المقالات
مصر والمغرب: علاقات مستدامة وتعاون استراتيجي
- يناير 13, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
اعداد: ريهام محمد
باحثة في وحدة شؤون الشرق الأوسط
تُعتبر العلاقات بين مصر والمملكة المغربية نموذجًا بارزًا للتعاون والتكامل داخل العالم العربي والإسلامي، حيث يمتلك البلدان روابط تاريخية وثقافية وسياسية راسخة تدعمها رؤى مشتركة بشأن القضايا الإقليمية والدولية، وجسدت السنوات الأخيرة إرادة القيادتين في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين على مختلف الأصعدة، بما يعكس التزامهما المشترك بتطوير التعاون في كافة المجالات، فالقاهرة والرباط، باعتبارهما دولتين ذات تأثير بارز على المستويات العربية والإسلامية والإقليمية والأفريقية، تدركان أهمية التنسيق والتشاور المتبادل لتحقيق مصالح شعبيهما وتعزيز الاستقرار في منطقة البحر المتوسط والشرق الأوسط.
في هذا السياق، يستعرض التقرير الحالي أبرز محطات التعاون المصري المغربي، مع التركيز على التطورات الاقتصادية والثقافية والسياسية التي مرت بها هذه العلاقة خلال الفترة الأخيرة، إضافة إلى استشراف الفرص والتحديات المستقبلية التي قد تواجه البلدين ضمن المتغيرات الإقليمية والدولية.
العلاقات السياسية:
شهدت العلاقات بين مصر والمغرب تطورات بارزة خلال السنوات القليلة الماضية، مستندة إلى تاريخ عميق من التعاون والفهم المتبادل، اذ اتسمت العلاقات بينهما بالاستقرار بشكل عام رغم بعض التحديات المؤقتة.
فكانت الفترة الممتدة من 2013 إلى 2015 مرحلة حاسمة لاستعادة الثقة، حيث أظهرت المملكة المغربية موقفاً إيجابياً لدعم خيارات الشعب المصري بعد ثورة 30 يونيو 2013، وساندت جهود البلاد نحو التحول الديمقراطي ومحاربة الإرهاب والتطرف، ومع ذلك، في عام 2015 وقعت أزمة دبلوماسية نتيجة تقارير إعلامية أثارت قلق الجانب المغربي، وتضمنت بعضها ما اعتُبر مسيئًا للملك المغربي، لكن الجهود الدبلوماسية المصرية، بما فيها التواصل المباشر بين القادة في البلدين، أسهمت في إحتواء الأزمة على الفور وإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي.[1]
بينما من عام 2016 حتى 2020 كانت تلك المرحلة بمثابة فرصة لتعزيز التعاون السياسي والدبلوماسي بين الجانبين، فقد تميزت بتكثيف اللقاءات السياسية وأعيد تفعيل اللجنة العليا المشتركة بين مصر والمغرب لتعزيز التنسيق حول القضايا الثنائية والإقليمية، ولعب البلدان دوراً مهماً أيضاً في تعزيز العمل ضمن الاتحاد الإفريقي لدعم الاستقرار والتنمية داخل القارة مع تبادل الآراء بشأن مواضيع مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وفي 2017، حققت العلاقات دعماً متبادلاً على الساحة الدولية عبر التنسيق المشترك أثناء التصويت على قرارات تتعلق بالقضية الفلسطينية داخل الأمم المتحدة.
فيما عكست الفترة من 2021 إلى 2024 الشراكة السياسية والاستراتيجية بين البلدين، اذ شهدت هذه الفترة تحولًا نوعيًا في العلاقات، حيث تم التركيز على تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الجانبين، ففي 2021، جرت زيارة رسمية لوفد مغربي رفيع المستوى إلى القاهرة، وخلال الزيارة، تم الاتفاق على زيادة التعاون في القضايا الإقليمية والدولية، خاصة فيما يتعلق بالتحديات المشتركة مثل الأمن المائي ومكافحة الإرهاب، كما قدمت المغرب دعمها لمصر بشأن قضية السد الإثيوبي، مُؤكدةً على أهمية الحفاظ على الحقوق المائية لكل من مصر والسودان،[2] وعلى الجانب الآخر، أعربت مصر عن تأييدها القوي لوحدة الأراضي المغربية وقضية الصحراء المغربية، مجددًة التأكيد على موقفها الثابت تجاه السيادة المغربية، علاوة على ذلك، كانت هناك علاقة تعاون وثيقة في المجال الأمني والدبلوماسي لمكافحة الجماعات الإرهابية في شمال إفريقيا.[3]
العلاقات الاقتصادية:
أحرزت العلاقات التجارية بين القاهرة والرباط تقدمًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث سعى كلا البلدين إلى تعزيز التعاون التجاري والاستثماري، فبلغ حجم التبادل التجاري حوالي 758.7 مليون دولار، مقارنةً بـ 617 مليون دولار في عام 2020،[4] مما يمثل زيادة بنسبة 23%، كما بلغت قيمة الصادرات المصرية إلى المغرب حوالي 711 مليون دولار، بزيادة قدرها 52% عن العام السابق، وتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين حاجز الـ700 مليون دولار في عام 2023، مع آمال الجانبين لرفع هذه الأرقام مستقبلاً.[5]
وفي سياق التعاون الاقتصادي والاستثماري، انطلق ملتقى الأعمال المصري-المغربي في القاهرة في نوفمبر 2024 تحت شعار “نحو شراكة تكاملية واعدة”، بهدف تعزيز الاستثمارات المشتركة وفتح مجالات تعاون تسهم في تحقيق التنمية المستدامة بالمنطقة، كما تم إعلان إعادة تشكيل مجلس الأعمال المصري-المغربي خلال العام الماضي، مما يدل على التفاؤل المتزايد لدى الطرفين بشأن تنمية التعاون الاقتصادي والتجاري.[6]
التبادل الثقافي والتعليم:
حققت العلاقات الثقافية والتعليمية بين مصر والمغرب تطورًا بارزًا خلال الفترة الأخيرة، بالإستناد الى تاريخ طويل من التواصل الفني والثقافي، ففي يوليو من عام 2021 نظم المجلس الأعلى للثقافة بمصر أمسية بعنوان “مصر والمغرب.. علاقات ثقافية”، التي سلطت الضوء على العمق التاريخي للعلاقات الثقافية وأهمية تقوية أواصر التعاون الثقافي،[7] بالإضافة إلى ذلك، شاركت الدولتان خلال عام 2024 في عدة مهرجانات ثقافية دولية مثل “مهرجان القاهرة السينمائي الدولي” و”مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية”، مما ساعد على تعزيز التبادل الفني والثقافي بينهما.
في مجال التعاون التعليمي، استمر الطلاب والباحثون من مصر والمغرب في الاستفادة من الفرص التعليمية المقدمة في الجامعات المصرية والمغربية، مما يسهم في تعزيز التفاهم والتواصل بين الثقافات، وفي نوفمبر 2024، عُقد برنامج “العلاقات الثقافية العالمية 2024” بمدينة مراكش المغربية بمشاركة شباب من عدة دول، بما في ذلك مصر، بهدف تعزيز الحوار الثقافي وتعزيز التعاون التعليمي، كذلك تلعب المؤسسات الثقافية مثل المركز الثقافي المصري بالرباط دورًا مهمًا في دعم العلاقات الثقافية بين الدولتين عبر تنظيم فعاليات ومعارض تساهم في نشر الثقافة المصرية بالمغرب.
الفرص والتحديات المستقبلية أمام العلاقات المصرية المغربية:
تواجه العلاقات بين مصر والمغرب مجموعة متنوعة من الفرص الواعدة إلى جانب تحديات قد تؤثر على تطورها المستقبلي، مما يتطلب تعزيز التعاون الثنائي لمواجهة المتغيرات الإقليمية والدولية.
أولاً؛ الفرص المستقبلية:
– تتمتع كلٌ من مصر والمغرب باقتصادين متكاملين بشكل كبير؛ حيث أن موقع مصر الجغرافي الاستراتيجي يربط بين إفريقيا وآسيا وأوروبا بينما يُعتبر المغرب بوابة للأسواق الإفريقية والغربية الأوروبية، ولذا يمكن لهذا التكامل خلق فرص مثالية لإقامة مشروعات اقتصادية مشتركة مثل المناطق الصناعية أو الاستثمارات المشتركة في قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية، الأمر الذي يعزز مكانتهما على الساحة العالمية، فعلى سبيل المثال، تستطيع مصر الاستفادة من خبرة المغرب في تصدير السيارات إلى الأسواق الأوروبية ، فيما يمكن للمغرب استفادة أيضاً بخبرة مصر المتميزة في تصنيع الأدوية.
الطاقة المتجددة: يحتل المغرب موقعاً متقدماً في مجالي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وذلك بفضل مشاريع مثل “محطة نور للطاقة الشمسية”، التي تعتبر من أكبر محطات الطاقة الشمسية عالمياً، وفي نفس الوقت، تسعى مصر لتعزيز اعتمادها على مصادر الطاقة المتجددة لتلبية احتياجاتها الداخلية وتصدير الكهرباء للدول المجاورة. لذا، فإن التعاون بين مصر والمغرب في هذا القطاع يمكن أن يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لكلا البلدين، كما توجد إمكانية لإنشاء مشروعات مشتركة لتبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا، مما سيعزز من مركزهما كدولين رائدتين في مجال الطاقة المتجددة.
التعاون لمكافحة تغير المناخ: يعاني كلا البلدين من تأثيرات تغير المناخ، ومنها نقص الموارد المائية وزيادة التصحر، فيسعى المغرب إلى تطوير تقنيات زراعية مبتكرة للتصدي لهذه التغيرات المناخية، بينما تتمتع مصر بخبرة كبيرة في إدارة المياه من خلال مشاريع الري الكبرى، وبذلك، فإن التعاون المشترك لوضع سياسات مستدامة لمواجهة تحديات تغير المناخ سيساهم في تعزيز الأمن الغذائي والمائي لديهما مع إمكانية تبادل الابتكارات التكنولوجية والخبرات المحلية.
ثانياً: التحديات المستقبلية:
التحديات الاقتصادية العالمية: يشهد العالم حالياً عدة تحديات اقتصادية بارزة مثل التضخم وارتفاع أسعار الطاقة وتأثير الأزمات الجيوسياسية، هذه العوامل تؤثر على ميزانيات الدول وقدرتها على تمويل مشاريع التعاون الثنائي؛ مما يشجع كلا البلدين على ضرورة اعتماد سياسات اقتصادية مرنة ومبتكرة للحد من آثار تلك الأزمات، مثل تفعيل الاتفاقيات التجارية وتبادل المنتجات بأسعار تنافسية لتحقيق توازن أفضل في الميزان التجاري.
قضايا الإرهاب والتطرف: تواجه الدول العربية تهديدات متزايدة من الجماعات الإرهابية، مما يستدعي تعزيز التعاون الأمني بين مصر والمغرب كضرورة ملحة، فيجدر بالذكر أن كلا البلدين يمتلكان خبرة كبيرة في محاربة الإرهاب؛ حيث تتمتع مصر بخبرة واسعة في مواجهة التنظيمات المتطرفة في سيناء، بينما يعتمد المغرب على استراتيجيات أمنية حديثة مثل “المقاربة الأمنية الوقائية”، وبالتالي، فإن الشراكة الأمنية بين البلدين عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية وتطوير برامج مشتركة لمكافحة التطرف يمكن أن تعزز الأمن الإقليمي وتساهم في تحقيق الاستقرار.
الهجرة غير الشرعية: تعتبر كل من مصر والمغرب نقاط عبور ووجهات للمهاجرين غير الشرعيين، لا سيما القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وتشكل هذه المسألة تحديًا كبيرًا بسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تسببها، لذا، يمكن للبلدين العمل سويًا على وضع سياسات مشتركة لإدارة ملف الهجرة، مثل إنشاء برامج تنموية في بلدان المصدر لتخفيف تدفقات المهاجرين وتقديم حلول إنسانية توازن بين حماية حقوق المهاجرين والحفاظ على استقرار المجتمعات المضيفة.
التحديات السياسية الإقليمية: تمر المنطقة العربية بفترة صعبة مليئة بالتحديات السياسية المتزايدة، بما فيها الحرب الإسرائيلية على غزة والنزاعات المسلحة داخل الدول العربية وما ينجم عن التدخلات الأجنبية من آثار، قد تؤثر هذه التحديات سلبًا على جهود التعاون بين الدول العربية، لذلك يمكن لمصر والمغرب تعزيز علاقاتهما عبر التنسيق الدبلوماسي في المحافل الدولية لدعم القضايا المشتركة للدول العربية مثل إنهاء النزاعات وتعزيز التكامل العربي.
ختامًا، تظل العلاقات المصرية المغربية تجسيداً حيًّا لقوة الروابط العربية والإقليمية التي تتجاوز الحدود الجغرافية؛ فمن التنسيق السياسي العالي المستوى الى التعاون الدبلوماسي المثمر استطاع البلدان ترسيخ شراكة استراتيجية تمتد لتسهم في استقرار المنطقة العربية ككل، ومع استمرار تطلعات كلا البلدين نحو مستقبل مشترك أكثر ازدهارًا، تبقى القاهرة والرباط مثالاً يُحتذى به في سبيل تحقيق التكامل العربي، ورغم التحديات المختلفة، فإن الإرادة السياسية والتناغم المستمر بين القيادة في كلا البلدين يسهمان بشكل فعال في حماية هذه العلاقات وضمان ديمومتها.
المصادر:
[1] مصر والمغرب تطويان صفحة “الأزمة الصامتة”، العربية، يناير 2015.
https://linksshortcut.com/ZcvBu
[2] اتفاق مصرى – مغربى على عقد الدورة الرابعة لآلية التنسيق السياسى بالقاهرة 2022..، اليوم السابع، مايو 2022.
https://linksshortcut.com/AGIrZ
[3] وزير الخارجية المصري يؤكد دور العمل البرلماني في توطيد العلاقات المغربية المصرية، وكالة المغرب العربي للأنباء، فبراير 2023. https://linksshortcut.com/mIVuM
[4] مليون دولار تبادلا تجاريا بين مصر والمغرب 2021 ومباحثات لإنشاء مركزين تجاريين، اليوم السابع، يونيو ٢٠٢٢.
https://linksshortcut.com/xGUgY
[5] حجم التبادل التجارى بين مصر والمغرب تجاوز 700 مليون دولار فى 2023 ، اليوم المصري، يوليو 2023.
https://linksshortcut.com/nWkoI
[6] وزير الاستثمار يعلن إعادة تشكيل مجلس الأعمال المصري المغربي، اراء الشرق الأوسط، اكتوبر 2024.
https://linksshortcut.com/iBzMO
[7] الاحتفاء بالمملكة المغربية بأمسية ثقافية ضمن مبادرة “علاقات ثقافية”، بوابة الأهرام، يوليو 2021.