المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > مشروعُ الممرِ الأوسطِ: من حلمٍ تجاريٍ إلى واقعٍ مليءٍ بالتحدياتِ
مشروعُ الممرِ الأوسطِ: من حلمٍ تجاريٍ إلى واقعٍ مليءٍ بالتحدياتِ
- مارس 25, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: محمود حسن
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
مقدمة
منذُ إعلانِ فكرة “طريق النقل الدولي عبر قزوين” في عام 2012، أصبحُ الممرُ الأوسطُ أحدَ المشاريعِ الأكثرِ طموحاً في عالم النقل اللوجستي، حيث يهدفُ المشروعُ إلى خلْقِ جسرٍ تجاريٍ بين الصين وأوروبا عبر مسارٍ بريٍ وبحريٍ سريعٍ وآمنٍ، بعيداً عن الممرات التقليدية المهيمنة عليها روسيا، ومع تزايد الاهتمام العالمي بهذا المشروع في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، تتزايد التساؤلات حول مدى نجاحه في مواجهة التحديات الاقتصادية والجيوسياسية التي قد تحد من فاعليته.
وصفُ المشروعِ
يمثلُ مشروعُ الممرِ الأوسطِ المعروفِ باسم “طريق النقل الدولي عبر قزوين ” (TITR)، طريق نقل بري بحري يربط الصين بأوروبا، ويبدأُ الشحنُ خلاله من الصين إلى كازاخستان بالسكك الحديدية، ثم يصلُ إلى ميناءِ أكتاو في كازاخستان، ليعبرَ بحرَ قزوين إلى ميناء باكو في أذربيجان، ثم يصلَ إلى جورجيا بالسكك الحديدية، ثم إلى جنوبِ أو وسط أوروبا إمّا عبر موانئ البحر الأسود الجورجية، وإما عبر تركيا من خلال سكة حديد “باكو-تبليسي-قارص” حسب وجهةِ الشحن المتجهِ لها، يتميزُ الممرُ الأوسط البالغ طوله 7000 كيلومتر بأنه أقصرُ طريقٍ جغرافيٍ بين غرب الصين وأوروبا مقارنةً بالممرِ الشمالي البالغ طوله 10 آلاف كيلومتر، والطريق البحري التقليدي البالغ طوله 20 ألف كيلومتر.
ولقد طرحت تركيا وجورجيا المشروع لأول مرة جدياً عام 2012 ولقد نالتْ الفكرةُ اهتمامَ صناع القرار في كازاخستان وتركمانستان. علاوةً على ذلك، مثل افتتاح خط السكك الحديدية العابرة لكازاخستان، والذي يربطُ بين باكو عاصمة أذربيجان وتبيليسي عاصمة جورجيا ومدينة قارص في شرق تركيا، أول خطوة عملية نحو تنفيذ المشروع وبشكلٍ أوسع الربط التجاري بين آسيا وأوروبا عبر الدول التركية. بالإضافة إلى ذلك، اكتملتْ أولُ رحلةٍ بين الصين وتركيا عبر القطارات المخصصة لمشروع الممر الأوسط عام 2020.
ولقد تمَّ اعتمادُ المشروعِ خلال إعلان أنقرة والذي تبناهُ الاجتماعُ الحادي عشرَ لوزراء النقل في منظمة التعاون الاقتصادي “إيكو” في فبراير 2022، كما توافقتْ الدولُ المذكورةُ سلفاً على المشروع رسمياً خلال أعمالِ المؤتمرِ الدولي “اللوجستيات ومزاياها في تطوير روابط النقل بين طاجيكستان ودول المنطقة” المنعقد بالعاصمة الطاجيكية دوشنبه بتاريخ 2 نوفمبر 2023. أخيراً، تم مناقشةُ سبلِ توحيدِ المعاييرِ القانونيةِ والفنيةِ المتعلقةِ بتنظيمِ نقل البضائعِ عبر الممر، بالإضافة إلى تعزيز الربط بين وسائل النقل في الدول المشاركة فيه. بالتالي، يمكنُ الاستنتاجُ أن المشروعَ شهدَ تقدماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة إلا أنه لا يزالُ في مرحلةِ الصياغةِ التنظيميةِ والفنية. لذلك يقدم المقال نظرة تحليلية شاملة عن فرص وقيود احتمالية نجاح المشروع.
الدوافعُ التركيةُ وراءَ الاهتمام بالمشروع:
تعزيزُ موقعِ تركيا كمركز لتداول الغاز الطبيعي: تستهدفُ أنقرة تسخيرَ المشروعِ للتحول إلى حلقةٍ الوصلِ بين مراكز الإنتاج الطاقي في آسيا الوسطى وأسواق الاستهلاك الأوروبية. خلال اجتماع قادة الدول التركية في مدينة شوشة الأذربيجانية عام 2024, صرحَ نائبُ الرئيسِ التركي جودت يلماز ” “أن نقلَ الغاز الطبيعي التركماني، إلى تركيا وأوروبا سوف يُسهمُ في رفاهيتنا الوطنية وأمن الطاقة في أوروبا”. هذا التصريح يعززُ القيمةَ الحيويةَ للمشروع للأمن الطاقي التركي والأوروبي.
تقويةُ علاقاتِ أنقرة مع دولِ العالم التركي: يندرجُ المشروعُ ضمن رؤيةِ العالم التركي 2040 والتي تهدفُ لتحويلِ منظمةِ الدول التركية والتي تضم تركيا، وأذربيجان، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان إلى نموذج مماثل للاتحاد الأوروبي يعتمد على منحِ حريةِ حركةِ السلع ورؤوس الأموال والخدمات والتكنولوجيات والأفراد بين الدول الأعضاء. يدعمُ هذه الفرضيةَ تصريحُ يلماز: “مشروع النقل الممتد من تركيا إلى آسيا الوسطى، سيعززُ التعاونَ بين الدول التركية ويكشف عن الدور العالمي للعالم التركي”. هذا يعني أن مشروعَ الممرِ الأوسط يُسهمُ في تعزيز الاتصالات التركية مع دول آسيا الوسطى على المستويات الاقتصادية والثقافية أيضاً لما يقدمهُ من ربطٍ جغرافيٍ مباشرٍ بين الأراضي التركية وهذه الدول.
إبرازُ الدورِ التركيِ على خارطةِ التجارة العالمية: أثناء الاجتماع السالف ذكره، شددَ نائبُ الأمينِ العام لمنظمة الدول التركية عمر كوجامان على أهميةِ الممرِ الأوسط ” كشريانٍ للتجارةِ العالميةِ”. كما نوّهَ الأخيرُ إلى ضرورةِ الاستفادةِ من الموقعِ الاستراتيجيِ للعالمِ التركي وتركيا خصوصاً عند ” تقاطع القارات” وتعظيمِ القيمةِ الاقتصاديةِ لهذا الموقعِ. كما أن تحليل خطاب كوجامان يسلطُ الضوءَ على طموحاتِ أنقرة باستغلالِ الظروفِ الجيوسياسيةِ المضطربةِ لدى الطرق المنافسة لتعزيز موقعِها على خارطةِ التبادلِ التجاري الدولي حيث أشار إلى التالي: ” ظل التحديات العالمية الأخيرة، أصبحَ الممرُ الأوسطُ شريانًا مهمًا للغاية. وإلى جانب تسهيل التجارة، فإن الأهميةَ الاستراتيجيةَ للممر ستعززُ المرونةَ الاقتصاديةَ والتعاونَ في ظل الديناميكيات الجيوسياسية المتطورة في”. تبعاً لذلك، تقدم تركيا طريق الممر الأوسط كالممر التجاري الأكثر استقراراً وأمناً في الوقت الحالي.
تقليصُ النفوذِ الروسي في آسيا الوسطى: وبخلافِ الفوائدِ الاقتصادية، هناك أبعادٌ سياسيةٌ للممر أيضا بالنسبة لأنقرة، فهو يقللُ من اعتمادِ الجمهورياتِ الناطقةِ بالتركيةِ على روسيا من أجل التجارة مع العالم. وتهدف تركيا إلى اجتذاب 30% على الأقل من التدفقات التي تمر عبر الممر الشمالي إلى الممر الأوسط. وسيوفر الممر للدول الواقعة عليه حال نجاحه فرصة تنموية متوقعة في حالِ ضمانِ الأمنِ والاستقرارِ والإدارة الفعَّالة في تلك الدول.
عواملُ نجاحِ المشروع:
تداعياتُ الحربِ الروسية-الأوكرانية: تسببَ اضطرابُ سلاسلِ التوريدِ العالميةِ بفعل الحرب الروسية الأوكرانية في صعودِ الاهتمامِ العالمي بالبحث عن طرقٍ بديلةٍ للتبادلِ التجاريِ بين الشرق والغرب تتجنبُ المرورَ بالأراضي الروسية وأصبحَ استبدالُ الممرِ الشماليِ الروسي ضرورةً اقتصاديةً إثرَ العقوباتِ الغربيةِ المفروضة على موسكو، ولقد حققَ الممرُ الأوسطُ استفادةً اقتصاديةً هائلةً من تحول شركات الشحن بعيداً عن الممرات المهيمن عليها روسياً، يتجلى ذلك بوضوح في ارتفاع حجم الشحن التجاري عبر الممر من530,000 طن عام 2021 إلى 3.2 مليون طن بنهاية عام 2022 (عام اندلاع الحرب الأوكرانية).
ومن المتوقعِ أن يصلَ مقدارُ البضائعِ المنقولةِ عبر الممر الأوسط إلى 10 مليون طن نظراً لاستكمال تركيا لشبكة سكك حديد “مرمراي” أسفل مضيق البوسفور مما يعززُ الربطَ التجاريَ بين آسيا الوسطى وأوروبا، يعززُ هذه الفرضيةَ تحولُ شركاتِ شحنٍ عملاقةٍ لاستخدامِ الممر مثل مجموعة رايل كارغو النمساوية، ومايرسك الدنماركية، ونورمينين لوجيستكس الفنلندية، ورايل بريدج كارغو الهولندية، بشكلٍ عام انخفض عدد سفن الشحن الغربية المارة بالممر الشمالي الروسي بنسبة قدرها 51 % في عام 2023، لذلك يقدم الممر الأوسط بديلاً جذاباً لدى الشركات الغربية حيث من المخططَ أن يصلَ زمنُ الرحلةِ بين الصين وأوروبا عبر الممر الأوسط عند اكتماله إلى 12 يوماً فقط.
وجودُ إرادةٍ سياسيةٍ حقيقيةٍ للمشروع:
الصين: فقد استثمرتْ الصين في البنيةِ الأساسيةِ اللوجستية التي تدعمُ الممرَ الأوسطَ. فقد بنتْ بوابةَ خورغوس ومولت المنطقة الاقتصادية الخاصة خورغوس-البوابات الشرقية، والتي تشكل في مجموعها مركزاً ضخماً لشحن السكك الحديدية يمتدُ على طول الحدود الصينية الكازاخستانية. من منظور بكين، أن وجود طريق تجاري لا تهيمن عليه روسيا (كما في حالة الممر الشمالي) ولا تستطيع الولايات المتحدة التأثير عليه بشكل مباشر (كما في حالة الطريق البحري التقليدي) يشكل قيمة استراتيجية بالنسبة للصين.
تركيا: الأمرُ ذاتهُ ينطبقُ على الموقفِ التركيِ فلقد جعلت تركيا الممر الأوسط محور سياستها الخارجية في آسيا الوسطى. في الفترة من 2013 إلى 2015، وقعت اتفاقيات مع أذربيجان والصين وجورجيا وكازاخستان لتحسينِ اتصالِ الممر بأوروبا. ووفاءً بوعدها، قامت تركيا ببناء نفق أوراسيا وجسر يافوز سلطان سليم في إسطنبول في عام 2016، كما اقتربت مشروعات بنية تحتية أخرى على غرار خط سكة حديد أدرنة-قارص فائق السرعة وطريق شمال مرمرة السريع من مراحلها النهائية.
الاتحادُ الأوروبيُ: بهدفُ تقليلُ الاعتمادِ على الطرقِ الروسية، يسعى الاتحاد الأوروبي لدعم المشروع عبر الاستثمار في بنيتهِ الأساسيةِ. في هذا الإطار، قدمتْ بروكسل حزمةً تمويليةً قدرها 10.8 مليار دولار لدول المشروع لتطوير البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية للممر الأوسط. يأتي التحرك الاستراتيجي الأوروبي في سياق تأمين الوصول إلى نفط دول آسيا الوسطى كبديل للغاز الروسي.
دول آسيا الوسطى: إن العواصمَ التركيةَ تسعى لتحقيقِ قدرٍ من الوكالةِ والاستقلاليةِ عبر هذا المشروع. يمكنُ القولُ إن الدولةً التركيةَ ترى مشروع الممر الأوسط كخطةٍ اقتصاديةٍ أكثر “عدلاً” من مبادرة الحزام والطريق الصينية والتي أثقلت كاهلها بالديون الخارجية. كما يحقق المشروع الاقتصادي هدفاً استراتيجياً لهذه الدول ألا وهو تقليص نفوذ روسيا في المنطقة كما تم توضيحه سلفاً.
عدمُ استقرارِ الطريقِ الجنوبي: شهدَ طريقُ الربطِ التجاري بين آسيا وأوروبا والمعروف “بالطريق الجنوبي” والذي يرتكز على قناة السويس المصرية كممرٍ تجاريٍ رئيسيٍ – يمر عبره 15 % من إجمالي التجارة الدولية- حالة من التوتر وعدم الاستقرار كنتيجة لهجمات جماعة الحوثيين على السفن التجارية عند مدخل البحر الأحمر. في ضوء هذه المعطيات، انخفض معدل المرور بالقناة بنسبة 50 % عام 2024. ولذلك يمكن القول إن اضطراب الملاحة في البحر الأحمر قد يُعطي دفعةً دوليةً للبحثِ عن ممراتٍ تجاريةٍ بديلةٍ مثل الممر الأوسط.
مُعوقاتُ مشروعِ الممر الأوسط:
البيئةُ الجيوسياسية: رغم تلاقي مصالحِ الدولِ المنخرطةِ في الممرِ الأوسط اقتصادياً، إلا أن هناك مجموعةً من التعقيداتِ الجيوسياسيةِ التي قد تعيقُ تقدّمَ المشروعِ. على سبيل المثال، قد تستخدم روسيا نفوذها الإقليمي لعرقلة المشروع حفاظاً على مكاسبها التجارية. إن وكازاخستان وقرغيزستان أعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تتزعمه روسيا مما يعطيُ الأخيرةَ نوعاً من ” الفيتو” على قدرِ انخراطِ الدولتين في المشروع. أضف إلى ذلك الصراعَ المطوّلَ بين أذربيجان وأرمينيا في جنوب القوقاز وفشل صيغ السلام على مدار العاميين الماضيين منذ سبتمبر 2023. كذلك يعززُ الوجود العسكري الروسي بمقاطعة أباخزيا الجورجية المحتلة اختلال المعادلة الأمنية بمنطقة القوقاز. هذا يقلل حماس المستثمرين الأجانب لدعم مشروع يعمل في بيئة أمنية غير مستقرة.
قصورُ البنيةِ التحتية: يجدرُ ملاحظةُ حجم التفاوت في قدرات البنية الأساسية للدول المشاركة في الممر الأوسط. فبحسبِ تقديراتِ البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، تُقدَّر الاحتياجاتُ الاستثماريةُ الفوريةُ لتحديثِ البنيةِ التحتيةِ في الممر الأوسط بنحو 3.5 مليارات يورو. كما أن السكك الحديدية الروسية تستطيع نقل 144 مليون طن من البضائع وفقاً لتقديرات ما قبل الأزمة الأوكرانية. هذا يقود إلى استنتاج أن الهدفَ الموضوعَ من قِبلِ الدولِ العاملةِ على المشروع والمحدد ب 10 مليون طن من البضائع بحلول عام 2027 لا يتناسب مع كثافة الحركة التجارية في المنطقة. من الضروري تسليط الضوء على أن القدرات الحالية للممر الأوسط لا تلبى سوى 5 % من احتياجات التجارة بين الصين وأوروبا، لكن يجب الإشارةُ إلى جهودِ الدولِ التركية لرفع قدراتها اللوجستية والنقلية مؤخرا. على مدار السنوات الست الماضية، بنت كازاخستان 2500 كيلومتر من السكك الحديدية بتكلفة 35 مليار دولار أمريكي. في الوقت نفسه، تقوم أذربيجان وكازاخستان بتحسين قدرات موانيهما وسفنهما في بحر قزوين. رغم هذه الخطوات الهامة نحو تحسينِ قدراتِ المشروعِ على نقلِ البضائع، لا يزالُ يحتاجُ الممرُ قدراً كبيراً من الاستثمارات في البنية الأساسية لمنافسة نظرائه وجذب شركات الشحن العالمية.
الإجراءاتُ الحدوديةُ: تمثلُ التأخيراتُ على الحدودِ بين دول الممر الأوسط عقبةً كبيرةً أمام تسريعِ عمل المشروع. هذه الإجراءات الروتينية والجمارك تقوضُ الميزةَ التنافسيةَ للممر الأوسط كأقصرِ ممٍر جغرافيٍ بين الصين وأوروبا حيث تقدر المدة الفعلية للرحلة بحوالي 40 يوماً وليس 12 يوماً كما ورد بمخطط المشروع. بل يبلغ الوقت اللازم لشحن البضائع عبر الممر الأوسط حالياً ضِعف نظيره في الممر الشمالي، إذ استغرقَ نقلُ البضائعِ من خورجوس في كازاخستان إلى كونستانتا في رومانيا أكثر من 50 يوماً عام 2022، وهو ما يؤثرُ في ميزةِ اختصارِ الوقتِ في الممرِ الأوسطِ مقارنةً بالطريق البحري أو الممر الشمالي، كذلك، ارتفاع نسب التعريفات الجمركية بجانب سعي الدول لتغطية تكاليف المشروع أسهم في ارتفاع رسوم النقل عبر الممر لتصلَ وفقَ بعضِ التقديراتِ إلى 5000 دولار. يجبُ التنويهُ أن الرحلةَ ذاتَها عبر الممر الشمالي الروسي تكلف 2800-3200 دولار مما يضعفُ قدرةَ الممر الأوسط على المنافسةِ. بالإضافةِ إلى ذلك، تفتقرُ دولُ المشروعِ إلى مراكزَ صناعيةٍ وسكنيةٍ عملاقةٍ بطول خطوط الممر على نقيض المجمعات الصناعية الروسية والبيلاروسية والتي تم تطويرها على مدار عقود منذ الحقبة السوفيتية. هذا يعني أن الحساباتِ التجاريةَ تميلُ لصالحِ الممر السيبيري الروسي كونهُ يفتحُ أسواقاً للبضائع داخل روسيا نفسها وليس فقط داخل أوروبا، وتسعى الدول التركية حالياً لتحقيق نوع من التكامل الاقتصادي لتخطي هذه العقبة. خلال قمة دوشنبه عام 2023, اقترح الرئيس التركماني صردار بردي محمدوف إنشاء منصة مشتركة للنقل واللوجستيات في آسيا الوسطى. في يونيو 2023، أعلنت كازاخستان وأذربيجان وجورجيا عن نيتها إنشاءَ شركةِ لوجستياتٍ مشتركةٍ وتوحيدِ التعرفةِ السككية. لكن لا يزالُ الطريقُ الطويلُ أمام الدول التركية لتذليل مشكلة الإجراءات الحدودية بشكل نهائي.
الميزةُ التنافسيةُ للطرق البحرية: تتميزُ طرقُ النقل البحري بقدراتٍ استيعابيةٍ تتفوق على نظيرتها البرية بجانب انخفاض تكلفتها وتأثيراتها البيئية المحدودة. على سبيل المثال، خلال الفترة بين 2019 و2022 شكَّلت حصة النقل البحري 91% من إجمالي التجارة بين الصين وأوروبا من حيث الحجم، فيما بلغتْ حصةُ النقلِ البري 3.3% فقط وفقاً لإحصائيات البنك الدولي. هذا يعني أن قناةَ السويس المصرية رغم الظروف الجيوسياسية الصعبة في المنطقة لا تزالُ تمثلُ الطريقَ الأكثرَ جاذبيةً لشركات الشحن العالمية.
التحدياتُ البيئيةُ: تُعتبرُ التقلباتُ المناخيةُ ضمن العوامل الخارجة عن سيطرةِ دول المشروع، حيث إن مناخ بحر قزوين يؤدي إلى تعطيل حركة البضائع خلال فصل الصيف لبضع أسابيع فضلاً عن غياب البنية التحتية القادرة على معالجة هذه التحديات على عكس نظيرتها الروسية كما هو مذكور أعلاه. على سبيل المثال، هناك خططٌ أذربيجانيةٌ لتطويرِ وتوسعةِ ميناء باكو لزيادةِ قدرتهِ الاستيعابيةِ. سيؤدي الميناء الموسع إلى تعزيز الإقبال على الممر الأوسط ولكن دون إيجاد حلول فعالة للعراقيل المناخية، ناهيك عن تشكيل تضاريس مسارات الممر الأوسط عقبة عملية أمام تشجيع شركات الشحن العالمية لاستخدامه. يحتاجُ الممرُ إلى موانٍٍ عميقةٍ مع انخفاض منسوب بحر قزوين عام 2023 إلى سالب 29 متراً تحت مستوى سطح البحر. هذا يؤكدُ حاجةَ المشروعِ لأعدادٍ ضخمةٍ من الموانئ البحرية وسفن النقل لتحسين جاذبيته التجارية.
خاتمة
دوافعُ تركيا وراء دعم مشروع “الممر الأوسط” تشملُ تعزيزَ مكانتِها كممرٍ رئيسيٍ للغاز الطبيعي بين آسيا الوسطى وأوروبا، وتقوية علاقاتها مع دول العالم التركي عبر تحسين التعاون الاقتصادي والثقافي. كما يسعى المشروعُ لتعزيزِ دورِ تركيا في التجارة العالمية بفضلِ موقعِها الاستراتيجي، وتقليصِ النفوذ الروسي في آسيا الوسطى من خلال توفير بديل تجاري للدول في المنطقة.
أخيراً، رغم الإمكانياتِ الكبيرةِ التي يحملها مشروعُ الممرِ الأوسط كبديلٍ استراتيجيٍ للممرات التقليدية، إلا أن هناك العديدَ من العوامل التي قد تؤثرُ سلباً على نجاحِه. في ظل البيئة الجيوسياسيةِ المعقّدة، فإن التوتراتِ الإقليميةَ والصراعاتِ المستمرةَ قد تؤدي إلى تأخير أو حتى تعطيل تقدم المشروع. بالإضافة إلى ذلك، تبقى البنيةُ التحتيةُ غيرُ مكتملةٍ، مما يشكل عائقاً كبيراً أمام تحقيق الأهداف الطموحة التي وضعتها الدول المشاركة. علاوة على ذلك، تبقى التحدياتُ اللوجستيةُ، مثل التأخيراتِ على الحدودِ وارتفاعِ التكاليف، أبرز المعوقات التي تهدد قدرة الممر الأوسط على التنافس مع الطرق الأخرى. في ظل هذه المعوقات، من المحتمل أن يواجهَ المشروعُ صعوباتٍ كبيرةّ في الوصولِ إلى أهدافهِ المقررة، وقد لا يحققُ النجاحَ المرجوَّ في الوقت القريب.
المراجع
-
هدير طلعت سعيد. مشروع ممر TUTIT:: محفزات ومعوقات تنفيذ ممر جديد لربط آسيا وأوروبا. مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة. 22/2/2024. متاح على الرابط التالي: https://rb.gy/o5suzv
-
عز الدين رمضان. الممر الأوسط.. طريق الصين وأوروبا لتجاوز العملاق الروسي. الجزيرة. نت. 4/6/2024. متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/Gv6Zr
-
أحمد مولانا. ممر النقل الأوسط: الجذور والواقع والمستقبل. TRT عربي. 21/3/2024. متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/Tqdco
-
التحديات العالمية تزيد من الأهمية الاستراتيجية للممر الأوسط. تركيا نيوز. 7/7/2024. متاح على الرابط التالي : https://shorturl.at/IlMSt
-
هارون قطبي، بشار بياتلي. يلماز: تطوير الممر الأوسط سيعزز التعاون بين الدول التركية. وكالة أنباء الأناضول. 6/7/2024. متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/3cfW0
-
نفوذ تركيا في القوقاز وآسيا الوسطى آخذ في الاتساع على حساب روسيا. مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية. 258/5/2024. متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/oFp6H
-
لماذا تتجه أنظار القوى العالمية نحو الممر الأوسط؟ صحيفة إيران الدولية الوفاق. متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/v6AQx
-
Alberto Rizzi, Risk and reward: Why the EU should develop the Middle Corridor trade route. European Council For Foreign Relations. 11/4/2024. Available at: https://shorturl.at/htIAK
-
Yunis Sharifli. From Disinterest to Strategic Priority: China’s Changing Approach to the Middle Corridor. Trends Research and Advisory. 24/11/2024. Available at: https://shorturl.at/ReUa2
-
Hunter Stoll. The Middle Corridor: A Renaissance in Global Commerce. Rand Organization. 11/3/2024. Available at: https://shorturl.at/c2DXn
-
Felix K. Chang. The Middle Corridor through Central Asia: Trade and Influence Ambitions. Foreign Policy Research Institute. Available at: https://shorturl.at/zmvWi