رضوى رمضان الشريف
في وسط مخاوف من تصعيدٍ للأزمة في تونس، أصدر الرئيس التونسي، قيس سعيّد، مرسومًا، الجمعة 20 مايو، بتشكيل «المجلس الاستشاري الوطني لجمهوريةٍ جديدة»؛ وذلك بهدف إعداد مشروع دستورٍ جديدٍ، ويتضمن هذا المرسوم، تشكيل لجان استشارية أُخرى في «القانون، والشؤون الاقتصادية، والاجتماعية»، إضافةً إلى لجنةٍ خاصةٍ للحوار الوطني، لكنه لا يتضمن إشارةً إلى دوْر أو مشاركة الأحزاب السياسية.
وعلى إثر ذلك، يواجه مسار الحوار الوطني الذي يتجه الرئيس التونسي، قيس سعيد؛ لإرسائه، مخاطر الفشل؛ بعد اتساع دائرة الرافضين والمتحفظين، ولا سيما من «الاتحاد العام التونسي للشغل» – أكبر المنظمات النقابية– ومن الأحزاب السياسية التي أُقصيت من هذه المبادرة؛ حيث أعلن «اتحاد الشغل» رفضه المشاركة في الحوار بأشكاله التي يطرحها رئيس الجمهورية، معتبرًا أن قراره «شكلي»، ويُقصي القوى المدنية، كما أكد أيضًا، أن الهيئة الإدارية، وهي أعلى سلطة فيه، وافقت بالإجماع، الإثنين الموافق 23 مايو، على إضرابٍ وطنيٍ في الوظائف العامة والشركات العامة؛ للدفاع عن الحقوق الاقتصادية للموظفين، واحتجاجًا على رفْض الحكومة زيادة الأجور.
يُذكر أن «الاتحاد العام التونسي للشغل» كان من أبرز المساندين للحراك التصحيحي لـ« 25 يوليو 2021»، وكان من أكثر المطالبين بضرورة وضْع خارطة طريق واضحة المعالم، وإرساء مبدأ التشاركية، من خلال تنظيم حوارٍ وطنيٍ جدّيٍ، حول المسائل الجوهرية، التي تهمّ كلّ التونسيين، ومن ذلك «طبيعة النظام السياسي، والانتخابي، ووضْع دستورٍ جديدٍ لتونس».
وفي الجانب الآخر للمعارضة الحزبية الواسعة ضد خطوة الرئيس التونسي، اتهمت «حركة النهضة الإسلامية»، الرئيس التونسي، قيس سعيّد، بما وصفته بتفكيك الدولة ومؤسساتها، واستبدالها بحكم فرديٍ مطلق، من خلال إصدار مرسوم الهيئة الوطنية الاستشارية، التي ستشرف على الاستفتاء.
كما دعت «جبهة الخلاص الوطني» في تونس، إلى التحرُّك العاجل؛ للدفاع عن الديمقراطية التمثيلية، وترفض الجبهة – أيضًا- خارطة الطريق السياسية، التي عرضها الرئيس التونسي، ودعت إلى مقاطعة الاستفتاء، المقرر موعده في 25 يوليو القادم.
ومن جانبه، رفض «الحزب الدستوري الحر» أيضًا هذه الخطوة، ودعا الحزب إلى مظاهرة حاشدة، في 18 يونيو المقبل.
إلى ذلك، دعت أحزاب «التيار الديمقراطي، والجمهوري، والتكتل» في بيانٍ مشتركٍ، كل القوى الحية المتشبثة بالمسار الديمقراطي من «أحزاب سياسية، ومنظمات مجتمع مدني، وشخصيات وطنية»؛ لإسقاط مسار الانقلاب على الدستور.
مخاوف من التصعيد
مما لا شكَّ فيه، أن خطوة إقصاء الأحزاب السياسية ستكون لها انعكاسات خطيرة على مسار الحوار ومصداقيته في الداخل والخارج.
فإقصاء الأحزاب من هذا الاستحقاق، بما في ذلك الأحزاب الموالية لمسار 25 يوليو، قد يزيد من الضغوط الخارجية على تونس، وهي أساسًا ضغوط مالية، كما يضعف أيضًا موقف الرئيس التونسي، ويؤكد الاتهامات التي توجهها إليه المعارضة، بأنه يسلك مسارًا انفراديًّا في الحكم.
وتتمثل أهمية موقف «اتحاد الشغل» بشكلٍ خاصٍ، بأن باقي السياسيين والمنظمات الوطنية الأخرى، قد تعدل مواقفها؛ بناءً على موقف القوة النقابية الأولى في البلاد، وحتى في الخارج ستكون النظرة واضحة، بأن الرئيس التونسي ذاهب في مسارٍ مخالفٍ لما يطلبه الناس في الداخل والخارج؛ ما سيزيد من الضغوط المالية.
خاصةً في وقتٍ، تتخبّط تونس فيه بأزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، تفتح هي الأخرى بابًا آخر؛ لتعميق الشعور باليأس والإحباط، وتاريخ تونس الحافل بالاحتجاجات، التي تسبقها استشعار للحظاتٍ، يبلغ فيها اليأس منتهاه، فينفجر الشارع في ليلة وضحاها، وقد تكون الاحتجاجات القادمة – في حال حدوثها- قوية عن ذي قبل؛ إذ تقف جميع الأحزاب والأطراف السياسية المختلفة على خطٍ واحدٍ الآن.
في نهاية القول: تشير المؤشرات الحالية، بأن إقصاء الأحزاب السياسية من المشهد التونسي، لن يمر مرور الكرام، في بلدٍ يعاني من أزماتٍ متلاحقةٍ، لم تشفع له ثورته التي كانت مركز «الربيع العربي» في أن يحقق الإصلاحات المنشودة.
وسيكون موعد 25 يوليو القادم، حاسمًا في مستقبل تونس، وهو يوم امتحان فعليّ لجميع الأطراف، فإمّا أن يكون استفتاءً ناجحًا، وهو ما يبدو صعب المنال، بعد تواتر المطالبات بمقاطعته، وخصوصًا بعد مواقف «الاتحاد العام التونسي للشّغل» الأخيرة، أو هو موعدٌ فاشلٌ، وهو ما سيطرح قضية مشروعية الرئيس وما ينفّذه من سياسات؛ لتدخل تونس منطقة ضبابية وخطيرة المآلات.
ومن المرجح، بأن استمرار حالة الاحتقان الشعبي ضد قرار الرئيس التونسي، قد تؤدي إلى تأجيل موعد تنظيم الاستفتاء، المحدد 25 يوليو القادم، والذي سيؤدي بالضرورة إلى تأجيل الانتخابات التشريعية، المقرر إجراؤها في 17 ديسمبر.
إلا أن أيْسر السُّبُل لتفادي هذه السيناريوهات – التي قد تمتد شرارتها خارج تونس- هو تراجع الرئيس التونسي عن موقفه، واقتناعه بضرورة مشاركة الأطراف «السياسية، والحزبية، والمدنية»، خاصةً التي أيَّدت حراك 25 يوليو.