المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > مشــروع “غـــــزة الجديــدة”: تحركــات ميليشيـا “أبـو شبــاب” وتداعياتــها المحتمــلة
مشــروع “غـــــزة الجديــدة”: تحركــات ميليشيـا “أبـو شبــاب” وتداعياتــها المحتمــلة
- أغسطس 16, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعـــداد: فــــداء منصــــور
بـــاحــث فـي برنامــج الأمــن والإرهـــاب
تعيشُ غزة في ظلّ بيئةٍ أمنيةٍ شديدةِ التعقيد، حيثُ تتشابك الصراعات الداخلية مع الضغوط الإقليمية والدولية، ما يجعلُ أي تحرُّكٍ ميدانيٍ جديدٍ محل اهتمامٍ ورصْدٍ دقيقٍ. والجديرُ بالذكر، فقد أقرَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” في مطلع شهر يونيو الماضي من العام الجاري بتعاون إسرائيل مع “عناصر عشائرية” لتسهيل إيصال المساعدات عبر مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة، أبرزُ هذه العناصر ميليشيا تُعرف باسمِ “القوات الشعبية”، والتي تفرضُ سيطرتَها على مناطق في شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة، حيثُ أعلنتْ منذُ تأسيسها عن إنشاءِ إدارةٍ شعبيةٍ تضمَّ لجاناً إداريةً ومجتمعيةً وفتْحِ باب التطوع لها، من ضمنها تشكيلُ حراساتٍ شعبيةٍ وتنظيمٍ مدنيٍ. في إطار ذلك، تطورت تحرُّكات “أبو شباب” إلى إعلانه في أغسطس الجاري عن تدشين ما يُشبهُ “إدارةً ذاتيةً” محليةً، لتحوِّل الحراسات الشعبية إلى قوات شرطية؛ تهدف إلى حفظ الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب في مناطق نفوذها – وفق تعبيره – بالإضافة لمرافقَ خدميةٍ، مما يجعلها تطمح لخَلْق نموذجٍ مختلفٍ لإدارة غزة بعيدًا عن مناطق الفصائل والصراع السياسي، حيثُ أكد “ياسر أبو شباب” أن هذه المبادرات تأتي ضمن رؤيةٍ متكاملةٍ لمشروع “غزة الجديدة”، بتأسيس مؤسسات مدنية وأمنية قادرة على خدمة السكان، بعيدًا عن حالة الفوضى التي تشهدها مناطق أخرى من القطاع.
من مُنطلق ذلك، تُثار تساؤلاتٌ حول دوافع وخلفيات التحركات والتطورات الميدانية الجديدة لميليشيا “أبو شباب” في غزة، وتأثيرِها المُحتملِ على المشهد الأمني والسياسي في القطاع، تلك التساؤلاتُ مُفاداها: كيف تختلف استراتيجيةُ ميليشيا “أبو شباب” الحالية عن نَمطِ تحركاتها السابقة، وما الذي يُميِّز دورها ضمن المشهد الفصائلي في غزة؟ وإلى أي مدى تُمثِّل تحركاتُ ميليشيا “أبو شباب” الأخيرة تحولًا في طبيعة الصراع الداخلي في غزة؟
السيــاق التطـــوُّري الملحـوظ لميليشيــــا “أبــو شبـــاب”
في ضوء ما سبق، من المهم التأكيد على أن هناك ميلشياتين إضافيتن تعملان مع إسرائيل في غزة: إحداهما بقيادة “رامي خليص”، رئيسُ عائلةٍ كبيرةٍ في مدينة غزة تابعةٍ لحركة “فتح” – الحزب الذي يرأس السلطة الفلسطينية – والأخرى بقيادة “ياسر خانيدق”، وهو شخصيةٌ تابعةٌ لحركة “فتح” تعمل في خان يونس. ومع ذلك، يبدو أن إسرائيل تُقدِّم دعمًا لميليشيا “أبو الشباب” أكثر من أيٍّ من هاتين الجماعتين الأخريين، مما يُمكِّن القوات الشعبية من العمل بقدرة شبه عسكرية.
ففي الأشهر الأخيرة، وسَّع “أبوشباب” نفوذه بإعلانه فتح باب التجنيد وتشكيل لجان إدارية ومجتمعية في مناطق سيطرته، وطالب بالاعترافِ الدوليِ بإدارةٍ فلسطينيةٍ مستقلةٍ تحت إدارته، داعيًا إلى إقامةِ ممراتٍ آمنةٍ لنقل الفلسطينيين إلى شرق مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، ويدلل على ذلك قوله: “تدعو القوات الشعبية، نيابًةً عن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين في غزة، الولايات المتحدة والدول العربية إلى الاعترافِ رسميًا بإدارةٍ فلسطينيةٍ مستقلةٍ تحت إدارة القوات الشعبية لشعب غزة ودعمها”.
في ضوء ذلك، فقد بثت الجماعة مقطع فيديو يوم الأربعاء 30 يوليو 2025، ظهر أفرادها وهم يُشرفون على عمليات النقل وإجراء فحوصاتٍ طبيةٍ للفلسطينيين النازحين من وسط قطاع غزة – تحديدًا مخيمات النُصيرات، ودير البلح، وخان يونس – إلى مناطق تحت سيطرتها شرق مدينة رفح جنوب القطاع، واخْتتم الفيديو بعبارةٍ لافتة: “بدأ اليوم التالي لحماس”؛ في إشارةٍ إلى مشروعٍ بديلٍ للحكم تسعى الجماعة لفرضه على الأرض. أعقب ذلك، بثُّ مقطع فيديو آخر يوم 11 أغسطس الجاري، يُظهر إعلان الجماعة عن اكتمالِ إنشاء نظامها المؤسسي الذي يخدمُ المجتمعَ المدنيَ؛ متمثّلاً في إنشاء قوات أمن شرطية؛ لمكافحة الإرهاب، وحفظ الأمن الداخلي، وأي تهديداتٍ من الخارج، بالإضافة لمستشفى تُقدِّم خدماتٍ علاجيةً بإمكاناتٍ محدودةٍ وتسعى الجماعة لتطويرها، وكذلك أنشئت مدرسة للتعليم المنتظم، ومطبخ جماعي لتأمين وجبات للسكان، وإسكان بسيط عبارة عن مخيمات، ومسجد لخدمة التجمعات المحلية،[1] واعتبر أن هذه الخطوة ستكون مقدّمةً لبناء “غزة الجديدة، الخالية من كل أفكار العنف وممارسات الإرهاب وفق تعبيره؛ مما يدلّل على حرص الجماعة على التطور المستمر لنَيلِ الاعترافِ الدولي بها، خاصًة وأنه يزعم السيطرة على عدة كيلومترات من الأراضي في القطاع كانت تسيطر عليها “حماس”.[2]
دوافع الميليشيا في السياق الداخلي والدولي: تستندُ دوافعُ الميليشيا ببُعديها الداخلي والدولي إلى رؤيةٍ استراتيجيةٍ بأن على “حماس” إتمامَ صفقةِ تبادلِ الرهائن المتبقين ما يُمثِّل بوابةً إجباريةً لخروجها من القطاع الفلسطيني نحو دولةٍ ثالثة، في مسعىً لإعادة إنتاجِ شرعيةٍ محليةٍ تآكلت بفعل الصراع، وتوظيف ذلك كورقةِ ضغطٍ لانتزاعِ اعترافٍ دوليٍ بإدارتها للقطاع، بما ينسجم – ضمنيًا – مع بعض المخططات الإسرائيلية لإعادة رسْمِ مستقبل غزة.
تحديات تُعيق مسار تطورها: على الرغم من مساعي “أبو شباب” لبناء صورةِ قوةٍ مهيمنةٍ في المشهد الغزِّي، إلا أن الميليشيا تصطدم بجدارٍ من انعدامِ الشرعية الشعبية؛ إذ يُنظرُ إليها على نطاقٍ واسعٍ كقوةٍ متعاونةٍ مع إسرائيل، فيما تشهد عشيرتها انقساماً داخليًا، حيثُ أعلن بعض أفرادها رفضَهم العلنيَ لأنشطتها، وتتعمَّق هذه الفجوة في المجتمع بِفعْل اتهاماتٍ باستخدامِ العنف ضد المدنيين في محيط مراكز توزيع المساعدات.[3]
تداعيـات التقــدُّم والمـآلات المستقبليـة المحتملـة
في ضوء مسار التطورات الميدانية المرتبطة بميليشيا “أبو شباب”، يصبح من الضروري تقييمُ تداعياتِ هذا التقدُّم واستشراف المآلات المحتملة، بما يساعدُ صانعَ القرار على استباقِ التحديات وتوظيفِ الفرص المتاحة:-
أولًا:- داخليًـــــــا (غـــزة)
إضعاف احتكار “حماس” للقوة: بالعمل على تفكيك سلطة “حماس” نحو توازنٍ جديدٍ في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيا؛ حيثُ يظهرُ تحوُّلٌ نوعيٌ في السيطرة الأمنية، وبحسب المصادر الأمنية الإسرائيلية فإن التقديرات تشير إلى أن “حماس” قد ضعفتْ بشكلٍ كبيرٍ وأنها حاليًا في أدنى مستوياتها من حيث الحكم والقدرات العسكرية؛[4] ويُدلّلُ على ذلك تقريرٌ لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن ضابط مصاب في “حماس” قوله أنها فقدت السيطرة على 80% من غزة، حيثُ شهدت مقتل جميع كبار القادة تقريبًا بنسبة 95%. في المقابل ذكر الجيش الإسرائيلي بدايةَ شهر يوليو الماضي من العام الجاري أنه يسيطر على نحو 65% من القطاع، وأنه يقترب من هدفه المُعلن بالسيطرة على ثلاثة أرباع مساحة القطاع.[5] علاوةً على ذلك، فإن تكوينَ هيئةٍ إداريةٍ موازيةٍ من خلال تشكيلِ لجانٍ مدنيةٍ تُدارُ من قٌبلِ الجماعة شرق رفح، قد يقلّصُ النفوذَ المؤسسي لحماس، ويعزِّز سيطرتها المحلية بالفعل، وبالتالي تتحق المساعي نحو مشروع “غزة الجديدة”، فضلًا عن إحتمالية نشوب حرب أهلية مع “حماس”.
تفاقم الفوضى الإنسانية: فمع استمرارِ دخولِ قوافل المساعدات الإنسانية على مدار الأسبوعين الماضيين ظهرَ في المقابل مقاطعُ فيديو بثّتها صفحةُ الجماعة لمرور الشاحنات من خلالها، وتدَّعي تأمينها وتوزيعها بشكلٍ عادلٍ، حيثُ دخلت الشاحنات من معبر “رفح” إلى قطاع غزة ووصلت إلى معبر “كرم أبو سالم”، وتخضع للتفتيش من قِبلِ القوات الإسرائيلية. وعليه، تحولت المساعداتُ إلى أداةٍ لفرْضِ السيطرة وخدمة أجندة الاحتلال؛ فقد كشفَ تحقيقٌ استقصائيٌ أجرته منصة “إيكاد”، عن وجود ميليشيا يقودها “أبو شباب” تعملُ بتنسيقٍ مباشرٍ مع جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ بهدف نهْبِ المساعدات الإنسانية بشكلٍ منهجيٍ وتنفيذ مخططاتٍ تهدف إلى إعادة تشكيل الخريطة السكانية للقطاع، وذلك من خلال استقطابِ الفلسطينيين للجنوب؛ نظرًا بأنها المنطقة التي تحتكر فيها الميليشيا المساعدات، وتنفيذًا لمخطط المدينة الإنسانية.
ثانيًـــا: داخليًـــا (إسرائيـــل)
سيناريو أفغاني جديد: فبمرور الوقت، قد تصبحُ تلك الميليشيا فاعلًا مستقلًا يمتلكُ أجندته الخاصة، والتي قد تتعارض في مرحلةٍ ما مع مصالح إسرائيل التي دعمتها منذ البداية؛ وهو ما يتضحُ في تجربةٍ تاريخيةٍ في فترة الثمانينيات، حيثُ دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها المجاهدين الأفغان لمواجهة الاتحاد السوفيتي، وبعد انسحابِ السوفييت تحوّلت تلك الجماعات إلى أطرافٍ متصارعةٍ فيما بينها، وظهرتْ حركاتٌ مثل “طالبان” التي تبنّت سياساتٍ وأعمالاً عدائيةً ضد الولايات المتحدة نفسها، فكانت النتيجة أن الدعم المؤقت أنتجَ تهديدًا استراتيجيا طويل الأمد. في سياقٍ متصل، فإسرائيل تدعم ميليشيا “أبو شباب” حاليًا لتحقيق هدفٍ واضحٍ وهو إضعافُ “حماس” وخلْقُ سلطةٍ بديلةٍ في بعض مناطق غزة، لكن مع مرور الوقت، قد تتحول هذه الميليشيا إلى كيانٍ ذي طموحٍ سياسيٍ وعسكريٍ مستقل، وربما يمتد نفوذها خارج غزة، خاصًة إذا فقدت إسرائيل السيطرة على تدفّق السلاح أو التمويل، أو إذا تغيَّر تحالف الميليشيا نحو أطرافٍ مُعاديةٍ، فإنها قد تصبحُ خصمًا جديدًا مجهزًا بالسلاح والخبرة.[6] وعليه، دعم ميليشيا “أبو شباب” قد يحقّق مكاسبَ تكتيكيةً قصيرةَ المدى لإسرائيل، لكنه يحمل مخاطر استراتيجيةً على المدى الطويل، تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ ما حدث في أفغانستان عندما تحوَّل الحليف المؤقت إلى عدوٍ شرس.
ثالثًــــا: إقليميًــــــا ودوليًــــــا
خلط التحالفات: فقد تستفيدُ أطرافٌ إقليميةٌ معاديةٌ لحماس أو السلطة الفلسطينية من دعم هذه الميليشيا سرًا لموازنة نفوذ خصومها، وهو ما قد يخلقُ تحالفاتٍ غامضةً شبيهةً بما رأيناه في الحرب السورية، وبالتالي تتوسع ساحة الصراع؛ فإذا تحولت الميليشيا إلى قوةٍ قادرةٍ على تنفيذ عمليات خارج غزة مثل سيناء على سبيل المثال، فذلك سيستدعي تدخلاتٍ إقليميةً أوسع، وقد يدفع بعض الدول العربية لإعادة صياغة سياساتها الأمنية.
عرقلة ملف التطبيع العربي – الإسرائيلي: إن تحركاتِ ميليشيا “أبو شباب” من الممكن أن تؤثّرَ بشكلٍ غير مباشرٍ على مسار العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية؛ نظرًا بأنه قائمٌ على أساس أن إسرائيل تقدم صورة “الشريك المستقر” الذي يمكن التعامل معه سياسيًا واقتصاديًا. فمع ظهور كيانٍ مسلحٍ مدعومٍ أو متعاونٍ مع إسرائيل وأدى وجوده إلى تصعيد ميداني أو أزمات إنسانية، يعطي انطباعاً بأن إسرائيل “تُدير الصراع” بدلًا من أن تسعى لحلّه، هذا الانطباعُ قد تستغلهُ أطرافٌ إقليميةٌ مثل إيران لتشويه صورة التطبيع، وإثارة الرأي العام العربي ضد أي تقاربٍ مع إسرائيل.
تهديد أمن الملاحة: حيثُ إن غزة تُطِل على شريطٍ ساحليٍ صغيرٍ على البحر المتوسط، لكنه قريبٌ جدًا من ممراتٍ بحرية رئيسيةٍ تمر عبر شرق المتوسط، التي تربط قناة السويس بأوروبا، والموانئ الإسرائيلية بالأسواق العالمية، بالإضافة لموانئ لبنان وسوريا وتركيا، وبالتالي فإن أيَ نشاطٍ مسلّحٍ أو تهديدٍ يخدم زيادة نفوذ الميليشيا في هذه المنطقة باستخدامِ أساليب القرصنة، أو زراعةِ ألغامٍ بحريةٍ وغيرها يمكن أن يؤثر على حركة التجارة الإقليمية، وبالتالي على الأسواق العالمية، فالأمر لن يبقى ضمن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، بل سيصبح أزمة أمنية بحرية دولية، شبيهة بما حدث في البحر الأحمر مع الحوثيين.
ختامًا:
تُظهرُ تحرُّكاتُ ميليشيا “أبو شباب” في غزة أن المشهدَ الأمنيَ والسياسي في القطاع يدخلُ مرحلةً جديدةً بخلْق سلطة أمرٍ واقعٍ بديلة بخطواتٍ فعلية، لتكون مقدمة لترتيبات أكثر تعقيدًا وتشابكًا، فالمليشيا بما تملكهُ من دعمٍ خارجيٍ وأجندة متداخلة، تمثل فاعلًا قد يُعيد صياغة موازين القوة محليًا، ويؤثر على ديناميكيات التفاوض وإعادة الإعمار، بل وربما يفرض نفسه على أجندة الفاعلين الإقليميين والدوليين. في سياقٍ متصل، استمرارُ هذه التحركات دون ضوابط أو توافقات سياسية يهدد بتحويل غزة إلى ساحةٍ مفتوحةٍ للتجاذبات، مما قد ينعكسُ سلبًا على الاستقرار والأمن في المدى الطويل، ويضع المنطقة أمام سيناريوهاتٍ غير متوقّعة تتطلبُ مراقبةً دقيقةً واستعدادًا لمختلف الإحتمالات.
على صعيدٍ آخر، فإن استخدامَ الميليشيات القبلية يتوافق مع أهدافٍ أخرى للحكومة الإسرائيلية، كإجراءٍ تكتيكيٍ لتقليل خسائر جيش الدفاع الإسرائيلي، كما أنه يتوافق مع منطق سياسي إسرائيلي أوسع، ألا وهو السماحُ للحكومة بالحفاظ على سيطرتها الفعلية على غزة دون تمكين حماس أو السلطة الفلسطينية، ودون مواجهة المخاطر السياسية المترتبة على التعامل معهما، وهذا يتماشى مع مبدأ نتنياهو الذي كرره مرارًا وتكرارًا: “لا حماستان ولا فتحستان”، ويدلل على ذلك صدورُ قرارٍ رسميٍ من قِبَل الحكومة الإسرائيلية بداية الشهر الجاري باحتلال غزة فعليًا. وعليه، فإن هذا النموذج يختلف عن حكم “حماس” في كونه يستندُ إلى دعمٍ مباشر من إسرائيل، وليس إلى شرعيةٍ انتخابيةٍ أو أيديولوجيةٍ تقليديةٍ، وبالتالي تُخاطر إسرائيل بتغذية سيناريوهات أكثر إشكالية، سواءً في شكل فوضى أو واقع دولة واحدة لشعبين.
تأسيسًا على ما سبق، وفي ضوء التحوّلات الميدانية والسياسية المتسارعة داخل قطاع غزة، قد ترى مصر أن هناك حاجةً مُلحَّةً لوضع مقاربة للتعامل مع مستجدات المشهد الراهن، الذي لا يقتصرُ على تحدياتٍ أمنيةٍ تقليدية، بل يتشابك مع اعتباراتٍ إنسانيةٍ، وضغوطٍ سياسية، ومخاطر على الاستقرارِ الحدودي. ومن ثمَّ، فإن صياغةً توصياتٍ عمليةٍ تستند إلى قراءةٍ دقيقةٍ للسياق، خطوة ضرورية لتعزيز قدرة الدولة المصرية على حماية مصالحها الاستراتيجية، وضمان أمنها القومي، والتأثير الإيجابي في مسار التطورات الإقليمية:-
تعزيز المراقبة والإنذار المبكر على الحدود البرية والبحرية؛ بتكثيف الاستطلاعِ الجوي ونشْر راداراتٍ ساحلية متنقلة شمال سيناء، وتوسيع مسارات الدوريات البحرية قبالة العريش – رفح، مع تبادل بيانات مع اليونان، وقبرص، وإيطاليا؛ لرصد القوارب المفخخة والألغام.
توجيه رسالةٍ دبلوماسيةٍ واضحةٍ ومعلنة، وفق الضوابط المصرية؛ وذلك عبر إصدار بيان رسمي يرفض وجود أي كياناتٍ مسلحةٍ خارج إطار السلطة الفلسطينية الشرعية، مع التشديد على أن أمن الحدود المصرية خطٌ أحمر لا يُسمحُ بتجاوزه أو السماح بتمدد أي ميليشيات باتجاه الأراضي المصرية.