إعداد: مصطفى مقلد
مقدمة:
مجلس التعاون هو تكتل سياسى اقتصادى فى شكل منظمة إقليمية، تتكون من ستة أعضاء هم: مملكة البحرين، دولة الكويت، سلطنة عمان، دولة قطر، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقد تأسس التكتل عام 1981، وتتمثل أهدافه فى تعزيز التنسيق والتكامل والترابط بين أعضائه، ويشير النظام الأساسى كذلك إلى أن التنظيم يهدف إلى “وضع أنظمة متماثلة” فى مختلف الميادين الاقتصادية والمالية، والتجارية والجمارك والمواصلات، بالإضافة إلى الشؤون التعليمية والثقافية، والاجتماعية والصحية، والإعلامية والسياحية، والإدارية، كما يستهدف المجلس دفع عجلة التقدم العلمى والتقنى فى مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة، وتشجيع القطاع الخاص.
فى 2011، أبدى مجلس التعاون رغبته فى توسيع عضويته وجاء ذلك فى ظل مناخ التحولات العربية، الذى أسفر بالنسبة إلى دول الخليج عن خسارة مؤقتة للحليف المصرى، فيما ازدادت التدخلات الإيرانية فى شؤونها وسط ليونة مفاجئة فى المواقف الأمريكية من إيران، ثم تجدد الحديث أكثر من مرة فى سياقات غير رسمية عن إمكانية انضمام مصر لمجلس التعاون، وتبنى تلك الدعوات كتاب وصحافيين خليجيين، غير أن تلك الدعوة لم توضع موضع التنفيذ، وحالت الأولويات الوطنية والتحديات الوقتية والعاجلة دون مناقشة ذلك على المستوى الرسمى.
غير أن الشرق الأوسط شهد من التحديات ما جعل التعاون بين مصر بشكل أساسى – بجانب أطراف عربية أخرى كالأردن والعراق- ودول الخليج ضرورة ملحة، خاصة مع تقارب وجهات النظر سياسيًا والاعتماد الاقتصادى المتبادل ووجود رغبة مشتركة فى خلق شرق أوسط أكثر سلامًا وتنمية، فمثلًا اجتمع وزراء خارجية كل من الدول الأعضاء فى مجلس التعاون الخليجى ومصر والعراق والأردن واليمن، بدعوة من وزير الخارجية الأمريكى “بلينكن” فى مدينة نيويورك بتاريخ 23 سبتمبر 2022، من أجل التأكيد على الشراكة التاريخية والدائمة بين بلدانهم وتعزيز التعاون المشترك فى جميع المجالات، كذلك عقد وزراء خارجية الأردن والمملكة السعودية ومصر والعراق وسوريا اجتماعًا فى العاصمة عمّان، أبريل الماضى، لبحث مسألة عودة دمشق إلى الجامعة العربية، وهو ما جاء استكمالًا للاجتماع التشاورى لدول مجلس التعاون لدول الخليج والأردن والعراق ومصر، وقد استضافته السعودية فى جدة منتصف أبريل 2023.
الحاجة لتطوير التعاون:
جاءت دعوة الرئيس المصرى لتحويل الودائع الخليجية إلى استثمارات لتكون رسالة لزيادة الاستثمارات المباشرة فى مصر، وتأكيد وجود مناخ استثمارى مشجع، وأن حالة عدم اليقين التى كانت موجودة فى سوق تسيطر عليه الدولة لم تعد موجودة، وهذه الدعوة إيجابية للطرفين، لطمأنة المستثمرين المحليين والاستثمار العالمى، وأن مناخ الاستثمار فى مصر سوف يصبح أكثر تنافسية، ما يعكس رغبة السلطات فى تصويب سياساتها الاقتصادية، فى وقت تواجه فيه مصر أزمة عملة كأحد تداعيات الحرب الأوكرانية على اقتصادها.
وتتمثل أهمية الودائع الخليجية فى رفع قيمة الاحتياطى النقدى الذى يعزز موقف مصر عند التفاوض مع المؤسسات والبنوك الدولية للحصول على قروض أو تمويل مشروعات استثمارية وعدم تخفيض تصنيف مصر الائتمانى، مع العلم أن الودائع لم تكن موجودة بهيئة أموال مخزنة وإنما يتم استخدامها لتمويل الواردات، وكانت تدخل مكانها أرصدة دولارية من خلال عوائد الصادرات والسياحة وقناة السويس والمصريين بالخارج.
كذلك كانت الدول الخليجية الشريك الأقرب والموثوق عند إعلان مصر برنامح الطروحات الحكومية، حيث تروج الحكومة المصرية لبيع حصص من الشركات المملوكة للدولة إلى صناديق سيادية خليجية، لتعظيم قيمتها والعائد منها، وذلك فى إطار خطتها لبيع أصول بقيمة 40 مليار دولار خلال 4 سنوات، لزيادة موارد الدولة من النقد الأجنبى لحل أزمة نقص الدولار، وفى الوقت نفسه زيادة مشاركة القطاع الخاص فى الاقتصاد، ويعد برنامج الطروحات بمثابة قبلة الحياة لسوق الأوراق المالية، من خلال زيادة عدد الشركات المدرجة وجذب سيولة ومستثمرين جدد، فى ظل ما تعانيه البورصة خلال الفترة الماضية من نقص فى عدد الشركات المقيدة الجديدة.
بالتالى، كان هناك اهتمام واضح من قبل صناديق الاستثمار والمستثمرين العرب بضخ استثمارات فى الأصول المصرية، وهو ما يتماشى مع إستراتيجية وثيقة سياسة ملكية الدولة
فى التخارج من بعض القطاعات، وخفض نصيبها بقطاعات أخرى، حيث شهدت البورصة المصرية على مدار العامين الماضيين، صفقات استحواذ عربية على العديد من الشركات المقيدة، أبرزها استحواذ صندوق الاستثمارات العامة السعودى على حصص أقلية فى 4 شركات حكومية مقابل 1.3 مليار دولار، وسبقه استحواذ صندوق أبوظبى السيادى على حصص فى شركات بقيمة 2 مليار دولار.
وترجع أسباب الاتجاه لبيع حصص للصناديق السيادية الخليجية، لرغبة هذه الصناديق
فى اقتناص حصص من الشركات المملوكة للدولة، وهو ما ظهر خلال السنوات القليلة الماضية، فى المقابل، فإن الصناديق الأجنبية تركز على الاستثمار غير المباشر فى أذون وسندات الخزانة الحكومية.
الشراكات الخليجية الاقتصادية:
مجلس التعاون يمثل بوابة مهمة لمصر للدخول فى شراكات اقتصادية عالمية، حيث يتجه المجلس حاليًا لفورة من اتفاقات التجارة الحرة، التى هى صورة من صور التكتل بين دولتين
أو أكثر، وتهدف إلى تحرير التجارة بينها من خلال إزالة كافة القيود الجمركية وغير الجمركية على التجارة فى السلع والخدمات، وذلك لزيادة حجم التبادل التجارى ورفع معدلات النمو الاقتصادى وزيادة وتعزيز التعاون الاقتصادى بين الدول الموقعة على مثل هذه الاتفاقيات
فى العديد من المجالات.
وتبحث دول الخليج حاليًا عقد اتفاقية للتجارة الحرة مع الهند، حيث تشهد العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج والهند نموًا مطردًا فى مجالات التجارة والاستثمار، وتعد دول مجلس التعاون الخليجى ككتلة تجارية، أكبر شريك تجارى للهند بإجمالى تجارة بلغت 154 مليار دولار
فى السنة المالية 2021 – 2022، كذلك تشهد العلاقات (المصرية – الهندية) دفعة قوية للأمام على كافة الأصعدة، وهو ما يدعم القول بتقارب المصالح والأولويات المصرية والخليجية.
من ناحية أخرى، قال سفير دولة الإمارات لدى المملكة المتحدة، إن مفاوضات التجارة الحرة بين المملكة المتحدة والدول الست الأعضاء فى مجلس التعاون الخليجى “تتقدم بشكل جيد” وستعزز تدفق البضائع، وبمجرد إبرام الصفقة بين المملكة المتحدة ودول الخليج العربى، يمكن أن يزيد التبادل التجارى بنسبة 16% على الأقل، وفقًا لتقديرات الحكومة البريطانية، وكانت قد عُقدت الجولة الأخيرة من المحادثات فى لندن فى يوليو، وتدعيم تلك الروابط التجارية بين الطرفين يمر عبر قناة السويس فى مصر، وهو مدعاة لإشراك مصر فى الاستفادة بشكل
أو بآخر من ذلك التعاون.
فى نفس السياق، أعلن مجلس التعاون واليابان، استئنافهما مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة، من خلال توقيع البيان المشترك على هامش الاجتماع الذى عقده رئيس وزراء اليابان كيشيدا، والأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج، جاسم البديوى، يوليو الماضى، ومن المنتظر أن تمهد الاتفاقية الطريق لاستحداث إطار اقتصادى شامل مبنى على المصالح المتبادلة، ومن شأنه إقامة تعاون إستراتيجى أقوى ويعزز الابتكار، ويحفز النمو الاقتصادى، ويخلق فرص عمل في كلا الجانبين، يأتى ذلك، بالتوازى مع إتمام اتفاق بين مصر واليابان على ترفيع العلاقات الثنائية إلى مستوى “الشراكة الإستراتيجية”، وذلك خلال المباحثات التى أجراها الرئيس السيسى مع رئيس الوزراء اليابانى، وهو ما يشير لوجود فرصة لتوحيد وتوثيق الشراكات الاقتصادية.
ومن ناحية أخرى، فى وقت تتجه فيه دول الخليج لتنويع اقتصاداتها، ووجود الرغبة لتنمية الصناعة من خلال إعلان الإستراتيجية الصناعية فى الإمارات، حيث يهدف “مشروع 300 مليار” الخطة الأكبر والأشمل لتطوير القطاع الصناعى فى الدولة، وتعزيز مساهمته فى تحفيز الاقتصاد الوطنى فى الناتج المحلى الإجمالى من 133 مليار درهم إلى 300 مليار درهم بحلول عام 2031، كذلك أطلق ولى العهد السعودى الإستراتيجية الوطنية للصناعة، بفرص استثمارية قيمتها تريليون ريال سعودى، فى مسعى للوصول إلى اقتصاد صناعى جاذب للاستثمار يسهم فى تحقيق التنوع الاقتصادى، وتنمية الناتج المحلى والصادرات غير النفطية.
فى ذلك السياق، إن القطاع الصناعى المصرى يعد الأبرز فى المنطقة العربية، وهو ما يمكن البناء عليه لتشكيل إستراتيجية صناعية إقليمية متكاملة بين مصر والخليج، خاصة وأن مصر تمتلك ظهيرًا إفريقيًا قويًا، يمنحها فرصة للوصول بسهولة للأسواق الإفريقية من خلال الكوميسا أو السوق الحرة القارية الإفريقية، وهو ما يسهم فى إنجاح مخططات الخليج.
بنية تحتية لوجستية مصرية:
يعد قطاع النقل والخدمات اللوجستية فى مصر من بين المحركات ذات الأولوية للنمو الاقتصادى فى البلاد، فقد بذلت الحكومة جهودًا للاستفادة من شبكة النقل وتحويلها من خلال خطة لتطوير البنية التحتية مدتها 10سنوات (من 2015 إلى 2024)، تهدف إلى تحويل البلاد لمركز دولى رئيسى للنقل والخدمات اللوجستية بتكلفة (101.7 مليار دولار)، ويغطى البرنامج ستة مجالات رئيسية للتنمية: الأنفاق والجر الكهربائى بـ (53.2 مليار دولار)، الطرق والجسور بـ (30.1 مليار دولار)، والسكك الحديدية بـ (14.3 مليار دولار)، والنقل البحرى بـ (7.3 مليار دولار)، تماشيًا مع أهداف رؤية مصر 2030، والتى تشمل توفير نظام نقل يلبى أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ما يعزز التجارة الخارجية وإدارة التنمية الحضرية والاقتصادية، وتعمل هذه الجهود على دمج مصر بشكل كامل فى سلاسل القيمة العالمية، وهى أولوية طويلة الأمد، نظرًا للموقع المميز الذى تتمتع به البلاد بين أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا.
وتخطط الحكومة لزيادة سعة الموانئ من 120 مليون طن فى عام 2016 إلى 370 مليون طن بحلول عام 2030. وفى الوقت نفسه، بدأت مصر تعزيز شبكة السكك الحديدية لربط هذه الموانئ بالمناطق الصناعية والمراكز اللوجستية والمناطق الحضرية، مما يسهل الوصول إلى الأسواق الخارجية، حيث تعمل مصر على مد خط سكك حديدية جديد يربط بين العريش وطابا وشرق بورسعيد، وسوف يساعد ذلك فى تسهيل عمليات نقل البضائع، وذلك فى إطار الجهود المبذولة لإكمال سلسلة من الطرق السريعة التى ستدعم الاتصال الإقليمى.
الممر الاقتصادى:
أعلن الرئيس الأمريكى “جو بايدن” فى قمة مجموعة العشرين، أن الهند والمملكة السعودية ودولة الإمارات، إلى جانب إسرائيل وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، يريدون إنشاء “ممر الهند – الشرق الأوسط – أوروبا”، على أن يشمل مسار السكك الحديدية والشحن “خطوط أنابيب الهيدروجين النظيفة والمناطق الاقتصادية” الممتدة من الهند، لكن ذلك المشروع الطموح يواجه تحديات تتمثل فى الأردن، وهو العقدة المركزية فى الممر الجديد، فقد التزم الصمت لتجنب رد الفعل الداخلى العنيف على التعامل مع إسرائيل، الأمر الذى يزيد من تعقيد آفاق الممر.
كما أن جدوى المشروع الاقتصادية قد لا تتناسب مع حجم الصدى السياسى الذى تركه، نظرًا لتكاليف الشحن والتفريغ والوقت فى كل ميناء على طول الطريق، بالإضافة إلى رسوم العبور، وتظهر مشكلة عدم كفاية البنية التحتية كعقبة أخرى، حيث إن بعض أجزاء شبكة السكك الحديدية التى تربط الخليج ما زالت غير مكتملة، كذلك فإن نظام السكك الحديدية القديم بأكمله
فى الأردن يحتاج إلى تجديد، علاوة على أن التمويل هو أيضًا قضية شائكة، وعلى طول الطريق، يجب أيضًا مواءمة اللوائح والضرائب والإجراءات الجمركية ويمثل ذلك عبئًا جديدًا.
وقبل كل شيء، يعتمد نجاح المشروع على النمو الاقتصادى والطلب فى الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذى يعتمد بدوره على التعافى الاقتصادى العالمى، وسيستغرق إنشاء الممر الجديد عقودًا من الزمن، وفى غضون ذلك، ستواصل الولايات المتحدة جهودها للإطاحة بالصين
من مكانتها كأكبر شريك اقتصادى فى الشرق الأوسط، وخلال ذلك يمكن للعرب خلق النظام الإقليمى الذى يناسبهم ويحقق مصالحهم بعد الضرر الذى لحق بالنظام العربى الإقليمى بعد الربيع العربى وخروج دول مهمة منه، من خلال المضى قدمًا فى مسار التنمية، والاتكاء على البنية التحتية اللوجستية المصرية، والتى يمكن أن تعمل فى إطار الممر الاقتصادى بين الهند وأوروبا جنبًا إلى جنب مع مبادرة الحزام والطريق وبشكل أكثر ربحية وواقعية.
ختامًا:
يشير ذلك إلى إمكانية بلورة ومأسسة التعاون المصرى الخليجى، فيما يمكن تسميته “مجلس التعاون الخليجى.. بلس واحد” بما يحفظ خصوصية العلاقات الخليجية من ناحية، والثقل السياسى المصرى التقليدى فى المنطقة من ناحية أخرى، لكنه فى الوقت ذاته يوفر أرضية لتدعيم التعاون المشترك بين الطرفين، لاسيما فى ضوء تنامى المصالح الثنائية المتبادلة، إذ من شأن تلك الخطوة المساهمة بقدر كبير على ترشيد وتوجيه السياسات المالية والاقتصادية فى ضوء سعى الدولة لمواجهة أزمة العملة الحالية.