إعداد: رضوى الشريف
باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط
تتصاعد التحديات الأمنية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، التي تدخل شهرها السادس، ويأتي ذلك مرتبطًا بظهور عدة مسارح للعمليات التي – فيما يبدو – تحمل بصمات النفوذ الإيراني وأذرعه في المنطقة، وفي هذا السياق، دخل الأردن على خط العنف والتوترات الممنهجة؛ إذ شهد الأردن مؤخرًا مظاهرات أُخرجت عن سياقها واتّساقها، تتخطى حدود الحرية والتعبير إلى التآمر للتدمير.
منذ منتصف الأسبوع الماضي، عادت الاحتجاجات أمام السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأردنية عمّان، بحشود أكبر وتنظيم لافت وسقوف مرتفعة ومطالب مُكلفة، والتي وصفها أحد السياسيين الأردنيين، بأنها “احتجاجات غير بريئة”، يقف وراءها بعض الجماعات المتطرفة والمتشددة التي تسعى لزعزعة استقرار البلاد، وإشعال الفتنة في الشارع الأردني.
وأعلنت مديرية الأمن العام، الأحد31 مارس، أن قوة أمنية ألقت القبض على عددٍ من مثيري الشغب في مخيم البقعة، إثر قيامهم بأعمال شغب وتخريب، وإشعال النيران، وإلقاء الحجارة على المركبات بالطريق العامة، وأوضح البيان “أن مديرية الأمن العام تعاملت، مع بعض الوقفات والتجمُّعات التي حدثت في بعض مناطق العاصمة، وأن رجال الأمن الموجودين لحفظ الأمن والنظام تعاملوا خلالها بمنتهى الانضباط والحرفية مع المشاركين؛ وهو الأمر الذي دأب عليه رجال الأمن العام منذ أشهر كثيرة، خرج بها آلاف المواطنين إلى الشوارع، ولم يجرِ منْع أيٍّ منهم من التعبير عن رأيه.”
كما أشار البيان إلى أنه خلال الأيام القليلة الماضية وما سبقها، شهدت هذه الوقفات “تجاوزات وإساءات ومحاولات للاعتداء على رجال الأمن العام، ووصفهم بأوصاف غير مقبولة على الإطلاق»، فضلًا عن محاولات تخريب واعتداء على ممتلكات عامة وخاصة، والجلوس في الطُّرق، ومنع مرور المركبات فيها، وشارك في هذه التجاوزات رجال وسيدات، تعمَّدوا على مدى أيامٍ الاحتكاك مع رجال الأمن العام.
توصيف للمشهد الحالي في الأردن.. ماذا حدث؟
منذ منتصف الأسبوع الماضي، شهد محيط السفارة الإسرائيلية في منطقة الرابية، احتجاجات لعشرات الألوف، ودعت منصات إعلامية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ للمشاركة في تلك الوقفات الاحتجاجية، التي تتصدرها شعارات مؤيدة لـحركة حماس وكتائب القسام، وتستعيد تسجيلات لقياداتها التي “تطالب أهل الأردن بالتحرُّك”، وذلك بخلاف الاحتجاجات التي خرجت في الأيام الأولى من الحرب.
ويجدر بالذكر، أن ما شهده الأردن من تصعيدٍ ممنهجٍ، جاء بالتزامن مع زيارةٍ قام بها وفد حماس لطهران، يوم 26 مارس الماضي؛ حيث دعا خالد مشعل، الذي يشغل منصب رئيس حركة حماس في الخارج، إلى نزول الملايين من الشعوب العربية للشارع بشكلٍ مستدامٍ، وقال مشعل: إنه “على جموع الأمة الانخراط في معركة طوفان الأقصى”، وأن “تختلط دماء هذه الأمة مع دماء أهل فلسطين؛ حتى تنال الشرف، وتحسم هذا الصراع، وخصّ بالذكر شعوب دول، كان من بينها الأردن ومصر والجزائر والمغرب.
ونظرا لأنه يوجد تواصل جغرافي وبشري عميق وفريد بين الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن، وعدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين داخل الأردن؛ شهدت عمّان موجة احتجاجات واسعة وفوضوية، خاصة في مخيم البقعة، الذي يضم أكثر من مائة ألف لاجئ فلسطيني، وتتهم مصادر أردنية قيادات من الحركة الإسلامية في عمّان بالتنسيق مع قيادات حركة (حماس) في الخارج، والهدف إقحام الشارع الأردني في معركة غزة، وتوسيع نطاق توتّر جوار فلسطين المحتلة، وأضافت مصادر أن ما يحدث يتطلب مراجعات رسميّة؛ نظرًا لطبيعة وحجم المعلومات المتوافرة عن “اتصالات خارجية ودعوات تدفع الشارع الأردني نحو التصعيد ضد حكومته”.
حشْدٌ لميليشيات عراقية موالية لطهران تحت اسم ” المقاومة في الأردن”
بالتزامن مع ذلك، أعلنت كتائب “حزب الله” العراقية، الموالية لإيران، تجهيز أسلحة وقاذفات ضد الدروع وصواريخ تكتيكية لـ “مقاتلين في الأردن” تحت اسم “المقاومة في الأردن”؛ لدعم الفلسطينيين في غزة.
وقال المسؤول الأمني للكتائب، أبو علي العسكري، في بيانٍ، الإثنين 1 أبريل: إن مقاتليه جاهزون بما يسُدُّ حاجة 12 ألف مقاتل من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقاذفات ضد الدروع والصواريخ التكتيكية وملايين الذخائر وأطنان من المتفجرات؛ لنكون يدًا واحدةً للدفاع عن إخواننا الفلسطينيين، وهم ينتظرون التزكية من حركتيْ “حماس” و”الجهاد”.
ويأتي بيان كتائب “حزب الله” العراقية بعد تحطُّم مسيّرة داخل الأراضي الأردنية، قُرْب مطار “رامون”، الواقع في مدينة إيلات الإسرائيلية، وهو ثاني هجومٍ بمسيرة يستهدف جنوب إسرائيل، خلال 24 ساعة؛ حيث استهدفت قاعدة لسلاح البحرية في إيلات، وأعلنت “المقاومة الإسلامية في العراق” مسؤوليتها عنه، كما يأتي الهجوم بعد يومٍ من استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق؛ ما أسفر عن مقتل سبعة من أعضاء “الحرس الثوري” الإيراني بينهم جنرالان.
قال وزير الاتصال والمتحدث باسم الحكومة الأردنية، مهند مبيضين: إن “الأردن غير معنيّ بالالتفات إلى ميليشيات تلطَّخت أيديها بالدم، وتُعدُّ أحد أسباب عدم الاستقرار في المنطقة”، موضحًا أنه لا توجد معلومات عن تحرُّكات لهذه الميليشيات، لكن السلطات تراقب بحذر.
وشدَّد “مبيضين” بأن الأردن معنيٌّ باستقراره، ويحترم جميع الدول المجاورة، وحريص على عدم التدخُّل في شؤونه أو الإضرار بسيادته، وليس عاجزًا عن الدفاع عن أمنه، مشيرًا إلى أن الدولة الأردنية في دعمها للفلسطينيين لا تنحاز إلى الفصائل، بل تدعم السلطة الوطنية والفلسطينيين في صمودهم.
كما أكَّدت مصادر خاصة، أن الحكومة الأردنية رفضت قبل أسابيع دخول شخصيات عراقية محسوبة على تيارات سياسة موالية لإيران إلى الأراضي الأردنية، ضمن قوافل إغاثة تبرع بها العراقيون لقطاع غزة المنكوب،وقالت المصادر: إنها لمست محاولات جادة لاختراق السيادة الأردنية، عبْر شمَّاعة المساعدات، ونقلت السلطات الأردنية لنظيرتها العراقية، ضرورة مرور أية مساعدات، عبْر الأراضي الأردنية إلى الجهات المسؤولة، وهي الهيئة الخيرية الهاشمية والقنوات الرسمية الأخرى.[1]
تضامن عربي مع الأردن على مستوى القيادة السياسية
ما شهدته الأردن من احتجاجات قبْل عدة أيام، أظهر بما لا يدع مجالًا للشك، أن هناك من يدفع الشارع الأردني إلى التصعيد ضد الحكومة، عبْر التشكيك في المواقف الرسمية الثابتة والظاهرة للعيان في دعم غزة، في ظل ما تبذله عمان من جهود دبلوماسية في كافَّة المحافل الإقليمية والدولية؛ لإيقاف العدوان الإسرائيلي جنبًا إلى جنب مع الجهود الإنسانية والإغاثية، التي يتقدمها العاهل الأردني شخصيًّا، عبر طلعات جوية، كانت الأولى التي تُحلِّقُ في سماء غزة، منذ السابع من أكتوبر الماضي، تبعها بعد ذلك طلعات جوية إغاثية مشتركة مع مصر والإمارات.
وفي هذا الوقت العصيب الذي يمر به الأردن، يكون التضامن العربي معه على مستوى القيادة السياسية، ويظل عدم التخلِّي عنه أمرًا ضروريًّا ومهمًا، خاصة أن موقع الأردن الجغرافي، والقريب من مشاهد الأزمات والحروب بالوكالة، يجعل أيَّ تدهور في الأوضاع الأمنية في تلك المنطقة يؤثر بشكلٍ مباشرٍ على أمنه الوطني، ومن ثمَّ على باقي دول الجوار.
مصر:
يُعدُّ الأردن عُمْقًا إستراتيجيًّا مهمًا بالنسبة للأمن القومي المصري، ودومًا ما تقوم البلدان بتنسيق عالي المستوى فيما بينهما؛ لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، كما لدى البلدان دور تاريخي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومنذ هجوم السابع من أكتوبر، يوجد اتصالات هاتفية ومباحثات مستمرة، وتنسيق في الجهود المشتركة؛ لوقف الحرب على غزة.
وفي زيارة هي الأهم من ناحية التوقيت، قام الرئيس، عبد الفتاح السيسي، بزيارة إلى العاصمة الأردنية، الإثنين 1 أبريل، التقى فيها سيادته بالعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، وذلك في إطار الشراكة الإستراتيجية الكبيرة التي تجمع الدولتيْن، وتدفع السياقات المحلية الخاصة بمصر والأردن، وكذا التطورات الإقليمية، باتجاه تعزيز أوجه التعاون الثنائي بين البلديْن على كافة المستويات، ومواجهة التحديات الراهنة المتمثلة في (مواجهة مخططات تصفية القضية الفلسطينية، وقف دائم لإطلاق النار في غزة، استمرار الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني، والسعي لاحتواء أي تصعيد محلي أو إقليمي محتمل)، كما تُعدُّ تلك الزيارة هي رسالة تضامنية مع الأردن؛ نتيجةً لما تشهده من محاولات خبيثة لإثارة الفتن والفوضى داخل البلاد.
دولة الإمارات:
قام الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بإجراء اتصال هاتفي، مع الملك عبد الله الثاني، الإثنين 1 أبريل؛ للاطمئنان على الأوضاع في الأردن، مؤكدًا وقوف بلاده مع الأردن بما يصون أمنه ويحفظ استقراره، بجانب ذلك، أكَّد رئيس الإمارات والعاهل الأردني، بضرورة التحرُّك الدولي الجاد؛ لمنع توسيع الصراع في المنطقة وتجنيبها تبعات أزمات جديدة، إضافةً إلى إيجاد أُفُقٍ سياسيٍّ واضحٍ للسلام العادل والشامل، على أساس «حل الدولتيْن»، الذي يضمن الحفاظ على الاستقرار والأمن للجميع.
فلسطين:
تلقَّى العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، الثلاثاء 2 أبريل، اتصالًا هاتفيًّا، من الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، جرى خلاله بحْث التطورات الخطيرة في قطاع غزة، وأكَّد الرئيس الفلسطيني وقوفه والقيادة والشعب الفلسطيني إلى جانب الأردن، والرفض التام لكل محاولات العبث بأمن الأردن واستقراره، أو محاولة استغلال معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ للعبث بالساحة الأردنية، ورفض أيِّ تدخلات خارجية بالشأن الأردني الداخلي.
البحرين:
أجرى العاهل البحريني، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الثلاثاء 2 أبريل، اتصالًا هاتفيًّا، مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، استعرضا خلاله أواصر العلاقات الأخوية الوثيقة، وسُبل دعم وتعزيز مسارات التعاون والعمل المشترك والتنسيق في المجالات كافَّة التي تعزِّز مصالحهما المشتركة.
وبجانب تلك الاتصالات والمباحثات التي كانت على مستوى القيادة السياسية، أكَّد مسؤولون سعوديون رفيعو المستوى، بأن “أمن الأردن بالنسبة للسعودية هو جزء لا يتجزأ من أمنها”؛ وذلك بحكم الأخوة والتاريخ وبواقع الجغرافيا؛ ومن غير المنتظر أن تسمح الرياض أو تتسامح مع أيِّ محاولات لجرّ الأردن أو تحويله ساحةً لتصدير مُشكلات وقضايا المنطقة إليها، خصوصًا أن المنطقة اليوم لا تحتمل أيَّ تصعيدٍ جديدٍ، أو خلق ساحات توتر جديدة، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة والهجمات في البحر الأحمر، ولن تخدم محاولات جرّ الأردن إلى مُستنقع الفوضى والاضطرابات، الجهود العربية والدولية الرامية لإنهاء صراعات المنطقة.
من المستفيد؟
في قراءةٍ تحليليةٍ للمشهد العربي، يبدو واضحًا أنّ هناك طرفيْن لديهما مصالح في إحداث التوتّر في المنطقة والذهاب إلى جبهةٍ جديدةٍ، وهم الإخوان المسلمون وإيران، وأجنداتهما تلتقي مع بعضها، بالطريقة نفسها التي التقت بها في الربيع العربي، وعملت على زعزعة استقرار الدول العربية.
ونظرًا لوجود تواصل جغرافي وبشري عميق وفريد بين الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن؛ لذا فإن أمن واستقرار الأردن عامل أساسي للحفاظ على الأمن في الأراضي المحتلة، وهناك من يجد مصلحة بنشر الفوضى وعدم الاستقرار في الدول المحيطة بالأراضي الفلسطينية، مثل الأردن ومصر ولبنان، والأردن تحديدًا له خصوصية وحساسية عالية؛ لكونه يُمثِّلُ في الحسابات الإسرائيلية المتطرفة الوطن البديل، الذي تأمل قوى التطرُّف الإسرائيلي استهدافه؛ ليسهل هدف التهجير والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.
ويأتي توقيت التصعيد في الأردن غير معزولٍ عن متغيرات نوعية تشهدها تطورات الحرب بين إسرائيل وحماس؛ حيث أصبح واضحًا معها ازدياد القتل الوحشي الذي تمارسه إسرائيل والإبادات الجماعية، مع خسارات متتالية لحركة حماس، بفقدانها مزيدًا من السيطرة وتراجع قوتها بعد استشهاد الكثير من قياداتها العسكرية والأمنية، والأهم من ذلك، أن توقيت التصعيد تمَّ إقراره في طهران خلال زيارة رئيس حماس” إسماعيل هنية” لطهران.
ودومًا ما كانت تتأثر الأردن بتداعيات النفوذ الإيراني وتحرُّكات أذرعه في العراق وسوريا ولبنان، بشكلٍ ملحوظٍ على عدة مستويات، سواء على الصعيد الأمني أو السياسي أو الاقتصادي، وشهد الأردن تدفُّقًا كبيرًا من اللاجئين العراقيين والسوريين؛ نتيجةً للاضطرابات السياسية والأمنية؛ ما خلق ضغطًا إضافيًّا على البلاد؛ ما كان له التأثير السلبي على الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي، بالإضافة إلى ذلك، جعل موقع الأردن الجغرافي، والقريب من مشاهد الأزمات والحروب بالوكالة، أي تدهور في الأوضاع الأمنية في تلك المنطقة، يؤثر بشكلٍ مباشرٍ على أمنه الوطني.
كما شكلَّت تجارة المخدرات القادمة من الدول التي تعاني من النفوذ الإيراني، وتحديدًا لبنان وسوريا والعراق، أحد التحديات الكبيرة التي تواجه الأردن؛ حيث يستغل تجار المخدرات الحدود الأردنية كجزء من مسارات التهريب في المنطقة؛ ما يعرض الأردن لخطر تفشِّي الجريمة المنظمة وزيادة العنف.
إجمالًا:
ما تشهده الأردن منذ أيام من تصاعُدٍ لأعمال الفوضى والعنف، يكشف بجلاء عن مُقدمةٍ لمؤامرة يقودها تنظيم الإخوان بأهداف إيرانية واضحة؛ لإعادة خلْق الفوضى في المنطقة، مُستغلِّين القضية الفلسطينية كمدخلٍ لتجييش وتسييس الشارع على ملك الأردن والجيش والحكومة، وفي المحصلة النهائية، تستفيد إسرائيل بشكلٍ كبيرٍ بما يحدث من اختلاطٍ للأوراق في المنطقة، وتشتيت الأضواء عن حربها في غزة.
المصدر:
[1]الأردن يراقب تحركات ميليشيات عراقية موالية لطهران، اندبندنت عربية، الثلاثاء 2 إبريل، متاح على الرابط: https://shorturl.at/HKOS6