إعداد: مصطفى مقلد
مقدمة:
نقلت وكالة الأنباء الرسمية لكوريا الشمالية مؤخرًا عن شقيقة الزعيم الكورى أن رئيس الوزراء اليابانى “كيشيدا” طلب الاجتماع مع زعيم كوريا الشمالية “كيم جونغ أون”، لكنها شددت على أن احتمالات عقد أول قمة بين البلدين منذ حوالى 20 عامًا ستعتمد على تسامح طوكيو مع برنامج الأسلحة الكورى الشمالى، وتتجاهل عمليات اختطافها السابقة لمواطنين يابانيين، ومع هذا شدد “كيشيدا” على أهمية إجراء محادثات رفيعة مع كوريا الشمالية لحلّ النزاعات بناءً على سياستها الحالية، لذا رفضت اليابان الشروط المسبقة التى طرحتها كوريا الشمالية لعقد مثل هذا الاجتماع ووصفتها بأنها غير مقبولة، وبعدها بيوم صرحت “كيم يو جونغ” شقيقة الزعيم الكورى مجددًا بأن طوكيو “ليس لديها الشجاعة لتغيير التاريخ، واتخاذ الخطوة الأولى نحو علاقات جديدة بين كوريا الشمالية واليابان”، وأن كوريا الشمالية سترفض “أى اتصال أو مفاوضات” مع اليابان فى المستقبل، مما قلل من احتمالات عقد قمة بين “كيم” و”كيشيدا” خلال وقت قريب.
الفعل ورد الفعل:
ورفض “كيشيدا” التعليق على التصريحات الأخيرة، وقال إنه سيواصل السعى لحل القضايا القائمة بين البلدين، بعد أن كانت قد ظهرت بوادر انفراجة فى العلاقات، فقد سبق أن أعلن “كيشيدا” أنه يريد تغيير العلاقة بين طوكيو وبيونغ يانغ خلال العام الماضى حين عبر عن رغبته فى الاجتماع مع الزعيم الكورى الشمالى «دون أى شروط»، قائلًا فى كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إن طوكيو مستعدة لحل جميع القضايا، بما فى ذلك عمليات الاختطاف.
ويرى مراقبون أن تصريحات كيم هى خطوة استباقية لربح المزيد من الوقت وللتفكير والضغط فى قضايا النزاع من جانب حكومة كوريا الشمالية، التى قد ترى فوائد عدة فى التواصل مع “كيشيدا” ردًا على الشراكة الثلاثية الأمريكية وكوريا الجنوبية واليابان، وفى ضوء إقامة علاقات دبلوماسية بين كوريا الجنوبية وكوبا فى 14 فبراير الماضى، وهو ما لم يرق لبيونج يانج التى تعتبر كوبا حليفة لها وتتقاسم معها أهداف ومصالح مشتركة، ومن المؤكد أن الشراكة بين بيونج يانج وهافانا سوف تستمر، إلا أن كوريا الشمالية سوف تحاول تعزيز مكانتها الدولية.
أسباب الخلاف:
لا تُقيم طوكيو وبيونغ يانغ علاقات دبلوماسيّة رسميّة، تشهد العلاقات بينهما توترًا على خلفية قضايا من بينها التعويضات عن الاحتلال اليابانى لشبه الجزيرة الكورية بين الأعوام 1910 و1945، وإطلاق بيونغ يانغ صواريخ فوق أراضٍ يابانية، والملف النووى الكورى، ويمثل اختطاف جواسيس كوريين شماليين لمواطنين يابانيين فى السبعينات والثمانينات، وإجبارهم على تدريب جواسيس على اللغة والعادات اليابانية، نقطة خلاف رئيسية، وقد تم إطلاق سراح خمسة منهم وقت تحسن العلاقات نسبيا بين “2002-2004″، فيما تؤكد الحكومة اليابانية أن عدد المختطفين هو 17 على الأقل، ومن المؤكد أن أى تقدم فى قضية الاختطاف أو تخفيف التوترات فى الشرق الأقصى يمكن أن يمنح “كيشيدا” نجاحًا تشتد إليه الحاجة، حيث انخفض الدعم المساند لحكومته، بجانب مواجهته لمشاكل اقتصادية وفضيحة الفساد التى ضربت الحزب الحاكم والتى تنطوى على اختلاس أموال، حيث وجهت اتهامات إلى ما يصل إلى 10 سياسيين من الحزب الديمقراطى الليبرالى الذى يتزعمه “كيشيدا”.
أهداف التقارب:
فى سبتمبر 2023، قام الزعيم الكورى الشمالى “كيم جونغ أون” بزيارة إلى روسيا لمدة ستة أيام، والتى اعتبرت أطول زيارة خارجية له منذ وصوله إلى السلطة، وهدف اللقاء بين كيم وبوتين إلى تعزيز التعاون بين البلدين، خاصة فى مجال صادرات الأسلحة وتبادل التكنولوجيا العسكرية، حيث حصلت كوريا الشمالية من هذا التعاون على دعم تكنولوجى عسكرى حديث من روسيا، وهو ما زاد الحديث حول إمكانية تشكيل تحالف بين روسيا والصين وكوريا الشمالية مناهض للولايات المتحدة وحلفائها فى شرق آسيا.
ويمكن ربط تلك التطورات مع مبادرة اليابان للحوار مع كوريا الشمالية، حيث هناك رغبة غربية لعدم ترك المجال مفتوحًا لروسيا لتطوير العلاقات مع كوريا الشمالية بشكل يدعم موقفها فى الحرب الأوكرانية ويزيد من موقف بيونج يانج المتشدد اعتمادًا على الدعم الروسى، ويدعم ذلك التصور، توقف المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية منذ تولى بايدن السلطة، ويبدو أن إدارة بايدن مستعدة لترك المبادرة لليابانيين لفعل شيء ما بشأن كوريا الشمالية، خاصة وأن إدارة بايدن تريد تهدئة الوضع فى شبه الجزيرة الكورية حتى يكون لدى بايدن فرصة أفضل لإعادة انتخابه فى حين أنها ليس لديها بالفعل أى إستراتيجية عن كيفية تحسين العلاقات مع كوريا الشمالية، حيث تشكل الترسانات النووية والصاروخية لدى كوريا الشمالية تهديدًا أمنيًا كبيرًا لليابان، وكذلك كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وقد وسعت الدول الثلاث مناوراتها التدريبية الثلاثية ردًا على التجارب الاستفزازية التى أجرتها كوريا الشمالية على الأسلحة منذ عام 2022، لذا فإن نزع فتيل التوتر سيكون نجاح دبلوماسى كبير لليابان.
ويأتى التحرك الروسى الأخير ليؤكد ذلك، حيث منعت روسيا فى 28 مارس الجارى، تجديد تشكيل لجنة تابعة للأمم المتحدة لمراقبة العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، بعد أسابيع من إعلان اللجنة أنها تحقق فى تقارير عن عمليات نقل أسلحة بين موسكو وبيونغ يانغ، وقد قوبلت هذه الخطوة بموجة من الانتقادات، ووصفت الولايات المتحدة حق النقض الذى استخدمته روسيا بأنه “جهد لدفن تقارير اللجنة بشأن تواطؤها” مع كوريا الشمالية، ولم تحاول روسيا من قبل قط عرقلة عمل لجنة الخبراء، التى يجددها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سنويا لمدة 14 عاما، ويُظهر تقرير غير منشور للمخابرات الدفاعية البريطانية، اطلعت عليه صحيفة الغارديان، صورًا تم التقاطها بين سبتمبر وديسمبر لثلاث سفن روسية، وهى تقوم بتحميل حاويات فى ميناء “ناجين” الذى أعيد إحياؤه فى كوريا الشمالية قبل عبورها إلى الموانئ الروسية فى أقصى الشرق.
وإذا انعقدت القمة، فمن الممكن أن يستفيد الصينيون أيضًا، فمن شأن ذلك أن يُظهِر أن نظام كوريا الشمالية -الذى تدعمه الصين- على استعداد لإجراء محادثات من أجل السعى إلى تحقيق السلام فى الشرق الأقصى، ومن ناحية أخرى، فإن التعاون العسكرى المتنامى بين كوريا الشمالية وروسيا يفقد الصين بعض من نفوذها على البلدين، وروسيا هى التى قد تخسر لأن تهدئة العلاقات فى شبه الجزيرة الكورية من شأنه أن يوجه الانتباه بشكل أكبر نحو الحرب الأوكرانية، وهذا لا يخدم الطموحات الروسية.
إقليميًا، تفكر كوريا الشمالية فى الاستفادة من المساعدة الاقتصادية اليابانية المحتملة إذا قام البلدان بتطبيع العلاقات بينهما، فالتعاون مع اليابان يمكن أن يساعد بشكل عام الاقتصاد الكورى الشمالى، ويرى مراقبون أن كوريا الشمالية يمكن أن تسعى للحصول على القيمة الحالية للمساعدة اليابانية التى تلقتها كوريا الجنوبية عندما قام البلدان بتطبيع علاقاتهما فى عام 1965.
بجانب الإبطاء والتأثير سلبًا على تحالف الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، الذى يمثل تهديدًا ملموسًا لكوريا الشمالية من خلال التعامل الدبلوماسى مع اليابان، لكن ذلك مستبعد حيث تسعى كوريا الجنوبية إلى إقامة علاقات دبلوماسية وعسكرية أوثق مع اليابان، وقالت وزارة الخارجية الكورية الجنوبية إنها تتواصل بشكل وثيق مع اليابان بشأن الاتصالات بين طوكيو وبيونغ يانغ والقضية النووية لكوريا الشمالية.
ختامًا:
يتفق المحللون على أن “كيشيدا” لن يتحدى الرأى العام اليابانى لتقديم تنازلات بشأن قضية الاختطاف، أو تحدى قرارات الأمم المتحدة التى تحظر البرنامج النووى لكوريا الشمالية، بالتالى فإن قمة “كيم وكيشيدا” غير محتملة قريبًا، لأنه من ناحية أخرى، بيونغ يانغ تبدو غير راغبة فى معالجة اختطافها التاريخى لمواطنين يابانيين ولأن طوكيو غير قادرة على تخفيف العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية.