تشهدُ الساحةُ الدوليةُ تحولاتٍ جيوسياسيةً متسارعة تعيدُ رسْمَ شكل العلاقات بين القوى الكبرى، حيث تتخذ إدارة ترامب نهجًا يعيد ترتيب الأولويات الاستراتيجية، حيث تسعى واشنطن إلى تقليل تركيزها على أوروبا لصالح مواجهة الصين، بينما تبحث موسكو فرصَ التحركِ بين المحورين الغربي والصيني بحثًا عن مكاسب استراتيجية، فيما تحاول الصين استغلال تلك التطورات لتعزيز مكانتها في أوروبا لتقليل تأثير الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، أما الاتحاد الأوروبي، فيجدُ نفسه مضطرًا لاتخاذِ قراراتٍ حاسمةٍ لبناء استقلاله الاستراتيجي.
مقامرة ترامب
يراهنُ ترامب على التأثير على التحالفات الجيوسياسية، فيما يتعلقُ بعلاقاتهِ مع روسيا والصين، حيث يتجهُ إلى علاقات أفضل مع موسكو، بل ويسعى إلى إعادتها إلى مجموعة الدول السبع، بعد أن تمَّ تعليقُ عضويتها عقب ضمّها لشبه جزيرة القرم في 2014. ففي نظر إدارة ترمب، روسيا ليست التهديدَ الرئيسيَ للولايات المتحدة، إذ يُنظرُ إلى طموحاتها على أنها إقليميةٌ أكثر منها عالمية، على عكس الصين، التي تشكّل تحديًا أوسع بفضل مشاريعها الاقتصادية الضخمة، مثل مبادرة الحزام والطريق. وبالتالي، فإن تخفيفَ التوترات مع موسكو يُعد خطوة استراتيجية تهدفُ إلى تحرير الموارد الأميركية لمواجهة الصين بشكل أكثر تركيزًا.
لذا أرسل ترامب وفدا إلى المملكة العربية السعودية لإجراءِ أولِ محادثاتٍ رفيعةِ المستوى مع المسؤولين الروس، واتفق الجانبان على “تطبيع” العلاقات الثنائية وتعيين فرق مخصصة لدفع المفاوضات بشأن مستقبل أوكرانيا.
ولأنه منذ بداية الحرب في أوكرانيا، اكتسبت الصين نفوذا كبيرا على روسيا وكذلك شهدت محاولاتٍ غربيةً لاستقطابها في مواجهة روسيا، فإن تغير الموقف الأميركي تجاه روسيا يشكل تحديًا كبيرًا للصين، فبكين تدرك أن تقاربَ واشنطن مع موسكو قد يقللُ من اعتماد روسيا عليها، مما يُضعفُ الشراكةَ الاستراتيجية بين البلدين[1]. لذلك، تدعم بكين إيجادَ مقعدٍ أوروبيٍ على طاولة المفاوضات حول إنهاءِ الحرب الأوكرانية على أملِ عرقلةِ أيّ اتفاقٍ سريعٍ بين أمريكا وروسيا في تناقض واضح مع موقف روسيا، حيث أكد وزير الخارجية الروسي أن الاتحاد الأوروبي ليس له مكانٌ على طاولة المفاوضات، وهو ما يعكسُ رغبةَ موسكو في تقليص التأثير الأوروبي على مسار الحل. [2]
تهميشُ الولايات المتحدة لأوروبا:
بلغت حدة التوتر بين إدارة ترامب والقادة الأوروبيين ذروتها خلال مؤتمر ميونخ للأمن العالمي، الذي عُقد في ألمانيا في 14 فبراير، حيث طالبتْ إدارة ترامب دولَ الناتو بزيادة إنفاقها العسكري إلى ثلاثة أضعاف، كما حثتها على إرسال قواتٍ إلى أوكرانيا وشراء الأسلحة الأميركية. علاوة على ذلك، أعلنتْ عزمْها التفاوضَ مباشرةً مع روسيا بشأن الأزمة الأوكرانية، متجاهلةً الدور الأوروبي في هذا الملف.
تصاعدتْ المخاوفُ الأوروبيةُ بعد تصريح السيناتور ماركو روبيو بأن الاتحادَ الأوروبي لن يُدعى للمفاوضات إلا عند مناقشة تخفيف العقوبات على روسيا. في هذا السياق، قدمت بروكسل قرضًا بمليارات الدولارات إلى كييف، مستخدمةً الأصولَ الروسية المجمدة كضمانٍ. ومع ذلك، إذا تمَّ الإفراج عن هذه الأصول – كما يطالب الكرملين – فإن القرض قد ينهار، مما يُلزمُ العواصمَ الأوروبيةَ بتغطيةِ التكاليف.
كما أوضح وزير الدفاع الأمريكي “بيت هيجسيث” أن واشنطن لن ترسلَ قواتٍ بريةً إلى أوكرانيا، كما أكد أن أيَّ مهمةٍ لحفظ السلام لن تشملهَا المادةُ الخامسةُ من ميثاق حلف شمال الأطلسي، والتي تضمن الدفاع الجماعي عن الدول الأعضاء. في الوقت نفسه، تُظهر الإدارةُ الأمريكية نيةً لتقليصِ وجودها العسكري في أوروبا تدريجيًا، بعد أن وصلَ عددُ القوات الأمريكية هناك إلى 100 ألف جندي منذ بدء الغزو الروسي في 2022.[3]
من جهة أخرى، أكدت كايا كالاس، ممثلة الاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية، أن إقصاء الأوروبيين عن أي اتفاق سلام سيؤدي إلى فشل الصفقة، لأن التنفيذَ العملي لهذا الاتفاق يعتمد بالدرجة الأولى على التعاون الأوروبي.
انفراجة روسية:
تعتبرُ روسيا نفسها قوةً عظمى، لكن العقوبات الغربية دفعتها نحو تعميق علاقاتها مع الصين. ومع ذلك، لا ترغبُ موسكو في أن تكونَ الشريكَ الأصغرَ في هذه العلاقة، وتسعى إلى تعزيز استقلاليتها الاستراتيجية عبر فتح قنوات تفاوض مع الغرب.
بالنسبة للكرملين، فإن استعادةَ علاقاته مع الغرب لا يعني فقط تحسينَ صورتهِ الدولية، ولكنه يمنح موسكو أيضًا مساحةً أكبر للمناورة في علاقتها مع الصين، ونفوذًا سياسيًا أكبر في القضايا الأمنية الأوروبية، وفرصة لإنهاء العزلة الاقتصادية التي فرضتها العقوبات الغربية، وأخْذٍ ضمانات بعدمِ توسيعِ حلف الناتو في المنطقة، وهو ما تطالب به موسكو بشدة، لكن الاتفاق على طبيعة قوة حفظ السلام يمثّلُ عقبةً رئيسيةً، فروسيا تنظر إلى أي وجود عسكري أوروبي كبير في أوكرانيا على أنه عضويةٌ غير رسمية لكييف في الناتو.[4]
نهجٌ أمريكي مزدوج:
وبعد لقاءٍ مع المفاوضين الروس، أشار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى إعادة ضبط دراماتيكية في العلاقات مع الكرملين، معتبرًا أن هناك فرصًا مذهلةً للشراكة مع روسيا. لكن في الوقت نفسه، حاولَ طمأنةَ الحلفاء الأوروبيين بأن هذه المفاوضات لا تعني تحولًا مفاجئًا في السياسات الأميركية، وأنه لن يتمَ رفْعُ العقوبات دون تغييرات ملموسة في سلوك موسكو.
قال روبيو، إن إدارة ترامب كانت تدرك بوضوح أن روسيا قد تحاولُ استخدامَ المحادثات لزرع الانقسامات في الغرب أو لتخفيف عزلتها على الساحة الدولية، وفقًا للملخص الذي استعرضته صحيفة نيويورك تايمز. قال السيد روبيو في مكالمةٍ هاتفيةٍ مع العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين إن المحادثات التي جرت في السعودية كانت بمثابةِ خطوةٍ أولى في العملية، واختبار ما إذا كان الكرملين جادًا في التوصل إلى صفقةٍ، ووعدٍ بإبقاء حلفاء أميركا على اطلاعٍ دائمٍ بالمستجدات وحثهم على الوحدة. [5]
مخاوفُ أوروبية:
الرسائل الأمريكية تعني أن الدولَ الأوروبيةَ ستواجه عبئًا أمنيًا متزايدًا في أوكرانيا، في هذا السياق، أكد الرئيس الفرنسي أن الدول الأوروبية ستحتاج إلى زيادة إنفاقها الدفاعي بشكلٍ كبيرٍ لحماية نفسها من التهديد الروسي. من جهته، طالب ترامب أعضاء الناتو بمضاعفة إنفاقهم العسكري ليصلَ إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتطلبُ تغييراتٍ جوهريةً في السياسات المالية الأوروبية. [6]
أمام هذا الواقع، تواجهُ الحكوماتُ الأوروبيةُ خياراتٍ صعبةً: منها تقليص الإنفاق على الرعاية الاجتماعية، والرعاية الصحية، ومعاشات التقاعد لتمويل الإنفاق العسكري، وهي قراراتٌ غيرُ شعبيةٍ بين الناخبين، والتخفيف من القواعد المالية المتعلقة بالاقتراض، ما قد يزيد من الأعباء الاقتصادية على الحكومات. [7]
وإذا قرر ترامب عدم الضغط على الموقف الروسي كما ظهر في تصريحاته، فسيؤدي ذلك إلى إضعاف موقف أوكرانيا. مثل هذا السيناريو قد يمنحُ بوتين فرصةً لتأمينِ 20% من الأراضي الأوكرانية التي تحتلها القوات الروسية، مما يعززُ نفوذَ موسكو في المنطقة.
الحربُ التجاريةُ تطال أوروبا
فتحتْ الولايات المتحدة جبهاتٍ جديدةً في حربٍ تجاريةٍ تبدو عازمةً على شنّها على شركائها الاقتصاديين، حيث فرضت رسوماً جمركية قدرها 25% على جميع واردات الصلب والألمنيوم، بما يشملُ صادراتِ المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والتي قد تدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من 12 مارس المقبل، ثم أعلنت الإدارة مبادرةً أوسع تهدفُ إلى فرْضِ رسومٍ جمركيةٍ على مبدأ التعامل بالمثل تشمل الجميع.[8]
ويتوقع الاتحاد الأوروبي أن تؤثر الدفعة الأولى من الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم على ما يصل إلى 28 مليار يورو من صادرات الكتلة، ما يشكل تصعيداً كبيراً في الحرب التجارية التي يشنّها ترامب. ورداً على ذلك، فرض الاتحاد الأوروبي رسوماً انتقامية استهدفت شركات أميركية ذات رمزية سياسية كبيرة، وشملت السلع الزراعية والملابس بالإضافة إلى منتجات الصلب والألمنيوم.[9]
محاولة استيعاب أوروبي للأحادية الأمريكية:
قال مفوضُ التجارةِ بالاتحاد الأوروبي “ماروش شيفتشوفيتش” إن أوروبا قد تتحالف مع الولايات المتحدة لمكافحة “القدرات الزائدة” الصينية التي تجعل صناعاتِ المعادن في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة غيرَ قادرةٍ على المنافسة بشكلٍ متزايد كبديلٍ للصراع حول الرسوم الجمركية التي هدد بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الصلب والألمنيوم.
وبحسب الاتحاد الأوروبي للصلب، أنتجت الصين 55.1% من الصلب الخام في العالم في عام 2023، في حين أنتج الاتحاد الأوروبي 6.8% والولايات المتحدة 4.4%. كما أنتجت الصين ما يقل قليلاً عن 60% من الألومنيوم في العالم في عام 2022، وفقًا للمعهد الدولي للألومنيوم.[10]
في ظل هذا المشهد الجيوسياسي المعقّد، يجدُ الاتحادُ الأوروبيُ نفسه أمام خيارٍ استراتيجيٍ واحدٍ، وهو الحفاظ على نهجهِ المستقل في الشؤون الدولية، دون الانحياز الكامل إلى أي من القوتين العظميين، الولايات المتحدة أو الصين. ولتحقيق ذلك، سيكونُ على أوروبا تعزيزُ قدراتها الدفاعية والتكنولوجية، وتطويرُ مكانتِها الجيوسياسية، وتعزيزُ استقلالها الاستراتيجي لضمان حماية مصالحها في عالم يشهدُ تحولاتٍ عميقةً في ميزان القوى الدولية. [11]
الصين تتابع:
في وقتِ تصاعد الخلافات بين الولايات المتحدة وأوروبا، اتخذت الصين خطوات لاستثمار هذه التوترات لصالحها من خلال تعزيز علاقاتها مع أوروبا، حيث تحدث وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” مباشرة بعد نائب الرئيس الأميركي “جيه دي فانس” في مؤتمر ميونخ للأمن العالمي، وأكد أن الصين تعتبر ألمانيا والاتحاد الأوروبي شريكين استراتيجيين رئيسيين، وتسعى إلى تعزيز التعاون معهما على أساس التجارة الحرة والتعددية، وأن بكين ترحبُ بالدور الألماني في النظام متعدد الأقطاب.
واستثمر “وانغ يي” الفرصةَ لعقْد اجتماعات ثنائية مع عددٍ من الشخصيات البارزة، بما في ذلك رئيسة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، والمستشار الألماني أولاف شولتز، والأمين العام لحلف الناتو مارك روته. وخلال لقائه مع كالاس، شدد وانغ على أن “الصين والاتحاد الأوروبي لا يواجهان تضارباً جوهرياً في المصالح “، مضيفًا أن بكين تدعم الدور الأوروبي في مفاوضات السلام بشأن الحرب في أوكرانيا.
في المقابل، جاء ردُّ الاتحاد الأوروبي بحذر أكبر، إذ أكدت كالاس أن بروكسل مستعدةٌ “لمواصلة الحوار والتعاون في مجالاتٍ محددةٍ مثل التجارة والشؤون الاقتصادية وتغير المناخ”، لكنها حثّت الصين على وقف تصدير السلع ذات الاستخدام المزدوج إلى روسيا، مشيرةً إلى أن هذه الصادرات تسهم في استمرار الحرب التي تشنُّها موسكو ضد أوكرانيا.
ويرى مراقبون أن تصاعدَ التوترات عبر الأطلسي قد يدفعُ الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في سياساته تجاه الصين، وربما تعديل موقفه بما يتماشى مع المصالح الاقتصادية والسياسية الأوروبية. ومع ذلك، يشير محللون إلى أن واشنطن لا تزالُ حريصةً على مواجهةِ تنامي النفوذ الصيني في أوروبا، لكن نهْج ترامب قد يُضعفُ قدرةَ الولايات المتحدة على مواجهة هذا التحدي، فاتباع سياسات تضرُ بالعلاقاتِ الاقتصادية والأمنية مع الحلفاء قد يؤدي إلى تقليص الأدوات المتاحة لواشنطن في مواجهة النفوذ الصيني. [12]
الصين تستعدُ لمفاوضاتٍ تجارية مع أوروبا
في ضوء تلك التطورات، أعلنتْ وزارة التجارة الصينية مؤخرًا أن بكين “تبذل قصارى جهدها” للدفع باتجاه المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن الرسوم الجمركية المفروضة على السيارات الكهربائية المصنعة في الصين، وذلك بعد مرورِ قرابةِ أربعة أشهر على دخول هذه القيود العقابية حيز التنفيذ. [13]
وكان الاتحاد الأوروبي قد صوّت في أكتوبر الماضي لصالحِ فرضِ رسومٍ جمركية تصل إلى 45% على السيارات الكهربائية الصينية، عقب تحقيق أجرته المفوضية الأوروبية بشأن ما إذا كانت الشركات الصينية تستفيد من دعمٍ حكومٍي يشمل التمويل التفضيلي، وتوفير الأراضي والمواد الخام بأسعار تقل عن معدلات السوق.
ويواجه الاتحاد الأوروبي ضغوطًا متزايدة نتيجة احتدام التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، مما يجعله أقل قدرةً على تحمّل تبعاتِ حربٍ تجاريةٍ مزدوجةٍ مع الصين. وفي الأسابيع الأخيرة، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي تُعدُ من أبرز الداعمين لسياسات أوروبية أكثر صرامة تجاه الصين، أن الاتحاد الأوروبي لا يزال منفتحًا على تحسين العلاقات مع بكين.
ورغم ذلك، يرى بعض المحللين الأوروبيين أن هذه الدعوات لا تعني بالضرورةِ تحولًا جذريًا في موقف أوروبا من الصين أو الولايات المتحدة، إذ إن تصاعدَ التوتراتِ عبر الأطلسي قد يخلقُ بيئةً جديدةً تتيحُ للصين تخفيفَ حدة التوتر مع بروكسل [14]، لكنه لن يغيرَ بشكلٍ كبير في سياسات الدعم الحكومي للشركات الصينية وهو محور الخلاف.
تفعيل المكاسب الصينية:
في ظل التصعيد التجاري المتزايد، تحتاج الصين إلى تبنّي نهجٍ أكثر مرونةً وتكيفًا فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على الشركات الصينية عبر تقديم تنازلات مدروسة بشأن بعض مطالب الاتحاد الأوروبي، ما قد يساعد في تعزيز الثقة السياسية بين الجانبين، حتى لو كان ذلك ينطوي على قبولِ بعضِ الرسوم الجمركية، فمع تصاعدِ المخاوف الأوروبية بشأن مستقبلِها الصناعي والاقتصادي، باتت السياساتُ الحمائيةُ أداةً حيويةً للدفاع عن الصناعات المحلية، وهو أمر يجب أن تتعامل معه بكين بواقعية ودبلوماسية.[15]
إلى جانب إدارة الملف التجاري، تمتلك الصين ورقةً دبلوماسيةً قد تمنحها مكاسبَ سياسيةَ واقتصاديةَ إضافية، فبعد انتهاء الحرب الأوكرانية، قد تجد الصين نفسها أمام فرصةٍ للتوسط بين روسيا وأوروبا، حيث ستحتاج أوروبا وروسيا إلى آليات لخفْض التوتر وإعادة بناء الثقة الدبلوماسية، خاصة في مجالات الأمن والطاقة والتجارة، حيث ستحاول الصين أن تكونَ عودةُ موسكو للغرب تتمُ في ظل وساطتها في محاولةٍ لقطعِ الطريق على ترامب للإنفراد بتلك الجهود، ما يضعف المحور الروسي الصيني، والواقع أن في ذلك الموقف ستحدد روسيا أي الطريقين تسلك لإعادة بناء العلاقات مع أوروبا.
قد تعمل الصين على تقديمِ مبادراتٍ سلامٍ، حيث ستحاول إقناع أوروبا بأن إعادة التواصل مع روسيا ضروريٌ لتحقيق الاستقرار في المنطقة. وباعتبارها أكبر شريكٍ تجاريٍ للاتحاد الأوروبي، يمكن للصين استخدام هذا النفوذ.
ختامًا:
تشيرُ التحولاتُ الجيوسياسيةُ الحالية إلى إعادة تشكيل التوازنات الدولية، حيث تتجهُ واشنطن إلى تقاربٍ تكتيكي مع موسكو بهدفِ الحدِّ من النفوذ الصيني، بينما تحاول أوروبا التكيف مع تراجع الالتزام الأميركي بأمنها، مما يدفعها نحو خيارات دفاعية واقتصادية أكثر استقلالية. في المقابل، تجد الصين نفسها أمام معضلة استراتيجية، إذ إن أيَّ تقاربٍ أمريكي-روسي قد يقلل من اعتماد موسكو عليها، مما يهدد محاولاتها لترسيخ نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
وفي ظل هذه التغييرات، يظلُ الاتحاد الأوروبي الحلقةَ الأضعفَ في هذه المعادلة، حيث يواجهُ ضغوطًا متزايدةً من واشنطن وموسكو وبكين، بينما يسعى للحفاظ على استقلاليته الاستراتيجية دون أن يخسرَ شراكاته الاقتصادية والأمنية.
المصادر:
[1] Trump’s Russia Strategy: Breaking the Sino-Russian Alliance or Strengthening It?.. https://2u.pw/ou6lfXWu
