المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > مكالمةُ شولتس وبوتين: تغييرٌ في النهْجِ أم خطوةٌ تكتيكيةٌ؟
مكالمةُ شولتس وبوتين: تغييرٌ في النهْجِ أم خطوةٌ تكتيكيةٌ؟
- نوفمبر 20, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات
إعداد: أكرم السيد
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
في خضمِّ الحربِ الروسيةِ الأوكرانية المستمرة منذ أكثر من عامين دون أفقٍ واضحٍ يُنذرُ بقرب التوصل إلى تسوية للصراع المتواصل والذي ألقى بتداعياتٍ عالميةٍ كبرى على مختلف الأصعدة، تأتي المكالمةُ الهاتفيةُ التي أجراها المستشار الألماني أولاف شولتس بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في الخامسَ عشَرَ من نوفمبر الجاري للمرة الأولى بينهما منذ عامين لتثيرَ العديدَ من التساؤلات بشأنها. فبينما يذهب البعض بأن في هذه المكالمة إشارةً واضحةً بأن الحرب قد باتتْ في رمَقها الأخير خصوصا مع عودة ترامب وقُربِ تولى الإدارة الجمهورية الجديدة مقاليد الأمور، يذهب آخرون للقول بأنها ليست أكثر من مجرد خطوة أولى وأنه لا يزال هناك العديدُ من التحديات التي تحولُ دون التوصل إلى نهايةٍ قريبةٍ للحرب. وأمام حالتي التفاؤل والتشاؤم، وبالوضع في الاعتبار أن ألمانيا تُعتبرُ من كبار الداعمين لأوكرانيا في الحرب حيث تأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة[1]، فإن ثَمةَ حاجةٍ إلى توضيح أهمية تواصل موسكو وبرلين بعد فترة شهدت انقطاعا واضحا، فضلا عن انعكاس ذلك على تطور الصراع.
خلفيةُ المكالمة
مَثَّلَ تواصل شولتس مع نظيره بوتين إشارةً واضحةً على تغيّرِ النهج الذي تتعامل به الإدارة الألمانية مع الصراع الدائر. فمنذ بدءِ الحرب لم تدخرْ برلين جهداً في دعم كييف في مختلف الجوانب، إذ تنوعت المساعدات الألمانية ما بين مساعدات عسكرية واقتصادية وإنسانية كبرى. ولم تجدْ برلينُ من التواصل مع موسكو خلال العامين الماضيين أيَّ جدوى إلا في حالة إبداء موسكو نيتها على سحْبِ قواتها وعودةِ الأمور إلى ما كانت عليه، ومن ثم استمرت في دعم كييف ضمن مجموعة جهود غربية كبيرة وجدتْ من الاستمرار في هذا الدعم الطريقةَ التي من خلالها يمكن استنزاف روسيا ومن ثم إجبارها على الجلوس على طاولة المفاوضات، وهو ما لم يثبتْ صحتهُ حتى هذه اللحظة. وأمام حالة الجمود هذه جاءت المكالمة الهاتفية[2] لتكسرَ حالة القطيعة التي انتهجتها برلين حيث لا يتعلق الأمر بمكالمة هاتفية روتينية تأتي في سياق دبلوماسي طبيعي بين زعيمي البلدين بل إن ثمةَ رغبةٍ واضحةٍ لدى ألمانيا للتعامل مباشرة مع الطرف الرئيسي في الصراع وهي موسكو بدلا من الانكفاء الغير فعال على الجهود الداعمة لكييف، ولعل ما يؤكد هذا هو حرص شولتش على دعوة بوتين إلى اللجوء إلى طاولة المفاوضات لتسوية الصراع.
تناقضُ الموقفِ الأوكراني
لاقتْ مكالمة شولتس العديدَ من ردود الفعل خصوصا لدى الدوائر التى ترى بضرورة الاستمرار في الحرب حتى هزيمة روسيا، وهو بالنظر إلى المعطيات الميدانية نجد أن من الصعوبة تحقيقه. كان في مقدمةِ هذه الأصوات الجانب الأوكراني، فعلى الرغم من تغيّرِ لهجةِ الرئيس الأوكراني تجاه الحرب خصوصا بعد فوز ترامب، حيث تمثل هذا التغير في أنه أصبحَ يتحدث عن الحلول الدبلوماسية لإنهاء الحرب، فقد جاءت تصريحاته المتعلقة بتواصل شولتس وبوتين متناقضةً مع ما يدعو إليه من حلولٍ دبلوماسية حيث وصف ما حدث بأنه يفتحُ “صندوق الشرور[3]، وأنه من شأنه أن يَكسرَ العزلة الدولية المفروضة على موسكو، وهو ما تريدهُ روسيا على حد تعبيره. ويقودنا هذا إلى أن حديثَ زيلينيسكي عن الحلول الدبلوماسية ليس نابعا من قناعاتهِ بها بقدر عملهِ على مجاراة نهج إدارة ترامب القادمة التي سيكون إنهاء الحرب الدائرة في مقدمة أولوياتها لاسيما في ظل اختلاف نهْجِ الإدارة الجديدة من حيث دعم أوكرانيا عن الإدارة الديمقراطية الحالية.
تفاؤلٌ بإنهاء الحرب
تُوجدُ عدة عوامل تدفعُ البعض إلى اعتبار مكالمة شولتس-بوتين خطوةً إيجابيةً نحو وضع نهاية للصراع.:-
العامل الأول: هو أنه بالنظر إلى روسيا وألمانيا فإن الأمر يتعلقُ بطرفين رئيسيين في الصراع حتى وإن كان التدخلُ الألمانيُ غير مباشر لكنه تدخلٌ هامٌ ومؤثرٌ من حيث الدعم والمساعدات، ومن ثم فإن أي تواصل بينهما بعد هذه الفترة الطويلة التي شهدت تعنّتَ كل منهما والتمسكَ بالمواقف هو خطوةٌ إيجابيةٌ وحتى وإن لم تسفرْ المكالمة عن أي وعود أو تحديد لجدول زمني يتم من خلاله وقف إطلاق النار واللجوء إلى المفاوضات، حيث من المتوقع أن يؤديَ التواصلُ المستمرُ بين البلدين إلى تقريب وجهات النظر ومن ثم تحقيق الهدف وهو إنهاء الحرب خصوصا وأن البلدان أعربا عن نيتهما إلى التوصل إلى ذلك.
العاملُ الثاني: يتعلقُ بالتكلفةِ الاقتصادية الكبيرة للحرب الجارية على الاقتصاد الأوروبي، حيث لا ُيتوقعُ أن يستمرَ هذا الدعم إلى فترةٍ غير معلوم نهايتها ليس لهزيمة روسيا بل للحفاظ على الصمود الأوكراني وعدم تكبدها المزيد من الخسائر، حيث لن يتقبلَ الرأيُ العام الأوروبي هذا الدعمَ الغيرَ مرتبط بتحقيق نتائج ملموسة في مسار الصراع، ولعل هذا يظهرُ بوضوح لدى بعض الدول الأوروبية لاسيما في الدول ذات الحكومات اليمينية[4].
العاملُ الثالث: يتعلقُ بقربِ تولي ترامب الرئاسة في العشرين من يناير القادم في ولاية من غير المتوقع أن يواجهَ فيها الرئيس الجمهوري أيَّ معارضةٍ قد تحول دون تطبيقه لسياساته تجاه مختلف القضايا الخارجية وبالتحديد الحرب في أوكرانيا نظرا لسيطرة الجمهوريين على الكونجرس بمجلسيه. وبالنظر إلى سجل ترامب الحافل بانتقاداتٍ كثيرةٍ لإدارة بايدن إزاء نهجها في التعامل مع الحرب وتخصيص مساعداتٍ عسكريةٍ واقتصادية ضخمة لكييف، فإننا بصدد إدارةٍ جديدةٍ ستسعى لوضْعِ نهاية لملف الحرب الروسية الأوكرانية وما يرتبط بها من دعمٍ كبيرٍ، وهو ما سيجعلُ أوروبا تقفُ وحيدةً في دعم أوكرانيا وهو ما سيُلقي بمزيدِ من الأعباء عليها. لذا فإن سعْيَ ألمانيا لفتح قنوات اتصالٍ مباشرةٍ مع روسيا لإنهاء الصراع هو بمثابة إعلان غير مباشر على أنه ليس من مصلحة أوروبا استمرارُ الحرب لفترة طويلة قادمة.
تحدياتُ وعوائقُ
على الرغم من وجودِ عواملَ قد تساعدُ على تسوية الصراع الراهن فإن ثمةَ عواملَ أخرى قد تحول دون حسم للصراع سريعا.:-
العاملُ الأول: يتعلقُ بأن تستغلَ روسيا الانفتاح الأوروبي المتزايد نحوها والهادف إلى التفاوض ومن ثم تسوية الصراع في تحقيق مكاسب تكتيكية لها مثل كسْرِ عزلتها الدولية واستثمار ذلك في تحقيق العديد من المكاسب لاسيما الاقتصادية في مقدمتها.
العاملُ الثاني: يتعلقُ بالجانب الأوروبي وفي القلب منه أوكرانيا، وما إذا كانت ستقبل بأن تتنازلَ عن الجزء الشرقي منها التي تسيطر عليه روسيا حتى يتم تسويةُ الصراعِ، حيث لا تُعارضُ موسكو منذ فترة طويلة بأن تُنهيَ الحرب مقابل الوضع في الاعتبار المكاسب الميدانية التي حققتها في إشارة إلى شرق أوكرانيا، حيث تعتبر هذه نقطة شائكة ومصيرية في طريق وقف الحرب.
العاملُ الثالث: فيتعلقُ باستمرارِ الدعم الأوروبي والغربي لأوكرانيا وهو ما قد يعقّدُ من فرص التوصل إلى تسويةٍ للصراع، وعلى أي حال فليس بإمكان هذا الدعم أن يحدثَ ما لم يتمكنْ منه طوال السنوات الماضية، وخصوصا وأن ثمةَ أصواتٍ أوروبية باتت تدعو إلى حتمية التفاوض مع روسيا هذا من ناحية[5]، فضلا عن قُرب انتهاء ولاية الإدارة الديمقراطية الداعم الأول لأوكرانيا من ناحيةٍ أخرى، فأقصى ما يمكن أن تفعله الإدارة الديمقراطية حاليا هو مواصلة الدعم الموجه لكييف قبل رحيلها أو السماح لها بما لم تسمحْ به من قبل كاستخدام الأسلحة بعيدة المدى القادرة على ضربِ العمق الروسي في محاولةٍ منها لاستخدام هذا كورقة ضغط عند الجلوس على طاولة المفاوضات[6].
ختامُا: على أي حالٍ فإن مجيءَ الإدارةِ الأمريكية الجديدة سوف يكون عاملاً حاسماً في دعم أي سيناريو مستقبلي على حساب الآخرِ، إلا إن الشيء اللافت أنه ليس من قبيل المصادفة أن تُبديَ برلين انفتاحاً نحو موسكو لإنهاء الحرب في هذا التوقيت بالتحديد الذي شهد فوز ترامب وسيطرة جمهورية منتظرة على الكونجرس، وأن مكالمةَ شولتس-بوتين هي بطبيعةِ الحال ليست إعلانا على نهاية الحرب، بل إشارةٌ على أن ما سيشهده ملف الحرب في أوكرانيا في المرحلة المقبلة سيكون مختلفا بدرجةٍ أو بأخرى عن جمود المرحلة الماضية.
المصادر:
[1] 19/4/2024, available at:
https://www.dw.com/en/ukraine-10-biggest-providers-of-military-aid/a-68861057
[2] استمرّت ساعة… مكالمة هاتفية أولى بين شولتس وبوتين منذ سنتين، الشرق الأوسط، ١٥/١١/٢٠٢٤، متاح على:
[3] “صندوق الشرور”.. زيلينسكي ينتقد المحادثة الهاتفية بين بوتين وشولتس، العربية، ١٦/١١/٢٠٢٤، متاح على:
[4] المجر: يجب إعادة النظر في العقوبات الأوروبية على روسيا لخفض تكلفة الطاقة، رويترز، ١٥/١١/٢٠٢٤، متاح على:
https://www.reuters.com/ar/world/XMKD2BTENVI2DBI72IXFTSQRAI-2024-11-15/
[5]ماكرون يدعوم إلى “إعادة التفكير” في العلاقة مع روسيا، سكاي نيوز عربية، ٢٢/٩/٢٠٢٤، متاح على :
https://www.skynewsarabia.com/world/1743513
[6] تحذير روسي بعد قرار أمريكي يسمح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى، سي ان ان عربية، ١٨/١١/٢٠٢٤، متاح على: