المقالات
مستقبل المَد الشيعي في أفريقيا: بين الواقع والتحديات
- مايو 30, 2025
- Posted by: mostafa hussien
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية

إعداد/ دينا لملوم
منسق وحدة الشؤون الأفريقية
المقدمة
يُشكل انتشار المذهب الشيعي في أفريقيا ظاهرة دينية متزايدة، حيث يتركز وجود الشيعة بصفة رئيسية في دول غرب أفريقيا مثل نيجيريا، والسنغال، وغانا، وبدأ التشيع ينتشر في القارة بشكل واضح منذ أواخر القرن العشرين؛ مدعوماً بأنشطة تعليمية ودعوية ومراكز ثقافية، وبالرغم من أن الشيعة يشكلون أقلية بين المسلمين في أفريقيا، إلا أن تأثيرهم يتنامى من خلال تأسيس المدارس والمؤسسات العلمية، بالإضافة إلى الدعم الخارجي من دول مثل إيران، وبالنظر إلى طبيعة مستقبل التشيع في أفريقيا، فإن تبعاته ستكون وخيمة حال توسعه في ظل التبعات السلبية التي يسببها هذا المذهب، لما له من تأثير على قوة المسلمين ووحدتهم، حيث يدفع نحو إحداث الفرقة والكراهية وتمزيق أواصر المحبة والترابط بين فئات المجتمع.
ماهية التشيع:
ترجع كلمة شيعة إلى الفعل “شَيَّعَ”، بمعنى تابع أو ناصر، وتُعرف بأنها أتباع علي بن أبي طالب الذين آمنوا بولايته كخليفة للمسلمين بعد النبي محمد، وقد ظهر التشيع كرد فعل سياسي واجتماعي للأحداث التي أعقبت وفاة النبي، وخاصة بعد حادثة سقيفة بني ساعدة التي تم فيها اختيار أبو بكر كخليفة دون الرجوع إلى علي بن أبي طالب، كما أنه يستند على مبدأ أن الإمامة ليست مجرد منصب سياسي، بل هي ولاية إلهية من الله لأهل البيت[i]؛ لذا فلابد أن يكون الإمام معصوم ومرشد للأمة وفق تصورهم، ويختلف التشيع عن المذاهب الإسلامية الأخرى في مفهوم الإمامة والخلافة، ففي الوقت الذي يعتبر فيه السنة الخلافة منصب سياسي منتخب، يرى الشيعة أنها ولاية إلهية لا تنتقل إلا لأهل البيت.[1]
تاريخ الوجود الشيعي في أفريقيا:
يرجع التشيع في أفريقيا إلى الدولة الإدريسية والفاطمية في الشمال الأفريقي، وفي العصور الوسطى كان له حضور قوي، لا سيما في حقبة الدولة الفاطمية، إلا أنه واجه تحديات أدت إلى انحسار دوره في شمال القارة، ولكن سرعان ما عاود في العصر الحديث، فشهدت غرب أفريقيا التي تضم الغالبية المسلمة في القارة تزايد وتيرة التشيع بدعم إيراني، كما أن الموجة الشيعية في أفريقيا بدأت بشكل واضح منذ أواخر القرن العشرين، خاصة مع بزوغ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وكان من أوائل أتباع تلك الثورة الشيخ إبراهيم زكزاكي بشمال نيجيريا، وتعد الأخيرة من الدول الأفريقية الأكبر من حيث عدد السكان، حيث أن هناك نحو 12% بما يعادل 90 مليون من سكانها من المسلمين، يعرفون بأنهم شيعة، تلك النسبة لم تكن موجودة في عام [2]1980.
وفي شرق أفريقيا ارتبط انتشار الشيعة بشكل رئيسي بهجرة جماعة الخوجة- وهي جماعة تجارية هندية من أصول غوجاراتية- إلى زنجبار ومناطق أخرى من شرق القارة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، بسبب المجاعات والبحث عن فرص تجارية جديدة، وبعد أن استقروا في مدن مثل زنجبار، ومومباسا، ودار السلام، توسعوا داخلياً وانتشروا في بعض الدول المجاورة كالكونغو ومدغشقر وموريشي[3]، وبالتالي فإن نشر التشيع في أفريقيا لم يكن بفعل إيران فحسب، بل كان نتيجة تفاعل محلي مع عوامل تاريخية وجاليات تجارية مهاجرة، إضافة إلى قادة محليين وجاليات لبنانية، مع دعم إيراني لاحق في بعض المناطق.
الانتشار الجغرافي للشيعة:
تتراوح نسب الشيعة في أفريقيا بين 5% إلى 10% من مجموع المسلمين في القارة، مع التركيز على الغرب الذي ينتشر فيها التشيع بشكل رئيسي، وتصل نسبة الشيعة في تشاد إلى 21%، من إجمالي عدد المسلمين، و20% في تنزانيا، و8% في غانا، وفي مالي التي يصل عدد السنة فيها نحو 12 مليون شخص، يبلغ عدد الشيعة 120 ألف، وفي السنغال أحد أهم معاقل النفوذ الإيراني غرب أفريقيا يبلغ عدد السكان 12 مليون نسمة، منهم أكثر من نصف مليون شيعي، أما غينيا بيساو فعدد المسلمين فيها 680 ألف نسمة، من بينهم أقل من 6800 شيعي، أي ما يعادل نحو 1%.
ووفقاً لإحصاءات أهل البيت، فإن أعداد الشيعة في دول مثل زامبيا وليسوتو وسوازيلاند وسيشل والرأس الأخضر وأرمينيا ومالطا، باتت تتراوح بين 1 و2%[4]، هذا وقد أنشأ الشيعة مدارس في مناطق متفرقة من أفريقيا، حيث غانا وسيراليون ونيجيريا، إلى جانب السنغال وغينيا وتنزانيا؛ مع إنشاء مركز كبير لتدريس التعاليم الشيعية في مدينة أروشا التنزانية، وينتشر التشيّع أيضاً في كينيا وجزر القمر والسودان من خلال نفس الاستراتيجية القائمة على التعليم وطرق التدريس، كما يتم تخريج حوالي 60 طالب من المدارس الشيعية في النيجر بشكل سنوي، سواء كانوا من ضمن الطائفة الشيعية أو حتى المؤيدين لها.[5]
عوامل الانتشار:
يرجع انتشار المد الشيعي في القارة الأفريقية إلى عدة عوامل منها ما هو اقتصادي وسياسي واجتماعي وديني، يمكن إبرازها على النحو التالي:
-
يعاني العديد من دول القارة الفقر والجهل، مما يفتح المجال أمام النشاط الدعوي الشيعي الذي يعتمد على منظومة متكاملة من العمل الخيري، والطبي، والتعليمي، حيث يقدم خدمات اجتماعية تسهم في جذب السكان المحليين إلى المذهب الشيعي.
-
لقد ساهم انتهاء الحرب الإيرانية-العراقية أواخر ثمانينيات القرن العشرين في توجيه جزء من عوائد النفط الإيرانية إلى دعم النشاط الدعوي في أفريقيا، ما عزز من انتشار المذهب.
-
تراجع الدور السياسي العربي في القارة؛ أدى إلى فقدان الساحة الإسلامية لنفوذها التقليدي؛ بما أتاح الفرصة لإيران وحركات شيعية أخرى للتوسع.
-
استغلال الحاجة المُلحة للدول الأفريقية للدعم السياسي والاقتصادي والعسكري ساعد طهران وحلفائها على تقديم مساعدات مقابل قبول التشيع.
-
أدت أحداث 11 سبتمبر 2001 إلى تضييق دولي على القطاع الخيري الخليجي السني، مما أضعف نشاط الدعوة السنية مقارنة بالنشاط الشيعي.
-
إقامة بعض الدول العربية علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني خلق حالة من خيبة الأمل لدى بعض المسلمين الأفارقة، مما جعلهم أكثر تقبلاً للفكرة الثورية الحسينية الرافضة للتطبيع.
-
ساهمت حرب لبنان 2006 وصعود شخصية زعيم حزب الله حسن نصر الله في خلق نموذج ثوري مُحفز للدعاة الشيعة في أفريقيا.
-
استغلال الدعاة الشيعة لأعمال العنف والتفجيرات التي نسبت إلى تنظيمات سنية متطرفة مثل القاعدة في دول مثل تنزانيا وكينيا والصومال والجزائر ونيجيريا، حيث يؤكدون أنها نتاج الفكر الوهابي، مما يعزز من موقفهم الدعوي في مواجهة هذه التنظيمات.[6]
الاستراتيجية الإيرانية في نشر التشيع في أفريقيا
اتبعت إيران منذ وطأة قدميها في أفريقيا بعض الأدوات والآليات التي تُمكنها من تعزيز نفوذها ونشر مذهبها الشيعي في الدول الأفريقية، يمكن إبرازها فيما يلي:
-
قنوات دينية وثقافية:
تعمل إيران على توظيف المراكز الثقافية لتعزيز حضورها في أفريقيا، حيث أنشأت مراكز ثقافية وتعليمية في دول مثل ساحل العاج، ليبيريا، الكاميرون، نيجيريا، والسودان، بالإضافة إلى مراكز في الخرطوم وكينيا، وتوفر هذه المراكز مصادر تعليمية متنوعة، وتنظم ندوات ومحاضرات، وتقوم بتوزيع مطبوعات مجانية أو بأسعار زهيدة؛ مستهدفةً بشكل خاص طلاب المدارس والجامعات، وتعتمد طهران على الجمع بين الاتفاقات الاقتصادية مع الحكومات والمؤسسات، والأدوات الأيديولوجية والمعرفية، من خلال مؤسسات مثل (والفجر)، (مزدهر)، وجامعة المصطفى العالمية التي تمارس أدوارًا اجتماعية وثقافية إلى جانب التعليمية، وتقوم المراكز الثقافية بتنظيم مناسبات دينية شيعية يُدعى إليها السكان المحليون لتعريفهم بالمذهب وشعائره.
ولقد ساهم وجود جاليات شيعية، خاصة اللبنانية التي تتركز في ساحل العاج والسنغال ونيجيريا، في تشكيل نواة أولية للوجود الشيعي في أفريقيا، حيث يقدر عدد اللبنانيين في القارة بحوالي 350 ألف؛ ما يدعم من تأثير إيران في نشر التشيع، أيضًا تستخدم المراكز الثقافية وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والإذاعات المحلية، إضافة إلى المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية، التي تستقطب جمهورًا واسعًا، بما في ذلك الجمهور الأفريقي، لنشر الفكر الشيعي عبر شخصيات دينية وثقافية واجتماعية مؤثرة تستهدف العاطفة الدينية للمواطنين.
-
قنوات اقتصادية:
بالرغم من التحديات الاقتصادية التي تعاني منها إيران كنتيجة للعقوبات، إلا أنها تقدم دعمًا اجتماعيًا واقتصاديًا للفئات الفقيرة والمحرومة في عدة دول أفريقية، خصوصًا تلك المنتجة لليورانيوم مثل نيجيريا وزيمبابوي والسنغال وجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تعد نيجيريا أكبر مصدر لليورانيوم عالميًا، وتشمل هذه الاستراتيجية توزيع المساعدات الغذائية، وتقديم خدمات صحية مجانية، وتنظيم برامج تعليمية لكافة الفئات العمرية، عبر منظمات مثل الهلال الأحمر الإيراني ولجنة الخميني للإغاثة، مع التركيز على المناطق ذات البنية التحتية الضعيفة، بهدف التقرب من السكان وكسب ولائهم، ما يشكل مدخلاً رئيسيًا لنشر الفكر الشيعي في ظل ضعف أنظمة التعليم وارتفاع معدلات الأمية في الدول الأفريقية، وتقوم المراكز الشيعية بملء هذا الفراغ من خلال إنشاء مدارس ومراكز تعليمية تقدم التعليم المجاني، بالإضافة إلى منح دراسية للشباب للدراسة في الحوزات العلمية الإيرانية، حيث يركز التعليم على الفكر الشيعي وتفسير التاريخ الإسلامي بما يتوافق مع رؤى إيران، مثال على ذلك “جامعة المصطفى التي تضم آلاف الطلاب الأفارقة، حيث تخرج منها آلاف من رجال الدين الذين يتم تدريبهم ليصبحوا دعاة وقيادات لنشر التشيع في أفريقيا، منهم شخصيات بارزة مثل أحمد عبد الله سامبي الرئيس الأسبق لجزر القمر، وإبراهيم الزكزاكي زعيم المنظمة الإسلامية النيجيرية”، ويتلقون دعمًا ماديًا ومعنويًا من إيران مقابل تجنيدهم كدعاة للمذهب الشيعي.[7]
-
الجاليات اللبنانية:
يعد عبد المنعم الزين وهو لبناني الأصل أول من ساعد على التواصل مع بعض الطرق الصوفية، وقام بإقناع البعض باعتناق المذهب الشيعي، ويوجد في العاصمة السنغالية أكبر تجمع سكني وتجاري للجالية اللبنانية، وقد تمكنت طهران من تحقيق التواصل مع العديد من المذاهب الصوفية في غرب أفريقيا سواء بشكل رسمي أو غير رسمي، مثل التيجانية، والمريدية، والقادرية، وبالنظر إلى أن هذه المذاهب لا تساهم بشكل كبير في الشؤون الدينية والسياسية والاقتصادية والثقافية، فقد وجدت إيران مدخلاً لنشر مذهبها الشيعي بقوة عبر دعم هذه المذاهب بالمال والمساهمة في إنشاء بعض المؤسسات التعليمية، والدليل على ذلك قيام الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رافسنجاني، بزيارة السنغال في عام 1994، وتبرع لترميم “مسجد توبة”؛ لتخلق لوجودها قبولاً بين الدول الأفريقية، ومن ثم تحقيق أهدافها ومقاصدها سواء كانت دينية أو سياسية.[8]
-
السفارات الإيرانية:
تؤدي السفارات والملحقيات الثقافية التابعة لإيران دوراً في تعزيز نفوذ طهران في القارة الأفريقية من خلال توظيف الأدوات المادية لنشر التشيع؛ وذلك بالقيام بدعم الجمعيات والأنشطة الثقافية والفنية العاملة على التعريف بثقافة إيران، والتأثير على الفئات الفقيرة والمهمشة؛ لاعتناق المذهب الشيعي، ويعد المركز الثقافي الإيراني أحد أهم الآليات التي تُستخدم لهذا الغرض، عبر التشجيع على المساهمة في معارض الكتاب والأسابيع الثقافية.[9]
التداعيات:
-
الانقسامات المجتمعية:
لقد أدى تمدد الشيعة في أفريقيا إلى إحداث نوعاً من الانقسام ليس فقط داخل المجتمعات الإسلامية، التي كانت تحظى بتجانس مذهبي نسبي بشكل عام، بل داخل العائلة الواحدة، فانقسمت بعض العائلات في غرب القارة إلى شقين، الأول ينتمي لعقيدة أهل السنة والجماعة، والثاني إلى عقيدة الشيعة، فسادت الفرقة والكراهية التي وصلت إلى حد التناحر وقطع الرحم، ويرجع ذلك إلى دخول الرافضة أفريقيا، وباسترجاع التاريخ يُلاحظ أن الأفارقة في الماضي كانوا يتصاهرون بالرغم من اختلاف مذاهبهم، إلا أن مع ظهور الشيعة التي طعنت في الكتاب والسنة وشككت في النصوص الدينية، ثمة حالة من الرفض فالسني يرفض مصاهرة الشيعي والعكس صحيح؛ بسب وجود تناحرات بين الطائفتين؛ الأمر الذي نتج عنه تقطيع أواصر المحبة والأخوة بين المسلمين.
-
احتمالية اندلاع صراعات طائفية ومذهبية:
إن قضية إثارة نعرات وحروب طائفية باتت منتشرة ليس في العالم العربي وحده، بل امتد إلى أفريقيا أيضًا، بل باتت رقعة الصراع تتسع شيئًا فالآخر، ومن ثم فإن انتشار التشيع في أفريقيا أصبح يُنذر باحتمالية نشوب صراعات ذات طابع مذهبي بين السنة والشيعة، إضافة إلى أن إيران تستخدم أدواتها الدبلوماسية والعلاقات الرسمية مع حكومات الدول الأفريقية في إطار استراتيجية ممنهجة لتحريض هذه الحكومات ضد مؤسسات أهل السنّة والجماعة في القارة، حيث تقوم طهران بتوجيه اتهامات لهذه المؤسسات بنشر التطرف وتأسيس الحركات الجهادية المسلحة، وهو ما يُعد جزءًا من حملة تستهدف تقويض النفوذ السني في أفريقيا، ومن المؤسف أن بعض الحكومات الأفريقية تتبنى هذه الاتهامات دون تمحيص، فتقوم بإصدار تشريعات وإجراءات تقيد عمل المؤسسات الإسلامية السنية أو تعرقل نشاطها، مما يخلق بيئة من التوترات الطائفية والاجتماعية، ومن المتوقع أن تؤدي هذه السياسات إلى تصاعد النزاعات الطائفية، وربما اندلاع صراعات مسلحة تهدد الاستقرار والأمن في العديد من الدول الأفريقية.[10]
-
زيادة التدخلات الخارجية:
شهدت القارة الأفريقية تصاعدًا ملحوظًا في النفوذ الخارجي، لا سيما مع سعي إيران إلى توسيع مشروعها الشيعي في المنطقة، وقد أثار هذا التوسع مخاوف لدى قوى إقليمية ودولية أخرى، مثل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، اللتين تنظران إلى انتشار التشيع في أفريقيا باعتباره تهديدًا مباشرًا لنفوذهما الاستراتيجي في القارة، ونتيجة لذلك، تحولت أفريقيا إلى ساحة لتجاذبات إقليمية ودولية متصاعدة، حيث بادرت السعودية ودول الخليج العربي إلى مواجهة النفوذ الإيراني من خلال دعم المؤسسات الدينية والثقافية السنية، وإطلاق مبادرات موازية تهدف إلى تعزيز الهوية السنية، مما أسهم في تصاعد التوترات الطائفية بين السنة والشيعة في العديد من الدول الأفريقية.
علاوة على ذلك، استغلت إيران الأراضي الأفريقية لتوسيع وجودها العسكري، وتقديم الدعم لحلفائها، لا سيما الحوثيين في اليمن، مما شكل تهديدًا للأمن الإقليمي في أفريقيا وأثار قلق الدول الأفريقية بشأن وحدة نسيجها المذهبي، في الوقت ذاته، تعمل القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، على الحد من النفوذ الإيراني في إطار سياساتها الرامية إلى مواجهة التمدد الإيراني على الساحة العالمية، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي في القارة، وقد أدت هذه التدخلات الخارجية إلى إضعاف سيادة الدول الأفريقية، حيث أصبحت قراراتها في كثير من الأحيان رهينة لتلك التجاذبات الإقليمية والدولية، كما تواجه الحكومات الأفريقية تحديات متزايدة ناجمة عن الاستقطاب الطائفي والتدخلات الأجنبية، مما يعرقل جهودها في تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار السياسي والاجتماعي.
التحديات:
تواجه الجماعات الشيعية في أفريقيا العديد من التحديات التي تعرقل مسار انتشارها وتغلغلها، أبرزها:
وجود إيران كغطاء شيعي:
تلعب إيران دورًا مركزيًا في دعم الجماعات الشيعية في أفريقيا من خلال التمويل المالي، حيث إنشاء المدارس والمراكز الدينية، وتوفير المنح الدراسية، وهو ما يثير مخاوف من تدخل خارجي في الشؤون الدينية والسياسية الأفريقية، ويفاقم من النظرة السلبية تجاه الشيعة باعتبارهم أدوات نفوذ إيراني، الأمر الذي يجعل قبولهم في المجتمع مسألة معقدة، كما أنه قد يدفع إلى توترات إقليمية ودولية.
الاعتقالات والضغوطات الأمنية:
تعرضت الجماعات الشيعية، مثل الحركة الإسلامية الشيعية في نيجيريا، لاعتقالات واسعة وعمليات قمع أمني من قبل السلطات، بخاصة بعد مواجهات دامية حدثت في مدينة زاريا النيجيرية عام 2015، حيث داهمت قوات الأمن منازل قيادات شيعية واعتقلت الزعيم إبراهيم الزكزاكي؛ مما أدى إلى توترات أمنية، وتقييد حرية الشيعة في ممارسة شعائرهم الدينية.[11]
الرفض المجتمعي:
تعاني الجماعات الشيعية من رفض واسع من قبل المجتمعات الإسلامية السنية التي تشكل الأغلبية، حيث يُنظر إلى الشيعة على أنهم طائفة خارجة عن المألوف الديني، مما يؤدي إلى فقدان الثقة بينهم وبين المسلمين السنة، ويزيد من الانقسامات داخل الأسرة والمجتمع الواحد.
عوائق ديموغرافية:
تنتشر الشيعة في مناطق ذات أغلبية سنية، مما يجعلهم أقلية معزولة جغرافيًا واجتماعيًا، ويصعب عليهم تأسيس مؤسسات دينية وتعليمية مستقلة، وكذا يشكل الانفصال الجغرافي بين شمال وجنوب الصحراء حاجزًا طبيعيًا؛ مما يحد من انتقال الأفكار والممارسات الدينية وقدرة الحركة الشيعية على التوسع والانتشار بشكل أوسع في القارة، علاوة على أنه يؤثر على التمدد الشيعي الذي يختلف في مستوياته بين الشمال والجنوب.[12]
آفاق مستقبلية
لقد أصبح التشيع في أفريقيا واقعًا ملموسًا يفرض ذاته على المجتمع الأفريقي، حتى ولو كان يواجه عقبات في انتشاره، وبالنظر إلى مستقبل هذا المد الشيعي، فإن ثمة بعض المسارات أو الرؤى التي يمكن طرحها؛ استنادًا إلى معطيات الواقع المعاصر حول هذه الطائفة، والتي يُفترض أن تحكم المشهد القادم في أفريقيا:
السيناريو الأول:
التوسع الشيعي: إن ما يفرضه واقع الضعف المؤسساتي للكيانات التعليمية والدينية والدعوية في أفريقيا، وسيادة مناخ الفقر والجهل في بعض المجتمعات، مع استمرار الدعم الإيراني سواء المالي أو الفكري الذي تغدق به على الأفارقة، وقيامها باستغلال هذه الأوضاع لترويج الأفكار الشيعية عبر الأعمال الخيرية وتقديم التسهيلات الصحية والاجتماعية، يسهل من عملية التمدد الشيعي، خاصة في دول غرب القارة التي تشهد بالفعل توسعًا في نشر هذا المذهب، وهذا السيناريو مرجع حدوثه بشكل كبير؛ نظرًا لأنه أصبح واقعًا ملموسًا لا مفر منه، يشهد تصاعدًا في وتيرته في دول غرب أفريقيا على وجه التحديد.
السيناريو الثاني:
فرضية الانحسار: يستند هذا السيناريو حال تحققه إلى بعض العوامل التي قد تؤدي إلى تراجعه نسبيًا، وذلك إذا حدث تراجع في النفوذ الإيراني ببعض المناطق كنتيجة للتغيرات الإقليمية والدولية، مما يقلص الدعم المالي والسياسي للجماعات الشيعية، أيضًا نهوض الحكومات الأفريقية للحفاظ على وحدتها الوطنية والحد من التدخلات الخارجية، مع تشجيع الحوار بين الطوائف الإسلامية لتعزيز التعايش السلمي، وتمكن بعض الجماعات الشيعية من الاندماج الاجتماعي والسياسي مع الأغلبية السنية، خاصة في دول مثل تنزانيا، بحيث يساعد على ممارسة الشعائر الدينية بحرية دون صراعات وتناحرات، وهذه الفرضية إن كانت مستبعدة في ظل المتغيرات الراهنة، إلا أنها ليست بالمستحيلة.
السيناريو الثالث:
اتساع فجوة الانقسامات المجتمعية: قد يؤدي استمرار انتشار الشيعة وتزايد نفوذهم إلى تعميق الانقسامات داخل المجتمعات الإسلامية بأفريقيا، حيث ينقسم المسلمون إلى مجموعات سنية وشيعية متصارعة، مما يضعف الوحدة الإسلامية ويزيد من احتمالات النزاعات الطائفية والسياسية، وقيام القوى الإقليمية والدولية باستغلال هذه الصراعات الطائفية لتحقيق مصالحها، الأمر الذي بدوره أن يفاقم المشهد الأمني ويهدد الروابط الاجتماعية بين الشعوب الأفريقية، وهذا السيناريو مستبعد؛ نظرًا لأن القارة السمراء تعاني بالفعل من الاضطرابات الأمنية وتعصف بها الحروب والتوترات، وبالتالي فهي في غنى عن الانغماس في حلقة صراع جديدة.
الخاتمة
لقد أحدث انتشار التشيع تغييرات في المشهد الديني الإسلامي بأفريقيا، مع ظهور مرجعيات محلية وشبكات تعليمية، وبالرغم من أن التشيع يشكل أقلية، إلا أن تأثيره يتجاوز عدد أتباعه بسبب التنظيم والتمويل، مما أدى إلى توترات أمنية وسياسية في بعض الدول الأفريقية، ويظل مستقبل المد الشيعي في القارة مرهونًا بالقدرة على السيطرة على طرق الانتشار والحيلولة دون حدوث انقسامات طائفية، فضلًا عن ضرورة تكثيف الدور الحكومي للتعامل مع هذا الملف بحرص؛ حفاظًا على وحدة واستقرار المجتمعات؛ وذلك لأن الانقسام بين فئات المجتمع يشكل ذريعة للتدخل الخارجي؛ استناداً إلى سياسة فرق تسد، وهو ما يزيد من التناحرات والصراعات التي تعاني منها الشعوب الأفريقية بطبيعة الحال، والتي كان التنوع العرقي والديني والطائفي سبباً من أسبابها، فماذا إذا فاقم ذلك وجود أطراف خارجية، رامية إلى توسيع دائرة النفوذ على أراضي أفريقية، واستغلال مقدرات هؤلاء الشعوب؟.
المصادر:
[1] عبد الرزاق الحسني، تعريف الشيعة، بغداد، دار المعارف، 1933.
[2] مبارك حماد، المذهب الشيعي يتمدد في أفريقيا بدعم من إيران، مايو 2016، إرم نيوز، متاح على الرابط الآتي: https://www.eremnews.com/news/489304
[3] Mulla Asgherali, An Outline History of Khoja Shia Ithna Asheri in Eastern Africa, KhojaPedia, URL: https://khojapedia.com/wiki/index.php?title=An_Outline_History_of_Khoja_Shia_Ithna_Asheri_in_Eastern_Africa
[4] إفريقيا تشهد ارتفاعاً بموجة التشيّع ليصل عددهم إلى 7 ملايين، العربية، مايو 2010، متاح على الرابط الآتي: https://www.alarabiya.net/articles/2010%2F05%2F11%2F108319
[5] النيجر مثالًا.. كيف ينتشر التشيّع في إفريقيا؟، نون بوست، نوفمبر 2022، متاح على الرابط الآتي: https://www.noonpost.com/45792/
[6] المد الشيعي في إفريقيا هل تحول إلى ظاهرة؟، تبوبوست، يوليو 2018، https://www.toboulib.com/new-blog-1/2018/7/2/-
[7] فاطمة علي عبود، إستراتيجية إيران للهيمنة وتصدير التشيع في أفريقيا، رواء، مايو 2025، متاح على الرابط الآتي: https://n9.cl/qe0fl
[8] السنغال نموذجاً: قنوات إيران لنشر “التشيع” في غرب أفريقيا، مركز المستقبل، أكتوبر 2014، متاح على الرابط الآتي: https://n9.cl/jbma5
[9] عبد الله عيسى الشريف: النفوذ الإيراني في شرق إفريقيا.. الأدوات والاستراتيجيات، رياليست عربي، مارس 2020، متاح على الرابط الآتي: https://n9.cl/5t7ntz
[10] محمد الأمين سوادغو، انتشار التشيع وتأثيره في النسيج الاجتماعي في غرب إفريقيا، قراءات أفريقية، يونيو 2016، https://n9.cl/75tik
[11] فاطمة علي عبود، مرجع سابق.
[12] محمد الأمين سوادغو، مرجع سابق.