إعداد: رضوى رمضان الشريف
على مدار العامين الماضيين، تجتهد أنقرة في محاولة لتصفير المشكلات مع دول المنطقة وحل الخلافات التي تسببت فيها سياساتها بالشرق الأوسط، بعد أحداث “الربيع العربي”.
وتستقبل تركيا العام الجديد وهي تأمل بأن تستكمل خطوات الانفتاح التي بادرت إليها بعض الدول أو تلك التي بادرت هي نفسها إليها، إذ أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالين، أن عام 2022 سيكون عام “انفتاحات إقليمية جديدة”، وسيشهد تسارعا في خطوات تحسين العلاقات مع العديد من الدول، وتصفير المشكلات مع دول المنطقة، وإنهاء التوتر في الملفات الإقليمية.
تصاعدت تحركات تركيا نحو المصالحة مع الإمارات والسعودية ومصر وإسرائيل في إطار مساعيها لكسر عزلتها الإقليمية في الأشهر الأخيرة الماضية، ولكن السؤال الكبير الآن هو ما إذا كانت جهود أنقرة لإذابة الجليد مع هذه البلدان من خلال تخفيف حدة الصراعات الإقليمية ستستمر بنفس القوة في عام 2022؟
بالنسبة لمصر، والتي تأتي في مقدمة الدول التي تسعى تركيا إلى تصحيح العلاقات معها في محادثات بدأت في ربيع العام 2021، ولعل شرط مصر عدم تدخل تركيا في شؤونها الداخلية، ووقف فتح الساحة التركية لجماعة الإخوان المسلمين.
تلك هي أبرز الشروط التي تستدعي تحسين العلاقات بين البلدين، وفي حال تذليل هذه العقبات فإن المصالحة التركية مع مصر ستنعكس إيجاباً على ملفات إقليمية أخرى تخص مصر تحديداً، وفي مقدمتها ليبيا والدعم التركي لحكومة إثيوبيا في خلافها مع مصر بشأن سد النهضة، والوضع في شرق المتوسط.
يعد الجانب التركي هو المبادر إلى إطلاق التصريحات وتسريب أخبار ما يجري في مسار العلاقات المصرية التركية. وتنوعت هذه التصريحات من الرئيس التركي إلى وزير الخارجية إلى قيادات في “حزب العدالة والتنمية” التي تصبّ في إطار الرغبة باستعادة العلاقات مع القاهرة.
وفي الأسابيع الأخيرة في العام الماضي، ربط الرئيس أردوغان تصريحاته تجاه مصر بالجانب الإسرائيلي وحرص أنقرة على الانفتاح على البلدين معاً. ولم تتضمن التصريحات إشارة إلى دول أخرى، ما يعني أن هذا الملف ما زال يحظى باهتمام رئاسي تركي.
ويمكن القول إن تقدير أنقرة هو أن “الانفتاح التركي الإماراتي” قد يكون مدخلاً لعلاقات جيدة مع مصر، نظراً إلى خصوصية العلاقات المصرية الإماراتية في مستواها العام بالرغم من بعض التباينات في المواقف. كما أن العلاقات المصرية الإسرائيلية الجيدة تسمح بالاتجاه إلى بناء شراكة تركية حقيقية مع القاهرة وتل أبيب، وفي سياق متصل.
لذلك، يسعى الجانب التركي إلى إقرار آلية للعلاقات المقبلة مع مصر. فالرئيس أردوغان تحدث عن مرحلة تدريجية وليست فورية، وعن تسمية السفراء والانتقال بالعلاقات إلى مستوى آخر، وهو ما يمكن أن يكون مطروحاً في الفترة المقبلة. بالتالي، فإن انتقال العلاقات إلى مرحلة أخرى سيفترض تصفية أزمة العلاقات في ملفاتها المتعددة التي يتم التفاوض بشأنها.
وبالنسبة إلى الإمارات، برزت تركيا في عام 2021 إحدى أكثر الخطوات السياسية إيجابية في هذا الصدد وتمثلت في الزيارة التي قام بها مستشار الأمن الوطني لدولة الإمارات الشيخ طحنون بن زايد إلى أنقرة واجتماعه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان والتي تلتها الزيارة المفصلية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في أواخر نوفمبر الماضي إلى أنقرة واللقاء مع أردوغان.
والمهم في هذه الزيارة أن البلدين فتحا صفحة جديدة غير مسبوقة في العلاقات الثنائية رغم الخلاف الذي كان بينهما في أكثر من ملف، ولا شك أن وعود الإمارات بالاستثمار في تركيا بعشرة مليارات دولار ساعدت على تسهيل المصالحة التي لا بد أن تكون مشروطة كذلك بوقف الدعاية التركية لحركة الإخوان المسلمين في منطقة الخليج.
ويفترض في هذه المصالحة أن تفتح على محاولات البحث عن حلول لأزمات متعددة في المنطقة ولا سيما في سوريا، حيث للإمارات علاقة جيدة مع دمشق أيضاً وهو الأمر الذي تسعى الإمارات لبلورته لتكون بلداً علاقاته جيدة مع كل الأطراف من سوريا إلى تركيا ومن إسرائيل إلى إيران. وترى الإمارات أن عزم الولايات المتحدة نقل ثقلها العسكري والسياسي من منطقة الشرق الأوسط إلى شرق آسيا لمواجهة الصين هو العامل الأساسي للبحث عن دور جديد يناسب الظروف المستجدة في المنطقة.
كما التزمت دولة الإمارات العربية المتحدة باستثمار 10 مليارات دولار في تركيا بعد زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد لأنقرة في 24 نوفمبر الماضي -مما قدم دفعة حيوية للاقتصاد التركي. ومن المرجح أن يستمر التقارب بين تركيا والإمارات العربية المتحدة، مع زيادة الاستثمار الإماراتي في الشركات التركية.
أما التقارب مع المملكة العربية السعودية، فإن تركيا تسعى أيضا لتحسين العلاقات معها وذلك مع إعلان أردوغان عزمه لزيارة المملكة العربية السعودية في شهر فبراير المقبل بجانب زيارته إلى الإمارات.
ولا شك أن تطبيع العلاقات بين أكبر دولة عربية في الخليج وتركيا ستترتب عليه نتائج جديدة على العلاقات البينية في المنطقة خصوصاً أن الملفات الخلافية بين البلدين كثيرة وصعبة، ولكن على ما يبدو فإن محاولات جس النبض الجدية ستكون عنوان علاقات تركيا الجديدة في المرحلة المقبلة مع كل من مصر والإمارات والسعودية.
أما بالحديث عن علاقات تركيا مع إسرائيل، وكما قال الرئيس التركي في تصريحات سابقة، بأن بلاده ستتخذ خطوات تقارب مماثلة مع مصر وإسرائيل، بعد المحادثات مع الإمارات، كما أكد أردوغان مرارا أن أنقرة ترغب في إقامة “علاقات أفضل” مع تل أبيب، مؤكدا أن المحادثات على المستوى الاستخباراتي مستمرة بين الجانبين.
لماذا تندفع تركيا إلى الانفتاح الإقليمي؟
كان عام 2021 عامًا من التحولات المهمة في سياسة تركيا الخارجية وذلك من خلال إعادة تأسيس الصداقات وإقامة شراكات جديدة، أظهرت أنقرة أنها تدرك أنها لا تستطيع الوقوف بمفردها وتتجاهل أي شخص آخر في السياسة الإقليمية والعالمية. لذلك، اختارت إعادة العلاقات مع خصومها السابقين.
يوجد عدة أسباب تدفع تركيا لاستمرار سياسة الانفتاح الإقليمي؛ أبرزها تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية وحاجة تركيا إلى جذب مزيد من الاستثمارات.
والأمر الثاني مرتبط بمحاولة استيعاب الضغوط الغربية في ظل علاقات متوترة مع أميركا، وكذلك تقرير المفوضية الأوروبية الأخير بتجميد التفاوض حل العضوية مع تركيا.
بينما يدور الأمر الثالث حول تزايد نفوذ إيران بالمنطقة، وخشية أن يؤثر ذلك على مصالح تركيا وانعكاساته عليها، كما تسعى أنقرة لموازنة النفوذ الروسي في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، بعد نجاحاتها في مساندة أذربيجان في حربها ضد أرمينيا.
الخاتمة
دخلت تركيا عام 2021 مثقلة بتوترات مع محيطها الإقليمي من العراق إلى سوريا إلى اليونان وقبرص، كما تأثرت بشدة علاقتها بدول عربية أخرى أبرزها دولتا الإمارات ومصر والمملكة العربية السعودية، كما ألقت سياسات الحكومة التركية بظلالها على علاقات أنقرة بكل من واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها فرنسا.
لكن وزير الخارجية التركي أوضح في خلال اجتماع سابق له مع الصحفيين لتقييم السياسة الخارجية للبلاد العام الماضي، أن أنقرة اتخذت عام 2021 “خطوات نحو التطبيع في العديد من القضايا الإشكالية”.
فتركيا تسعى لتحويل مسارات سياساتها التصعيدية من جانب، ومن جانب آخر إعلان رغبتها بفتح قنوات اتصال مع الدول العربية لتوفيق وجهات النظر، وإن كان ذلك وفقاً لقاعدة إجراءات بناء الثقة.
ومن اللافت أن أنقرة تعود إلى محيطها العربي عبر تغييرات كبيرة في سياستها الخارجية وانتهاج استراتيجية تقليل الأزمات، بدءًا من مصر مروراً بدول الخليج. ومن المتوقع أن يشهد عام 2022 نقلة في العلاقات التركية مع مصر ودول الخليج عبر عودة السفراء.
فبدأت المرحلة الأولى مع الإمارات، وستكون الخطوة الثانية مع السعودية، حيث متوقع تبادل الزيارات قريبا لتصل إلى قادة الدول، تليها توطيد العلاقات مع مصر التي بدأت بالفعل عبر مباحثات استكشافية من الجانبين.
ومن المتوقع أيضا أن يكون الهدف التالي لتركيا لتطبيع العلاقات هو الولايات المتحدة، ولكن بالنظر إلى اتفاقيات مشاركة أنقرة الحالية في السلطة مع روسيا في سوريا وليبيا وجنوب القوقاز، فإن هذه العملية قد تكون أكثر صعوبة وتستغرق وقتًا أطول.