المقالات
كتبها: حسام عيسى (باحث في العلوم السياسية و العلاقات الدولية)
يُعدُّ موضوع تحديد القوة الشاملة للدولة و تقييمها من الموضوعات المهمة التي اهتم بها الفكر الإستراتيجي منذ زمن بعيد؛ نظرًا لارتباطها الوثيق بالأمن القومي للدولة، من حيث حماية قدرة الدولة على البقاء، والاستمرارية، و المحافظة على ثروات و قيم المجتمع، الذي لن يتأتى إلّا من خلال استخدام الدولة لكل عناصر قوتها الشاملة، و هذا ما أقره كلٌّ من (مورجنثاو، و ميرشايمر)، أصحاب نظرية الواقعية للتحليل السياسى، و التي تنظر للعلاقات الدولية على أن أساسها الصراع، و أن من يحدد هذا الصراع هو مقدار قوة الدولة، و أن تلك القوة هي التي تدرج الدولة في مكانتها بداخل النسق الدولي .
و ترتيبًا على ذلك، ستشهد المرحلة القادمة تطورًا في البيئة الدولية على الوضع الراهن، في ظل القطب الواحد؛ حيث بيئة دولية تحكمها سياسة الدولة الواحدة، صاحبة قوة عملاقة هائلة عسكرية و اقتصادية، و قوة في إدارة النسق الدولي لمصالحها؛ لتحافظ على قوتها، و تستطيع أن تقضي على أي منافس محتمل لها؛ حيث سيبقى النسق الدولي في ظل هيمنة قوة وحيدة، و لن تستطيع دولة بذاتيتها المنفردة و بنفسها أن تنافس تلك الهيمنة وحدها، و أن سبل تغيير النسق الدولي الوحيد هو التحالف الثنائي الإستراتيجي الشامل؛ حتى يستطيع هذه التحالف أن يقف أمام تلك الهيمنة لتغيير طبيعة النسق الدولي؛ ليكون متعدد الأقطاب، وأصبح من الضروري التحديد الدقيق لعناصر القوى الشاملة؛ لأنها تُعدُّ العامل الرئيسي الذي يتم من خلاله عمل التقديرات الإستراتيجية، فيما يتعلق بالعلاقات الدولية والإقليمية.
إن قوة الدولة كأحد متغيرات التوازن الإقليمي أو الدولي، هي محصلة تفاعل عناصرها المادية وغير المادية، و باعتبار أن الدولة جزء من مجتمع دولي، فإن التعرف على قوتها لا يكون بمعزل عن المجتمع الدولي، فالقوة مسألة نسبية و ليست مطلقة، أي أنها تُفهم في إطار المقارنة بين دولة ما و قوة دولة أخرى، أو مجموعة من الدول، كذلك لا يمكن التعرف على قوة هذه الدولة أو تلك، دون النظر على الهدف المأمول من استخدام هذه القوة، أي أن قياس قوة دولة ما في حد ذاتها لا يصح دون المقارنة بالأهداف التي تسعى إلى تحقيقها.
إن دراسة قوة الدولة و المقومات التي تدخل في صناعة هذه القوة، أمست ذات ضرورة استثنائية تفرض نتائجها كمقدمات أولى لأي دراسة معاصرة في المجالات الجيوبوليتيكية و الإستراتيجية، من هذا المنطلق نسعى لدراسة حالة “إسرائيل” في تقييم علمي؛ لمعرفة مدى قوتها الحقيقية، فمن هنا تستمد الدراسة أهميتها، من كونها تمثل محاولة للتعرف على طبيعة المقومات الجيوبوليتيكية و الإستراتيجية و الجيوسياسية التي تمثلها بالمعنى العلمي لأصول و قواعد علمية، بعيدة عن التأثيرات الدعائية و الإعلامية، بمعنى الحقيقة المجردة لما هي عليه إسرائيل.
لقد أقر العلماء معايير لقياس قوة الدول، من أهم تلك المعايير:-
أولًا: مساحة الأرض اليابسة
تتصدر أهمية الأرض اليابسة قائمة أهم المعايير؛ حيث تمثل هذه الميزة فائدة قصوى للدولة، و تعني الأرض اليابسة، هي الأرض المنبسطة التي ليس بها جبال أو هضاب، و أن تكون ذات تربة خصبة تصلح للزراعة، و كلما زادت تلك الأرض اتساعًا تزداد فرصة وجود موارد طبيعية كثيرة من بترول و غاز و حديد و يورانيوم و باقي المواد الطبيعية، كل ذلك يعطي للدولة قوة اقتصادية، تسمى القوة الكامنة التي تستطيع بها ترجمة هذه القوة إلى قوة عسكرية .
بلا شك أن لكل دولة مساحة معينة، فهناك دول ذات مساحة كبيرة جدًا، كـ(روسيا) التي تعتبر أكبر بلدان العالم، وهناك دول صغيرة جدًا كإسرائيل؛ حيث تذهب أقوال المحللين، على أن اتساع مساحة الدولة يعني بشكل ما، أنها قادرة على استيعاب أكبر عدد ممكن من التعداد السكاني، وخصوصًا إذا كانت هناك احتمالية لوجود المزيد من الثروات الطبيعة، التي من الممكن استخدامها، و هذا يعني أن الدولة تتمتع بعمق إستراتيجي طبيعي، نابع من الثروات الطبيعة الموجودة، والمحتملة، و هذا من شأنه أن يدعم قوتها؛ لذلك أقر العالم رتزال في كتابه “الجغرافيا السياسية“، الصادر عام 1897م، (أن مساحة أرض الدولة كلما كانت شاسعة، كلما زادت قوتها، و تتصدر المساحة السمات السبعة لقوة الدول) .
كما أقر أيضًا عالم الجيوبولوتيك “ماكيندر“، في كتابه “المحور الجغرافي للتاريخ“، الصادر عام 1904م، الذى قال: إن قلب الأرض هي أكبر قطعة أرض مساحةً؛ حيث أقر أن القوة البرية هي المنتصرة في الحروب، و من يملك الأرض ينتصر .
مثال على ذلك، في عام 1812م، حرب نابليون على روسيا، فإن المساحة الشاسعة بالإضافة للمناخ كان لهما أكبر الأثر في هزيمة نابليون، وعدم سيطرته على روسيا و احتلالها، و ذلك حين تراجعت القوات الروسية في عمق الأرض الروسية، و بعُدت المسافة التمويلية للجيش الفرنسي، و ساعد ذلك المناخ الشتوي، فلم تقدر القوات الفرنسية الصمود مع طول المسافة، و توفير التمركز العسكري لكل تلك المساحة، ما عجَّل بهزيمة نابليون، رغم دخوله موسكو، و بقائه أربعة أشهر فقط؛ لعدم استطاعة القوات الفرنسية تأمين طرق المؤن و العتاد الموصلة إلى موسكو، و ذلك أيضًا حدث في الحرب العالمية الثانية 1941م، بهزيمة هتلر في موسكو؛ لنفس الأسباب (المساحة و المناخ) .
تبلغ مساحة إسرائيل حوالي ــ22 ألف كم مربع، بعرض 135 كم مربع، بطول 470 كم مربع – وتوصف بالدولة الشريطية، أي على شكل شريط حدودي، بدون عمق إستراتيجي، فيمكن قطع مساحة عرض إسرائيل في خلال ساعة فقط، و يمكن ضربها من جميع الجهات، من خلال صواريخ متوسطة المدى، و هي متوفرة لجميع دول الإقليم.
بهذه المواصفات المساحية، تُعدُّ إسرائيل من الدول الغير محصنة، و من السهل السيطرة عليها، و هذا يضعفها عسكريًّا و إستراتيجيًّا ، و بذلك تكون بعيدة كل البعد عن تقديرها دولةً قويةً من حيث المساحة.
ثانيًا: عدد السكان
تعد القوة البشرية من حيث العدد لها أهمية قصوى، و من الركائز الهامة الداعمة لقوة الدول، و تأتي أيضًا الثقافة و درجة التعليم و اكتساب المهارات و الخبرات و التطور التكنولوجي، من ركائز سمات و صفات التعداد السكانى؛ حيث إنَّ التعليم و اكتساب المهارات و التقدم التكنولوجي يعطي قوة و ميزة نوعية للتعداد السكاني، و أن ذلك يؤكد، كلما كانت الدولة ذات تعداد سكان كبير و مميزات يجعلها مثقلة بالمهارات و التكونولوجيا، تزداد قوة و قدرة على استيعاب الدول المجاورة، إما بالعلم و الثقافة أو بالتطور التكنولوجي بها، كما تعد من الأمور المهمة و المؤثرة على بناء و تحديد مدى قوة و ضعف الدولة، و في تقدير القيمة السياسية للدولة؛ حيث تمثل التركيبة الديموجرافية للدولة، و يتضمن الجوانب السكانية، من حيث (العدد و التركيب و التوزيع)، و يمثل السكان الثروة البشرية التي تقيم قوة الدولة، من حيث استغلال الثروة الطبيعية، و تمثل القوة الأساسية في الحرب، و حماية الدولة و مواجهة الأعداء، و غالبًا ما يكون عدد السكان مقياسًا لقوة الدولة وعظمتها، فشعب تعداده (9) مليون ليس كشعب تعداده (100) مليون، و من ناحية أخرى، تتأثر القيمة النوعية للدولة في المحيط الإقليم و ترتيب مقدار قوتها بداخل النسق الدولي، بالحجم النسبي لقيمة التعداد السكاني نسبةً لدول الجوار، فإذا كان عدد سكان الدولة يفوق عدد سكان الدول المجاورة، يعطي ذلك قوةً نسبيةً للدولة بداخل الإقليم، إضافةً إلى قيمة الناتج القومي لهذه الدولة، أي أنها دولة منتجة و قادرة، على عكس ما إذا كانت تعاني من فقر الموارد الطبيعية و الإنتاجية .
عدد سكان الدولة
مضاف الى ذلك معدل الناتج القومي للدولة+—————–= الانحدارالحيوبوليتكي
مجموع عدد سكان الدول المجاورة
عدد السكان في إسرائيل ـ حوالي 9 مليون نسمة (80%) من يهود دول مختلفة في العالم، أي متعددي المنشأ، تجمعهم الديانة اليهودية، (20%) عرب فلسطين، منهم المسلم و المسيحي * أي أن الديموجرافية السكانية لإسرائيل متعددة الأجناس و غير متجانسة القومية، و هذه نقطة ضعف في عدم التجانس القومي، و هناك عنصرية و تفرقة بداخل المجتمع الإسرائيلي، و لكن تربطهم في المظهر الديانة، و في الجوهر المصلحة – كما يمثل عدد سكان إسرائيل (1.6 %) من عدد سكان دول الشرق الأوسط العربي و تمثل أيضا (0.1 %) من مساحة دول الشرق الأوسط العربي في المنطقة.
إن عدد السكان 9 مليون، لا يعطي قوة للدولة بشكل عام؛ حيث أقر العالم (رتزال)، في كتابه “الجغرافيا السياسية”، أن من أهم مقومات مواصفات الدولة القوية، هو عدد السكان، فكلما كان عدد السكان كبيرًا كلما زادت الدولة قوة، على أن يصاحبها تقدم علمي و تحقيق ناتج قومي كبير، و هذا غير متوافر في إسرائيل .
ثالثًا: الموقع الجيوبولوتيكى
يدرك السياسيون أن الهيمنة الدولية تعتمد على السيطرة الجيوبوليتييكية، و من ثم تكون اليابسة هي المفتاح لـ”الاستيطان”؛ لذا تعد نظرية قلب العالم أو (الهارت لاند)، هي النظرية التي صاغها العالم البريطاني، هالفورد جون ماكندر، في عام 1904م، في كتابه (المحور الجغرافي للتاريخ) (Democratic Ideals and Reality)، مبدؤها، أن للعالم قلبًا، فمن يسيطر عليه يسيطر على العالم، و تعتبر هذه النظرية، أن التاريخ السياسي هو صراع مستمر؛ للسيطرة على العالم بين القوى، و أن الدول مثل الكائن الحي ينمو و يكبر، و أن النمو له ضوابط و طريقة للنمو الإستراتيجي والاقتصادي .
لقد كان وعد بلفور الإنجليزي، عام 1917م، هو من مظاهر التحالف الإمبريالي الإنجليزي الصهيوني، في إطار المصالح المشتركة، بإعطاء وطن للجماعة الإسرائيلية، عقب الحرب العالمية الأولى، تكون تلك الجماعة ذراعًا عسكريًّا و منطقة ارتكاز لوجيستي، له مزايا جيوسياسية لمصلحة الإمبراطورية البريطانية، فكان له عدد من الأسباب في البداية، منها، منع تمدد القوة الألمانية إلى الشرق الأوسط العربي؛ حيث النفوذ الإنجليزي في مصر و السودان و منطقة البحر الأحمر، طريق الملاحة الدولي؛ لربط إنجلترا بالهند أكبر مستعمرة إنجليزية، و من ناحية أخرى، فصل الجانب الأسيوي عن الجانب الأفريقي بحاجز بشري، بإقامة دولة حاجزة؛ لمنع كلٍّ من القوة الأسيوية و الأفريقية من التمدد، بمرجعية العالم، ماكيندر، بأن الدول كائن حي ينمو و يكبر، و لقد تكرست فكرة الدولة الحاجزة، في توصية مؤتمر لندن الاستعماري، الذي عُقِد سرًّا في لندن، خلال الفترة (1905-1907م)، بدعوة من حزب المحافظين البريطاني، و اشتركت فيه مجموعة من كبار علماء التاريخ، و الاجتماع، و الجغرافيا، و الزراعة، و البترول، والاقتصاد، و ناقشوا سبل تحقيق المصالح الغربية و الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط وغيرها. و رفع المؤتمر توصياته إلى رئيس الوزراء البريطاني، آنذاك، (كامبل بنرمان)، وقد أكد فيها، إقامة حاجز بشري قوي و غريب في منطقة شرق البحر المتوسط و على مقربة من قناة السويس، على أن تكون تلك القوة عدوةً لشعوب المنطقة، و صديقة للدول الأوروبية ومصالحها، و لقد كانت إسرائيل هي التنفيذ العملي العاجل للوسائل و السبل المقترحة.
و أيضًا هذا ما حدث في معاهدة فرساي 1919م؛ حيث أوجدت المعاهدة دولًا حاجزة في أوروبا، مثل (بولندا) كدولة فاصلة بين روسيا و ألمانيا، ( بلجيكا و هولندا) كحاجز بين ألمانيا و فرنسا، ( سويسرا) كدولة فاصلة بين ألمانيا و فرنسا و إيطاليا و النمسا، ( أفغانستان) كدولة فاصلة بين روسيا و الإمبراطورية البريطانية بالهند، و من هنا أوجدت بريطانيا إسرائيل؛ لفصل الدول العربية، و منع التمدد الأفريقي بداخل أسيا، و منع التمدد العربي في الشام مع الدول الأفريقية .
ثم تأتى الحرب العالمية الثانية، و تنتقل العالمية الغربية من الإمبراطورية البريطانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، و تشرع أمريكا في سياستها الخارجية معتمدةً على فكر (فريد ثاير ماهان) Alfred Thayer Mahan ، وقد أُطلق عليه لقب “الإستراتيجي الأمريكي” الأكثر أهمية في القرن التاسع عشر الميلادي، قُدِمَّ من خلال كتاب تاريخي، و هو ” تأثير قوة البحر على التاريخ ، The Influence of Sea Power Upon History – و الذي أقر فيه “أن بوابة القارة الشمالية، المتمثلة في أوروبا و أمريكا الشمالية، هي (قناة السويس و قناة بنما)، فمن يسيطر عليهما يسيطر على القارة الشمالية، من هذا الفكر تم نقل ملكية إدارة إسرائيل من بريطانيا إلى أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية؛ من أجل السيطرة على القارة الأوروبية، و يأتي إقامة الكيان الإسرائيلي في 14 مايو عام 1948م، بعد إلغاء الانتداب البريطاني على دولة فلسطين؛ حيث تم وضع إسرائيل بالقرب من قناة السويس؛ لإحكام السيطرة على شطري قناة السويس؛ حيث كانت بريطانيا تحتل مصر منذ عام 1882م، ثم تأتي سياسة الاحتواء التي فرضتها أمريكا على الاتحاد السوفيتي، و محاصرة النفوذ السوفيتي، و قد أمدت إسرائيل بالسلاح و التكنولوجيا المتقدمة و الدعم المالي، كما فعلت في أوروبا، في مشروع (مارشال)، في عهد ترومان، رئيس أمريكا في ذلك الوقت.
رابعًا: العلاقات الدولية
لقد أقر “مورجنثاو” ــ هو عالم من رواد النظرية الواقعية – أن قوة الدول تأتي من قوة علاقاتها الإقليمية، و كلما زادت تلك العلاقات زادت قوتها داخل النسق الدولي، و تأتى قوة العلاقات الدولية من القوة الثقافية و الحضارية بداخل المجتمع؛ لأن هذه القوة الثقافية تمتد أولًا لدول الإقليم؛ ما يزيد من ترابط تلك الدول، و تأتي أيضًا علاقات المصلحة في المقدمة مع الثقافة، و على قائمة المصلحة التبادل التجاري و الاقتصادي.
فنجد أن علاقة إسرائيل عدائية مع كل دول الجوار، و أن ثقافتها و حضارتها منعزلة عن الإقليم، و لا يوجد تبادل تجاري و لا اقتصادي بين إسرائيل و دول الجوار، إلا في حدود ضيقة، و بدفع من المهيمن الأمريكي لدول الجوار بالتعامل مع إسرائيل؛ ما يضعف قوة إسرائيل في المحيط الإقليمي، و أن تعاملها يأتي وراءه أمريكا.
من هنا تأتى بداية القوة الإسرائيلية المستمدة من الدولة الأمريكية لتكون ذراعًا أمريكيًا معبرًا و منفذًا للسياسة الأمريكية، محققة المصالح الأمريكية و إسرائيل من بعدها، و أن إسرائيل ما هي إلا كيان يحقق تلك المصالح الأمريكية، و من خلال تحقيق تلك المصالح الأمريكية تحافظ أمريكا على بقاء إسرائيل و تعمل على أن تتعاظم القوة الإسرائيلية؛ من أجل الحفاظ على مصالحها، و مع ظهور قوة البترول اقتصاديًّا، اعتمدت أمريكا على إسرائيل بخلْق نقطة صراع في المنطقة؛ لاستنزاف قوة الدول العربية المنتجة للبترول؛ لسيطرة أمريكا على دول إنتاج النفط في الخليج و العراق.
القوة النووية الإسرائيلية:
أمريكا صاحبة القرار، و هي الداعم التكنولوجي و المادي و الحماية العسكرية، البداية مع ظهور الكيان الإسرائيلي 1948م، و بعد ثماني سنوات، في 1956م، و بدعم من فرنسا، تم بيع حق الاختراع للمفاعل النووي بـ60 مليون فرنك مدفوعة من الخزانة الأمريكية، و تم الإعلان عن تكلفة المفاعل الإسرائيلي حتى 1960م 80 مليون دولار، مدفوعة بالكامل من الخزانة الأمريكية و بعمالة أمريكية و سويسرية و بتكنولوجية (فرنسية – أمريكية)، تم بناء المفاعل النووي الإسرائيلي، و في ذلك الوقت ليس لإسرائيل القدرة المادية و لا القدرة العسكرية لحماية المفاعل النووي، يتضح من ذلك، أن صانع القوة الإسرائيلية النووية هي أمريكا.
لقد أوضح الكاتب “سامبسون” في كتابه “الشقيقات السبع”، الذى يرصد تاريخ الشراكة البترولية في منطقة الخليج، فيقول: لقد أقدمت بريطانيا بعمل شراكة كبرى مع أمريكا؛ من أجل السيطرة على بترول الخليج و إيران و العراق، و ذلك عندما اكتشفت بريطانيا البترول في الخليج، بشكل خاص عام 1839م؛ لذلك عقدت بريطانيا الصفقة مع أمريكا في دعم أمريكا لبريطانيا في سيطرتها على البترول و السيطرة على الإمبراطورية العثمانية، و دخلت بريطانيا الحرب العالمية الأولى 1914م، و معها شريك اقتصادي لتقاسم النفط في المنطقة هي أمريكا، و جاء تقسيم الإمبراطورية العثمانية في اتفاقية (سايكس / بيكو) 1916م، و جاء التقسيم الحدودي في البلاد الجديدة بناءً باستحواذها على البترول؛ للسيطرة عليها، و جاء ذلك في تقسيم إلى دول صغيرة في المساحة، ثم جاء وعد بلفور 1917م من بريطانيا لتكون نقطة ارتكاز عسكري، و دعم لبسط النفوذ البريطاني في المنطقة، على أن يكون هذا الكيان المتواجد بوعد بلفور معاديًا للدول النفطية جميعًا.
و يقول عضو الحزب الجمهوري الأمريكي، “جون روز” في كتابه “إسرائيل الدولة الخاطفة – كلب الحراسة الأمريكية في الشرق الأوسط”، الصادر عام 1990م، من أقوال (ونستون تشرشل)، عندما كان وزير البحرية البريطانية عام 1915م، قال: “يجب أن نصبح مالكين لمنطقة البترول الخليجي، أو على أي حال المسيطرين عليه”.
كما يوضح الكاتب في نفس الكتاب السابق، أنه تم إنشاء شركة كبرى تتكون من الشركات الأمريكية و البريطانية عام 1928م، باسم “شركة كونسورتيوم”، و تم عقد اتفاقية فيما يسمى “باتفاقية الخط الأحمر”، و التي ترسم مناطق البترول بمنطقة الخليج و العراق و إيران، على أن يتم العمل سويًّا للسيطرة على بترول المنطقة.
لقد كتب – Robert O. Freed Man – في كتابة باسم ” Israel and the United States Six Decades of US–Israeli Relations ” أنه في عهد “ترومان”، رئيس أمريكا، لقد تم الاتفاق على تهيئة الرأي العام الأمريكي لمشروع مارشال؛ لإعادة إعمار أوروبا، و التي قدر ميزانيتها في خلال المشروع 800 مليار دولار، تحت سياسة خارجية بنظام “الاحتواء” للنفوذ السوفيتي، و في الوقت نفسه تم الدعاية لقيام دولة إسرائيل، و أمريكا داعمة لتلك الدولة، و يقول الكاتب لقد قُوبل ذلك بصعوبات كبيرة؛ حيث إن المواطن الأمريكي لا يكترس بالسياسة الخارجية، و أنه ينكبُّ على الشأن الداخلي، و لكن كان ذلك ضروريًّا؛ لتوضيح أوجه الإنفاق الأمريكي في مشروع مرشال، و أيضًا لتبرير دعم أمريكا المالي؛ لقيام دولة إسرائيلية في مايو 1948م، و سمي في ذلك الوقت “نقطة الاختراق”؛ لتكون ارتكازًا لوجستيًّا لأمريكا؛ لتكون قريبة من الدول البترولية، على أن تكون تلك الدولة ذات قوة تفوق قوة الدول المجاورة؛ لذا قامت أمريكا بحَثِّ حليفتها فرنسا بتصدير التكنولوجية النووية عام 1956م لإسرائيل، و بدعم مالي أمريكى، في مقابل مساعدات أمريكا المالية لفرنسا في مشروع مارشال، كانت تلك هي السابقة الأولى في تصدير التكنولوجية النووية من قِبَل فرنسا، عضو مجلس الأمن، الحليف الأمريكي إلى إسرائيل، بعد قيام الأمم المتحدة عام 1945م، و إعلان عدم انتشار الأسلحة النووية؛ لتصبح إسرائيل أحد الدول الحائزة على تصنيع السلاح النووي 1968م؛ لتكون لديها القوة الرادعة التي تفوق قوة جميع الدول العربية المجاورة.
لقد اعتمدت أمريكا على سياسة ” إسبيكمان” في سياستها الخارجية في فكرة السيطرة على الممرات البحرية و على طرق التجارة المائية الدولية، إضافةً إلى السيطرة على الدول المنتجة للبترول و طرق تجارتها؛ من أجل السيطرة على الدول المستوردة للبترول، و مع زيادة الأهمية الاقتصادية للبترول، و خاصةً مع الدخول في النظام الدولي الأمريكي، تمركزت أمريكا في الشرق الأوسط بغزو العراق عام 2003م، و أعلنت زعامة سيطرتها على العالم مع استخدام الجيوبوليتيك للسياسة البترولية بالسيطرة على الدول المنتجة و طرق تجارتها و التحكم في سعر البترول، و لقد ساهمت نقطة ارتكاز أمريكا على دولة إسرائيل بتواجد أمني على الأرض، و تواجد في قلب أرض الإنتاج البترولي؛ ما زاد الاعتماد على إسرائيل، فازدادت قوةً بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية، فدعمت إسرائيل على أن تكون مصنعًا خلفيًّا لتكنولوجيا التسليح الأمريكي، و بدعم مالي من أمريكا أصبحت إسرائيل المورد المعتمد للأسلحة الأمريكية لأكثر من 61 دولة على مستوى العالم، و خاصةً لدول أسيا و أفريقيا و بعض الدول الأوروبية، كما ساعدت أمريكا إسرائيل في تفوقها العسكري على دول الشرق الأوسط العربي؛ حتى تستطيع إسرائيل التواجد في قلب دول مجاورة متصارعة معها و أعداء لها، و هذا التفوق يصب في مصلحة المصالح الأمريكية.
كما أوضحه (فليب سيبيل – لوبيز) في كتابه “الجغرافيات السياسية للبترول” عام 2013م، أن من يريد الهيمنة على النسق الدولي، عليه أن يسيطر على الدول المنتجة للبترول و تجارة البترول و طرق تجارة البترول و على أسعار البترول؛ من أجل السيطرة على الدول المستوردة و التحكم في اقتصاديات تلك الدول؛ حتى يستطيع القضاء على أي منافس لقوة الدولة المهيمنة؛ لذلك تعمل أمريكا على بقاء إسرائيل في المنطقة مع دول مجاورة متصارعة مع إسرائيل، و تكون إسرائيل نقطة ارتكاز و انطلاقة لأمريكا؛ من أجل السيطرة على الشرق الأوسط و الدول المنتجة للبترول.
يوضح الكتاب الشهير، الصادر عام 2004م، “السياسة الخارجية الأمريكية و مصادرها الداخلية”، للعلماء (تشارلز كيجلي و يوجين ويتكوف و ميتشل بارد)، في الفصل الرابع، تحت عنوان “تأثير جماعات الضغط على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط”، أن المتحكم الوحيد في إدارة السياسة الخارجية و صنع القرار هو صانع القرار الأمريكي، و أنه ليس هناك مجال لجماعات للضغط، و خاصةً اللوبي اليهودي، في تحديد أولويات العمل الأمريكي في الشرق الأوسط، و من تحكم تلك القرارات هي وحدها المصالح الأمريكية في المقام الأول و الأخير، و أن إسرائيل ما هي إلّا منفذٌ لهذه السياسات فقط، و أن اللوبي اليهودي يقتصر عمله و ضغطه في التعجيل بتنفيذ القرارات التي في صالح إسرائيل، و التي موضوعة سلفًا دون تدخل من أي جماعة ضغط .
كما يوضح العالم “تشارلز كيجلي” في الكتاب السابق، أن صناعة السياسة الخارجية الأمريكية بشكل عام، توضع بداخل مؤسسات الدولة، و أن رئيس الجمهورية هو من يضع فقط سبل التنفيذ، و أن الرأي العام الأمريكي و جماعات الضغط يتم تهيئة الأمر فيها بالوسائل الدعائية لقبول القرار، و حتى إن كان الرأي العام رافضًا للقرار، فإن القرار سوف يتم العمل به.
مثال ذلك، في سياسة أمريكا في حرب (فيتنام)، التي استمرت من عام (1964م و حتى 1973م) بحوالي 200 ألف جندي أمريكي، مع رفض الشعب الأمريكي و الرأي العام، و رغم الهزيمة الأمريكية، لم يحاسب صانع القرار الأمريكي على هذه الحرب التي استمرت أكثر من عشرة أعوام، و راح ضحيتها آلاف من الجنود الأمريكان، و لكن قرار السياسة الخارجية لم يهتز، و هو نابع من مؤسسة اتخاذ القرار، و لا تعتد بالضغوط الداخلية.
المتحكم في القرار الإسرائيلي هي الإدارة الأمريكية، و نستشهد بالتاريخ في أزمة السويس 1956م، عندما هاجمت (إسرائيل و إنجلترا و فرنسا) مصر، و قد أجبرت أمريكا كل هذه الدول على التراجع؛ خوفًا من التدخل السوفيتي العسكري، و رضخت كل هذه الدول للقرار الأمريكي .
و في الكتاب الوثائقي، للكاتب محمد خير الوادي، في كتابه الصادر عام 2012م، “العلاقات الصينية الإسرائيلية – الحسابات الباردة ” أنه في عام 1989م، الصين و حادثة “تيان ان مين” في (بكين)، فرضت أمريكا على الصين العقوبات الاقتصادية، و منعت إسرائيل و أوروبا من التعامل العسكري مع الصين، و لقد منعت أمريكا إسرائيل بيع الطائرات الأمريكية ” الفالكون ” 1996م، و في عام 2000م، منعت أمريكا إسرائيل من بيع طائرات الهاربي للصين، و باعتها إلى الهند العدو التاريخي للصين؛ لأن هذه الأسلحة هي أسلحة أمريكية و تكنولوجية أمريكية، و من يتحكم فيها هي الإدارة الأمريكية.
القول الذى يدعي، بأن إسرائيل تريد قيام دولتها من (نهر النيل بمصر إلى نهر الفرات بالعراق)، هذا حلم أمريكي، و ليس رغبة إسرائيلية؛ و ذلك لأنها لا تقدر على تحقيق هذه الرغبة، و ليس لديها من القوة لتحقيق ذلك الهدف، و لكن من يستطيع تحقيق هذا الهدف هو الدولة الأمريكية، المهيمن الوحيد في العالم، و المتحكم عسكريًّا و اقتصاديًّا في العالم .
نبذة إجمالية عن إسرائيل: الاستنتاج
أن إسرائيل بعدد سكنها الـ 9 مليون نسمة، التي تمثل (1.6%) من عدد سكان الدول المجاورة، لا تستطيع علميًّا أن تكون من دول القوى الإقليمية؛ حيث إنَّ إجمالي مساحة الأرض المحتلة 22 ألف كم، فهى مساحة صغيرة، تُحْسَبُ على أنها دويلة صغيرة، و التي تمثل تلك المساحة (1, 0%) من مساحة الدول المجاورة، فلا تقدر أن تكون دولة ذات قوة إقليمية، و حيث إنها قليلة الثروات و الموارد الطبيعية، فهي ليست من الدول الغنية، و لا من الدول الصناعية الكبرى، و هي دولة قائمة على العدائية لدول الجوار، و ليس لهم علاقات تجارية و لا اقتصادية تعطيها قوى إقليمية.
تأتي إسرائيل قوتها من الولايات المتحدة الأمريكية، من حيث الدعم المالي و الاقتصادي و التكنولوجي و الحماية و الرعاية العسكرية؛ حيث هي الراعي للتكنولوجية النووية بإسرائيل، و أن أمريكا هي من قررت وجود القوة النووية لإسرائيل؛ لتكون قادرةً على تنفيذ مصالح أمريكا في المنطقة؛ من أجل السيطرة على دول منتجي البترول في المنطقة، و أن أمريكا هي التي وقفت ضد كل القرارات التي تدين إسرائيل في الأمم المتحدة، و الصادرة من مجلس الأمن، و كان (الفيتو الأمريكي) متواجدًا ضد أي إدانة لإسرائيل منذ نشأتها، و وضعت إسرائيل لتكون الحاجز و الفاصل بين الدول العربية الأفريقية و الدول العربية الأسيوية؛ لمنع تمدد الدول العربية في منطقة قلب الشرق الأوسط؛ حيث تمثل إسرائيل نقطة صراع دائم في المنطقة، يُسْتَغل للتحفيز على شراء الأسلحة، و طلب الحماية من أمريكا؛ تخوفًا من إسرائيل؛ و ذلك من أجل استنزاف أموال البترول و الثروات من الدول العربية .
لقد كانت إسرائيل تمثل البوابة الخلفية لأمريكا، قبل غزو العراق 2003م، و هي أيضًا المخزن الإستراتيجي لبيع المنتجات الأمريكية و مصنع التركيب للمنتجات الأمريكية، أي أنها المنطقة اللوجستية لأمريكا عسكريًّا و اقتصاديًّا و سياسيًّا، و هي صنيعة أمريكية؛ لخلْق نقطة صراع دائم لا ينتهي بالمنطقة.
تمارس إسرائيل أبشع الجرائم ضد حقوق الإنسان ضد الأبرياء من الشعب الفلسطيني، من قتل للأطفال و النساء، و هي حوادث كثيرة و متعاقبة على مر السنين، و لكن هذا لا يمثل انتهاكًا لحقوق الإنسان بالنسبة لأمريكا .
إن القول المأثور: ” إن إسرائيل تسعى لبناء دولتها من نهر النيل بمصر إلى نهر الفرات بالعراق” هذه رغبة أمريكية؛ للسيطرة على قلب الشرق الأوسط، الرابط لجزيرة العالم، التي تربط كلًا من (أفريقيا و أسيا و أوروبا)، و أن هذا ليس حلمًا للكيان الإسرائيلي؛ حيث لا تمتلك إسرائيل قوةً لتنفيذ هذا المخطط الكبير.
إن مقولة، أن اللوبي الصهيوني بأمريكا هو المتحكم في القرارات الأمريكية الخاصة بإسرائيل، هي مقولة مغلوطة للدعاية فقط، حيث تثبت الوقائع الرسمية و الأحداث التاريخية، أن من يتحكم في القرارات الإسرائيلية هي الإدارة الأمريكية، و أن القرارات الأمريكية ليس عليها سلطان إلّا مصلحتها فقط .
إن بقاء إسرائيل من خلال قوة الهيمنة الأمريكية؛ حيث إنَّ عدم رعاية أمريكا لإسرائيل يعني بالتبعية زوال إسرائيل من المنطقة؛ حيث إن إسرائيل معدومة القوة الذاتية، و أن قوتها مستمدة بالكامل من رعاية الولايات المتحدة الأمريكية .
إن السياسة الخارجية الأمريكية الآن، تعتمد على سياسة “خلْق نقاط الصراع؛ من أجل الاستحواذ” على أن تكون مناطق الصراع لا تنتهي لتحقق المصالح الأمريكية؛ من أجل السيطرة الإمبريالية أو الرأسمالية؛ حيث تتبنى أمريكا نقاط الصراع في العراق و أفغانستان و اليمن و الصومال و ليبيا و من قبلهم إسرائيل. من أجل الهيمنة الأمريكية، ترتكز أمريكا على حلفاء دائمين بارتباط اقتصادي متكامل، بإستراتيجية شاملة، الحليف الأول، هي بريطانيا ثم إسرائيل ثم اليابان ثم كوريا الجنوبية ثم أستراليا ثم ألمانيا، هذه الدول هي الركائز الأساسية؛ من أجل الهيمنة الكاملة للولايات المتحدة الأمريكية على العالم .
لذلك لن تستطيع الصين صاحبة القوة الاقتصادية الكبرى بأن تكون ندًّا لأمريكا، و لن تستطيع روسيا بقوتها العسكرية العالمية أن تكون ندًّا لأمريكا، و لكن بتحالفهم الإستراتيجي المتكامل، قد يمثلون قوة إقليمية عالمية الاتجاه، فإن القادم هو زمن الهيمنة الأمريكية لعقود.