيا ممكنٌ من خلال الحوار والتفاوض، خاصة إذا أدركت طهران أهميةَ التعاون مع أنقرة لتخفيف آثار العزلة الاقتصادية، ومع ذلك، فإن نجاحَ هذا السيناريو يعتمدُ على قدرةِ البلدين على تجاوز التنافس الإقليمي وبناء شراكة قائمة على المصالح المشتركة، وهو أمرٌ يحتاجُ إلى إدارة دقيقة للمصالح والخلافات بين الطرفين.
المصادر:
[1] إسقاط الأسد: هل نجحت تركيا في تحقيق طموحاتها في سوريا !؟ .. تحليل استراتيجي، نخبة بوست، 11 ديسمبر 2024. https://www.nukhbehpost.com/42128/
[2] سقوط نظام الأسد.. ضربة موجعة لإيران وتحولات جيوسياسية بالشرق الأوسط، هسبريس، 10 ديسمبر 2024. https://linksshortcut.com/cHhfL
[3] عبد الحميد فحام، الشرق الأوسط ما بعد الأسد.. خسارة إيران مكسب لتركيا، جسور للدراسات، 11 ديسمبر 2024. https://linksshortcut.com/RytNt
[4] سقوط نظام الأسد.. ضربة موجعة لإيران وتحولات جيوسياسية بالشرق الأوسط، هسبريس، 10 ديسمبر 2024. https://linksshortcut.com/cHhfL
[5] أي تأثير لسقوط نظام الأسد في سوريا على النظام الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط؟، صوت المغرب، 28 ديسمبر 2024. https://linksshortcut.com/NKavl
[6] باسل محمد، بعد سورية… إيران قلقة من خسارة العراق، السياسة، 24 ديسمبر 2024. https://alseyassah.com/article/427779
[7] ميزة استراتيجية.. هل تنجح تركيا في ترسيم الحدود البحرية مع سوريا؟، الاستقلال، 1 يناير 2025. https://linksshortcut.com/wceey
[8] خط بحري سري عبر الصومال لتهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، موقع الصومال الجديد، 1/12/2016، متاح على: https://2u.pw/zOGpPzoP.