المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > ما وراء التحرك الأذربيجاني في سوريا؟
ما وراء التحرك الأذربيجاني في سوريا؟
- مايو 23, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: أحمد فهمي
منسق برنامج دراسات الدول التركية
استقبل الرئيس السوري الانتقالي “أحمد الشرع”، مطلع مايو 2025، وفدًا حكوميًا أذربيجانيًا رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء “سمير شريفوف”، وذلك عقب قرار باكو استئناف أنشطة سفارتها في دمشق بعد انقطاع دام 12 عامًا، وجاءت الزيارة بتوجيه من الرئيس “إلهام علييف”، لدعم جهود إعادة الإعمار والتنمية في سوريا، واستكشاف فرص التعاون الثنائي في مجالات الاقتصاد والطاقة والثقافة والتعليم.
وتأتي هذه الخطوة في مرحلة دقيقة يشهد فيها الملف السوري إعادة رسم لخريطة النفوذ الإقليمي والدولي، ولا سيما في ظل تصاعد التوتر التركي–الإسرائيلي على الساحة السورية، وهو توتر يضع باكو التي ترتبط بعلاقات استراتيجية مع الطرفين، أمام اختبار دبلوماسي بالغ الحساسية. وعليه، يكتسب التحرك الأذربيجاني زخمًا لافتًا، إذ يتجاوز طابعه التنموي المعلن ليعكس رغبة في إعادة التموضع داخل معادلة النفوذ، ما يطرح تساؤلات حول دوافع اختيارها لهذا التوقيت تحديدًا، والدور الذي تسعى باكو إلى الاضطلاع به.
دلالات التوقيت:
يعكس اختيار باكو لهذا التوقيت للتحرك دبلوماسيًا نحو دمشق قراءة استراتيجية دقيقة لمتغيرات الساحة السورية، ففي ظل تبدل موازين النفوذ داخل البلاد، وتراجع أدوار بعض الفاعلين الإقليميين التقليديين، وفي مقدمتهم إيران، رأت باكو أن اللحظة مواتية لتثبيت حضور سياسي وأمني مبكر، قبل إعادة توزيع النفوذ بين الفاعلين القدامى والجدد في مرحلة ما بعد الصراع.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد جاء هذا التحرك في وقت يشهد انفتاحًا على الاقتصاد السوري، مع بدء رفع العقوبات المفروضة على دمشق من قبل الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، وانطلاق مشاريع إعادة الإعمار. وتسعى باكو من خلال هذه التطورات إلى بناء شبكات نفوذ اقتصادية جديدة في الشرق الأوسط، مستفيدة من حاجة دمشق المتزايدة إلى شركاء جدد في مساري التنمية والاستقرار. كما يدرك صانع القرار الأذربيجاني أن مرحلة إعادة الإعمار في سوريا لا تمثل مجرد فرصة اقتصادية، بل تُعد أداة لإعادة رسم خريطة التحالفات والنفوذ، الأمر الذي دفع باكو إلى تنسيق تحركاتها مع المتغيرات الميدانية، مثل انسحاب الميليشيات المتحالفة مع إيران، وتزايد الاعتراف الدولي بالنظام الجديد في دمشق.
ويتزامن هذا التوجه أيضًا مع تصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل على الساحة السورية، وهو ما أضفى على التحرك الأذربيجاني بُعدًا إضافيًا، حيث تسعى باكو إلى توظيف موقعها كطرف “محايد استراتيجي” قادر على لعب دور الوسيط دون الانخراط في محاور متعارضة. ومن هذا المنطلق، يمكن فهم التحرك الأذربيجاني باعتباره مناورة استباقية تهدف إلى تأمين موطئ قدم دائم في مشهد ما بعد الحرب، قبل أن تتبلور الاصطفافات الجديدة بشكل نهائي.
المحفزات والغايات:
تندرج التحركات الأذربيجانية تجاه سوريا ضمن استراتيجية خارجية متعددة الأبعاد، تعكس طموح باكو في توسيع نطاق نفوذها الإقليمي والدولي، مستفيدة من التحولات الجيوسياسية التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وتنطوي هذه التحركات على أبعاد متعددة من المحفزات والغايات، على النحو التالي:
-
الفراغ الجيوسياسي بعد سقوط نظام الأسد: أدى انهيار النظام السوري السابق إلى اختلال في موازين القوى الإقليمية الفاعلة داخل البلاد، ما أوجد فراغًا استراتيجيًا فتح المجال أمام سباق إقليمي محموم على النفوذ، وفي ظل تراجع نفوذ بعض هذه القوى كإيران، رأت أذربيجان في هذا الواقع المتحول فرصة مواتية للدخول على خط التفاعلات السورية، بما يعزز موقعها ضمن المعادلات السياسية والأمنية الجديدة التي بدأت تتشكل في مرحلة ما بعد الأسد.
-
تصاعد التهديدات الأمنية العابرة للحدود: يمثل وجود عناصر جهادية أذربيجانية على الأراضي السورية تهديدًا مباشرًا للأمن القومي لباكو، لا سيما في ظل احتمال عودة بعضهم إلى البلاد بما يحمله ذلك من مخاطر أمنية. لهذا السبب، تسعى أذربيجان إلى تعزيز آليات التعاون الأمني مع الحكومة السورية الجديدة، بما يشمل تتبع تحركات هذه العناصر، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بشأنها، في إطار مقاربة وقائية تهدف إلى تحييد مصادر التهديد قبل امتدادها إلى الداخل الأذربيجاني.
-
احتواء النفوذ الأرمني في سوريا: تُعد سوريا موطنًا لإحدى أكبر الجاليات الأرمنية في الشرق الأوسط، وقد حافظت على علاقات قوية مع يريفان خلال عهد النظام السابق، ما وفر للأرمن مساحة من النفوذ داخل الساحة السورية، وتسعى باكو إلى تقليص هذا النفوذ، وتأكيد قدرتها على اختراق مناطق كانت تُعد تقليديًا ضمن المجال الحيوي لخصمها التاريخي، في إطار صراع النفوذ المتواصل بين باكو ويريفان في أكثر من ساحة.
-
تعزيز فاعلية الوساطة الأذربيجانية: نجحت باكو في توظيف علاقاتها المتميزة مع كل من تركيا وإسرائيل للعب دور الوسيط بينهما، في ظل تصاعد التوتر الناتج عن الدور التركي في سوريا، وقد استضافت ثلاث جولات تفاوضية بين الطرفين بهدف خفض التصعيد، ومن المتوقع أن يسهم حضورها المباشر في سوريا في تعزيز فاعلية هذه الوساطة، وتمكينها من تحقيق نتائج ملموسة على الأرض، مما يعزز مكانتها كطرف فاعل في تسوية الأزمات والصراعات الإقليمية.
-
توسيع نطاق السياسة الخارجية: بعد حسم ملف ناغورني قره باغ في عام 2023، اتجهت أذربيجان إلى إعادة صياغة سياستها الخارجية لتشمل مناطق تتجاوز فضائها القوقازي التقليدي، ويُعد انخراطها في الملف السوري جزءًا من هذا التوسع، الذي يدعم مشروعها الطموح لبناء شبكة نفوذ أوسع في الشرق الأوسط، مستفيدة من الفرص الجديدة التي أتاحتها المتغيرات الإقليمية والدولية.
-
استغلال فرص إعادة الإعمار: تمثل مرحلة ما بعد الصراع في سوريا فرصة اقتصادية واعدة لأذربيجان، خاصة في قطاعات البنية التحتية والطاقة، حيث تمتلك باكو خبرات ميدانية متقدمة نتيجة تجربتها في إعادة إعمار إقليم قره باغ، وتسعى أذربيجان إلى تحويل هذه الخبرات إلى أدوات نفوذ في البيئة السورية الجديدة، مستفيدة من مشاريع إعادة الإعمار التي تفتح آفاقًا للتعاون الاقتصادي والاستثماري.
-
دمج سوريا في الممرات الاقتصادية: تعمل أذربيجان على إدماج سوريا ضمن شبكة الممرات الاقتصادية التي تطورها، وفي مقدمتها “ممر زنغزور” الذي يربطها بتركيا، ويأمل صناع القرار في باكو أن يشكل الانفتاح على دمشق في فتح منفذ جنوبي حيوي نحو الأسواق العربية، ونقطة ارتكاز لتوسيع هذه الممرات وربطها بمبادرات إقليمية كبرى، على غرار مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، مما يعزز من مكانة أذربيجان كدور اقتصادي محوري في المنطقة.
الرهانات المستقبلية:
لا يقتصر الرهان الأذربيجاني على مجرد الحضور في سوريا، بل يتجاوز ذلك إلى محاولة إثبات قدرتها على توسيع نطاق نفوذها في الشرق الأوسط، وعلى هذا الأساس تتبنى باكو مجموعة من الرهانات المستقبلية التي تعكس طموحاتها المتزايدة، وأبرزها ما يلي:
-
رهان إعادة تموضع دمشق الإقليمي: تُراهن أذربيجان على أن المرحلة الجديدة في سوريا ستدفع دمشق إلى إعادة ترتيب أولوياتها الإقليمية، بما يشمل تقليص علاقتها مع طهران وخفض وزن العلاقة مع أرمينيا لصالح تعزيز تحالفات بديلة أكثر انسجامًا مع التوازنات الإقليمية المستجدة، وترى باكو في هذا السياق فرصة مواتية لطرح نفسها كشريك محتمل ضمن هذه الترتيبات، مستفيدة من علاقاتها الوثيقة مع أنقرة، ومن تقاطع مصالحها مع التوجه السوري نحو بناء شبكة تحالفات جديدة قائمة على المصالح المتبادلة والانفتاح على الفواعل غير التقليدية.
-
رهان الشراكة مع تركيا: تعتمد باكو على تقاطع مصالحها مع أنقرة في الملف السوري، إذ يشكل التموضع التركي المستقر والمتنامي في سوريا منصة طبيعية لتمديد نفوذ باكو، انطلاقًا من قاعدة “أمة واحدة في دولتين”، ويشمل هذا الرهان مجالات متعددة، أبرزها التنسيق السياسي والاقتصادي، إلى جانب المساهمة المشتركة في جهود إعادة الإعمار، بما يعزز من تكامل ميداني فعلي بين الجانبين، ويدعم حضورًا أذربيجانيًا مستدامًا في مرحلة ما بعد الصراع.
-
رهان الجغرافيا الثقافية والذاكرة المشتركة: تستند باكو إلى الروابط الثقافية والتاريخية مع سوريا كأداة ناعمة لتعزيز العلاقات الثنائية، حيث تمثل رموز مثل ضريح الشاعر الصوفي الأذربيجاني عماد الدين نسيمي في حلب، ووجود مكون تركماني من أصول أذربيجانية على الأراضي السورية، من أبرز الجسور الرمزية التي يمكن توظيفها لبناء شبكات نفوذ ثقافي واجتماعي، وتسعى باكو من خلال هذا الرهان إلى ترسيخ حضورها عبر قنوات غير تقليدية تعزز من تقارب الشعوب وتخدم المصالح السياسية طويلة الأمد.
-
رهان النفوذ الاقتصادي من بوابة إعادة الإعمار: تنظر أذربيجان إلى مرحلة ما بعد الحرب في سوريا كفرصة استراتيجية لبناء نفوذ اقتصادي مستدام، مستندة إلى خبراتها الفنية المتراكمة في مشاريع إعادة الإعمار، ويُتيح لها هذا التوجه دخول السوق السوري الناشئ بوصفها فاعلًا اقتصاديًا يقدم بدائل عملية وفعالة، مع تجاوز التعقيدات السياسية التي تعيق انخراط بعض القوى الإقليمية الأخرى في المشهد السوري.