المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > مبدأ “السيادة المقيدة” على الأنهار العابرة للحدود صمام أمان لدول المصب
مبدأ “السيادة المقيدة” على الأنهار العابرة للحدود صمام أمان لدول المصب
- أكتوبر 29, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات
مصطفى مقلد
باحث فى العلوم السياسية
مقدمة:
تُظهِر التحديات العالمية المتعلقة بالمياه، أن المياه يمكن تحويلها إلى سلاح سياسي عبر التحدث عن السيادة المطلقة على منابع الأنهار، بما يتضمنه ذلك من إخفاء البيانات الهيدرولوجية أو تأخير نقلها أو حجب جزء من المياه أو تغيير معدل تدفقها، ومع رغبة عدد من الدول للسيطرة على موارد المياه العابرة للحدود الوطنية، فإن المنافسة المتزايدة على المياه قد تؤدي إلى المزيد من التوترات والصراعات، وهو ما يحتاج إلى تدخل قانوني يرافقه إرادة سياسية حقيقية لإيجاد حل عادل ومنصف.
الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة (1997):
وفي سعيها للتوصل لإتفاقية دولية تمثل نافذة على واقع دولي أفضل، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1997 الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة المتعلقة بالأنهار “الاتفاقية الدولية لاستخدام المجاري المائية الدولية ذات الأغراض غير الملاحية” التي تحكم استخدامات الأنهار وحمايتها وإدارتها، وقد جاءت هذه الاتفاقية بموافقة 104 أصوات، واعتراض ثلاث دول هي الصين وتركيا وبوروندي، وامتناع 27 دولة عن التصويت من بينها مصر وإثيوبيا، بذلك فهما ليسا طرفاً في هذه الاتفاقية الإطارية، وهي لا تلزمهما بأي التزامات قانونية أو مؤسسية.
اتفاقية عنتيبي مايو (2010):
تصاعدت وتيرة الخلافات بين دول «المنبع» ودول «المصبّ» عندما أعلنت دول المنبع توقيعها اتفاقية عنتيبي (2010) بأوغندا في غياب دولتَي المصبّ متَنَكّرةً لجميع الاتفاقيات المنظِمة والمقرِّرة لحقوق مصروالسودان التاريخية في تلك المياه.
وتمثّلت أبرز نقاط الاختلاف بين دولتَي المصبّ (مصر والسودان) وباقي دول حوض النيل بالآتي[1]:
أ – عدم تضمين البند الخاص بالأمن المائي نصاً يقضي بالحفاظ على حقوق مصر التاريخية والمكتسبة من مياه النيل.
ب – عدم تضمين الاتفاقية، حق الإخطار المسبق عن أي مشروعات تقوم بها دول أعالي النيل، على أن يتم إدراج هذه الإجراءات في نص الاتفاقية وليس في الملاحق الخاصة بها.
ج – طلب مصر بأن تكون جميع القرارات الخاصة بتعديل أي من بنود الاتفاقية أو الملاحق بالإجماع وليس بالأغلبية، وفي حالة التمسك بالأغلبية فيجب أن تشمل الأغلبية دولتَي المصبّ (مصر والسودان) لتجنب عدم انقسام دول الحوض ما بين دول المنابع التي تمثل الأغلبية ودولتي المصبّ التي تمثل الأقلية.
د – اقتراح دول المنابع وضع البند الخاص بالأمن المائي، في ملحق للاتفاقية، وإعادة صياغته بما يضمن توافق دول الحوض حوله، خلال ستة أشهر من تاريخ توقيع الاتفاقية، حيث رفضت مصر هذا المقترح وطرحت بدلاً منه اقتراحاً بتشكيل لجنة وزارية رباعية من كل من مصر والسودان وإثيوبيا وإحدى دول حوض النيل الاستوائية، إضافة إلى خبير أو اثنين من المنظمات الدولية، للتوصل إلى صيغة توافقية حول البند الخاص بالأمن المائي والحقوق التاريخية، والانتهاء من هذه الصيغة التوافقية خلال ستة أشهر.
سلبيات الاتفاقية الإطارية (عنتيبي) على دولتي المصبّ[2]:
1 – لا تقر الاتفاقية بجميع الاتفاقيات السابقة مثل اتفاقية 1929 مع دول الهضبة الاستوائية و1902 مع إثيوبيا، ولا تقرّ بالحقوق المائية القانونية والتاريخية لدولتي المصبّ.
2 – تنص الاتفاقية على إعادة تقسيم موارد النهر المائية على دول الحوض بمعايير تميل إلى دول المنبع على حساب دولتي المصبّ، وذلك مقارنة بالمعايير الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997.
3 – لا تتضمن الاتفاقية الإجراءات التنفيذية للإخطار المسبق، التي شملتها اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997، والتي تعطي الحق للدول المتضررة الاعتراض على مشروعات وسدود دول أعالي النهر إذا ثبت أنّ لها أضراراً جسيمة.
4 – تنص الاتفاقية على تعديل العديد من البنود والملاحق بالأغلبية (ثلثي الأعضاء) مما يمكّن دول المنبع من تغييرها دون الرجوع إلى دولتي المصبّ.
5 – لا تشمل الاتفاقية أي بند لزيادة إيراد النهر، بل تعمل على إعاقة مثل هذه المشاريع حيث تنص صراحة على المحافظة على أراضي البرك والمستنقعات في دول الحوض، التي تُفقد فيها كميات هائلة من إيراد النهر، والتي من خلال تنميتها يمكن زيادة إيراد النهر بما يكفي حاجات جميع دول الحوض.
6 – إن بند عدم الإضرار لا معنى له، وغير قابل للتطبيق من دون الإقرار بالممارسات والحقوق التاريخية لاستغلال مياه النهر لدول الحوض كافة لتكون هي المرجعية لتقدير أي ضرر قد يلحق بهذه الدول نتيجة لأي مشاريع تقوم بها دول أخرى في الحوض.
7 – لا تشمل الاتفاقية أي بنود تختص بالإدارة المشتركة للنهر، وتنظيم تدفقاته، وإقامة منشآت عليه، وذلك حتى لا يكون لدولتي المصبّ أي تدخل في شأن مشاريع أعالي النيل، وهذا يتعارض مع ما نصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة للأنهار المشتركة لعام 1997، التي تختص بإدارة النهر، وتنظيم تدفقاته، وإقامة منشآت عليه.
معاهدة نهر السند (1960): مثال بارز على مراعاة دول المصب
وتُعد معاهدة مياه نهر السند- التي تحتفظ الهند بموجبها بأقل من 20 في المائة من إجمالي مياه الحوض- التجسيد الواضح والصريح لمبدأ السيادة المقيدة، إذ يُعتبر نهر السند أحد المصادر الرئيسية للمياه في باكستان، إذ يُروى ما يصل إلى 65% من الأراضي الزراعية في باكستان، وتساهم الأراضي الزراعية المروية من نهر السند بنحو 90% من إنتاج البلاد من الغذاء والألياف، وهو ما يجعل مياه النهر عنصرا مؤثرا على حياة الناس في باكستان.
كانت قد سيطرت الهند على منابع الأنهار المتدفقة إلى باكستان مع استقلال الدولتين 1947، وأكدت الهند حينها على أن باكستان لا يمكنها المطالبة بأي حقوق ملكية على المياه الهندية، ولكن باكستان جادلت انطلاقا من مبدأ أن جميع البلدان التي تمر بها الأنهار لها حقوق متساوية في الحصول على حصة من المياه بما يتناسب مع المساحة والسكان والاستخدام الزراعي، ومن ثمَّ وقع الجانبان اتفاقية مؤقتة عام 1948 بحيث تكون مَرجِعا للنظر في مطالبهما فيما يتعلق بتقاسم المياه، ثم قاد البنك الدولي بعد ذلك وساطة، ليتم توقيع معاهدة مياه السند عام 1960، التي جعلت الهند مُلزمة بالحفاظ على تدفق مياه النهر حتى لو قامت ببناء وتشغيل سدود.[3]
الوضع الراهن في حوض النيل:
وفي ضوء تنصل إثيوبيا من المعاهدات التاريخية التي تحكم حوض النيل، وغياب إطار قانوني دولي مثل: “اتفاقية الأمم المتحدة 1997” أو اتفاق قانوني تفصيلي يجمع مصر وإثيوبيا ويحدد كيفية ملء وتشغيل السد الإثيوبي، بجانب انتهاك “إتفاقية المبادئ المشتركة 2015” عبر شروعها في ملء بحير السد الإثيوبي على مدار 5 سنوات فى خطوات أحادية، فإنه أصبح من الواضح سعى إثيوبيا على إعادة هندسة تدفقات النيل الأزرق التي تشكل شريان الحياة للدولتي المصب في ما يمكن وصفه بالحرب الهيدرولوجية الضمنية.
إن إثيوبيا تحاول تحقيق “مبدأ هارمون” الذي يعني السيادة والتحكم بمنابع وتدفقات الأنهار، والذي فقد مصداقيته وفعاليته في الولايات المتحدة منذ أكثر من قرن من الزمان، وقد تم تسمية هذا المبدأ على اسم المدعي العام الأمريكي جودسون هارمون، الذي طرح الحجة القائلة بأن الولايات المتحدة لا تدين بأي التزامات بموجب القانون الدولي للمكسيك بشأن موارد المياه المشتركة وكانت حرة فعليًا في تحويل أكبر قدر ممكن من المياه المشتركة حسب رغبتها لتلبية احتياجات الولايات المتحدة. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الفرضية، واصلت الولايات المتحدة إبرام اتفاقيات تقاسم المياه مع المكسيك بين عامي 1906 و1944[4].
تحركات ممكنة
عبر دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة لجلسة إستثنائية طارئة عملا بقرارها “متحدون من أجل السلام” المؤرخ 3 نوفمبر 1950، خاصة أن هناك تهديدا للسلام فمصر تواجه خطرا وجوديا بسبب السد الإثيوبي ما لم يتم التوصل لإتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد، ولم يقم مجلس الأمن بالتصرف وأحال الملف إلى الوساطة الأفريقية التي فشلت بسبب التعنت الإثيوبي وهو ما يستدعي وجود أرضية قانونية دولية يمكن الإنطلاق منها مستقبلا.
إن تأكيد مصر على المعاهدات التاريخية يحتاج حُلة معاصرة، ويمكن ذلك عبر تقديم مصر مشروع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يطلب التأكيد على مبدأ السيادة المقيدة لدول المنبع على الأنهار أو السلامة الإقليمية المطلقة، وهو المبدأ الذي لم يرد بشكل “صريح” في الإتفاقية الإطارية للأمم المتحدة 1997، وبما يحققه هذا المبدأ من توفير ضمانات عملية تكفل لدول المصب الحماية ضد مشروعات مائية تقيمها دول المنبع قد تهدد الأمن المائي لدول المصب.
تشكيل لجنة تحقيق: لمتابعة ملء خزان السد الإثيوبي وتشغيله وفق ما جاء في إتفاقية المبادئ المشتركة، ولتقييم تداعيات الملء الأحادي وتداعياته إذا كان تسبب في ضرر ذي شأن وتقييم التعويضات.
في مواجهة الحجة الأساسية لدول المنبع في رفض الاتفاقيات التاريخية التي تتمثل
في مبدأ الصحيفة النظيفة[5]، باعتبار أنها عُقِدت في وقت الاستعمار، فإن من الضروري توضيح أن تلك الاتفاقيات التاريخية صارت عرفا دوليا تواترت عليه أشخاص القانون الدولي، فهناك العديد من الأنهار الدولية حول العالم التي تخضع لاتفاقيات تاريخية تؤثر على إدارتها واستخدام مواردها، على سبيل المثال ترتيبات المياه في العهد السوفييتي في آسيا الوسطى ما زالت صامدة، كذلك نهر موزمبيق الممتد بين موزمبيق وزيمبابوي وزامبيا، تحكمه اتفاقيات تاريخية تأثرت بفترات الاستعمار، بجانب نهر النيجر حيث تتعامل الدول المشتركة في حوض النيجر (مثل نيجيريا ومالي وبنين) مع اتفاقيات تاريخية تتعلق بإدارة الموارد، وتأثرت هذه الاتفاقيات بفترات الاستعمار، مروراً بنهر السنغال الذي يتم تنظيم استخدام المياه بين الدول المشاركة مثل السنغال وموريتانيا من خلال اتفاقيات تعود إلى الحقبة الاستعمارية، حتى نهر زامبيزي، فقد شهدت الدول المتشاركة فيه، مثل زامبيا وزيمبابوي، اتفاقيات تاريخية تعود لفترة الاستعمار، التي أثرت على حقوق المياه والطاقة، وفي نهر الآمازون: بالإضافة إلى إعلان الأمازون، هناك اتفاقيات قديمة تعود إلى فترة الاستعمار تؤثر على إدارة الموارد المائية في دول حوض الأمازون.
وهو ما يجعل الاتفاقيات التي حكمت الأوضاع بين بعض دول حوض النيل، مثل معاهدة عام 1902 بين إمبراطور إثيوبيا (منليك الثاني) والإمبراطورية البريطانية، واتفاقية عام 1929 التي تجمع بين مصر والسودان وأوغندا وكينيا وتنزانيا، واتفاقية عام 1959، ليست فقط نتاج السياق التاريخي لكنها أيضا صارت تشكل عرفا دوليا تعتمده الدول المختلفة وفي سياقات إقليمية متعددة.
المصادر:
[1] للمزيد: عصام شروف، اتفاقيات حوض النيل في ضوء أحكام القانون الدولي، مجلة المستقبل العربي، العدد 478، ديسمبر 2018.
[2] هاني سليمان، «مصر وأزمة المياه في حوض النيل،» المركز العربي للبحوث والدراسات، 27 تشرين الأول/أكتوبر 2015، http://www.acrseg.org/39526 .
[3] سدود النهضة الهندية.. هل تشعل المياه حربا شرسة بين الهند وباكستان؟.. https://linksshortcut.com/SEBEo
[4] Brahma Chellaney. Water, Power, and Competition in Asia. Asian Survey. Volume 54, Issue 4. University of California press.2014.p.638.
[5] أزمة النيل بين الانفجار والانفراج.. https://linksshortcut.com/vxXpf