التمكّن الجغرافي؛ هو السيطرة على الحدود السياسية، وفرض الإرادة السياسية، والاستفادة بثرواتها دون الآخرين، كما تُعد تلك السيطرة أول دوائر حماية الأمن القومي للدولة.
لمعرفة كيف استطاعت الإدارة المصرية بالتمكن الجغرافي للدولة؛ وجَبَ إدراك بعض الحقائق السياسية_ أسس العلاقات الدولية _ استراتيجية إدارة الدول.
أولًا: أسسُ العلاقات الدولية :-
أقرّ علماء النظرية الواقعية “مورجنثاو” في كتابة “السياسة بين الأمم” والعالم “جون ميرشيمار” في كتابة “مأساة سياسة الدول العظمى” أن العلاقاتِ الدولية تقوم على أساس الصراع؛ من أجل التنمية، في بيئة فوضوية ليس لها حاكمٌ، ومفهوم أساس الصراع هو القوة، ومعنى القوة هو القوة العسكرية والاقتصادية والبشرية، وتعتمدُ الدولة على ذاتيتها للحصول على القوة للتصدي للدول في البيئة الدولية؛ وذلك أن الدولةَ القوية هي القادرة على حماية ثرواتها والقادرة على التنمية، فإن أي دولة ضعيفة لن تستطيعَ التصدي للقوى الكبرى فتُنهبُ ثرواتها، ولن تستطيعَ أن تحقق أي تنمية.
كما قسّم أصحابُ النظرية البنيوية وفي مقدمتهم العالم “كينث والتز” في كتابة “نظرية السياسة الدولية” حيث قسّم الدول الى:- دول عالمية الاتجاه هي القادرة على إحداث تغيرٍ في النسق الدولي، مثل أمريكا والصين وروسيا، ودول تابعة مثل دول ألمانيا واليابان ودول حلف الناتو وكوريا الجنوبية، وتلك الدول تابعةٌ للسياسة الأمريكية وهي الحامية العسكرية لها، ودول ناشئة مثل دول الإقليم العربي ودول أمريكا الجنوبية ودول إفريقيا، تلك الدول هي ساحة تتفاعلُ فيها الدول العالمية ؛ من أجل السيطرة على ثروات الدول الناشئة وفرض النفوذ السياسي لتحقيق مصالح الدول العظمى.
كما أكد العالم “إسماعيل صبري مقلد” في كتابه “العلاقات السياسة الدولية”، أن البيئةَ الدوليةَ هي المُحددُ الرئيسي للسياسة الدول في كيفية التفاعل الدولي وكيفية إدارة النظام السياسي للدولة مع مواطنيها.
ثانيًا: إستراتيجية إدارة الدول :-
قدّم “جلين بالمر وكليفتون مورجان” في كتابهم “نظرية السياسة الخارجية” تقوم تلك الإستراتيجية في وقتنا المعاصر في ظل سيطرةٍ عالميةٍ للولايات المتحدة مع صراع الدول العظمى لكل من روسيا الاتحادية والصين الشعبية على ماهية النسَقِ العالمي، تبقى استراتيجية أولويات الدول الناشئة مثل دول العالم العربي وأمريكا الجنوبية وإفريقيا_ حيث تتصدر أولوياتهم البقاء والاستقرار ثم تأتي التنمية في ظل النقص الحادّ لموارد التنمية سواء الاقتصادية – التكنولوجية.
قدرة التمكّن المصري للموقع الجغرافي
لقد فعّلت الإدارة المصرية إمكانياتِ الموقع الجغرافي، مع إدراكٍ كاملٍ لأهمية الموقع لكل الدول العالمية – أمريكا والصين وروسيا؛ حيث تمثّل مصرُ قلبَ الإقليم العربي وبوابةَ العبور الرئيسية للقارة الإفريقية والمسيطرة على أهم معبر مائي عامي (قناة السويس).
حيث أكد الجنرال “ماهان” في كتابه “القوة البحرية” الذي يُقرّ فيه من يريد السيطرة على قارة أمريكا الشمالية والقارة الأوروبية عليه السيطرة على قناة السويس وقناة بنما. كما صرّح مؤسس علم الجيوبولتيك “ماكيندر” أن نقطة ارتكاز الإقليم العربي الشام (العراق، سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن) قد تمّ تقسيمه وأصبحت تلك الدول خارجَ التأثير الإقليمي وأن مصر هي قلبُ الإقليم العربي، من يسيطر على الشام ومصر يسيطر على الإقليم العربي ومن يسيطر على الإقليم العربي يسطر على جزيرة العالم (إفريقيا – اّسيا – أوروبا)، ومن يسيطر على جزيرة العالم يسيطر على العالم. يؤكد العالم “ألسكندر دوجن” في كتابه “أسس الجغرافيا السياسية” أن قوة الدولة في تمددها الجغرافي لدول الجوار – وأن مِصرَ من أكثر الدول توغلاً بداخل الإقليم العربي بقوتها الناعمة وبدبلوماسيتها عبر التاريخ.
يكمُن التمكّن المصري من الموقع الجغرافي في القوة العسكرية للجيش المصري، الذي خطط في استراتيجية الأولويات لمصر مع بداية تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي هو تعظيم القوة الذاتية لمصر، فرفع قدرات الجيش المصري من المرتبة الثلاتين الى أقوى عشر جيوش في العالم وسابع أقوى بحرية في العالم ومن أقوى خمس دولٍ في العالم في المخابرات العامة.
إن هذا التمكّنَ الذي فرضتة الإدارة المصرية على الحدود السياسية، ليس فقط داخل الحدود السياسية ولكنة تخطى تلك الحدود بعمقٍ إقليمي قوي ينفذ ما بعد الحدود، فامتدت القدرة المصرية للجيش المصري والمخابرات الى ألف كيلو في الأراضي الليبية في الخط الأحمر الذي رسمته مصر ( سرت – الجفرة ) ؛ وذلك من أجل حماية الأمن القومي المصري، كما كانت القوة الدبلوماسية في الجنوب مع السودان ومساندة الشعب السوداني والقيادة الشرعية السودانية، واستطاعت أن تبنيَ الإدارة المصرية محورَ مصر والسودان وإريتريا والصومال بالإضافة إلى التواجد في العمق الإفريقي في الكونغو وتنزنيا، كما استطاع الجيش المصري والمخابرات العامة تطهيرَ سيناء من الإرهاب، وتأتي القوة الدبلوماسية المصرية من التمكن بالصداقة والتعاون من السيطرة على الشمال المصري مع اليونان وقبرص وتركيا، وانتهاج التعاون والمصلحة بالدبلوماسية دون الصراع.
لقد استطاع الجيش والمخابرات والدبلوماسية المصرية بناءَ حصنٍ قويٍ يحمي به الحدودَ المصرية ويمتد ما بعد الحدود السياسية إلى عمق دول الجوار الإقليمي، بالإضافة الى قوة التعاون المصري مع دول الخليج العربي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تلك القوى المتعددة جعلت الدولةَ المصرية تُحكِمُ قبضتها في تمكن من موقعها الجغرافي وإحكام السيطرة على “قناة السويس” أهم ممر مائي في العالم، مما يصعب على أي قوة إقليمية أو عالمية أن تفكر في التعدي على الحدود المصرية.
لقد استطاع الجيش المصري بإنماء قوته العسكرية بالطائرات الرافال والسوخوي وحاملة الطائرات المستيرال والغواصات الألمانية وبناء قاعدة محمد نجييب أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط، وتطوير منصة الصورايخ البالستية في جبل حمزة، وبناء القاعدة البحرية برنيس على البحر الأحمر، وقاعدة 3 يوليو البحرية على البحر المتوسط، مما ساهم في السيطرة على حدود مصر في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.
وبما أن انتصار أكتوبر يُعدُ إعجازاً حربياً بكل المقاييس في هزيمة جيش يفوق الجيش المصري تكنولوجيا بكثير ولكن بالعقل والعزيمة والإيمان للجندي المصري استطاع أن يهزمَ هذا التفوق العلمي والتكنولوجي.
إن ما حدث في خلال العشرة الأعوام السابقة يُعدُ إعجازاً بكل المقاييس، استطاعت الإدارة المصرية في بناء الجمهورية الجديدة في التمكن الجغرافي للدولة المصرية وحمايتها من أي مُعتدٍ وفرضت مصر إرادتها الاستراتيجية بقوة جيشها ومخابراتها ودبلوماسيتها على جميع دوائر الأمن القومي المصري.
إن عوائدَ هذا التمكن الجغرافي كان في حماية الدولة المصرية وتحقيق الاستقرار والأمن؛ حيث تُعد مصرُ أقوى جمهوريةٍ في الشرق الأوسط الآن، في حين تعاني معظم الدول العربية في الإقليم بالحروب وعدم الاستقرار ونَهْبِ ثرواتها، وأصبحت مصرُ معبراً ما بين الشمال والجنوب بين القارة الأوروبية الى أفريقيا وأصبحت مصر واحة الاستثمار العربي لدول الخليج.
إن أكبر دليل على التمكن الجغرافي والأمن والاستقرار في مصر مدى تواجد الاستثمار الأجنبي في مصر- فقد كان حجم الاستثمار الأجنبي في مصر عام 2010م، حوالي 2.8 مليار دولار، بينما حَجمُ الاستثمار الأجنبي في مصر حتى أغسطس 2024م، حوالى 35 مليار دولار.
فتَحيةَ إجلالٍ وتقديرٍ وإعزازٍ لشهداء مصر من الجيش والشرطة ومن المخابرات المصرية بكل فروعها، فهناك شهداء ضحوا بأرواحهم من أجل أن ننعمَ بالأمن والسلام الذي نعيش فيه الآن، تحيةً لجيش مصر والشرطة المصرية الساهرين على أمن الوطن، فلولاهم ما كنا، فأنتم منبعُ ومصدرُ العزة والكرامة المصرية.