لَاقَى إعلان وزير الخارجية الفرنسي، في 30 يوليو الماضي، عن دعْم فرنسا لخطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لحلِّ نزاع الصحراء الغربية، ترحيبًا واسعًا في الرباط، بينما أثار غضب الجزائر، التي سُرْعَانَ ما سحبت سفيرها بأثرٍ فوريٍّ؛ إذ يُمثِّلُ هذا الموقف تحوُّلًا كبيرًا في الدبلوماسية الفرنسية؛ حيث يسعى إلى إنهاء الخلافات الأخيرة مع المغرب؛ ولكنه قد يزيد من توتُّرات العلاقات مع الجزائر؛ ما يطرح تساؤلاتٍ حول التأثيرات المحتملة على قضية الصحراء الغربية وعلى مستقبل العلاقات الفرنسية مع كلا الجانبيْن.
أكَّد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يوم الثلاثاء 30 يوليو، أن فرنسا “تعترف بالمخطط المغربي، بخصوص الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء الغربية تحت السيادة المغربية، كأساسٍ وحيدٍ للتوصُّل إلى حلٍّ سياسيٍّ”، وأضاف ماكرون في رسالةٍ، لعاهل المغرب الملك محمد السادس، في العيد الوطني للمغرب: “بالنسبة لفرنسا، فإن المقترح المذكور يُعدُّ الإطار الذي يجب من خلاله حلُّ هذه القضية”، ولم تكن تلك الخطوة المحورية مفاجئة؛ إذْ سبق أن عبَّرت فرنسا عن دعمها “الواضح والمستمر” لمقترح الحكم الذاتي على لسان وزير خارجيتها “ستيفان سيجورنيه” إبَّان زيارته للمغرب، في فبراير الماضي، وهو التصريح الذي ساهم في تحسين العلاقات بين باريس والرباط بصورةٍ معتبرة، إبَّان التصريح به[1].
ردود أفعال متباينة
أعلنت الحكومة الجزائرية، يوم الثلاثاء 30 يوليو، سحْب سفيرها لدى فرنسا “بأثرٍ فوريٍّ”، بعد أن اعترفت الحكومة الفرنسية بمغربية الصحراء، كما أعربت عن “استنكار شديد” لموقف الحكومة الفرنسية، التي أبلغتها “في الأيام الأخيرة”، وتوعَّدت باتخاذ المزيد من الإجراءات ضد باريس، مُحذِّرةً عبْر وزير خارجيتها “أحمد عطاف”، من أن تُسْهِمَ الخطوة في “تكريس حالة الجمود التي تعاني منها العملية السياسية، مُنْذُ ما يقْرُبُ عقديْن من الزمن”، وجاء في بيانها الصادر عن وزارة الخارجية الجزائرية، أن الحكومة أخذت علمًا، بالقرار غير المنتظر الذي اتخذته الحكومة الفرنسية، وأضاف البيان، أن هذه الخطوة التي لم تقدم عليها أيُّ حكومة فرنسية سابقة، وأن القرار قد تمَّ من قِبَلِ الحكومة الحالية باستخفافٍ واستهتارٍ كبيريْن، دون أيِّ تقييمٍ للعواقب التي تُسْفِرُ عنها”.[2][3]
فيما أيَّدت جبهة البوليساريو بيان وزارة الخارجية الجزائرية، وأعربت عن استنكارها ما وصفته بدعم فرنسا “احتلال” الصحراء الغربية.[4]
من جانبه؛ أكَّد الاتحاد الأوروبي مُجدَّدًا، على تمسُّكِهِ بموقفه الثابت بشأن قضية الصحراء، وذلك عقب إعلان فرنسا اعترافها بالسيادة المغربية على الإقليم، وشدَّدت المتحدثة باسم وزارة خارجية الاتحاد الأوروبي، على ضرورة الالتزام بالحلِّ السياسي لقضية الصحراء، مُؤكِّدةً على أن الأمر متروك لكل دولة عضو؛ للرَّدِّ وفْقًا لمواقفها الخاصَّة، لكن الاتحاد لن يتغير موقفه وفْق دعمه الكامل لجهود الأمم المتحدة؛ الرَّامية إلى إيجاد حلٍّ شاملٍ ودائمٍ لحل هذا النزاع، تَبَعًا لمبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.[5]
أمَّا المغرب: فوجَّه العاهل المغربي “الملك محمد السادس”، دعوةً للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون؛ للقيام بزيارةٍ رسميةٍ للمملكة، عقب إعلان باريس عن موقفها الداعم لسيادة المغرب على الصحراء، فيما تفاعلت الأحزاب السياسية المغربية والنُّخب المغربية بالموقف الفرنسي الجديد بشكلٍ إيجابيٍّ مع الإعلان الفرنسي، معتبرةً أنه يعكس العلاقات الطبيعية والتاريخية التي تربط بين البلديْن، رغْم التقلُّبات التي شهدتها العلاقات بينهما، خلال السنوات الأخيرة[6].
الدوافع وراء الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على الصحراء
يأتي الموقف الفرنسي في أعقاب اللحاق بالرَّكْب مع مواقف مماثلة، كانت قد أفصحت عنه عددٌ من الدول، منها؛ إسبانيا والولايات المتحدة وإسرائيل، و دول من أوروبا الشرقية؛ ما كان سببًا في سعْي فرنسا للحاق بالدول سالفة الذكر، في حسْم موقفها تجاه القضية؛ حفاظًا على علاقتها بالرباط، بالإضافة إلى دوافع أُخرى، تكْمُنُ وراء هذا التوجُّه الفرنسي غير المسبوق، ويمكن إبرازها فيما يلي:
إعادة ترتيب إستراتيجيات فرنسا في إطار العلاقات الثنائية مع المغرب: تشير الدلائل إلى أن فرنسا قد أجرت مراجعةً شاملةً لإستراتيجياتها في منطقة شمال أفريقيا، في ظل التطوُّرات الإيجابية التي شهدتها العلاقات بين فرنسا والمغرب، فيبدو أن باريس قد اتخذت خطوةً نحو دعْم موقف المغرب بشكلٍ أكثرَ وضوحًا؛ إذ يُمثِّلُ المغرب بالنسبة لفرنسا حليفًا إستراتيجيًّا في مجالات الأمن والتعاون الاقتصادي؛ ما يفتح الباب أمام فُرَص محتملة – وقد تكون فريدة من نوعها – للاستثمار والطاقة والأمن في المنطقة، ويتعلق الموقف الفرنسي الجديد بديناميكية التقارُب التي طغت على علاقات باريس والرباط مؤخرًا، والذي تجلَّى في أعقاب تصريحات نيكولا دوريفيير، مندوب فرنسا الدائم لدى الأمم المتحدة، أمام مجلس الأمن الدولي، في نوفمبر 2023، والتي أعادت التأكيد على “الدعم التاريخي والواضح والمستمر” الذي تقدمه فرنسا لمخطط الحكم الذاتي المغربي، منذ عام 2007، تَبِعَ ذلك مجموعةٌ من التصريحات الصادرة عن ستيفان سيجورني، وزير الشؤون الخارجية الفرنسي؛ لتُعزِّزَ هذا الاتجاه، من خلال التذكير بعلاقات التعاون التقليدي بين البلديْن.[7]
وقد يكون هذا الاعتراف مدفوعًا بالمصالح الاقتصادية المتبادلة؛ فالمغرب يُمثِّلُ شريكًا اقتصاديًّا بالغ الأهمية لفرنسا ضمن المنطقة، ومن ثمَّ يُعزِّزُ الاعتراف بالسيادة المغربية فُرَص التعاون في قطاعات، مثل التجارة والطاقة والاستثمارات، ويتيح لها الحصول على مزايا مبكرة وحصرية بشمال أفريقيا، تجدر الإشارة أيضًا، إلى أن فرنسا تمتلك استثمارات كبيرة داخل المغرب؛ ما يجعل دعْم السيادة المغربية جُزْءًا أساسيًّا من جهود حماية وتنمية تلك الاستثمارات بشكلٍ أكبرَ.
إعادة تقييم العلاقات مع الجزائر: تتميز العلاقات بين فرنسا والجزائر بقدرتها على التعقيد والتغيير، على عكس الوضع القائم بين فرنسا والمغرب، فعلى الرغم من وجود تعاونٍ ثنائيٍّ ملحوظٍ بين البلديْن، يبقى الإرث الاستعماري والخلافات حول القضايا السياسية تحديات مستمرة أمام تعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية، فتعتبر فرنسا واحدةً من أبرز المستثمرين في الجزائر؛ حيث تتسم التجارة الثنائية بالانتشار الواسع؛ إلا أن التغيُّرات في السياسات الاقتصادية أو الأزمات المالية قد تؤثر سلْبًا على استقرار هذه العلاقات، فيبدو أن القرار الفرنسي مدفوعٌ بشكلٍ أساسيٍّ برُؤْيتها لمستقبل مصالحها في الجزائر، بدلًا من حجم علاقاتها التجارية الحالية؛ بسبب تقارُب الجزائر المتزايد مع روسيا، ودول أخرى تنافس باريس في أفريقيا، مثل إيطاليا وتركيا والصين، ويساهم ذلك التقارُب في توسيع استثماراتهم ونصيبهم من السوق الجزائرية، على حساب الاستثمارات الفرنسية، التي تتراجع بدورها؛ ما يُؤثِّرُ سلْبًا على النفوذ الفرنسي بالبلاد، ويجدر بالذكر، أنه تمَّ توقيع اتفاقية بعنوان “الشراكة المتجددة” بين الجزائر والعاصمة الفرنسية، في أغسطس 2022، إلَّا أنه لم يحقق أيَّ تقدُّمٍ ملموسٍ، يُبشِّرُ بإمكانية استعادة فرنسا للتفضيلات السابقة، التي كانت تتمتع بها داخل السوق الجزائرية.[8]
محاولة فرنسية لمنافسة روسيا في منطقة الساحل والصحراء: يُمثِّلُ الاعتراف الفرنسي الأخير بمغربية الصحراء، بمثابة محاولة فرنسية لسدِّ ثَغْرة انسحابها من منطقة الساحل والصحراء، ومزاحمة التوغُّل الرُّوسي في أفريقيا، وما يؤكد ذلك الطَّرْح، وجود تنافس بين الجزائر والمغرب في منطقة الساحل والصحراء، وبناءً على ذلك، يبدو أن هناك نهجًا فرنسيًّا جديدًا تسعى باريس إلى تحقيقه؛ للمحافظة على مصالحها في القارة، خاصَّةً بعد انسحابها من منطقة الساحل الأفريقي، هذا النَّهْج قد يتم عن ترسيخ وتعزيز علاقتها مع المغرب؛ من أجل خلْق شكْلٍ من أشكال موازنة القوة في تلك المنطقة، عن طريق مزاحمة التواجُد الرُّوسي.
الضغوط المغربية على باريس: يتزامن تحوُّل الموقف الفرنسي مع تصاعُد التوتُّرات التي شهدتها العلاقات «الفرنسية – المغربية» منذ عام 2020؛ حيث مارست الرباط ضغوطًا غير مباشرةٍ على باريس لتوضيح موقفها بشأن قضية الصحراء، وقد أشار الملك المغربي، إلى أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، قد عزَّزَ الثقة الدبلوماسية للمغرب، وساهم في إعادة تعريف سياسته الخارجية؛ ونتيجةً ذلك، أصبحت قضية الصحراء تُمثِّلُ المنظارَ الذي تنظر من خلاله الرباط إلى العالم، وفْقًا لعاهل المغرب.
وتأسيسًا على موقف سياسة المغرب، شهدت العلاقات بين باريس والرباط تطوُّرات سلبية خلال السنوات الماضية، أبرزها؛ عدم قبول الملك محمد السادس لطلبات زيارة الدولة المُقدَّمة من قِبَلِ الرئيس الفرنسي، وفقًا لموقع “هسبريس”، كما بدأت المملكة المغربية في سحْب استثماراتها من الشراكات التجارية مع فرنسا، والتي كانت تعتبر سابقًا شريكها الاقتصادي الدولي المفضل، وتخلَّلت هذه العلاقة العديد من الأزمات، مثل “أزمة بيغاسوس” و”أزمة التأشيرات”، بالإضافة إلى استدعاء السفير المغربي لدى فرنسا، ورفْض المساعدات الفرنسية بعد زلزال الحوز، ومع ذلك، لم تنقطع باريس عن محاولة الاقتراب مرةً أُخرى نحو المغرب؛ لحرصها على الحفاظ على موطئ قدمٍ اقتصاديٍّ وسياسيٍّ مهمٍ في أفريقيا، في وقتٍ لم تقطع المغرب علاقاتها بشكلٍ كاملٍ مع الحكومة الفرنسية؛ بدليل استمرار التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلديْن، فعلى سبيل المثال، تسهم القوات المغربية حاليًا في تأمين دورة الألعاب الأولمبية الجارية في باريس.[9]
تَبِعَات القرار الفرنسي
شكَّل الموقف الذي أعلنه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في رسالته، تحوُّلًا جِذْريًّا في السياسة الخارجية الفرنسية تجاه منطقة المغرب العربي، التي تمَّ الالتزام بها مُنْذُ أن وضع أُسسها الرئيس السابق، فرانسوا هولاند، في عام 2012، وتتعلق هذه الأُسس بالحفاظ على علاقة متوازنة مع الأطراف المتنازعة حول مصير الصحراء الغربية؛ إذ أطلق الاعتراف الأخير من جانب فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء، تَبِعَات مهمة على السَّاحة الإقليمية، يمكن إبرازها على النحو التالي:
على المستوى السياسي:
توتُّر العلاقات مع الجزائر: يُمثِّلُ ذلك أبرز تَبِعَات الموقف الفرنسي في تعميق التوتُّرات العلاقات «الفرنسية – الجزائرية»؛ بسبب حساسية ملف الصحراء الغربية لدى المسؤولين الجزائريين، وما يؤكد ذلك، أنه عقب الموقف الفرنسي بخصوص هذ الملف، أصدرت الجزائر بيانًا، عبَّرت فيه عن “استنكارها الشديد” للقرار غير المتوقع لدعم الحكومة الفرنسية لخطة الحكم الذاتي المغربية، كما أكَّدت وزارة الخارجية الجزائرية باللهجة التي تحمل تهديدات واضحة، أنها “ستتحمل كافَّة النتائج والعواقب التي ستنتج عن هذا القرار”، مُحمّلةً الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة عنه، بالإضافة إلى قرار سحْب سفيرها في باريس “على الفور”.
وفيما يتعلق بجبهة البوليساريو، فقد أعلنت الجبهة استبعادها لفرنسا من أيِّ مبادرة تهدف لإنهاء ما تصفه بـ “الاستعمار في الصحراء”.
الزيارة المرتقبة لـ«تبون»: جاء القرار الفرنسي ليُعيد زعزعة الاستقرار التدريجي، الذي طبع العلاقات بين فرنسا والجزائر، مُنْذُ حلِّ الأزمة الدبلوماسية بين البلديْن، في فبراير ٢٠٢٣، والتي أفْضَتْ إلى عودة الحديث عن زيارةٍ رسميةٍ مرتقبةٍ للرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إلى فرنسا في الخريف المقبل، والتي وصفها الرئيس الجزائري، بأنها “موعد مع التاريخ”، وكان «تبون» في تصريحاته الأخيرة، يؤكد على أن العلاقات الراهنة مع فرنسا وصلت إلى مرحلة نُضْجٍ تتطلب إعادة تأسيسها، دون تراجعٍ عن أيِّ جُزْءٍ يتعلق بملفات الذاكرة التاريخية، إلَّا أن تلك الزيارة دخلت الآن في إطار الاستنتاجات، ومن غير المتوقع إتمامها؛ نظرًا للتوتُّر الحالي بين الأطراف المعنية، ويُذكر أن هذه الزيارة قد تمَّ إلغاؤها ثلاث مراتٍ سابقة؛ حيث كان من المُقرَّر القيام بها، نهاية يناير 2023، ثم تأجَّلت إلى مايو من العام نفسه [10].
على المستوى الاقتصادي:
أدَّى التحوُّل الكبير في الموقف الفرنسي، والذي أصبح رسميًّا بعد الإعلان عنه، يدفع الجزائر طيلة الأسبوعيْن الماضييْن لممارسة كل الضغوط الممكنة؛ لثَنْي فرنسا عن الاعتراف بالمصالح المغربية، بما فيها تهديد بتجميد المصالح الفرنسية في الجزائر، خاصَّةً في مجالات الطاقة، وبالتالي فإن التطوُّرات الأخيرة قد أدَّت إلى مستويات مرتفعة من التوتُّر بين الجزائر وفرنسا، مقابل فرص غير محدودة لتعزيز العلاقات مع المغرب.
تفعيل الجزائر لمبدأ العقوبات الاقتصادية على باريس: فلم تكن هذه هي المرة الأولى التي تلجأ فيها الجزائر إلى تفعّيل ورقة العقوبات الاقتصادية، فمُنْذُ التحوُّل المفاجئ لقرار إسبانيا، فيما يخُصُّ قضية الصحراء ودعمها، مخطط الحكم الذاتي كأساسٍ وحيدٍ لحلِّ النزاع، بات ردُّ الفعل الجزائري تجاه هذه المواقف يتبلور في تفعيل مبدأ العقوبات الاقتصادية، وربْط استئناف العلاقات التجارية بتراجُع الدولة المعنية عن موقفها، وهو ما اتضح خلال الفترة القليلة في خِضم الأزمة من خسائر فادحة تكبَّدتها مدريد؛ بسبب توقُّف صادراتها نحو الجزائر، ولم تكن هذه المرة الأولى التي تتبع فيها الجزائر المبدأ ذاته مع باريس، فسبق أن فعَّلت الجزائر العقوبات الاقتصادية بعد توتُّر علاقاتها عدة مرات مع باريس؛ حيث أنهت التعاقُد مع عددٍ من المؤسسات الفرنسية الناشطة في قطاعات شديدة الحساسية، أبرزها؛ عقْد الشراكة مع مجمع “سياز” الفرنسي في إطار شركة التطهير والمياه للعاصمة “سيال”، فضلًا عن تعثُّر الوضع أمام الشركة الفرنسية للطاقة “توتال”، التي واجهت اعتراضًا جزائريًّا شديدًا، حول بسْط سيطرتها على أصول “أناداركو” الأمريكية، التي انتقلت “أوكسيدنتال بيتروليوم”؛ استمرارًا في حالة التعقيد والتعثُّر، التي واجهت شركات فرنسية أُخرى؛ نتيجة تفعيل العقوبات الاقتصادية من قِبَلِ الجزائر[11].
ومن ثمَّ، فمن المتوقع أن تتكبَّد باريس خسائر نتيجة إخلالها هذه المرة معنويًّا وموضوعيًّا بتوازن مصالحها في شمال أفريقيا؛ ما يُمثِّلُ استفزازًا مباشرًا للجزائر عشيَة الزيارة المرتقبة لـ«تبون» إلى فرنسا، بعد إتمام الانتخابات الرئاسية، المُقرَّر عقْدُها في سبتمبر المقبل.
في النهاية:
مهما بدا التقارُب «الفرنسي – الجزائري»، ومهما حدث من محاولاتٍ لتعزيز العلاقات الثنائية المرتبكة، منذ ٢٠١٩، فإنها سُرْعَانَ ما تنتكس وتعود إلى حافَّة القطيعة، في دليلٍ واضحٍ إلى أن الحلول المؤقتة لتسوية الخلافِ المُزْمِنِ لهذه العلاقة لا تُجْدِي نفعًا، وتعيد العلاقات إلى مُرَبَّع القطيعة الأول، وهو ما جلبه الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء على العلاقات بين الدولتيْن، ويُنْذِرُ بمخاطر وشيكة للتدهور في العلاقات «الفرنسية – الجزائرية»، وتعميق الخلاف بين الجزائر والرباط، وزيادة رُقْعة التنافس بين فرنسا والقوى الأوربية الأُخرى في المنطقة، مثل إيطاليا وروسيا.
المصادر:
[1] فرنسا – المغرب – الجزائر … هل كسر ماكرون مثلث العلاقات المستحيل؟، ام سي دي الدولية، يوليو 2024. https://short-link.me/KCIY
