المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > مكتب للناتو في الأردن.. السياق والدلالات
مكتب للناتو في الأردن.. السياق والدلالات
- يوليو 24, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة في وحدة شؤون الشرق الأوسط
في سياقٍ إقليميٍّ مُحْتدمٍ، تتزايد فيه التحديات الأمنية تعقيدًا، قرَّر حِلْف شمال الأطلسي “الناتو” خلال قمته الأخيرة التي استضافتها العاصمة الأمريكية واشنطن، يوم 10 يوليو الجاري، إنشاء مكتب اتصالٍ له في الأردن؛ ما أثار تساؤلات عدة، حول أهداف ودوافع تلك الخطوة، ودلالات اختيار المملكة لتكون مقرًّا له:
أولًا: الأدوار المرتقبة للمكتب
أوضحت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية، في بيان لها، يوم 11 يوليو الجاري، أن قرار افتتاح المكتب؛ يأتي تنفيذًا لإعلان الحِلْف نيَّته إنشاء مكتبٍ له في المملكة، كما جاء بالبيان الختامي لقمة الناتو السابقة، والتي عُقدت في ليتوانيا عام 2023، مشيرةً إلى أدواره المرتقبة على النحو التالي[1]:
اعتمد الحلفاء في قمة الناتو لعام 2024، خطة عملٍ لتعزيز نهْج التعاون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ لمواكبة تطوُّرات المشهد الأمني والإقليمي والعالمي، وقد حرصت هذه الخطة على إظهار التزام الحِلْف بتعزيز التعاون مع دول الجوار الجنوبي، من خلال إنشاء مكتب اتصالٍ للحلف في عمان، والذي يُعدُّ مكتب الاتصال الأول في المنطقة.
يُمثِّلُ قرار افتتاح المكتب، خُطْوةً مهمةً في الشراكة الإستراتيجية طويلة الأمد، والتي جمعت بين الأردن وحِلْف الناتو على مدار ما يقْرُب من ثلاثين عامًا.
سيُسهم المكتب، باعتباره مكتبًا تمثيليًّا للحلف، في تعزيز الحوار السياسي والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك بين حلف الناتو والأردن.
كما سيُعزِّزُ التواصُل المستمر بين الجانبيْن، بما يسهم في تعزيز فهْمٍ أعمقَ للسياقات الوطنية والإقليمية، وإحراز التقدُّم المنشود في تنفيذ برامج وأنشطة الشراكة، والتي تشمل عقْد المؤتمرات والدورات وبرامج التدريب، في عدة مجالات، مثل: التحليل الاستراتيجي، والتخطيط لحالات الطوارئ، والدبلوماسية العامة، والأمن السيبراني، وإدارة تغيُّر المناخ، وإدارة الأزمات، والدفاع المدني.
ثانيًا: لماذا الأردن تحديدًا؟
لم يأتِ اختيار المملكة الأردنية لتكون مقرًّا لمكتب اتصال حِلْف الناتو في المنطقة اعتباطيًّا، بل إنه جاء مدفوعًا بعدة أسباب وحقائق؛ من أهمها[2]:
1- العلاقة الوثيقة بين الأردن وحلف الناتو؛ تُعتبر عمان من أقرب الدول للحلف بعد دوله الأساسية؛ فالأردن تُصنف على أنها حليف للناتو، وهو أعلى تصنيف لدولة ليست عضوًا فيه، خاصًّةً على المستوى العسكري والأمني؛ إذ تُعدُّ المملكة أكثر دول المنطقة نشاطًا في تطبيق المعايير المشتركة المتوافق عليها مع الناتو، ولديها خبرة كبيرة في مسائل التعاون الإستراتيجي مع الحِلْف، وبالأخصِّ في عمليات حفظ السلام، والتي شارك فيها الجيش الأردني في أكثر من دولة.
وكذلك هناك شراكة إستراتيجية بين الجانبيْن في مجالات أمن الحدود، والاستعداد المدني، وإدارة الأزمات، ومكافحة العبوات الناسفة، والدفاع السيبراني، وحماية المعلومات والأمن، ومكافحة الإرهاب، فضلًا عن المشاركة في مناورات عسكرية عدة، وأبرزها تمرين الأسد المتأهب، إضافةً إلى تقديم المشورة بشأن هيكل القوات المسلحة الأردنية؛ بهدف التطوير الكامل للتعاون مع دول الحلف.
ومن شأن افتتاح ذلك المكتب، تعزيز العلاقات الإستراتيجية بين عمان ودول الناتو على مختلف الأصعدة؛ العسكرية والأمنية والسياسية، وهو ما أكَّده الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، الذي صرَّح على هامش قمة الحلف الأخيرة، بأن “الأردن شريك ذو قيمة عالية لحلف شمال الأطلسي مُنْذُ فترةٍ طويلةٍ، وهذه الخطوة ستنقل تلك الشراكة إلى مستوى جديد”.
2- الوضع الجيوسياسي للأردن؛ لا شكَّ أن الموقع الجغرافي للمملكة الأردنية كان عاملًا أساسيًّا في اختيارها لتكون مقرًّا لمكتب الناتو في المنطقة، خاصَّةً بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؛ نظرًا لكونها تجاور إسرائيل وفلسطين ممثلة في الضفة الغربية، فضلًا عن العراق وسوريا واللتين أصبحتا ساحتين للمواجهة وللعمليات الإيرانية الإسرائيلية، هذا إلى جانب حدودها مع دول الخليج العربي وتحديدًا السعودية، كما تُطلُّ على خليج العقبة؛ حيث البحر الأحمر.
وقد فرض هذا الموقع مجموعةً من التحديات على عمان؛ إذ جعلها عُرْضةً لكثيرٍ من المخاطر في ضوْء التصعيد الراهن، وهذا اتضح بشكلٍ كبيرٍ وقت الهجوم الإيراني على إسرائيل في أبريل الماضي، والذي جاء ردًّا على استهداف تل أبيب للقنصلية الإيرانية في سوريا؛ حيث اضطرت المملكة إلى التعامل مع صواريخ طهران التي اخترقت مجالها الجوي وهي في طريقها لإسرائيل؛ الأمر الذي كشف حساسية موقع الأردن.
يُضاف إلى ذلك؛ أن عمان تواجه خطر التهجير القسري للفلسطينيين من الضفة إلى أراضيها، فضلًا عما يحدث على حدودها الشمالية مع سوريا، والتي باتت مسْرَحًا للعمليات الإيرانية ضد القوات الأمريكية في المنطقة، وخيْر دليلٍ على ذلك؛ الهجوم على قاعدة البرج 22 الأمريكية، في يناير الماضي، والذي أدَّى إلى مقتل 3 جنود أمريكيين، وينطبق الأمر ذاته على حدودها الشرقية مع العراق.
وفي ضوء ذلك؛ جاء اختيار الأردن الواقع في قلب الصراع الحالي، ليكون مقرًّا للناتو؛ كي يُوفِّرَ فُرْصةً للحلف لينخرط في المشهد الإقليمي بشكلٍ كبيرٍ، وبالتالي ضبْط إيقاع التغيُّرات في منطقة الشرق الأوسط.
3- العلاقات العسكرية المتقدمة بين الأردن والولايات المتحدة؛ والتي كانت سببًا رئيسًا أيضًا في اختيار الحلف للمملكة بالتحديد؛ إذ تحتلُّ عمان مكانةً مهمةً في الإستراتيجية الأمنية الأمريكية في المنطقة، وهناك العديد من الشواهد الدَّالة على ذلك؛ منها:
الدعم الأمريكي الكبير للأردن، والذي وصل حتى ما يقرب من 1.5 مليار دولار، أغلبهم لأغراض عسكرية، ومن المتوقع أن يرتفع الدعم إلى 2.1 مليار دولار في العام 2025، خاصَّةً بعد التوقيع على اتفاقية للدعم للأعوام 2023-2029 بمقدار 1.75 مليار دولار سنويًّا.
الوجود العسكري الأمريكي في الأردن؛ إذ يُوجد بالمملكة عددٌ من القواعد الأمريكية، مثل قاعدة البرج 22 الواقعة على الحدود الأردنية مع سوريا، وهذا إلى جانب المناورات السنوية المشتركة بين الدولتيْن، وبعض الترتيبات الأمنية الأخرى اللتان تتشاركان بها.
ويُذكر في هذا الشأن أيضًا؛ المعاهدة المُوقَّعة بين الأردن والولايات المتحدة، في عام 2021، والتي تسمح للقوات الأمريكية بحرية استخدام 12 قاعدةً عسكريةً أردنيةً، دون أيِّ شروطٍ على طبيعة النشاط العسكري لهذه القوات، سواء محليًّا أو إقليميًّا.