إعداد: شيماء ماهر
تتجه أنظار جميع دول العالم نحو تطورات المشهد السياسي في النيجر، عقب انتهاء المدة الزمنية، التي حددتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) لقادة الانقلاب؛ للإفراج عن الرئيس المعزول، والعودة إلى النظام الدستوري، وإلا سوف تتدخل عسكريًّا في النيجر، ومن هنا كثرت التساؤلات، هل ستتدخل بالفعل “إيكواس”، وتعيد الرئيس المعزول إلى سُدَّة الحكم، على الرغم من معارضة بعض دول “إيكواس” لهذا التدخل، أم سوف يتم ترك هذا الانقلاب كما كان؟ وسوف يتم التفكير في حل سلمي يراعي مصالح جميع الأطراف، خاصة بعد إصرار قادة الانقلاب على الاحتفاظ بالسلطة ورفضهم جميع المحاولات لإعادة الرئيس المعزول للحكم.
ظروف نشأة الـ”إيكواس”
عقب حصول الدول الأفريقية على استقلالها في ستينات القرن الماضي، ازداد الاهتمام بإنشاء التكتلات الاقتصادية، خاصةً بعد دعوة الأمم المتحدة لإنشاء جماعات إقليمية اقتصادية في أفريقيا؛ من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية في أفريقيا، وفي هذا الأثناء، دعت دولة ليبيريا إلى إنشاء منطقة تجارة حرة، وقامت كُلٌّ من “غينيا، وساحل العاج، وليبيريا، وسيراليون” بالتوقيع على اتفاقية التجارة الحرة في القارة الأفريقية، وفي عام 1972م، حاول الرئيس النيجري، يعقوب كون، ورئيس دولة توغو نيا سينغي أياديما، بإقناع 12 دولة أفريقية للانضمام للتكتل.
وفي عام 1975م، وقَّع رؤساء 15 دولة أفريقية على معاهدة لاغوس في نيجيريا، معلنين عن نشأة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، ويتمثل الهدف الأساسي من إنشاء هذه المنظمة، في الاهتمام بمشاكل التنمية الاقتصادية، والقضاء على الفقر، والسعي نحو تحقيق النمو الاقتصادي، وتسعى المجموعة إلى إنشاء منطقة بلا حدود، يتمكن السكان من الوصول إلى الموارد بكل سهولة.
وتضم هذه المجموعة كلًا من (نيجيريا – غانا – بنين – بوركينافاسو – كوت ديفوار- مالي – السنغال – النيجر – توغو – غينيا بيساو – غامبيا – سيراليون – ساحل العاج – الرأس الأخضر – ليبيريا)، ويوجد مقرها في أبوجا عاصمة نيجيريا.
الدور العسكري للمجموعة الاقتصادية
نظرًا لكثرة التحديات التي تعيشها منطقة غرب أفريقيا، وكثرة المشكلات الداخلية والأمنية، فقد سعت المجموعة إلى توسيع نطاق صلاحيتها؛ لتتطرق إلى القضايا السياسية والأمنية بجانب التكامل الاقتصادي، وفي عام 1979م، وقَّعت المنظمة اتفاقية الدفاع المشترك في السنغال، ومن هنا؛ خرج اسم “إيكواس”؛ ليعبر عن النشاط الاقتصادي والسياسي لدول غرب أفريقيا.
ونتيجةً لإدراك المجموعة بإهمال الجوانب السياسية والأمنية، قامت المجموعة في عام 1993م، باستحداث مؤسسات جديدة، مثل اللجان المتخصصة، محكمة الجماعة، البرلمان المشترك، تم إدراج العديد من المبادئ التي تتمثل في عدم الاعتداء، والحفاظ على السلام والأمن والاستقرار الإقليمي، وتسوية النزاعات بين الدول الأعضاء بالطرق السلمية، وفي عام 1999م، تم الاتفاق على إنشاء أول قوة للفصل في النزاعات في أفريقيا، وعُرفت باسم ” الإكوموك”.
الهيكل التنظيمي لمجموعة الـ”إيكواس”
يتكون الهيكل التنظيمي للمجموعة من أربعة أقسام، حسب ما ورد في معاهدة لاجوس؛ إذ يتكون القسم الأول: من مجلس رؤساء الدول والحكومات، ويعتبر الهيئة العليا التي تقوم باتخاذ القرارات، وإعطاء التوجيهات للمؤسسات والدول الأعضاء، أما القسم الثاني: يتكون من مجلس الوزراء وتختص مسؤولياته في مساعدة مجلس رؤساء الدول في إدارة عمليات المجموعة الاقتصادية، القسم الثالث: يتكون من السكرتارية التنفيذية التي تختص بتنفيذ قرارات مجلس رؤساء الدول والوزراء، ويرأس قسم السكرتارية التنفيذية السكرتير التنفيذي، القسم الرابع: يتكون من اللجان الفنية التي تضم ممثلين عن الدول الأعضاء.
ويوجد في المجموعة الاقتصادية سلطة تشريعية، تتكون من برلمان خاص بالدول الأعضاء في مجموعة الـ”إيكواس”، سلطة قضائية تختص بالفصل في النزاعات بين الدول الأعضاء، ويُوجد بها بنك “إيكواس” للاستثمار والتنمية، وتكتلان اقتصاديان يتمثلان في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، المنطقة النقدية لغرب أفريقيا.
جهود الـ”إيكواس” في الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة غرب أفريقيا
قامت قوات الـ”إيكواس” بلعب دورٍ بارزٍ في حفظ الأمن والاستقرار في منطقة غرب أفريقيا، خاصةً في المناطق التي شهدت عدم الاستقرار، ففي عام 2003م، أرسلت المجموعة قوات عسكرية مشتركة؛ للتدخل في “ساحل العاج، وليبيريا”، وتدخلت في عام 2003م، في نيجيريا؛ من أجل السيطرة على الصراع الطائفي، الذي اندلع في شمال ووسط البلاد، وتدخلت في غامبيا، في عام 2017م، خاصةً بعد رفض الرئيس، يحيي جامع، هزيمته في الانتخابات.
وقد قامت بفرض عقوبات اقتصادية على مالي؛ نتيجةً لرفض إعادة الانتخابات وتسليم السلطة للمدنيين، وهددت بفرض عقوبات على بوركينا فاسو، في 2022م، إذا لم يتم الإفراج عن الرئيس، كريستيان كابوري، وعلى الرغم من جهودها في حفظ السلام، إلا أنها تعاني العديد من التحديات، التي تتمثل في ضعف البنية الاقتصادية للدول الأعضاء، وانتشار الفساد المالي والإداري، وزيادة الجفاف، وكثرة الاضطرابات السياسية والأمنية؛ ما يعرقل تحقيق التنمية، فضلًا عن زيادة النفوذ الأجنبي في منطقة غرب أفريقيا.
انقسام بين دول الـ”إيكواس” حول التدخل في النيجر
بينما أيدت معظم الدول الغربية قرار الـ”إيكواس” بالتدخل في النيجر، رفضت بعض دول الجوار المباشر للنيجر هذا التدخل، فنجد على سبيل المثال؛ رفض الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، التدخل العسكري في النيجر، معبرًا عن أن التدخل لا يحل المشكلة، بل يزيد من صعوبة حل المشكلة، مثلما حدث في كلٍّ من “ليبيا، وسوريا”، فيما أعلنت تشاد أيضًا عن رفضها المشاركة في أي تدخل عسكري محتمل، وكذلك الحال في “مالي، وبوركينا فاسوا” اللذين أعلنا دعمهما للمجلس العسكري، ورفضهما لأي تدخل في النيجر، وأن أي تدخل سوف يعتبر بمثابة إعلان حرب عليهما.
ومن جهة أخرى، حثَّ كبار السياسين في نيجيريا، الرئيس بولا تينوبو، الذي يشغل في الوقت الحالي، رئيس المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، على إعادة التفكير في التدخل العسكري في النيجر، وتشجيع القادة الآخرين على اللجوء إلى جميع الخيارات السياسية والدبلوماسية، بينما حثَّ وزير خارجية بنين على اللجوء للحل الدبلوماسي، ولكنه في الوقت نفسه، أعلن أن بلاده سوف تساند “إيكواس” إذا قررت التدخل، في حين تؤيد السنغال بقوة التدخل عسكريًّا في “النيجر، وكوت ديفوار” أيضًا.
إمكانية نجاح “إيكواس” في التدخل العسكري
قام قادة وزراء دفاع المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، بوضع خطة للتدخل العسكري في النيجر، وتركوا قرار اختيار توقيت التنفيذ لقادة دول المجموعة؛ إذ يتخوَّف هؤلاء القادة من تكرار هذا السيناريو في بقية دول المجموعة؛ ما يزيد من حرصهم على فشل الانقلاب “سلمًا، وحربًا”، خاصةً بعد سلسلة الاحتجاجات في “بوركينا فاسوا، ومالي، والنيجر”، كما أن “الولايات المتحدة، وفرنسا” سيقومان بدعم هذا التدخل؛ لأن النيجر شريكٌ مهمٌ في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل.
ولكن التدخل العسكري من قِبَلِ “الإيكواس” هذه المرة، سوف يكون مختلفًا عن عن التدخلات التي سبقتها؛ إذ يمتلك جيش النيجر خبرةً كبيرةً في القتال؛ حيث تلقَّى تدريبات من الجيش الأمريكي، بالإضافة إلى كِبَرِ مساحة النيجر، ومما يزيد من صعوبة التدخل، رفض كلٌّ من “غينيا، وبوركينا فاسو، ومالي” أيَّ تدخل عسكري؛ لأن ذلك سوف يؤدي إلى انسحابهم من المجموعة الاقتصادية؛ فالنيجر تمثل أفضل مكان يمكن من خلالها أن تثبت دول “الإيكواس”، رغبتها في الحفاظ على استقرار منطقة الساحل التي تحتاج إلى تطبيق ديمقراطية حقيقية بدلًا من الانقلابات.
قمة استثنائية لمناقشة الأوضاع
أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا عن عقْد قمة استثنائية، يوم الخميس المقبل 10 يوليو 2023م، في أبوجا؛ لمناقشة الأوضاع في النيجر، عقب انتهاء المهلة التي حددتها للانقلابيين؛ لإعادة الرئيس المعزول إلى منصبه، وقد ردَّ قادة الانقلاب في النيجر على ذلك، بإغلاق المجال الجوي للبلاد؛ لمنع أي تهديد عسكري من قِبَلِ دول المجموعة، كما طلب قادة الانقلاب مساندة قوات فاغنر لهم، في حالة أي تدخل عسكري من قِبَلِ مجموعة “الإيكواس”؛ ما يشير إلى إصرار قادة الانقلاب على موقفهم.
والجدير بالذكر، أن القمة الأولى لدول “الإيكواس” عقدت في أبوجا، في 30 يوليو، وقد أعطت قادة الانقلاب فرصة لمدة أسبوع؛ لإعادة الرئيس المعزول، محمد بازوم، إلى منصبه، في حين فرض عقوبات اقتصادية على النظام الجديد في النيجر.
سيناريوهات محتملة:
بالنظر إلى مستقبل الانقلاب في النيجر، يبقى الأمر متوقفًا على قرار “الإيكواس”، خاصةً بعد الإعلان عن عقد قمة استثنائية، الخميس المقبل؛ لمناقشة الأوضاع في النيجر، فمن المتوقع، أن يتم اتخاذ قرارات مصيرية في القمة المقبلة؛ لذا توجد ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل الانقلاب، خاصة في ظل إصرار قادة الانقلاب على موقفهم.
السيناريو الأول:
قيام “إيكواس” بتنفيذ تهديدها بالتدخل العسكري، في ظل الدعم العسكري الذي تتلقاه من جيوش “السنغال، ونيجيريا، وساحل العاج، وبنين”، فإذا لم يستجب قادة الانقلاب لقرارات القمة المقبلة؛ فتقوم بإطلاق عملية عسكرية خاطفة، تطلق سراح الرئيس، وتتخلص من الانقلابيين، وتعيد الحكم الدستوري إلى البلاد، وربما تعيد “إيكواس” الرئيس المعزول إلى السلطة، أو تأتي برئيس آخر، يتفق عليه الجميع.
ولكن هناك العديد من التداعيات السلبية؛ جرَّاء هذا التدخل، فمن المحتمل أن يكون هناك صراع مسلح بين “إيكواس” بمساندة “فرنسا، النيجر، ومالي، وبوركينا فاسوا” بمساندة قوات فاغنر؛ ما يهدد باندلاع صراع مسلح في أنحاء البلاد، وسيوفر الفرصة للتنظيمات المتطرفة؛ لإيجاد مأوى لها، في ظل انشغال القوات التي تحاربها بالنزاع.
السيناريو الثاني:
تمديد المهلة الزمنية للانقلابيين؛ للتراجع وإطلاق سراح الرئيس بازوم؛ حيث يوفر ذلك وقتًا إضافيًّا لمنع الصراع، وتجنب حقن الدماء، التي سيكون ضحيتها أهل النيجر، والاكتفاء بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على النيجر؛ لإجبار الانقلابيين على التراجع، وسوف يكون للعقوبات تأثير كبير على مستقبل الأزمة؛ حيث تمثل المساعدات المقدمة من “فرنسا، وألمانيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي” 60 % من ميزانية النيجر.
السيناريو الثالث:
لجوء “إيكواس” إلى استخدام الحل الدبلوماسي مع قادة الانقلاب، وقد يكون ذلك برعاية الأمم المتحدة، أو برعاية دول أفريقية، مثل “مصر، وتشاد”؛ لتجنُّب خطر الانزلاق في صراع مسلح، يكلف بلدان “الساحل، وغرب أفريقيا” مزيدًا من المآسي، فمن المحتمل أن يتم الاتفاق على جدول زمني للعودة إلى الحكم الديمقراطي، بالإضافة إلى إطلاق سراح الرئيس بازوم، والمعتقلين السياسيين؛ من أجل الحفاظ على استمرار المحادثات بين الطرفيْن، أو أن يكون هناك استفتاء شعبي حول شرعية الرئيس، ويقرر للشعب مصيره.
ختامًا:
يصْعُب التنبؤ بمسار الانقلاب، في ظل تباين مواقف الأطراف المنخرطة في النزاع؛ فالقرارات التي اتخذتها “إيكواس” تجاه الانقلابيين، ما هي إلا أداة لردعهم؛ للتراجع عن المسار الذي سلكوه، وإعادة الوضع إلى سابقه، فلم تلجأ “إيكواس” إلى استخدام الحل العسكري، عقب انتهاء المهلة الزمنية؛ تجنُّبًا لإراقة الدماء، وحدوث نزاع مسلح بين القوتيْن، يجعل الشعب هو الضحية، ولكن من المحتمل أن تلجأ “إيكواس” إلى القرار العسكري، عندما تفشل جميع المساعي الدبلوماسية لوقف الانقلاب، وتمسك قادة الانقلاب بموقفهم، والجدير بالذكر، أن نجاح مثل هذا الانقلاب، يرجع لقدرة قادة الانقلاب على الصمود أمام عقوبات الـ”إيكواس”، وعلى قدرة هذه المجموعة في استقطاب الأطراف الداخلية والإقليمية لصالحهم، ولكن الأمر ليس سهلًا؛ فهناك رفض دولي وإقليمي لهذا الانقلاب.