إعداد: ميار هانى
باحثة فى الشأن الدولى
تستعد جامعة الدول العربية، بعد تلقيها طلباً رسمياً من فلسطين والمملكة العربية السعودية، لعقد ” قمة عربية طارئة ” برئاسة السعودية فى 11 نوفمبر القادم بالرياض، وذلك لبحث تطورات الأوضاع فى غزة مع تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية على القطاع.
جهود عربية متواصلة
مع إعلان الحكومة الإسرائيلية حالة الحرب رداً على شن كتائب القسام (الذراع العسكرى لحركة حماس) عملية طوفان الأقصى، وسقوط ضحايا من كلا الجانبين، عقد على مستوى وزراء خارجية الدول العربية جلسة غير عادية، بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية فى 11 أكتوبر، أكد خلالها المجلس على “ضرورة الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة”، مديناً قتل المدنيين من الجانبين واستهدافهم، وجميع الأعمال المنافية للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والتأكيد على ضرورة إطلاق سراح المدنيين وجميع الأسرى والمعتقلين، ورفع الحصارعن قطاع غزة، مؤكدين على الدعم ثبات للشعب الفلسطيني على أرضه ورفض أى محاولات لتهجيره.
وأنطلقت “قمة القاهرة للسلام” بمشاركة قادة أقليميين ودوليين بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسى لدعم الرؤية المصرية الهادفة لتنشيط عملية السلام فى المنطقة من خلال إيجاد تسوية عاجلة للصراع الإسرائيلى – الفلسطينى المستمر منذ عقود؛ وعليه تم وضع ثلاث أولويات رئيسية على أجندة القمة، وتمثلت الأولوية الأولى فى وقف فورى لإطلاق النار، والثانية إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع ومنع التهجير القسرى للفلسطنيين، والثالثة السعى لتحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة مستند إلى مبدأ حل الدولتين، إلا ان التباين الواضح بين الخطاب العربى والخطاب الغربى إزاء التطورات فى قطاع غزة أحال دون صدور بيان ختامى للقمة، حيث أراد ممثلى الغرب أن يتضمن البيان الختامى إدانة لحركة حماس، مع رفض إدانة إسرائيل بقتل ألاف المدنيين الأبرياء ووقف عاجل إطلاق نار.
كما تقدمت الأردن ب “مشروع القرار العربى”، مدعومًا من 42 دولة أخرى، لوقف إطلاق النار واعتماد هدنة إنسانية فى قطاع غزة ومطالبة جميع الأطراف بالامتثال للقانون الدولي، وهو ما صوتت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة، و120 دولة أخرى، بينما رفضته 14 دولة، وامتنعت 45 دولة أخرى عن التصويت. وعلى الرغم من اعتماد الجمعية العامة للقرار العربى، إلا ان لم يتم تنفيذه، وذلك لعدم استنادها إلى قوة مُلزمة فى تفعيل القرارات، فضلاً عن عدم اقتناع الولايات المتحدة الأمريكية، أهم حليف لإسرائيل، بمشروع القرار، وبالتالي عدم وجود عامل ضغط حقيقى على إسرائيل لضمان تنفيذها لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الـسيـاق الـراهـن
أولًا: استمرار وتيرة التصعيد الإسرائيلى فى غزة
دخلت الحرب التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة شهرها الثانى على التوالى؛ إذ يستمر العدوان الإسرائيلى فى قصفه الذى بلغ أكثر من 12 ألف غارة جوية وقذيفة مدفعية على القطاع، وإرسال قوات برية قسمت القطاع إلى نصفين، مع تشديد الحصار الإنسانى، وهو الأمر الذى أدى لسقوط ضحايا تجاوز عددهم 10 آلاف قتيل وأكثر من 24 ألف مصاب، وذلك من دون آفاق قريبة لحل سياسي يوقف سقوط مزيد من الضحايا. فضلاً عن تصعيد لهجة تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، وذلك مع طرح وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، أحد حلول التعامل مع قطاع غزة من خلال ضربه بقنبلة نووية، ما أثار عاصفة من الانتقادات الدولية لإسرائيل.
ثانيًا: تصعيد دبلوماسى ضد إسرائيل
مع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولى الإنسانى وإفلاتها من العقاب، اتخذت عدة دول موقفاً تصعيدياً ضد إسرائيل؛ فعلى الصعيد الإقليمى، اعلنت البحرين قطع العلاقات الاقتصادية ومغادرة السفير الإسرائيلى في المنامة، إلى جانب التحركات التركية والأردنية باستدعاء سفيرها لدى إسرائيل احتجاجاً على القصف العنيف والمستمر للقطاع. وعلى المستوى الدولى، نجد عدد من الدول بأمريكا اللاتينية تبنت ردود فعل قوية ازاء التصعيد الحالى، وذلك بقطع بوليفيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، واستدعاء كل من كولومبيا وتشيلى وهندوراس سفيرها لدى إسرائيل. وكانت تشاد أولى الدول الأفريقية التى استدعت دبلوماسييها من إسرائيل ثم لحقت بها جنوب أفريقيا. وهو الأمر الذى يمثل فى مجمله انتكاسة للدبلوماسية الإسرائيلية، ويهدد باتساع دائرة التوتر الدبلوماسي بين إسرائيل ومزيد من الدول مع استمرار وتيرة التصعيد.
ثالثًا: تغير نسبى فى الموقف الغربى
منذ هجمات السابع من أكتوبر أتسم الموقف الغربى، وخاصةً الأمريكى، بالدعم القوى لإسرائيل على الصعيد السياسى والعسكرى، مدينين الحركة لارتكابها عمل إرهابى مروع، ومؤكدين على حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها. ولكن فى الفترة الأخيرة يُلاحظ تغير نسبى فى التصريحات الغربية من خلال التركيز على ضرورة وجود هدنة انسانية مؤقتة ارتباطاً بحدوث تراجع فى الرأى العام الغربى المؤيد لإسرائيل مع اشتداد وتيرة التصعيد الإسرائيلى فى القطاع متسبباً فى أزمة إنسانية حادة، بجانب اشتعال احتجاجات تنديداً بالانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولى الإنسانى فى غزة وممارسة الضغط على الحكومات لتعديل نهجها فى التعاطى مع التطورات الحالية من الدعم الثابت لإسرائيل وإهمال المدنيين الأبرياء فى القطاع.
وفى الولايات المتحدة على وجه الخصوص، تصاعدت لهجة التذمر لتصل إلى أروقة الحكومة الأمريكية نفسها، وهو ما عبّر عنها الاستقالة التي تقدم بها مسؤول بارز في الخارجية الأمريكية، كما أظهرت استطلاعات للرأي حديثة تراجع شعبية الرئيس جو بايدن لعدة أسباب، من بينها، الدعم المُطلق الذي قدمته إدارته لإسرائيل؛ إذ انخفض دعم بايدن من قبل الديمقراطيين ليصل إلى مستوى بلغ 75% مسجلاً انخفاض قدره 11 نقطة مئوية مقارنة بالشهر الماضى فقط وفقاً لاستطلاع رأى أجرته مؤسسة “غالوب”، بالإضافة إلى تزايد حالة الغضب من الأمريكيين من أصول عربية مسلمة، وهى فئة كانت داعمة للرئيس بايدن بشكل كبير، وهو ما قد يؤثر على تعزيز فرصة فى الانتخابات الرئاسية القادمة. وبالتالى تواجه الإدارة الأمريكية ضغوطاً متزايدة للتخلى عن دعمها الواسع للحكومة الإسرائيلية والضغط عليها للقبول بـ”هدنة إنسانية” فى ظل تصاعد الانتقادات من الداخل الأمريكى للحرب باعتبارها “عبئاً استراتيجياً” ارتباطاً لتأثيرها على عدد من الملفات، يأتى على رأسها تراجع الدعم الأمريكى لأوكرانيا والذى ترتب عليه تقدم عسكرى روسى لافت فى الجبهة الأوكرانية، وتصاعد استهداف المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط، فضلاً عن تداعياتها على مستقبل الأمن في الولايات المتحدة وأوروبا بشكل عام مع تنامي الغضب.
وقد أكد بلينكن خلال زيارته لإسرائيل أن موافقتها على هدنة إنسانية “ستساعد واشنطن على درء الضغوط المتزايدة التي تواجهها بسبب دعمها للعملية الإسرائيلية في غزة”، كما “ستساعد إسرائيل على كسب المزيد من الوقت قبل هجومها البري الشامل” على غزة. وفي السياق، أعلن البيت الأبيض تنفيذ إسرائيل هدنة إنسانية لمدة 4 ساعات يوميا شمالي قطاع غزة، مع توفير ممرين إنسانيين للسماح بالمدنيين بالفرار.
ما المُتوقع من القمة العربية الطارئة فى 11 نوفمبر؟
يُتوقع تبنى موقف دبلوماسي قوي لوقف التصعيد الإسرائيلى فى قطاع غزة، وأن تفضي القمة إلى الإشارة لعدد من المحاور، على رأسها، المطالبة بالوقف الفورى للعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة والضفة الغربية، رفض التهجير القسرى سواء بداخل الأراضى الفلسطينية أو خارجها، تكثيف المساعدات الإغاثية والسماح بتدفق الوقود للشعب الفلسطيني، وتقديم تسوية شاملة للصراع الإسرائيلى – الفلسطينى من خلال إعادة طرح خيار حل الدولتين.
كما يُرجح تركيز مخرجات القمة الطارئة على حث الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الأتحاد الأوروبى، والمنظمات الدولية بتحرك عاجل للضغط على إسرائيل من أجل الوصول إلى هدنة دائمة فى غزة وتسيير القوافل لإغاثة المدنيين. وبناءً على المعطيات السالف ذكرها، من تطور المواقف الدولية، من المُرجح ان تمارس واشنطن ضغوطات على إسرائيل فى هذا الصدد يفضى إلى تغيير سلوكها من خلال التراجع النسبى عن سياسات العقاب الجماعى والسماح بتدفق المزيد من المساعدات الإنسانية خلال المنظور القريب.
وختامًا:
من المُتوقع أن لا تكون مخرجات القمة العربية الطارئة على مستوى آمال الجماهير العربية، إلا ان تُكمن أهميتها، بالرغم من التأخر فى موعد عقدها، كونها جزءاً من ضغط دبلوماسى مُتصاعد من قبل الدول العربية، بدأ فى مجلس الأمن، وامتد إلى ” قمة القاهرة للسلام “، والجمعية العامة للأمم المتحدة، وإن نجحوا في الحصول على أغلبية الأصوات لقرار الهدنة الإنسانية وبناء موقف دولى أقوى مساند لوقف إطلاق النار. كما ستمثل القمة للمملكة العربية السعودية، على وجه الخصوص، فرصة لاستعراض مهاراتها الدبلوماسية فى تلك المرحلة الهامة.