المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > مقترحُ تعديلِ الدستورِ التركيِ: وجهاتُ نظرٍ متعارضةٓ وصراعاتٍ سياسيةٍ
مقترحُ تعديلِ الدستورِ التركيِ: وجهاتُ نظرٍ متعارضةٓ وصراعاتٍ سياسيةٍ
- يوليو 26, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: هنا داود
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
مقدمة
بعدَ طيِّ صفحةِ الانتخاباتِ المحليةِ على الساحةِ السياسيةِ التركيةِ، بدأتْ مرحلةٌ جديدةٌ متعلقةٌ بالدستورِ التركيِ، والتي دائمًا ما تظهرُ دعواتٍ بشأنِ الحاجةِ لتعديلِ الدستورِ أو إعادةِ صياغتهِ، حيثُ يشيرُ سياسيون عدةٌ إلى أن الدستورَ الحاليَ يعززُ مبدأَ الوصايةِ. وربما ما يحدثُ حاليًا هو مناوراتٌ سياسيةٌ، الدافعُ الأساسيُ لها هو مصالحُ التياراتِ والأحزابِ السياسيةِ، ومن ثم تأتي دوافعُ متعلقةٌ بمصالحِ الدولةِ نفسهِا.
بدأَ نعمان كورتولموش، رئيسُ البرلمانِ التركيِ، جولاتٍ مع قادةِ الأحزابِ السياسيةِ الممثلةِ في البرلمانِ التركيِ للتشاورِ حولَ مشروعِ الدستورِ المدنيِ الجديدِ للبلادِ، والذي جاءَ في وقتٍ موازٍ لدعواتِ الرئيسِ أردوغان لضرورةِ إجراءِ تغييراتٍ في الدستورِ الحاليِ. وخلالَ هذه المشاوراتِ، أوضحَ كورتولموش انفتاحَ الأحزابِ السياسيةِ على ضرورةِ إجراءِ تعديلاتٍ على الدستورِ الحاليِ أو ربما إعادةُ صياغتهِ، وأشارَ إلى ضرورةِ وجودِ دستورٍ جديدٍ يتناسبُ مع القرنِ الثانيِ للجمهوريةِ التركيةِ وضرورةِ اتسامهِ بالديمقراطيةِ والمدنيةِ.
وأصبحَ من الواضحِ أن مسألةِ الدستورِ ستتسارعُ وتيرتهُا على الساحةِ التركيةِ خلالَ الفترةِ القادمةِ، ولكن بالطبعِ ستشهدُ تحدياتٍ كبيرةً أثناءَ تحقيقِ التوافقِ بين الأحزابِ، التي هى منفتحةِ على فكرةِ تعديلِ الدستورِ ولكن لكلٍ منها رغبةِ ومصلحةٌ مختلفةٌ، وهو ما سيظهرُ في أروقةِ البرلمانِ.
الدستورُ التركيُ الحاليُ
على الرغمِ من كثرةِ التعديلاتِ التي دخلتْ على الدستورِ التركيِ الحاليِ، إلا أنه في كثيرٍ من تحليلاتِ الخبراءِ ما زالَ يعدُ من أكثرِ الدساتيرِ التي تعززُ نفوذَ المؤسسةِ العسكريةِ. الدستورُ التركيُ الحاليُ هو الذي تمَ صياغتهُ في عامِ 1982 بعد الانقلابِ العسكريِ عامَ 1980، حيثُ كانت الفترةُ من 1971 وحتى 1980 مليئةً بمظاهرِ عدمِ الاستقرارِ في الحكوماتِ التي كانتْ تسقطُ سريعًا أمامَ سيطرةِ الجيشِ. في هذه المرحلةِ، لم يكنْ لأيٍ من الأحزابِ الرئيسيةِ في ذلك الوقتِ القدرةَ على تشكيلِ حكومةِ أغلبيةٍ، وكذلك لم يكنْ عندهم الاستعدادُ لتكوينِ ائتلافٍ، مما جعلَ الحكوماتِ في هذه الفترةِ أكثرَ هشاشةً.
وخلالَ هذه الفترةِ من عدمِ الاستقرارِ، ازدادتْ موجاتُ العنفِ والاغتيالاتِ لقياداتِ الأحزابِ وانهيارِ الاقتصادِ التركيِ وقيمةِ العملةِ، مما مهدَ لرئيسِ الأركانِ التركيِ وقتذاك، كنعان إيفرين، لقيادةِ انقلابٍ عسكريٍ بعد تصاعدِ الفوضىَ وعدمِ الاستقرارِ. ونتيجةً لذلكَ، ازدادتْ سيطرةُ الجيشِ على مناحيِ الحياةِ السياسيةِ، حيثُ تمَ حلُ البرلمانِ وتعطيلُ الدستورِ وعرقلةُ نشاطِ الأحزاب.ِ وفي عامِ 1982، تمَ صياغةُ الدستورِ الحاليِ من خلالِ اللجنةِ التشريعيةِ التي فرضتهَا المؤسسةُ العسكريةُ بموادهِ التي رسختْ العلمانيةَ وزادتْ صلاحياتُ السلطةِ التنفيذيةِ وصلاحياتُ رئيسِ الجمهوريةِ (كنعان إيفرين) وقتَها[1].
وتمَ إدخالُ العديدِ من التعديلاتِ على الدستورِ الحاليِ، أكثرُها خلالِ الحكوماتِ المتعاقبةِ في حكمِ حزبِ العدالةِ والتنميةِ، وكانَ من أهمِ هذه التعديلاتِ التحولُ إلى النظامِ الرئاسيِ في عامِ 2017، وشملتْ هذه التعديلاتُ صلاحياتٍ موسعةً لرئيسِ الجمهوريةِ وإلغاءَ منصبِ رئيسِ الوزراءِ. بشكلٍ أساسيٍ، يمكنُ القولُ إن هذه التعديلاتُ كانت تهدفُ إلى خدمةِ طموحاتِ أردوغان السياسيةِ، وأنه نجحَ في تحقيقِها نتيجةَ سيطرةِ حزبِ العدالةِ والتنميةِ وحليفهِ حزبُ الحركةِ القوميةِ على نسبةٍ كبيرةٍ في البرلمانِ، والتي أصبحَ يفتقدُها هذا التحالفُ حاليًا.
اتجاهاتُ تعديلِ الدستورِ التركيِ
لا يعدُ مطلبُ تعديلِ الدستورِ أو صياغةُ دستورٍ جديدٍ بشيءٍ غيرِ مسبوقٍ على الساحةِ السياسيةِ، فقد كانتْ هذه المطالبُ موجودةً دائمًا على الساحةِ السياسيةِ التركيةِ، سواءٌ من التحالفِ الحاكمِ أو من أحزابِ المعارضةِ، مع التأكيدِ على ضرورةِ صياغةِ دستورٍ مدنيٍ والتخلصِ من دستورِ انقلابِ 1980 العسكريِ. ولكن بالطبعِ، تختلفُ مصالحُ التياراتِ السياسيةِ حول كيفيةِ تعديلِ الدستورِ.
في الأساسِ، لكي يتمَ تمريرُ دستورٍ جديدٍ في تركيا أو حتى إدخالُ بعضِ التعديلاتِ الدستوريةِ، يلزمُ موافقةُ ثلثي أعضاءِ البرلمانِ، أي حوالي 400 نائبٍ من أصلِ 600، أما في حالةِ عرضهِ للاستفتاءِ الشعبيِ، فيتطلبُ موافقةَ 360 نائبًا على أقلِ تقديرٍ. ولكن وفقًا للانتخاباتِ البرلمانيةِ الأخيرةِ، لا يحظىَ التحالفُ الحاكمُ بهذه الأغلبيةِ اللازمةِ لتمريرِ مشروعِ تعديلِ أو إعادةِ صياغةِ الدستورِ، الذي يملكُ 323 مقعدًا فقط، ولا حتى الحزبِ المعارضِ، حزبِ الشعبِ الجمهوريِ، وهذا يحتمُ على التياراتِ السياسيةِ الميلَ نحو خلقِ تحالفاتٍ جديدةٍ ومزيدٍ من المفاوضاتِ حتى ينجحَ تمريرُ دستورٍ جديدٍ أو إدخالُ تعديلاتٍ جديةٍ.[2] وفي اعتقاديِ، سيكونُ من الصعبِ خلقُ هذه التحالفاتِ بين الحزبينِ الرئيسيينِ لاختلافِ دوافعهِما حولَ التعديلاتِ الممكنةِ.
وهناك اتفاقٌ بين هذه التياراتِ السياسيةِ حولَ عدمِ المساسِ بالبنودِ الثلاثةِ من الدستورِ الحاليِ فيما يتعلقُ بالمبادئِ الأساسيةِ للجمهوريةِ التركيةِ، وعلى أن يكونَ الدستورُ متسقًا مع مبادئِ الديمقراطيةِ. ومع ذلك، تختلفُ المصالحُ الظاهرةُ والخفيةُ للأحزابِ السياسيةِ حولَ مضمونِ هذه التعديلاتِ، وهذه الاختلافاتُ ستمثلُ تحدًياً كبيرًا أمام تحقيقِ التوافقِ وتمريرِ تعديلاتِ الدستورِ.
سجالاتٌ بين الأحزابِ السياسيةِ
1- النظامُ الانتخابيُ
ما لبثتْ أن انتهتْ الانتخاباتُ المحليةُ والخسارةُ التي عانىَ منها تحالفُ الشعبِ الحاكمِ (حزبُ العدالةِ والتنميةِ وحزبُ الحركةِ القوميةِ)، وبدأَ أردوغان يطرحُ إمكانياتٍ وفرصَ تعديلِ الدستورِ، وفي ظلِ ذلك برزتْ تحليلاتٌ بأن ما يفعلهُ أردوغان هو مناورةٌ سياسيةٌ من أجلِ فتحِ طريقِ الترشحِ مرةً أخرىَ في الانتخاباتِ الرئاسيةِ المقبلةِ، أو إطالةِ مدةِ حكمهِ. وفي ظلِ ذلك، عبرتْ المعارضةُ عن قلقهِا إزاءَ التعديلاتِ المحتملةِ في النظامِ الانتخابيِ التي قد تصبُ في مصلحةِ أردوغان. وفي اعتقاديِ، هذا هو ما يصبو إليه أردوغان بالفعلِ، ولكنْ في ظلْ هذه الظروفِ، سيكونُ صعبُ تحقيقهِ إلا إذا تمَ التوافقُ مع أحزابٍ سياسيةٍ أخرى لضمانِ التصويتِ على تمريرِ مثلِ هذه التعديلاتِ.
2- شكلُ نظامِ الحكمِ
يأتي الاختلافُ الأكبرُ حولَ شكلِ نظامِ الحكمِ الذي حولهُ أردوغان في عامِ 2017 إلى نظامٍ رئاسيٍ، وهو ما لا يُرضىِ الأحزابَ المعارضةَ، حيث ترىَ أنه يقوضُ فرصَ الديمقراطيةِ ويعززُ من النزعةِ الواحدةِ، كما جاءَ في تصريحاتِ حزبِ الجيدِ المعارضِ، أحدِ أبرزِ أحزابِ المعارضةِ. وأحدِ أهمِ الشروطِ التي ستدفعهُم للموافقةِ على تغييرِ الدستورِ هو ضرورةُ العودةِ للنظامِ البرلمانيِ، حيثُ أشارَ موسافات درويش، الرئيسُ الجديدُ لحزبِ الجيدِ، إلى أن هذا سيجعلُ الحزبَ ينظرُ في قضيةِ تعديلِ الدستور.
وبشكلٍ عامٍ، ترىَ الأحزابُ المعارضةُ أن النظامَ البرلمانيَ هو ما يتوافقُ مع مبادئِ الديمقراطيةِ. ولكن سيكونُ من الصعبِ على أحزابِ المعارضةِ تمريرُ مثلِ هذا التعديلِ، لأن مقاعدَها في البرلمان لن تكونَ قادرةً على الحصولِ على الأصواتِ اللازمةِ لتمريرِ الدستورِ بأغلبيةِ 360 صوتًا. ولذلك، سيتطلبُ الأمرُ توافقاً سياسياً إما بين الأحزابِ جميعًا أو ربما تحالفاتٍ خفيةٍ بين أحزابِ المعارضةِ للحصولِ على هذهِ النسبةِ.
3- قضيةُ الحجابِ
اختلافاتٌ حولَ صياغةِ الموادِ المتعلقةِ بقضيةِ الحجابِ، حيث تشيرُ تصريحاتِ حزبِ العدالةِ والتنميةِ إلى ضرورةِ أن تتضمنَ التعديلاتُ الدستوريةُ أهميةَ التمسكِ بالحجابِ وحمايةِ الأسرةِ وتكوينِها، وأن يكونَ الحجابُ غيرُ عائقٍ لانخراطِ المرأةِ في مؤسساتِ الدولةِ والوظائفِ المختلفةِ. بينما تشترطُ أحزابُ المعارضةِ، بالأخصِ حزبُ الشعبِ الجمهوريِ، أن تكونَ هذه الموادُ أكثرَ عموميةً، مما يضمنُ حريةَ اللباسِ والمعتقدِ. هناك خلافٌ حولَ كيفيةِ صياغةِ هذه الموادِ، لكن من الواضحِ أن التوافقَ حولهَا لن يكونَ صعبًا بقدرِ القضايا الأخرىَ.
إلى جانبِ العديدِ من الملفاتِ التي سيتمُ مناقشتُها أثناءَ التعديلاتِ الدستوريةِ، منها ما ظهرَ من تصريحاتِ أردوغان مثلُ تقويضِ صلاحياتِ القضاءُ نتيجة للانتقادات التي واجههَا في الفتراتِ الأخيرةِ. حيث أكد أردوغان أن القضاءَ، مثلَ غيرهِ من مؤسساتِ الدولةِ، يجبُ أن يخضعَ للرقابةِ. كذلك الإصلاحاتُ الاقتصاديةُ التي ستُعرضُ من قبلِ مختلفِ الأحزابِ السياسيةِ في ظلِ ارتفاعِ نسبةِ التضخمِ، مثلَ رفعِ نسبِ الأجورِ وغيرِها. ومع ذلك، أعتقدُ أنه قد لا تثيرُ مثلُ هذه التعديلاتِ صعوبةً شديدةً للتوافقِ حولهَا.