المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > مشاركةُ تركيا في الاجتماعِ الغيرِ رسمي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي: حوارٌ حقيقي أم طريق مسدود
مشاركةُ تركيا في الاجتماعِ الغيرِ رسمي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي: حوارٌ حقيقي أم طريق مسدود
- سبتمبر 2, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: محمود محمد حسن
باحث في شئون الدول التركية
مقدمة:
بتاريخ 29 أغسطس 2024 , عُقِدتْ القمة الغيرُ رسمية لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل بمشاركة نظيرهم التركي هاكان فيدان . ووفقاً لبيان وزارة الخارجية التركية, عقد هاكان فيدان اجتماعاتٍ ثنائيةً منفردة مع الوزراء الأوروبيين كما تمت مناقشة التطورات الإقليمية والعالمية على المستوى العام. وبينما أشارَ محللون أن الزيارة تعني انفراجةً في العلاقات التركية-الأوروبية المتعثرة منذ عام 2019 وقد تَسمحُ لتركيا بتحقيق أهدافها قصيرةِ المدى كتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي وإلغاء التأشيرة على المواطنين الأتراك وربما إطلاق مفاوضات العضوية على المدى الطويل, إلا أن هذه الفرضيات يَشوبُها تَجاهلٌ واضح للعديد من الملفات الخلافية والعقبات التي تُعرقِلُ تحقق تعاونٍ حقيقي بين أنقرة وبروكسل.
أولاً: دوافعُ الاتحادِ الأوروبي من دعوة تركيا:
تُعدُ القمة الغير رسمية لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي منصةً لتبادل وجهات النظر بشأن القضايا العالمية وتطوير استراتيجيات مشتركة لتنسيق المواقف وخَلْقِ موقف أوروبي موحد. ولقد تم توجيه دعوة إلى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان للمشاركة في القمة رغم أن تركيا ليست عضواً بالاتحاد الأوروبي , بل إن العديدَ من مواقفها الخارجية غير متسقة مع التكتل. في الوقت ذاته, يجب تحليل العوامل التي قد تُسهِمُ في تقليل الفجوة بين المنظورين التركي والأوروبي ولعل أهمَها التحديات الجيوسياسية العالمية واحتلال ملف ” الأمن” حيزاً كبيراً على الأجندة الخارجية الأوروبية ويمكن استعراضها كالتالي :
الحربُ الروسية الأوكرانية: حصلتْ القضية الأوكرانية على نصيب الأسد من محادثات القمة كما أُتِيحتْ الفرصة لوزير خارجيتها بتقديم إحاطةٍ حول الحرب. وهنا يأتي دور أردوغان الذي يتمتع بعَلاقاتٍ جيدةٍ نسبياً مع بوتين بحيث تزداد الأصوات المؤيدة لتسويةٍ سلميةٍ للحرب داخل أروقة الاتحاد الأوروبي على غِرارِ المجر وسلوفاكيا وانخفاض مساهمة آخرين كألمانيا. كما أن أنقرةَ تُشاركُ بروكسل مفهومَها حول التسوية المبنية على ” سلامة الأراضي الأوكرانية ووحدتها”. في هذا السياق, تُمثلُ تركيا الوسيطَ المفضلَ لدى الاتحادِ الأوروبي على نقيض وسطاء آخرين مثل الهند والصين الذين قد يقدمون صفقة ” روسية الصنع” للسلام.
الحرب الإسرائيلية على غزة: بحيث تمثل تركيا شريكاً مهماً لأي صفقةِ سلامٍ مُحتملةٍ في الشرق الأوسط نظراً لعلاقاتها الوثيقة بحماس وقدرتها على التواصل الفعال مع قوى إقليمية مهمة وفي مقدمتها إيران. كذلك, يُلاحَظُ تَغيّرُ نبرة الخطاب الأوروبي حول الحرب من دعم غير مشروط لإسرائيل إلى موقف أكثر اعتدالاً وتأييداً لوقف نهائيٍ للحرب في غزة وإطلاق عمليةِ سلام شاملة مما ي يَتسقُ مع الموقف التركي. بالتالي, لدى أنقرة وبروكسل نقاط مشتركة متعددة في هذا الملف يمكن البناءُ عليها.
قضايا الهجرة: تبعاً لتصاعدِ الأزمات الإقليمية وتَصاعدِ مخاوف الأوروبيين من موجةِ لجوءٍ جديدةٍ نحو القارة, نُوقِشَ ملفُ الهجرة مع تركيا باعتبارها شريكاً رئيسياً للتكتل في الحدٌِ من الهجرة غير الشرعية وفقاً لاتفاقية اللاجئين وإعادة قبول المهاجرين غير الشرعييين عام 2016. ومع تَصاعدِ التيار اليميني المتطرف والذي يتبنى خطاباً معادياً للأجانب والمهاجرين داخل الهرم السياسي الأوروبي, أصبحت الكتلةُ الأوروبيةُ بحاجةٍ لإعادة إطلاق الحوار مع تركيا لتنسيق الجهود المشتركة للحَدِّ من هذه الأزمة.
قضايا الطاقة: نَاقشَ الوزراءُ أهميةَ تطوير العلاقات التركية-الأوروبية الطاقوية وضمان إمداد دول الكتلة الأوروبية بالغاز الطبيعي القادم من آسيا الوسطى. تبعاً لذلك, يُولى الأوروبيون أهميةً كبيرة لدور تركيا المحوري كمركزٍ لنقل الطاقة وتحقيق خطة الاتحاد الأوروبي في استبدال الغاز الروسي بمصادر طاقة أخرى.
عوائقُ حدوثِ اختراق بالعلاقات التركية-الأوروبية:
ملفُ حقوق الإنسان والديمقراطية: لا يَجبُ إغفالُ أن العاملَ الرئيسي – المعلن على الأقل – لإغلاق ملف العضوية التركية وفقاً لبيان مجلس الشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبي عام 2019 تَمَثّلَ في تدنى مستوى الحريات المدنية وحرية الصحافة والأقليات. علاوةً على ذلك, عرقلت بروكسل قَبولَ تركيا كعضو داخل النادي الأوروبي منذ ترقية العلاقات مع أنقرة ل”عضو محتمل” عام 1999 لعدم اتساق ممارسات الحكومات التركية المتعاقبة مع “معايير كوبنهاجن” التي تشددُ على أهمية الانفتاحِ السياسيِ والاقتصاديِ.
كما أعلنت المفوضيةُ الأوروبيةُ بتقريرها السنوي الصادر في أكتوبر 2023, أن عضويةَ تركيا وصلت “لطريق مسدود” لعدمِ إحراز الأخيرة تَقدمٍ في هذا الصدد الحقوقي. ومع عَقْدِ انتخابات الرئاسة التركية في مايو 2023 والانتخابات البلدية بتاريخ مارس عام 2024 اللتين أظهرتا قدراً ملموساً من التنافسية والتعددية السياسية إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتغيير الموقف الأوروبي.
العلاقاتُ مع اليونان: عَقَدَ فيدان اجتماعاً منفرداً مع نظيره اليوناني على هامش القمة لمناقشة تطوير العلاقات الثنائية وتخفيض مستوى التوترات البينية , ولعل على رأسِها القضيةَ “القبرصية” التي شَهِدتْ حراكاً في الآونة الأخيرة تَمثّلَ في تصاعد نشاط الطائرات المتواجدة بقواعد بريطانيا في جمهورية قبرص مما أثار مخاوف القبارصة الأتراك على حدّ تعبير رئيس ” شمال قبرص التركية ” أرسين تتار. بالتالي, جاء موقف فيدان واضحاً بالتمسكِ بحل الدولتين والاعتراف بحق القبارصة الأتراك في دولتهم المستقلة. في ضوء هذا الحراك, من المستبعدِ تصفيةُ المشكلات لتباعد وجهات النظر اليونانية- المتمسكة بوحدة الجزيرة- والتركية.
كذلك, يُوجدُ ملف جزر بحر “ايجه” المتنازع عليها بين البلدين والذي ساهم في غَلْقِ قنوات الحوار التركية- الأوروبية عام 2019. ورغم الهدوء النسبي للأزمة إلا أنه يطفو على السطح من وقت لآخر , واضعاً تلك القضية على أولوياتِ تحسينِ العلاقة التركية مع أوروبا على المستويين الثنائي ومتعددِ الأطراف.
الأزمة الليبية: تُجسّدُ الأزمةُ الليبية ميداناً جديداً للخلاف التركي-الأوروبي , بل إن مسؤولَ السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عَبّرَ عن عدم ثقته بتواجد تركيا في ليبيا , بحيث يرى الساسةُ الأوروبيون أن تركيا وروسيا استحوذتا على الساحل الليبي وفقاً لتصريح بوريل وعملتا على إخراج الفرنسيين والإيطاليين مما يَعكسُ نظاماً متوسطياً مناقضاً للرؤيةِ الأوروبية. في الحقيقة, تَتَضمنُ تصريحات بوريل منظوره للدور التركي بحيث يرى تركيا بعدسات ” المناوئ ” وليس الشريك الذي بمكن التعاونُ معه مما يجعل التنسيق التركي-الأوروبي في هذا الملفِ مستبعداً.
آليةُ اتخاذِ القرار الأوروبي: ومما يُعزّزُ المخاوفَ الأوروبية من طَرْحِ مسألة قبول تركيا كعضوٍ كامل هو هيكل البرلمان الأوروبي ذاته. يتمُّ توزيع المقاعد في البرلمان وفقاً لمبدأ ” التناسبِ التنازلي” المنصوص عليه بمعاهدة الاتحاد الأوروبي. هذا يعني أن الدولَ الأكثر من حيث عدد السكان تحظى بعددٍ أكبر من المقاعد البرلمانية الأوروبية من نظيراتها الأقل سكانياً على أن تتمتعَ الدولة على الأقل بسِتِّ مقاعد أو 96 كحد أقصى وفقاً لتعدادها السكاني. في ضوء هذه المنظومة, سوف تحصل الأحزابُ التركية على تمثيل داخل البرلمان الأوروبي يَفوقُ أيةَ دولة أخرى , بحيث صنف البنك الدولي بتقريره عام 2023 تركيا كأكبر دولة أوروبية من حيث عدد السكان البالغ 85 مليون نسمة. هذا يعني أن تركيا ستمتلك قدرةَ البت والفصل في جُلِّ قرارات البرلمان , وهو أمر يخشاه صناع القرار الأوروبيون.
على النقيض، انتقدت الخارجية التركية آلية التصويت بالإجماعِ وحقَّ الفيتو الأوروبي الذي ” يحتجز مواقف الاتحاد الأوروبي رهناً لدولة أو دولتين” واصفةً إياه ب”المعرقل” لتقدم العلاقات. وآخذاً في الاعتبار تَوترَ العلاقات السياسية بين أنقرة والعديد من جيرانها الأوروبيين كما ذكر سلفاً, فمن غير المرجح أن يحظى ملفُ تحسين العلاقة مع تركيا بإجماع أوروبي ناهيك عن قبولِ عضويتها.
العاملُ الثقافي: السفير التركي المتقاعد رئيس اللجنة التنفيذية لمنتدى الشؤون العالمية، سليم يانال سَلطَ الضوءَ على عامل الدين كعنصر خفيٍ في تصدع العلاقات-التركية الأوروبية بحيث يوجدُ شِبهُ إجماع أوروبي على “مسيحية التكتل” وعدم إمكانية قبول دولة ” ذات غالبية مسلمة”. وكانت جورجيا ميلوني رئيسة الوزراء الإيطالية قد سبق لها الإفصاحَ عن هذه الحساسية الأوروبية , موضحةً ” تركيا لا تنتمي لأوروبا جغرافياً وثقافياً وتاريخياً”. أضف إلى ذلك صعودُ اليمين المتطرف إلى سُدّةِ السلطة في النمسا والمجر وسلوفاكيا وإيطاليا وهولندا ,وتمتع أحزابه بنفوذ سياسي ملحوظ في فرنسا وإسبانيا وألمانيا والسويد. هذه الأحزاب تُعززُ “الهوية المسيحية” كفاعلٍ مهم ضمن التكوين الديموغرافي للاتحاد مما يُقللُ فرصَ تركيا في الانضمام للنادي الأوروبي.
إجمالاً لما سبق، أثبتتْ محادثاتُ القمة احتياجَ بروكسل الواضح لتوظيف القدرات التركية لحلِّ العديد من الأزمات العالقة مثل الحرب الأوكرانية وحرب غزة وقضايا الهجرة والطاقة. على الجانب الآخر, تُوجدُ ملفات خلافية متعددة بين الطرفين ومن ضمنها الأزمات الليبية والقبرصية و”مستوى الحريات التركية” بجانب انخراط العوامل الثقافية والدينية في المشهد ليزدادَ تعقيداً , ويكتب الفشل لمباحثات الحوار قبل انطلاقه. لكن يَجبُ الإشارة أن الساسة الأتراك والأوروبيين على علمٍ بعدم إمكانية دَفْعِ العلاقات إلى مستوياتٍ متقدمةٍ , وأن عضوية تركيا في الاتحاد ” باتت مستحيلة” . لذلك تمثل المرحلة القادمة من العلاقات التركية-الأوروبية ” مرحلةَ تحصيلِ ما يمكن تحصيلهُ” وتعظيمِ المنافع المتبادَلةِ بين الطرفين بقدرِ الإمكان.
المصادر:
- الرقم: 174، 28 أغسطس/ آب 2024، حول مشاركة معالي وزير الخارجية التركية في الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي. وزارة الخارجية بالجمهورية التركية. 28/8/2024. متاح على الرابط التالي :
- ألمانيا تخفض مساعداتها العسكرية لأوكرانيا إلى النصف وسط تكهنات بعودة ترامب للبيت الأبيض. فرانس 24. 18/7/2024. متاح على الرابط التالي :
- مصدر: تركيا ستبلغ قمة حول أوكرانيا بضرورة مشاركة موسكو. جريدة الشرق الأوسط. 14/6/2024ز متاح على الرابط التالي
- سعيد عبدالرازق. للمرة الأولى منذ 5 سنوات… تركيا تشارك باجتماع غير رسمي للاتحاد الأوروبي. جريدة الشرق الأوسط. 28/8/2024. متاح على الرابط التالي :
- زيد اسليم. ماذا تعني دعوة تركيا لاجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي غير الرسمي؟. الجزيرة.نت. 28/4/2024. متاح على الرابط التالي:
- لأول مرة منذ 5 سنوات.. تركيا تشارك باجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي. جريدة زمان. 28/8/2024. متاح على الرابط التالي :
- كمال أوزتورك. أوروبا في براثن العنصرية: صعود اليمين المتطرف وتداعياته. الجزيرة.نت. 19/6/2024. متاح على الرابط التالي :
- 2024-2029 European Parliament: how many MEPs per country?. European Parliament. 17/6/2024. Available at : https://2u.pw/rCcbE72F
- Population, total – Turkiye. World Bank. Available at : https://data.worldbank.org/indicator/SP.POP.TOTL?locations=TR
- Turkey’s foreign minister attends EU meeting after five years. Duvar English. 29/8/2024. Available at : https://www.duvarenglish.com/turkeys-foreign-minister-attends-eu-meeting-after-five-years-news-64871
- Yusuf Kamadan. What does Hakan Fidan’s inclusion in Gymnich mean for Ankara-Brussels ties?. TRT Afrika. 29/8/2024. Available at : https://2u.pw/O2hlWgjJ