المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > مسارات إنهاء الحرب “الروسية – الأوكرانية” ودلالات غياب بوتين عن مفاوضات إسطنبول
مسارات إنهاء الحرب “الروسية – الأوكرانية” ودلالات غياب بوتين عن مفاوضات إسطنبول
- مايو 25, 2025
- Posted by: mostafa hussien
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات

إعداد/ عبد الرحمن أنور
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
تشهدُ الفتراتُ الماضيةُ جهودًا دبلوماسيةً مُكثَّفةً لإنهاء الحرب “الروسية – الأوكرانية”، فقد كان ذلك أحد الأهداف في أجندة السياسة الخارجية لترامب في الانتخابات الرئاسية الماضية؛ حيث دائمًا ما كان يردد أن الحرب بين روسيا و أوكرانيا ما كانت لتحدث لو كان رئيسًا للولايات المتحدة، في توقيتٍ اندلاع الحرب بين الطرفيْن، في عام 2022 ، ووصف ذلك بأنه أحد إخفاقات الرئيس السابق جو بايدن في إدارة ملف السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وبالفعل؛ بعد عودة ترامب للبيت الأبيض حدث تحرُّكٌ واضحٌ نحو إنهاء الحرب عن طريق التفاوض بين الطرفين بوساطة ترامب، ومع تطوُّر مشهد المفاوضات الذي مرَّ عليه محطات عديدة في أول مائة يوم لترامب في البيت الأبيض، قد أعلن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، في 11 مايو 2025، أنه يعتزم الالتقاء بالرئيس الرُّوسي فلاديمير بوتين، يوم الخميس 15 مايو، بإسطنبول، ولكن سُرْعَانَ ما خاب أمله بغياب الرئيس الروسي بوتين عن المفاوضات، وستقوم هذه الورقة بتسليط الضوء على أسباب غياب بوتين، وماذا يعني ذلك بالنسبة لعملية التفاوض ومسار إنهاء الحرب؟
أبرز مراحل تطور مسار مفاوضات إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية:
أولًا- وعود ترامب بتسوية النزاع منذ فوزه بالانتخابات الرئاسية
لطالما كان يَعِدُ ترامب بتسوية الحرب في أوكرانيا؛ حال انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، ويُعَدُّ هذا الفوز فرصةً حقيقيةً، رغم الصعوبات التي شهدتها الفترة الماضية؛ نظرًا للواقع الميداني المحتدم بين طرفيْ الحرب، ومن ثمَّ؛ كان على عاتق ترامب أن يجعل قادة الدولتيْن يعيدوا النظر في جدوى استمرار الحرب، وكان ترامب يؤكد مرارًا وتكرارًا أنه سيُنهي الحرب في غضون أيامٍ؛ عن طريق الضغط على طرفي النزاع، واتباع أسلوب “العصا والجزرة”؛ أي الترغيب والترهيب، ولم تكن هناك إستراتيجية واضحة منه لكيفية القيام بذلك؛ حيث بدا الأمر في حديثه عن الأزمة بأنها شيءٌ يسهل عليه إنهائه، وها قد مرَّت مائة يومٍ على تنصيبه ولم تنتهِ الحرب بعْدُ.[1]
ولكن – حتى الآن – من الواضح أن ترامب لم يضغط سوى على زيلينسكي فقط، فقد التقى به وحمَّله مسؤولية الرغبة في استكمال الحرب، وهذا ما سيُشار إليه في النقطة الآتية، في حين غاب لوْمُ ترامب لبوتين، ووجَّه أصابع اتهامه ونقْده فقط للرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، والرئيس الأوكراني زيلينسكي والقادة الأوروبيين، الذين شجعوه على الاستمرار في القتال.
ثانيًا- لقاء ترامب وزيلينسكي 28 فبراير 2025
عقد ترامب وزيلينسكي لقاءً مليئًا بالمشادَّات في المكتب البيضوي the Oval office في البيت الأبيض، في 28 فبراير 2025، ناقشا فيه إمكانية وقْف الحرب “الروسية – الأوكرانية”، وحدث اختلافٌ في وجهات النظر الأمريكية والأوكرانية، تحوَّلت إلى مُشادَّة كلامية بين الطرفيْن، في مشهدٍ غير مسبوقٍ تجاوز الأعراف الدبلوماسية، اتهم فيه ترامب الرئيس الأوكراني بأنه يغامر بإشعال حرب عالمية ثالثة، وكان من المفترض أن يتمَّ توقيع اتفاقية المعادن النادرة في هذه المقابلة، ولكن لم تسِرْ الأمور كما كانت متوقعة؛ حيث أظهر هذا اللقاء عُمْق الخلافات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا ورؤيتهم المتضاربة للحرب والنزاع مع روسيا، فقد تحدث ترامب مع زيلينسكي، كأنه يتحدث إلى جو بايدن، ويتهكَّم على رُؤْيته للحرب والأموال التي أنفقها عليها، التي قدَّرها ترامب بمبالغ تتجاوز الـ 300 مليار دولار.[2]
وكانت تلك المُشادَّة نقطة تحوُّلٍ مِفْصَلِيَّةٍ في رُؤْية أوكرانيا للحرب الجارية؛ حيث شعرت تمامًا بتخلِّي الولايات المتحدة عنها، وأنها على شفا استكمال الحرب بدونها، وهي التي كانت تُعَوِّل عليها في المقام الأول في هذه الحرب، وتعلم أوكرانيا جيِّدًا بأنها لن تقدر على استكمال الحرب بدون دعم واشنطن، خاصَّةً في الوقت التي تعاني فيه دول الناتو الأخرى من تخبُّطات عديدة داخليًّا وخارجيًّا، واعتمادهم أيضًا على الدعم الأمريكي في النواحي الأمنية؛ ما أسفر عن أحاديث أوروبية عدة عن إنشاء جيش أوروبي والاستقلال عن الولايات المتحدة أمنيًّا، حتى يكونوا على أُهْبَةِ الاستعداد إذا ما فكر ترامب في التخلِّي عن دعمهم أمنيًّا وعسكريًّا تمامًا بشكلٍ غير مشروطٍ كما كان يفعل سالفه بايدن، وهو حقيقة ما تظهر مؤشراته حاليًا؛ حيث لم تعُدْ القارة الأوروبية محطَّ اهتمام واشنطن في ظلِّ حُكْم ترامب، خاصَّةً بعد الرسوم الجمركية التي تمَّ فرْضها على الاتحاد الأوروبي.
ونتج عن ذلك اللقاء اصطفاف أوروبي ووعود بدعم كبير لأوكرانيا في حربها ضد روسيا؛ حيث اعتبروا أن هذه الحرب ضد القارة الأوروبية بالكامل، ولكن يمكن القول: بأن كل هذا الضغط الأمريكي على أوكرانيا يؤدي بوتيرة بطيئة إلى استكمال مسار التفاوض نحو إنهاء الحرب، وهو ما قد يتمُّ تسريعه خاصَّة بعد استحواذ الولايات المتحدة على 50% من المعادن النادرة الأوكرانية.
ثالثًا- توقيع اتفاقية المعادن النادرة
وبالفعل، في 30 ابريل 2025، تمَّ توقيع اتفاقية المعادن النادرة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، في خطوةٍ هي جزء أساسي من شروط ترامب لحلِّ النزاع الجاري، ولتعويض ما تمَّ إنفاقه من مساعدات ومِنَحٍ لأوكرانيا من الإدارة الديمقراطية السابقة بقيادة جو بايدن، ويُعَدُّ ذلك الاتفاق هي بادرة ثقة من أوكرانيا في حليفتها الولايات المتحدة، على أن تقوم بإنهاء هذه الحرب بطريقة منطقية ومرضية للطرفين، ولكن ليس من الواضح ما اذا كان ترامب سيستطيع الضغط على الرئيس الروسي لكي يُخفِّفَ حِدَّة مطالِبِهِ، المتمثلة في إنهاء الحرب على أساس الواقع الميداني بدون استرداد أوكرانيا لأراضيها التي تسيطر عليها روسيا حاليًا؛ كنتيجةٍ لتقدُّمها البري في الأراضي الأوكرانية، بالإضافة لضمانات بعدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، وعدم تواجُد قوات حفظ سلام على الحدود الروسية؛ حيث ترى موسكو تلك القوات على أنها قوات أوروبية أو قوات للناتو، وستوضح النقطة الآتية مآلات إنهاء الحرب، ودلالات غياب بوتين عن مفاوضات إسطنبول الأخيرة.
رابعًا- مفاوضات إسطنبول 15 مايو 2025
دعوة زيلينسكي لبوتين لحضور المفاوضات:
في حقيقة الأمر، أن بدايات الدعوة إلى لقاء مباشر بين طرفي النزاع كانت من جانب بوتين الذي اقترح إجراء مفاوضات مباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول، وقد استهلَّ زيلينسكي ذلك وعبَّر عن استعداده للقاء بوتين في إسطنبول؛ لبحْث اتفاقٍ لإنهاء الحرب أو التوصُّل لوقْف إطلاق نار غير مشروطة لمدة 30 يومًا، وقد أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقتٍ سابقٍ على استعداد تركيا لاستضافة أيِّ مفاوضات مباشرة بين موسكو وكييف من شأنها إنهاء الحرب الجارية.
ولكن قد غاب بوتين عن تلك المحادثات وأرسل فريق من المفاوضين برئاسة مساعده فلاديمير ميدينسكي ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل جالوزين، بالإضافة إلى الجنرال إيجور كوستيوكوف، مدير إدارة المخابرات الرئيسية في جهاز الاستخبارات العسكرية ونائب وزير الدفاع ألكسندر فومين، وكان هذا الوفد قد شارك في آخر مفاوضات مباشرة بين الدولتيْن، في إسطنبول، 2022، ولكنها سُرْعَانَ ما انهارت، وتواصل القتال إلى الآن بدون أيِّ مؤشرات قوية لوجود أيِّ احتمالية لانتهاء الحرب، إلى أن عاد ترامب إلى البيت الأبيض، والذي تبنَّى إنهاء الحرب “الروسية – الأوكرانية” كأحد أولويات السياسة الخارجية الأمريكية.
وقد توجَّه زيلينسكي إلى أنقرة مباشرة للقاء الرئيس التركي أردوغان لمقابلته أولًا، ومن ثمَّ؛ تحديد وفده الذي سيتفاوض مع الوفد الروسي الذي هو دون مستوى الرؤساء أو وزراء الخارجية، وقد وصف زيلينسكي الرئيس بوتين بعد أن تأكَّد من عدم حضوره للمفاوضات بأنه خائف من اللقاء المباشر، وقد شكَّكَ في قدرة الوفد الروسي على اتخاذ أيِّ قرارات، مشيرًا إلى أن القرارات تؤخذ في روسيا بشكلٍ أُحادي من قِبَلِ بوتين.كد
وقد هبط الوفد الروسي والوفد الأوكراني في مدن تركية مختلفة؛ حيث هبط الوفد الأوكراني في العاصمة التركية أنقرة، فيما هبط الوفد الروسي في إسطنبول؛ لذا تأجلت المفاوضات إلى يوم الجمعة 16 مايو 2025، بدلًا من الخميس 15 مايو، وقد انتقد زيلينسكي الكرملين لإرساله وفد متوسط المستوى إلى إسطنبول، وسادت حالة من الغموض حول ما إذا كان سيحضر الوفد الأوكراني إلى إسطنبول أم لا، وقد قرَّر زيلينسكي في نهاية الأمر إرسال وفده.
دلالات غياب بوتين: –
-
غياب التفاهمات الأساسية بين موسكو وكييف:
يشير غياب الرئيس بوتين إلى اقتناع الجانب الروسي بأنهم مازالوا لم يتوصلوا إلى تفاهمات مع الجانب الأوكراني بشأن إنهاء الحرب، وأن أيَّ اجتماع على مستوى الرؤساء في هذه اللحظة سيكون بلا جدوى؛ حيث تأتي شروط الطرفين متناقضة للغاية ويصْعُبُ تقريبها إلى أرضية مشتركة؛ حيث ترفض أوكرانيا إنهاء الحرب بدون وجود ضمانات أمنية وتواجد قوات حفظ سلام على الحدود بين الدولتين، كما ترفض موسكو تسليم الأراضي الأوكرانية المسيطرة عليها، والتي تمثل 20% من إجمالي مساحة أوكرانيا، بالإضافة إلى منْع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو، وترى كييف تلك الشروط مُجْحِفَة لها، ولذلك لم تناقش هذه الشروط في مفاوضات إسطنبول؛ نظرًا لعدم وجود أيِّ مرونة بين طرفيْ التفاوض في شروط إنهاء الحرب.
-
انعدام الثقة في الجانب الأوكراني:
حديث بوتين عن ترحيبه باستضافة تركيا لهذه المحادثات يعكس مدى ثقة روسيا في الجانب التركي كوسيطٍ، ولكن على النقيض من ذلك مازالت موسكو لا تثق في الجانب الأوكراني التي تراه كأداة تستخدمها الدول الأوروبية لمهاجمة موسكو، والاستمرار في استخدام الحرب كأداة جيوسياسية لحلِّ المشاكل، والحفاظ على الأمن القومي الأوروبي؛ حيث مازالت موسكو تؤمن بتمسُّك الغرب بفكرة إحلال السلام بالقوة الذي كان يتبنَّاه بايدن في فترة حُكْمِهِ، والذي أدَّى إلى اشعال فتيل الحرب بين الدولتيْن.
التجاهُل المستمر من بوتين لزيلينسكي يبعث رسائل سياسية، مفادها؛ أن الرئيس الأوكراني مُجرَّد بيْدَقٍ في يد الدول الأوروبية، وبأنه غير مُستعدٍّ إطلاقًا لعقْد عملية سلام، ويريد استمرار الحرب حتى يحقق انتصاره المأمول؛ حيث أشار سفير المهام الخاصة في وزارة الخارجية الروسية، روديون ميروشنيك: «إن تحمل مسؤولية خصْم لا يمكن التنبؤُّ بسلوكه ومتقلِّب للغاية ليس بالمهمة المجدية؛ لأننا اليوم قمنا بكل ما كان علينا فِعْله في هذه المرحلة، لقد بادرنا، وأعدْدَنا منصَّة التفاوض، وقدَّمنا مجموعةً من المفاوضين ذوي الكفاءة والمخولين، ولدينا مقترحاتنا الموصوفة وفْقًا لذلك على شكل وثائق»، في حين أشار روستم عمروف وزير الدفاع الأوكراني، بأنهم قادرون على مواصلة القتال ولكنهم يريدون السلام، هذا التباعُد الواضح في الموقف الأوكراني والروسي يشير إلى مدى صعوبة عملية التفاوض المباشرة بين الطرفين.
-
غياب دونالد ترامب عن المفاوضات:
وأخيرًا؛ قد أشار ترامب على هامش زيارته لدول الخليج في سؤال من صحفي “بي بي سي” حول مدى استيائه من عدم حضور بوتين للمفاوضات في تركيا، وقال: ” لن يحدث شيء حتى نلتقي أنا وبوتين” وأشار إلى أنه لن يذهب إلا إذا كان ترامب متواجدًا في طاولة المفاوضات، ويشير ذلك إلى وعْي الجانب الروسي بقدرة الولايات المتحدة على إقناع الجانب الأوكراني بضرورة إنهاء الحرب بالشروط المطروحة على شاكلة إقناع ترامب للجانب الأوكراني بتوقيع صفقة المعادن النادرة.
ومن هنا؛ يمكن القول: إن المسار النهائي لإنهاء الحرب قد يكون كالآتي:
-
أولًا، اجتماع مباشر بين بوتين وترامب يتمُّ فيه تقريب وجهات النظر بين الطرفين والاتفاق على صيغةٍ مناسبةٍ لإنهاء الحرب، ويكون هذا اللقاء بدايةً لعودة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا والولايات المتحدة، وقد ينعقد هذا اللقاء في تركيا؛ نظرًا لامتلاك الطرفين علاقات قوية مع الرئيس التركي أردوغان، وبالفعل؛ ظهرت بوادر هذا التحرُّك؛ حيث جرت مكالمة هاتفيه بين ترامب وبوتين، الإثنين، الموافق 19 مايو 2025، ناقشا فيها ضرورة استكمال التفاوض لإنهاء هذه الحرب.[3] ، وتُعَدُّ هذه هي المكالمة الهاتفية الثانية بين ترامب وبوتين؛ حيث كانت الأولى في 12 فبراير 2025.
-
ثانيًا، اجتماع على مستوى وزراء خارجية روسيا وأوكرانيا بوساطة وزيريْ الخارجية في كُلٍّ من تركيا والولايات المتحدة؛ لبحث الصيغة النهائية التي سيتشكلُّ بناءً عليها اجتماع مباشر على مستوى الرؤساء.
-
وأخيرًا، اجتماع على مستوى الرؤساء يحدث في تركيا بين بوتين وزيلينسكي بوساطة أردوغان وترامب؛ للاتفاق على إنهاء الحرب بشكل نهائي ووضْع الشروط اللازمة لمنْع أيِّ إخلالٍ مستقبليٍّ بالاتفاقية، وقد لا يكون هناك تمثيل للطرف الأوروبي في أيِّ جهود تفاوضية؛ نظرًا لرفض روسيا المتوقع الجلوس مع الأطراف الأوروبية على طاولة المفاوضات؛ لأن روسيا لا تثق إطلاقًا في الدول الأوروبية.
-
أبرز نتائج المباحثات:
أولًا: رفض الجانب الروسي اقتراح أوكرانيا لوقْف الحرب لمدة 30 يومًا بدون شروط، وجاءت الأسباب الروسية على لسان ميروشنيك؛ حيث قال في يوم الجمعة 16 مايو 2025، أن «وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا سيسمح لكييف بإعادة التسلح والوصول إلى مستوى جديد من التصعيد، وهذه ليست خطوة نحو السلام» وأضاف «هناك عددٌ من التصريحات التي صدرت بهذا الشأن، هُدْنَة لمدة 30 يومًا؛ ما يُسمَّى بوقْف إطلاق النار، نحن نفهم بوضوح أن الجانب الأوكراني يحتاج إليها فقط لتعزيز مواقعه بشكل أكبر، وبناءً التحصينات، والتزود بالأسلحة، وإعادة تجميع القوات والموارد، وما إلى ذلك. أيْ من أجل الوصول إلى مستوى تصعيد جديد خلال شهر، ومن الطبيعي أن هذه الخطوة ليست في اتجاه التسوية، بل في الاتجاه المعاكس».[4]
ثانيًا: التوافُق على صفقة تبادُل أسْرَى بصيغة ألف مقابل ألف، وعرض رؤية الجانبيْن لوقف إطلاق النار بشكل أكثر تفصيلً، ومن ثم؛ استكمال المفاوضات، وكانت تلك الصفقة هي استجابة لمقترح تركي بعد أن وصلت المفاوضات بين الطرفين إلى طريق مسدود، كما يمثل هذا اللقاء خيبة أملٍ للرئيس الأوكراني الذي كان يسعى للقاء نظيره الروسي ومناقشة سُبُل وقْف الحرب، ولكن بدا هذا الأمر وكأنه ليس بهذه السهولة التي كان يتوقعها زيلينسكي، وأن الوضع الحالي لا يؤهل للقاءٍ على مستوى الرؤساء إطلاقًا.[5]
أخيرًا: على الرغم من انعدام تأثير تلك المفاوضات على تحقيق أيِّ أهداف مأمولة للطرفين، إلا أنها مازالت تُعَدُّ خطوةً إيجابيةً تِجَاه التقدُّم مستقبلًا نحو اجتماعات مباشرة أكثر فاعلية وذات تمثيل أعلى لتكون المفاوضات أكثر جدية نحو إنهاء الحرب.
ختامًا:
من الصعب إنهاء الحرب بدون وجود بعضٍ من المرونة تجاه أيٍّ من طرفيْ التفاوض؛ حيث يجب تقديم بعض التنازلات من أجل إنهاء هذه الحرب التي دخلت عامها الثالث؛ لذا قد يكون الدور الأمريكي هو الأكثر أهمية ومحورية في إنهاء الحرب؛ عن طريق الضغط على روسيا لتقديم بعض التنازلات كما فعلت مع الجانب الأوكراني؛ حيث يعد شخص ترامب وعلاقته الجيدة مع بوتين هو المتغير الوحيد الذي طرأ على ديناميكيات هذه الحرب التي افتقدت لقائدٍ يستطيع أن يجلب طرفيْ الحرب على طاولة مفاوضات؛ حيث كان الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن طَرَفًا وفاعلًا أساسيًّا في الحرب وليس وسيطًا فيها، وبذلك سيسعى ترامب الوسيط إلى محاولة إيجاد صيغةً مقبولةً للطرفين وأرضيةً مشتركةً تُمكِّنُهم من إنهاء الحرب، قد تكون تلك الصيغة ليست عادلةً لإحدى طرفيْ الحرب، ولكنه على الطرف الأكثر تضرُّرًا أن يعي أنه قد يكون الخروج بأقلّ الخسائر هو الحلّ الأوحد لتفادِي حدوث حرب شاملة أو حرب عالمية ثالثه كما وصفها ترامب، والطرف الأوكراني – حقيقةً – ليس في وضْعٍ يُمكِّنُه من تعزيز المنفعة؛ نظرًا للواقع الميداني المؤلم والضَّرَر الاقتصادي المهول لأوكرانيا وتوقُّف المساعدات الأمريكية لها، والذي كانت تستند عليه كييف بشكلٍ شِبْه كُلِّيٍّ.
المصادر:
[1] للمزيد انظر، عبد الرحمن أنور “بعد فوْزه في انتخابات الرئاسة الأمريكية …هل يستطيع ترامب إنهاء الحرب «الروسية – الأوكرانية»؟”، مركز شاف، نوفمبر 13، 2024
[2] للمزيد من المعلومات انظر، عبد الرحمن أنور ” قراءة تحليلية حول لقاء ترامب وزيلينسكي” مركز شاف، مارس 1، 2025
[3] David Brennan and Alexandra Hutzler” Trump says ceasefire negotiations between just Russia and Ukraine to start ‘immediately’, ABC News, May 19, 2025
[4] روسيا: مفاوضات إسطنبول قد تثمر عن وثيقة موحدة لإنهاء الحرب، الشرق الأوسط، 16 مايو 2025
[5] رئيس الوفد الروسي في مباحثات إسطنبول يستذكر قولا شهيرا لبسمارك عن الروس، RT، 16 مايو 2025