المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > مراجعة نقدية لمقالة: “تفكك الممرات الجوية التقليدية: أذربيجان تبرز كحلقة وصل حيوية في مجال الطيران في أوراسيا”
مراجعة نقدية لمقالة: “تفكك الممرات الجوية التقليدية: أذربيجان تبرز كحلقة وصل حيوية في مجال الطيران في أوراسيا”
- يوليو 10, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات

إعداد: محمود حسن
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية.
مقدمة
يشهد قطاع الطيران العالمي تحولاً جذرياً، إذ تُعطّل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة والصراعات الإقليمية الممرات الجوية التقليدية بين الشرق والغرب. وقد أجبرت الحرب الشاملة في أوكرانيا وتصاعد الأعمال العدائية في الشرق الأوسط شركات الطيران على التخلي عن مسارات الطيران التقليدية، مما أدى إلى إطالة الرحلات وارتفاع تكاليف التشغيل وزيادة انبعاثات الكربون. في خضم هذه التغيرات، يقدم الكاتب فوصال غولييف في مقالة عنوانها ” “تفكك الممرات الجوية التقليدية: أذربيجان تبرز كحلقة وصل حيوية في مجال الطيران في أوراسيا” حجة مفادها أن باكو قد أصبحت نقطة ربط عالمية بين الشرق والغرب، بالأخص في مجال النقل الجوي، مستفيدةً من المشهد الجيوسياسي المتوتر في الطرق التقليدية وبنيتها التحتية الناشئة للمطارات.
أولاً: خلفية أكاديمية عن الكاتب
فوصال غولييف هو باحث في الشؤون الصينية ومحلل سياسات متخصص في الشؤون الجيوسياسية لأوراسيا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ. يعمل حاليًا مستشارًا سياسيًا في مركز تحليل العلاقات الدولية في باكو، كما يشغل منصب رئيس مكتب مجموعة AZEGLOB الاستشارية في شنغهاي. وهو أيضًا عضو في مركز توبشوباشوف كخبير مشارك، وهو مركز أبحاث متخصص في السياسات العالمية، حيث يكتب بتوسع حول شؤون شرق آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
باختصار، يجمع غولييف بين الدقة الأكاديمية والخبرة الإقليمية والبراغماتية المهنية. خلفيته الأكاديمية راسخة في السياسة الدولية، وتمتد خبرته المهنية إلى تقديم المشورة في مجال السياسات العامة والاستشارات الاستراتيجية. ومع ذلك، نظرًا لارتباطاته المؤسسية – لا سيما مع هيئات السياسة الأذربيجانية ومراكز الأبحاث الإقليمية – قد تعكس تحليلاته أحيانًا منظورًا استراتيجيًا أو وطنيًا. ورغم أن هذا لا يقلل من جودة أفكاره، فإن القراء ينبغي أن يظلوا على دراية بالسياق السياسي الأوسع الذي يشكل وجهات نظره، وخاصة عند تقييم المواضيع ذات الحساسية الجيوسياسية مثل ممرات الطيران، وعبور الطاقة، والأمن الإقليمي.
ثانياً: الأهمية المتزايدة للمجال الجوي الأذربيجاني
يقدم غولييف ثلاث حجج رئيسة تبرز تصاعد دور أذربيجان كمسار جديد ومهم للنقل الجوي ويمكن بيانها على النحو التالي:
انكماش دور المسارات الجوية التقليدية: أدى الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022 إلى تغيير جذري في أنماط الطيران العالمية، حيث منعت الرحلات الجوية المدنية التابعة للدول الغربية من استخدام المجال الجوي الروسي. هذه التحويلات أدت إلى استهلاك الطائرات وقودًا أكثر بنسبة 13% في المتوسط مقارنةً بمساراتها الأصلية. وتأثرت حوالي 1100 رحلة جوية يوميًا بهذه القيود المفروضة على المجال الجوي. يرى الكاتب أن الأزمة الأوكرانية تسببت في حدوث اضطراب نوعي في خطوط النقل الجوي، مما استدعى البحث عن طرق بديلة.
بالإضافة إلى ذلك، أدت المواجهات العسكرية الإسرائيلية-الإيرانية في يونيو 2025 إلى إعادة توجيه الرحلات الجوية بعد إغلاق المجال الجوي لعدة دول في المنطقة مثل إيران والعراق والأردن. لذلك تم إلغاء أو تأخير أكثر من 500 رحلة جوية في مطارات الشرق الأوسط الرئيسية بسبب هذه القيود، فضلاً عن انخفاض نشاط شركات طائرات الخطوط الجوية القطرية، الإمارات ولوفتهانزا، وفلاي دبي وطيران الهند. ويجادل الكاتب بأن هذه التطورات تقلل من مساحة المجال الجوي الآمن وتطرح خيارات جديدة مثل أذربيجان كملاذ آمن لخطوط الطيران المدني العالمي.
الميزة التنافسية للمسار الجوي الأذربيجاني: في هذا السياق، يقدم الكاتب ادعاءً أن بروز أذربيجان كحلقة وصل جوية محورية بين الشرق والغرب ليس مجرد استجابة تفاعلية للأزمات الحالية، بل نتاج للعديد من العوامل المتداخلة. يأتي هذا التطور النقلي لأذربيجان كجزء من استراتيجية وطنية شاملة ومتكاملة لتصبح مركزًا لوجستيًا متعدد الوسائط والظاهر بوضوح عبر دورها المحوري في مشروع ” الممر الأوسط”. عبر هذا المشروع، توفر أذربيجان عمليات نقل سلسة عبر الطرق البرية والبحرية بخلاف أهميتها الجوية المتصاعدة.
علاوةً على ذلك، يعكس النجاح الأذربيجاني على مستوى الربط الجوي بين الشرق والغرب سياسة أذربيجان الخارجية المحايدة ومتعددة الشراكات. إن مشاركة باكو في منظمات مثل الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومنظمة الدول التركية تعزز التزامها بالاستقرار والتعاون الإقليميين. بالتالي، يرى غولييف أن سياسات الحياد الإيجابي التي تنتهجها الحكومة الأذربيجانية على الساحة الدولية منذ تأسيسها عام 1991 تعزز من موثوقية مجالها الجوي كممر آمن للرحلات الجوية.
البنية التحتية المتطورة للمطارات الأذربيجانية: كما اتخذت باكو خطوات مدروسة لتحسين كفاءة البنية التحتية. على سبيل المثال، طورت حكومة أذربيجان مطارات الدولة لتعزيز الإقبال السياحي واستيعاب الرحلات الجوية الإضافية. صُمم مطار ألات للشحن الجديد في إطار متعدد الوظائف. فيتمتع هذا المطار بموقع استراتيجي بجوار ميناء باكو، ويرتبط مباشرةً بشبكات السكك الحديدية والطرق السريعة في أذربيجان، مما يُسهّل حركة البضائع بسلاسة عبر البحر والبر والجو. ناهيك عن تحديث أنظمة مراقبة الحركة الجوية وتوسيع شبكة مطاراتها إلى مناطق أخرى بخلاف العاصمة باكو.
كذلك تم افتتاح مطار فضولي الدولي في عام 2021، ليكون بوابة كاراباخ إلى العالم. يتميز المطار بمدرج بطول 3000 متر، وأنظمة هبوط وملاحة آلية، وبرج مراقبة حركة جوية مُجهز بنظام برج فينيكس الآلي، وجميعها متوافقة مع لوائح منظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو). ويبرز غولييف مساهمة هذه التقنيات الحديثة في تعزيز موقع أذربيجان على خارطة النقل الجوي العالمي.
وكشفت شركة الخطوط الجوية الأذربيجانية AZAL عن خطط طموحة لتحديث أسطولها وتعزيز الكفاءة التشغيلية، حيث من المتوقع استلام طائرات إيرباص وبوينغ جديدة بحلول عام 2032. وتخطط شركة الطيران للاعتماد على طائرات متطورة مثل طائرات إيرباص A320 Neo وطائرة بوينغ 787 دريملاينر. سيعزز هذا الاستثمار الاستراتيجي في أسطول حديث موفر للوقود جاذبية أذربيجان كمركز عبور، مما يوفر لشركات الطيران والركاب إمكانية الوصول إلى خدمات نقل جوي معاصرة وموثوقة، وفقاً لتحليل غولييف.
ثالثاً: انعكاسات سياسات النقل الجوي الأذربيجاني
تبعاً لذلك، أصبحت أذربيجان مركزاً رائداً للطيران العالمي. على سبيل المثال، شهد مطار حيدر علييف الدولي في باكو تحديثًا كبيرًا وحقق نموًا ملحوظًا، مما عزز مكانته كمركز للنقل الجوي في المنطقة. في عام 2024، خدم المطار 7.5 مليون مسافر، مسجلاً زيادة كبيرة بنسبة 31% مقارنة بعام 2023. وشهد السفر العابر، وهو مؤشر مهم على أهميته كمركز رئيسي، نموًا استثنائيًا، حيث ارتفع عدد ركاب الترانزيت بنسبة مذهلة بلغت 130% ليصل إلى 373,383 مسافرًا. وتعامل المطار مع 59,238 رحلة جوية ووسّع شبكة مساراته إلى 80 وجهة، تخدمها 40 شركة طيران. في هذا الإطار، نجحت باكو في توظيف التوترات الإقليمية لإبراز قدراتها على إدارة موجات الرحلات الجوية القادمة من مناطق الصراعات.
كما عززت هذه السياسات الأذربيجانية معدلات السياحة الأجنبية بشكل ملحوظ. قد كانت أذربيجان بالفعل الوجهة السياحية الأسرع نموًا بين أكبر 30 وجهة أوروبية، حيث سجلت زيادة بنسبة 26% في حجوزات الطيران بين مايو 2023 وأبريل 2024، وبين مايو 2024 وأبريل 2025. ويتوقع غولييف زيادة الطلب على خطوط الطيران الأذربيجانية في ظل عدم الاستقرار الإقليمي.
رابعاً: تأملات نقدية
نقاط القوة في المقال: يقدم غولييف تحليلاً شاملاً ومترابطاً للعوامل الكامنة وراء صعود أذربيجان كلاعب إقليمي جديد في قطاع النقل الجوي. أولاً، شرح الكاتب ميزات أذربيجان الجغرافية كممر جوي بين الشرق والغرب بجانب قدرة أذربيجان على الحفاظ على موقف محايد في خضم النزاعات الإقليمية، وهو أمر بالغ الأهمية لشركات الطيران التي تسعى إلى مجال جوي آمن ومستقر. كما استعرض الكاتب البنية التحتية متعددة الوسائط للطيران الجوي في البلاد، بما يعزز الميزة التنافسية للمجال الجوي الأذربيجاني.
كما رسخ الكاتب ادعاءاته من خلال تحليل مبني على البيانات. تُظهر الزيادة المُعلنة بنسبة 31% في حركة الركاب، والزيادة الملحوظة بنسبة 130% في عدد مسافري الترانزيت في مطار حيدر علييف الدولي في عام 2024، نموًا ملموسًا وقبولًا في السوق. ويُضفي تقدير سكاي تراكس، وهي منظمة عالمية مرموقة لتصنيف الطيران، تصديقًا خارجيًا على جودة المطار ومعايير الخدمة فيه.
قيود المقال: مع ذلك، يفتقر المقال إلى التحليل المقارن مع دول إقليمية أخرى فيما يتعلق برحلاتها الجوية واستثماراتها في البنية التحتية. على سبيل المثال، يُعتبر عدد المسافرين السنوي في أذربيجان، البالغ 7.5 مليون مسافر عام 2024، ضئيلًا مقارنةً بعدد المسافرين في إسطنبول البالغ 220.9 مليون مسافر والإمارات العربية المتحدة بعدد 147.8 مليون مسافر. حتى مطار ألماتي في كازاخستان يستهدف استقبال 14 مليون مسافر في عام 2025، أي ما يقارب ضعف عدد المسافرين الحالي في أذربيجان. في سياق التصعيد الإقليمي الراهن، كان بإمكان المقال الإشارة إلى الرحلات الجوية المحولة للمجال الجوي المصري وتقديم نظرة أكثر شمولية لدور أذربيجان الحيوي كممر جوي متميز.
كما يعتمد المقال بشكل مفرط على الإحصائيات الرسمية والصادرة عن جهات حكومية أذربيجانية. الاعتماد على رؤى قطاعية أوسع نطاقاً وتضمين وجهات نظر الركاب وشركات النقل الجوي قد يعزز مصداقية الادعاءات التي يقدمها الكاتب. من الموصي به تحليل بيانات عالمية مثل تقرير IATA السنوي لعام 2025, والذي يفحص الدور الحاسم للتعاون بين شركات الطيران والمطارات ومقدمي خدمات الملاحة الجوية لتنفيذ تدابير تخفيف فعّالة وتحسينات تشغيلية. وبدون آراء شركات الطيران، ستظل تقييمات إدارة المجال الجوي وخدمات المطارات في أذربيجان غير مكتملة.
ويُسلّط تقرير منتدى قادة المطارات لعام 2025 الصادر عن مراجعة المطارات الدولية الضوء على سلوكيات الركاب المتطورة، وتحديات البنية التحتية، والتأثيرات الجيوسياسية، باعتبارها مخاوف رئيسية لمشغلي المطارات عالميًا. ومن شأن إدراج هذه الرؤى التشغيلية من شركات الطيران ومديري المطارات في أذربيجان أن يُبرز مدى تكيف الدولة مع هذه الاتجاهات.
وبشكلٍ أوسع، لم يتضمن تحليل غولييف لتقييم نقدي لسياسات أذربيجان في مجال النقل الجوي، حيث لم يطرح الكاتب أي سيناريو مستقبلي للحفاظ على المكانة الجوية المتميزة لأذربيجان، خصوصاً في حالة تهدئة التوترات في المنطقة. في حين تُعتبر أذربيجان حاليًا مجالًا جويًا آمنًا وممرًا محايدًا، إلا أنها تقع في منطقة متقلبة تشهد صراعات لم تُحل بعد، ولا سيما نزاع ناغورنو كاراباخ والتوترات الأوسع في القوقاز. بالتالي، ربما خلفية الكاتب الأكاديمية المرتبطة بمراكز بحثية أذربيجانية أدت لهيمنة النظرة الإيجابية على أطروحات المقال.
الخاتمة
ختاماً، برزت أذربيجان كلاعب جوي إقليمي في خضم الاضطرابات الجيوسياسية التي أعاقت الممرات التقليدية بين الشرق والغرب، كما يوضح فوصال غولييف في مقاله. تحليله يسلط الضوء على ثلاثة عوامل حاسمة: تراجع دور المسارات التقليدية بسبب الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط، والمزايا التنافسية لأذربيجان كدولة محايدة ذات بنية تحتية متطورة، والاستثمارات الاستراتيجية في مطاراتها وأسطولها الجوي. هذه العوامل مجتمعة تعزز مكانة باكو كحلقة وصل حيوية، وهو ما تؤكده البيانات الأخيرة حول نمو حركة المسافرين والترانزيت في مطار حيدر علييف.
ومع ذلك، فإن المقال يعاني من بعض القيود التي تُضعف من شموليته. أبرزها غياب التحليل المقارن مع دول إقليمية أخرى مثل تركيا أو الإمارات، والتي تتفوق على أذربيجان بأرقامها الضخمة في حركة المسافرين. كما أن الاعتماد المفرط على المصادر الحكومية يطرح تساؤلات حول موضوعية التقييم، خاصة في غياب آراء شركات الطيران أو تقارير دولية محايدة. فضلاً عن ذلك، لم يتناول الكاتب التحديات المستقبلية التي قد تواجه أذربيجان في حال تغير المشهد الجيوسياسي، مثل انحسار الصراعات أو تنافس دول الجوار على جذب خطوط الطيران المحولة. باختصار، بينما يقدم غولييف حجة مقنعة حول الصعود السريع لأذربيجان في صناعة الطيران، إلا أن تحليله يظل بحاجة إلى تعميق النظرة النقدية وتوسيع نطاق المقارنة.
المصادر:
- Vusal Guliyev. The Unraveling Of Traditional Air Corridors: Azerbaijan Emerges As A Vital Aviation Link In Eurasia – Analysis. Eurasia Review. 20/6/2025. Available at: https://tinyurl.com/4v8ux8b7
- Airport Leader’s Forum Report 2025. International Airport Review. 10/5/2025. Available at: https://tinyurl.com/3nmck3j8
- Istanbul Airport sees highest passenger traffic. Azer News. 13/3/2025. Available at: https://tinyurl.com/rjr9ncx9
- Khaled AL Khawaldeh. UAE’s aviation sector to continue rapid growth in 2025 – report. Al Ethiad Newspaper. 9/2/2025. Available at: https://tinyurl.com/mvftnyjw
- Nada Ali. Egypt confirms stable air traffic despite regional closures. Amwal Al Ghad. 24/6/2025. Available at: https://tinyurl.com/4w7w6xry
- Nazrin Abdul. Heydar Aliyev International Airport sees record growth in 2024, gains global recognition. Azer News. 13/1/2025. Available at: https://tinyurl.com/5du73e77