اتجهتْ الأنظارُ مجددًا إلى الدوحة؛ حيثُ استضافتْ قطرُ على مدار يوميْ 15 و16 أغسطس الجاري، جولةً جديدةً من المفاوضات؛ لوقْفِ إطلاقِ النَّارِ في قطاع غزة، بوساطةٍ مشتركةٍ من الولايات المتحدة وقطر ومصر، تأتي هذه الجهود، بينما تستمر العملياتُ العسكريةُ على الأرض، وتتصاعدُ التوتُّراتُ الإقليميةُ بين إسرائيل من جهةٍ، وإيران وحلفائها من جهةٍ أُخرى، واكتسبتْ الجوْلة الجديدة طابعًا خاصًّا وأهميةً استثنائيةً، لا سيما أنها جَرَتْ في سياقاتٍ أكثرَ حساسيةً وتعقيدًا، مقارنةً بالجوْلات السابقة، وبينما يُطْلَقُ عليها إسرائيليًّا “مفاوضات الفرصة الأخيرة”، يُخْشَى فلسطينيًّا، أن تكونَ هذه المفاوضات “غطاء لمزيدٍ من المجازر” الإسرائيلية.
وفي هذا الإطار، فيما غابت حماس عن المفاوضات، شَهِدَ اللقاءُ حضورَ كُلٍّ من؛ مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية “وليام بيرنز”، وكبير مستشاري الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط “بريت ماكغورك” عن الجانب الأمريكي، وضَمَّ الوفدُ الإسرائيليُّ رئيسا جهازيْ الموساد “وشين بيت دافيد برنيع، ورونين بار”، إضافةً إلى مسؤول ملف الرهائن والمفقودين بالجيش الإسرائيلي نيتسان ألون، والمستشار السياسي “عوفير فالك”، جاء ذلك بحضور كُلٍّ من رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل.
سياقاتٌ صعْبَةٌ:
في الأسابيع الأخيرة، شَهِدَتْ المنطقةُ تناميًا في المخاوفِ من احتمالِ اتساعِ التصعيدِ من قطاعِ غزة إلى دولٍ أُخرى، وذلك عقب اغتيال كُلٍّ من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، بعد ساعاتٍ من مقتل القيادي في حزب الله اللبناني، فؤاد شكر، وقد ردّت كُلٌّ من إيران وحزب الله، بالتأكيد على نواياهما للرَّدِّ على هذا التصعيد الإسرائيلي.
في السياق ذاته، مارست الدول الغربية ضغوطًا مُكثَّفَةً على إيران لحثّها على التراجُع عن تهديداتها بالرَّدِّ؛ حيث اعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن التوصُّل إلى اتفاقٍ لوقْف إطلاق النار في غزة قد يشجع إيران على الامتناع عن اتخاذ خطواتٍ هجوميةٍ، رغم هذه الدعوات الغربية للتراجُع، رفضت إيرانُ الانصياعَ لها، في هذا الإطار.
من الضروري إبراز السياق السياسي للأطراف المعنيّة إبَّان انعقاد محادثات الدوحة على النحو الآتي:
على المستوى الفلسطيني: عقد هذا اللقاء في ظِلِّ تصعيدٍ إسرائيليٍّ غير مسبوق منذُ بداية الحرب على قطاع غزة، قبْل أكثر من عشرة أشهر، تجسَّد ذلك في الاغتيالات الأخيرة التي استهدفت رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، والقيادي في حزب الله، فؤاد شكر، وفي الوقت ذاته، تُكثِّفُ آلة الحرب الإسرائيلية جهودَها لتدميرِ مُقوِّمَات الحياة في غزة؛ ما أسفر عن خسائرَ بشريةٍ كبيرةٍ وتدميرِ العديد من الأحياء والمرافق الحيوية، مثل المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء.
تلى ذلك؛ إعلانُ الحركة عن رئيسها الجديد ” يحيى السنوار” خلفًا لـ”هنية”؛ لتَقْلِبَ بذلك أطرافَ المعادلة رأْسًا على عقب، وترسم ملامح طوْرٍ جديدٍ داخل القطاع، وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، يكون عَرَّابُها الجديدُ “السنوار” بفِكْرِهِ وتوجُّهَاتِهِ التي تختلف بشكلٍ جِذْرِيٍّ عن سابِقِهِ.
ونتيجةً لهذه الظروف العصيبة، طالبت حركةُ حماس، يوم الأحد 11 أغسطس، بضرورة أن يُقدِّمَ الوسطاءُ المشاركون في مفاوضات وقْف إطلاق النار خُطَّةً تُسْهِمُ بتنفيذ ما تَمَّ الاتفاقُ عليه من جانب الحركة، بتاريخ 2 يوليو الماضي، وفقًا لمقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن، وقرار مجلس الأمن الدولي، وقد دعت الحركةُ إلى ضرورة التزام إسرائيل بهذه الخطط، بدلًا من الاعتماد على جوْلاتٍ جديدةٍ من المفاوضات، أو اقتراحات تُوفِّرُ غطاءً للعمليات العسكرية الإسرائيلية على غزة، وأكَّدت الحركةُ حِرْصها الدائم على إنجاح جهود الوساطة المبذولة من الأشقاء في قطر ومصر؛ بغرض الوصول إلى اتفاقٍ لوقْف إطلاق النَّارِ، يُجنِّبُ سكان غزة ويْلات حرب الإبادة الجماعية، وشدَّدَتْ على أنها انخرطت بشكلٍ كاملٍ خلال جوْلات المفاوضات السابقة، وقدَّمَتْ كُلَّ ما يلزم للتوصُّل إلى نتائجَ تُحقِّقُ أهدافَ الشعب الفلسطيني، وتُسْهِمُ في حماية دمائه.[1]
بالنسبة لإسرائيل: تواجه تلُّ أبيب مأْزَقًا حقيقيًّا يتفاقم يومًا بعد يوم؛ إذ يجد الجيش نفسه عالقًا في غزة، غير قادرٍ على تحقيق أهداف الحرب أو الحصول على تصوُّرٍ لنصرٍ واضحٍ، كما أنه يعاني من صعوبة إنهاء النزاع؛ بسبب تعنُّتِ رئيس الوزراء نتنياهو، وفرضه شروطًا جديدةً في كُلِّ مرَّةٍ، وفي ظل تلك الظروف الصعبة، جاءت جوْلة التفاوضِ الجديدةِ في وقتٍ زادت فيه المخاطرُ وتعمّق المأزق؛ حيثُ تجدُ إسرائيل نفسها الآن أمام انتظار ردودٍ محتملةٍ متعددة الجبهات من إيران وحزب الله وجماعة الحوثيين؛ ردًّا على اغتيال “هنية، وشكر، وقصف ميناء الحديدة”.
ومع استمرار أزمة غزة والتحديات الإقليمية المحيطة بها، فرضت الانقساماتُ الداخليةُ في إسرائيل واقعًا جديدًا على الوضع الداخلي، خصوصًا بعد تعليقات وزير الدفاع الإسرائيلي “يوآف غالانت” التي أدْلَى بها ضد نتنياهو، فقد اعترف غالانت للمرة الأولى، وبشكلٍ علنيٍّ، بأن (تأخير إبرام صفقة إعادة “المختطفين” يعود إلى سياسات الحكومة الإسرائيلية، وأن الحديث عن انتصارٍ مُطْلَقٍ هو مُجرَّد “هراء”)، وأثارت هذه التصريحات نقاشًا مستمرًا حول الصفقة وأهداف نتنياهو من استمرارية النِّزَاع؛ ما أدَّى أيضًا إلى ردِّ فعلٍ سريعٍ من مكتب رئيس الوزراء، الذي اتهم ضمنيًّا وزير الدفاع بالخيانة.[2]–[3]
العجز الأمريكي: الولايات المتحدة كداعمٍ رئيسيٍّ لإسرائيل وأحد الأطراف البارزة ضِمْن جهود الوساطة لتبادل الأسرى، لا تبدو في وضْعٍ أفضل، مقارنةً بإسرائيل ذاتها؛ إذ تُعاني السَّاحةُ السياسيةُ الأمريكيةُ حاليًا من حالة انقسام وانشغال بالحملات الانتخابية التي تتصدر المشهد ولا صوت يعلو فوقه راهنًا، كما يعكس المشهدُ الحاليُّ تفوُّقَ بنيامين نتنياهو، مقابل ضَعْف الإدارة الأمريكية الحالية، واستمراره في تحدِّيها، والاستمرار بأعمالٍ عسكريةٍ متزايدةٍ تجاه القطاع الفلسطيني؛ مستفيدًا من الانقسامات والحالة الارتباكية داخل الإدارة الأمريكية، وعدم قُدْرتها الفعليّة على اتخاذ قراراتٍ حاسمةٍ، وبناءً عليه؛ تُمثِّلُ تلك المفاوضاتُ فُرْصَةً أخيرةً للإدارة الحالية؛ لتحقيق تقدُّمٍ ملموسٍ قبْل انتهاء ولايتها، وفْقًا لتصريحات الرئيس الأمريكي “جو بايدن”.[4]
مُخْرَجَات اللقاء:
انتهت جوْلة المفاوضاتِ التي أُجريت على مدار يوميْ الخميس والجمعة ١٥ و١٦ أغسطس، دون الإعلان عن التوصُّل إلى اتفاقٍ لوقْف إطلاق النار وتبادُل الأسرى بين إسرائيل وحماس، وكشف بيانُ الوسطاء، أن واشنطن بدعمٍ من قطر ومصر، قدَّمت الجمعة ١٦ اغسطس، لكلا الطرفيْن اقتراحًا “يُقَلِّصُ الفجوات” بينهما، ويتوافق مع المبادئ التي وضعها “بايدن” في 31 مايو الماضي، وقرار مجلس الأمن رقم 2735، وأضاف البيانُ، أن المقترح الأمريكي يُبْنَى على نقاطِ الاتفاقِ التي تحقَّقت خلال الأسبوع الماضي، ويسُدُّ الفجواتِ المتبقيةِ بالطريقةِ التي تسمحُ بالتنفيذِ السريعِ للاتفاقِ.
وفي ختامها: أعلن الوسطاءُ عن تقديمِ مقترحٍ جديدٍ، كما أشار البيانُ إلى ترقُّبِ اجتماعٍ وشيكٍ في القاهرة مرَّةً أُخرى قبْل نهاية الأسبوع المقبل؛ لبحث وقْف إطلاقِ النَّارِ، وفقًا للشروط المطروحة يوم الجمعة ١٦ اغسطس، وأكَّد البيان، أن الطريق الآن “أصبح مُمَهَّدًا لتحقيق هذه النتيجة، وإنقاذ الأرواح، وتقديم الإغاثة لشعب غزة، وتهدئة التوتُّرات الإقليمية”.[5]
ومع ذلك وبعد انتهاء اللقاء لا تزال تفاصيلُ الاقتراحِ الجديدِ غير واضحةٍ، كما أنه من غير الواضح؛ كيف يختلف عن الاقتراحات السابقة؟
ردودُ أفعالٍ متباينةٍ:
من جانبه عبَّر “بايدن“ بعد اختتام اللقاء، عن تفاؤله بشأن احتمالات التوصُّل إلى اتفاقٍ لوقْف إطلاقِ النَّارِ بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، قائلًا: “نحن أقرب منا في أيِّ وقتٍ مضى إلى التوصُّل إلى اتفاق[6]“.
إلَّا أنها ليست المرة الأولى خلال الحرب المستمرة على مدار ١٠ أشهر، التي يُعبِّرُ فيها بايدن، عن تفاؤله بإمكانية التوصُّل إلى اتفاقٍ، ثُمَّ يتبع تفاؤله انهيار المحادثات.
وبالنسبة لحماس: فرفضت الحركة “شروطًا جديدةً”، قالت: إن الوفد الإسرائيلي وضعها في الاتفاق المقترح في الدوحة، في سياقِ نهْجِهِ للتهرُّب وتعطيل المفاوضات، بشأن وقْف إطلاق النار في غزة، وشدَّدت الحركةُ على أن حماس “لن تقبلَ بأقلّ من وقْفٍ كاملٍ للنار، والانسحابِ الكاملِ من القطاع، وعودةٍ طبيعيةٍ للنازحين، وصفقة تبادلٍ بدون قيودٍ وشروطٍ إسرائيليةٍ، كما أن قيادة الحركة “ترى أن المقترح الأمريكي الجديد يستجيب للشروط الإسرائيلية ويتوافق معها”، وفْقًا لمصادر شبكة “سي إن إن”.[7]
وعلى المستوى الإسرائيلي: فقد أشادت إسرائيل عقب انتهاء جوْلةِ المفاوضاتِ، بجهودِ الوسطاءِ لإقناع “حماس” بقبول اتفاقِ وقْفِ إطلاقِ النَّارِ في قطاعِ غزة، على أساس المبادئ التي وضعها “بايدن”، في ٢٧ مايو الماضي، لكنها لم تُؤَيِّدْ الاقتراح الأخير المطروح على الطاولة.[8]
فيما تحدَّثَ مسؤولون إسرائيليُّون، مساء الجمعة ١٦ أغسطس، عن انتهاء عمليات الجيش “بشكلٍ عامٍ”، وقالوا: إن المؤسسة الأمنية أبلغت القيادة السياسية، أن الوقت حان لإبرام صفقةٍ لاستعادة المحتجزين، إلَّا أنه لا تزالُ التطوُّراتُ الميدانيةُ للجيش الإسرائيلي مستمرةً، فوفقًا لوكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، أفادت المصادر ، باستشهادِ فلسطينيٍّ واحدٍ على الأقلِّ، وإصابة آخرين بجروح، صباح السبت ١٧ أغسطس، في قصْفٍ إسرائيليٍّ لمدينتيْ غزة وخان يونس، كما شنَّتْ طائراتُ الجيش الإسرائيلي الحربية غارةً على شارع صلاح الدين الرئيس في منطقة السطر الشرقي بمدينة خان يونس.[9]
فُرَص التوصُّل إلى اتفاق:
تُظهر التجاربُ السابقةُ، أن نهاية كُلِّ جوْلةٍ من المفاوضات، التي تَمَّ الحديثُ فيها عن تحقيقِ تقدُّمٍ ملحوظٍ، غالبًا ما جاءت بنتائجَ غيرِ مثمرةِ؛ نظرًا لاستمرار وجود خلافاتٍ جوهريةٍ بين حماس وإسرائيل، والتي تبقى مُعقَّدةً وغير قابلةٍ للحلِّ، بما يُشير عمليًّا – على ما يبدو – إلى فشل الجوْلةِ الحاليةِ من المفاوضات، كما حدث في الجوْلات السابقة، ويعودُ السببُ في ذلك إلى عدة عوامل رئيسية، على النحو التالي:
شبح الهزيمة: إذ إن نجاحَ أيِّ مفاوضاتٍ تقوم بها حماس بعد ترقية السنوار وتولِّيه قيادة الحركة، وعقد صفقة تتم بموجبها الإفراج عن المخطوفين مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين، ستُسَجَّلُ كإنجازٍ له ولحماس، وقد تُعزِّزُ قدرته على تشكيل الحالة السياسية لليوم التالي للحرب، وهذا السيناريو يُمثِّلُ تحدِّيًا كبيرًا لـ”نتنياهو”؛ لأنه قد يؤدي إلى:-
أولًا: زعزعة حكومته.
ثانيًا: يمنح حماس تحت قيادة السنوار إنجازاتٍ سياسيةً، تعتبر بمثابةِ مكاسبَ كبيرةٍ لها.
علاوةً على ذلك؛ فقد سبق أن أكَّد نتنياهو مِرَارًا، أنه لن يُوقِفَ الحرب حتى يُحقِّقَ “النصر الكامل” عبْر القضاء على حركة حماس، ومن ثَمَّ يواصلُ رئيسُ الوزراء الإسرائيلي في اتباع تكتيك إطالة أَمَدِ الحرب، ويدعم موقفه سعيه لتحقيق مكاسبَ سياسيةٍ، تتزامن مع الانتخابات الأمريكية المقبلة، وأمله بشأن عودة دونالد ترامب إلى السلطة، إذ يُعتقد أن نتنياهو يسعى لتأخير تسويةِ النِّزَاع لحين استلام ترامب السلطة؛ حتى يتمكَّنَ الأول من التأثير على مسار الأحداث المستقبلية.
عدم مشاركة حماس: جاء غياب الحركة عن المفاوضات ربما لبلْورة موقفِ الحركة؛ كوْنها لا ترى حلًّا للوضْع المأسويِّ الحاليِّ في القطاع وعلى مدار أكثر من سبعة عقود إلا “المقاومة”، وأن الحلول السِّلْمية – لا سيما التفاوُض – تأتي بعد إثبات الذات بالقوة على الأرض، وهو يُمثِّلُ نهْجَ ” السنوار” الراسخ الذي يدور حول فكرة، أن القُوَى ليست من أجل القوة، وإنما من أجل إجراء مفاوضات خاليةٍ من التنازُلات والضغوطِ مع تل أبيب، كما يشير موقف حماس، إلى أن المفاوضات بات معروفًا نتائجها سلفًا، في عدم إحرازها لأيِّ تقدُّمٍ يمكن البناء عليه.
تعنُّت الجانب الإسرائيلي وامتداد الخلافات: فبينما طالبت حركةُ حماس، الوسطاءَ، بتقديم خطة تنفيذية تتعلق بالمقترحات التي قُدِّمت للحركة، في الثاني من يوليو الماضي؛ استنادًا إلى رُؤْيةٍ قدَّمها الرئيس الأمريكي جو بايدن، وتَمَّ عرْضُها على إسرائيل لإبرام صفقة تبادلٍ للأسرى، وقد شملت تلك الرُّؤْية وقْف القتال وإطلاق سراح جميع المختطفين (الأسرى الإسرائيليين في غزة)؛ وهو ما تقبَّلْته حماس آنذاك، يتمسَّكُ نتنياهو بمطالِبِهِ المتشددة، والتي تشمل استمرار السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا، وهو مطلبٌ لم يتضمنه وثيقة مايو السابقة، وفي المقابل، ترفض مصر وحركة حماس والسلطة الفلسطينية هذا الشرط، وتقترح ترتيبات أمنية وضمانات بديلة.
علاوةً على ذلك؛ فقد أبْدَتْ إسرائيل في الوثيقة الجديدة “مرونةً أقلّ”، بشأن السماح للفلسطينيين بالعودة إلى منازلهم في شمال غزة بعد انتهاء القتال، ويُصِرُّ نتنياهو أيضًا، على وجود قواته في محور “نتساريم” وسط القطاع؛ لمنْع عودة الآلاف من المسلحين إلى شمال قطاع غزة؛ ما أدَّى إلى رفْض حركة حماس لهذا الأمر.
ومن المعروف، أن موقف نتنياهو هذا لا يحظى بقبول العديد من قادة المؤسسة الأمنية الذين انتقدوه مرارًا وتكرارًا؛ بسبب ما يعتبرونه إعاقةً للصفقة المحتملة؛ ما جعل فُرَص التوصُّل إلى اتفاقٍ خلال جوْلة المفاوضات، التي انتهت يوم الجمعة ١٦ أغسطس، بعيدة المنال.[10]
وبناءً على ما تقدم؛ تُمثِّلُ الحركةُ الدبلوماسيةُ النَّشِطَةُ للولايات المتحدة فُرْصةً تاريخيةً، تُعتبر ربما الأخيرة، قبْل انفراط العقد وتأزُّم الأمور نحو صراعٍ إقليميٍّ شاملٍ، وتنتهز الإدارة الأمريكية هذه الفُرْصة لتحقيق إنجازٍ قبْل مغادرتها للمشهد السياسيّ؛ إلَّا أن المشهدَ الكُليَّ للمفاوضات أثار مزيدًا من الشُّكُوك حول أهداف هذه الجوْلة، على اعتبار أنها مسارٌ سياسيٌّ من الأدوات الدبلوماسية التي تحاول من خلالها واشنطن أن تُؤَثِّرَ بشكلٍ أو بآخرَ على الرَّدِّ الإيراني واللبناني المُرْتَقَب؛ جرَّاء العمليات العسكرية التي ارتكبتها إسرائيل في طهران والجنوب اللبناني، فعلى الرغم من عدم مشاركة حماس، أعلنت واشنطن أن حماس ممثلة، ومع وضوح فشل المفاوضات عمليًّا؛ لعدم إحراز أيِّ تقدُّمٍ يمكن البناء عليه، خرجت الولايات المتحدة في السياق ذاته، تؤكد بأن هناك تقدُّمًا إيجابيًّا؛ الأمر الذي يُثيرُ الدهشة، وكأن واشنطن تُبَرْهِنُ على أنها تُفاوض من أجل المفاوضات فقط، وبهذا يتضح؛ أن المنطقةَ واقعة على حافَّةِ الانزلاق نحو أزمةٍ أكبر، وعلى الرغم مما تُبْدِيهِ واشنطن من جهودٍ لتصدر أجواء التفاؤل حول مفاوضات الدوحة، فإنه يصْعُبُ القول: بأن منطقة الشرق الأوسط باتت آمنةً، بعيدةً عن نُشُوب صراعات كُبْرى.
المصادر:
[1] «حماس» ستشارك في مباحثات الخميس… لكن شكل المشاركة لم يتقرر، الشرق الأوسط، ١٥ أغسطس ٢٠٢٤. https://n9.cl/jhra1
[2] غانتس لنتنياهو: كن شجاعا لمرة وتوقف عن العبث بمصير إسرائيل، سكاي نيوز بالعربي، أغسطس ٢٠٢٤. https://n9.cl/jolk1v
[3] أمين حبلا، صفقة التبادل.. 5 شروط جديدة لنتنياهو و5 أساليب لإفشال المفاوضات، الجزيرة، ١٥ أغسطس ٢٠٢٥. https://n9.cl/b4jnm8
