اعداد : عنان عبدالناصر
تدخل النيجر في دائرة جديدة من عدم الاستقرار التي تساهم في تفاقم أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال الفترة القادمة، وهو ما طرح حوله العديد من التساؤلات حول طبيعة التحالفات السياسية بين أطراف السلطة داخل البلاد، فضلاً عن مدى تورط بعض الأطراف الخارجية في تلك المحاولة الانقلابية، بجانب مستقبل التنافس الدولي في الساحل خلال الفترة المقبلة لاسيما الروسي والأمريكي، كذلك أثارت تساؤلات حول مستقبل العلاقات المدنية العسكرية في هذه المنطقة التي شهدت بعض دولها ما يقرب من ستة انقلابات عسكرية خلال ثلاث سنوات منذ عام 2020م، بجانب المحاولات الانقلابية الفاشلة الأخرى.
نظرة حول المشهد الداخلي.
أعلن المجلس الوطني لحماية الوطن CNSP المكون من عشرة ضباط وعلى رأسهم العقيد أمادو عبدالرحمن في السابع والعشرين من يوليو الجاري (2023) الإطاحة بنظام الرئيس محمد بازوم في النيجر، واتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستثنائية مثل فرض حظر التجول داخل البلاد وإغلاق الحدود، وقد جاء ذلك بعد ساعات من تمرد قوات الحرس الرئاسي التي سيطرت على القصر الرئاسي واعتقلت الرئيس محمد بازوم، والجدير بالذكر أن هذه هي المحاولة الثالثة التي تشهدها البلاد خلال العامين الأخيرين عقب محاولتين فاشلتين، كانت الأولى في عام 2021م قبل تولي بازوم السلطة بأيام قليلة، والثانية في مارس 2023 خلال زيارة خارجية للرئيس.
اختلفت الآراء حول أسباب اندلاع الانقلاب العسكري داخل النيجر، فهناك من أرجعها إلى نية الرئيس محمد بازوم لعزل الجنرال تشياني من منصبه والخلافات القائمة بينهما حول بعض التعيينات في الحرس الرئاسي والمؤسسات الأمنية، وهو ما أثار غضب الجنرال تشياني ورجاله الأكثر ولاءً له ودفعهم للقيام بالتمرد على الرئيس بازوم، وقد أشارت بعض التقارير إلى وجود نية لدى الرئيس محمد بازوم في التخلص من صراعات الأجنحة داخل نظامه الحاكم من خلال الاستغناء عن الموالين للرئيس السابق محمد إيسوفو في عدد من المؤسسات بما فيها الجيش بهدف إنهاء السيطرة عليها، وقد برر البيان العسكري أن خطوة الانقلاب العسكري نتجت عن استمرار تدهور الأوضاع الأمنية وسوء الإدارة الاقتصادية والاجتماعية داخل البلاد.
هناك بعض الملاحظات الأولية فيما يخص المشهد الداخلي في النيجر والتي يمكن طرحها على النحو الآتي:
- مشهد مضطرب: سادت حالة من الترقب خلال الفترة بين الإعلان عن وقوع المحاولة الانقلابية صباح يوم 26 يوليو 2023 وصدور البيان العسكري الأول خلال الساعات الأولى من يوم 27 يوليو 2023، وهو ما أثار مجموعة من التساؤلات حول مدى نجاح تلك المحاولة الانقلابية من عدمه، خاصة وأنه خلال تلك الفترة الزمنية التي تجاوزت 12 ساعة فقط لم تشهد تدخلاً من قوات الجيش أو اندلاع اشتباكات مسلحة في محيط القصر الرئاسي لفك الحصار الذي تم فرضه على الرئيس النيجري من قبل قوات الحرس الرئاسي.
- تأييد الجيش للمحاولة الانقلابية: أعلنت قيادة الجيش تأييدها لتلك الخطوة التي أطاحت بالرئيس محمد بازوم وأكدت في بيانها الصادر يوم الخميس 27 يوليو 2023م على توقيع رئيس الأركان عبده صديق عيسى، بالإضافة إلى أنها تقف جانب قوات الدفاع والأمن تجنبًا للاقتتال وحفاظًا على تماسك البلاد، وقد حذر الجيش أيضًا من أن أي تدخل عسكري خارجي سوف يؤدي إلى عواقب وخيمة لا يمكن السيطرة عليها، فضلاً عن التركيز على مهام مكافحة الإرهاب والجريمة، وأوضح البيان إلى أن البلاد تعاني من انعدام الأمن في ظل وجود التنظيمات الإرهابية المسلحة.
- رفض دور الوساطة: لم تكن هناك أي دلالات لنجاح دور الوساطة سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي في إقناع قادة المحاولة الانقلابية في التراجع عن هذه الخطوة، فعلى سبيل المثال انهارت المحادثات بين الوسطاء المحليين كالرئيس السابق محمد إيسوفو ورئيس الوزراء السابق برجي رافين والجنرال تشياني، ولم يستجب الأخير للدعوات الإقليمية والدولية بالعودة إلى الشرعية الدستورية والإفراج عن الرئيس بازوم، ومن ثم فقد سارع قادة الانقلاب إلى إعلان البيان العسكري قبل مجيء الرئيس البنيني باتريس تالون مبعوث منظمة الإيكواس إلى البلاد من أجل التفاوض حول عودة الرئيس بازوم للسلطة في إشارة واضحة للاستمرار في الانقلاب وعدم التراجع.
ويجتمع قادة دول غرب إفريقيا في 30يوليو الجاري 2023 في أبوجا بعد الانقلاب في النيجر وفقًا لما أشارت إليه الرئاسة النيجرية للمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، وأن هذا الاجتماع يأتي بعد الانقلاب العسكري في جمهورية النيجر الذي عطل النظام السياسي الدستوري في الدولة، وأشارت الرئاسة النيجرية أيضًا إلى أن المجتمع الدولي والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا سيبذلان قصارى جهدهما لترسيخ الحكم الديمقراطي في المنطقة.
- موقف الشعب النيجري من الانقلاب: بالرغم من الإعلان عن المحاولة الانقلابية، إلا أن معظم التقارير أكدت أن الأوضاع داخل البلاد مستقرة حيث تسود حالة من الترقب وعدم اليقين لدى الشعب حول من يسطر على الأوضاع، وقد شهدت البلاد خروج مسيرة للقصر الرئاسي مؤيدة الرئيس بازوم قبل أن تقوم قوات الحرس الرئاسي بتفريقها، وهو ما يعكس غياب التأييد الشعبي، بالرغم من سوء الأوضاع المعيشية التي يعاني منها شريحة كبيرة من المواطنين.
الموقف الخارجي من الانقلاب.
أثار تطور الأوضاع في النيجر قلق العديد من الأطراف الدولية والإقليمية التي أدركت أن نجاح تلك المحولة الانقلابية سيمثل نقطة تحول خطيرة في المنطقة وذلك في ضوء تعقد المشهد الإقليمي بالساحل وسط تنامي دور التنظيمات الإرهابية التي تترقب لحظات ضعف الدول لكي تنقض عليها.
يتضح أن المحاولة الانقلابية داخل النيجر تمت دون تنسيق مع أطراف خارجية على الأقل تقدير حتى هذه اللحظة، وبالرغم من أن هناك بعض التقارير التي أشارت إلى احتمالية تورط روسيا ودعمها للانقلاب في النيجر وذلك في إطار المساعي الروسية لتوسيع نفوذها في منطقة الساحل على حساب الدور الفرنسي والأوروبي هناك، وتحتل النيجر مكانة استراتيجية هامة لدى الغرب نظرًا لأنها تعد حليفًا مهمًا ورئيسيًا في مجال مكافحة الإرهاب، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، ومن ثم يشكل الاستقرار داخلها أمرًا حيويًا للأمن الإقليمي وحماية المصالح الغربية الاستراتيجية في المنطقة.
تتلقى النيجر الكثير من المساعدات العسكرية والإنمائية من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، هذا وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال زيارته للنيجر في مارس2023 عن تقديم مساعدات إنسانية للنيجر بلغت قيمتها 150 مليون دولار، وقد أعلنت ألمانيا أيضًا في إبريل 2023 عن دعمها لتحسين كفاء وقدرات الجيش النيجري، وتعتمد فرنسا أيضًا عليها في الحصول على 35% من الاحتياجات الفرنسية من اليورانيوم، فضلاً عن وجود قواعد عسكرية فرنسية في الأراضي النيجرية.
خشت الولايات المتحدة الأمريكية من الاحتواء الروسي للنيجر من خلال انخراط قوات فاجنر الروسية هناك، مما يوسع النفوذ الروسي في الساحل على حساب المصالح الأمريكية وهو ما يشكل تهديدًا لها وخاصة أنها تمتلك قاعدة عسكرية في منطقة أجاديز في شمال النيجر منذ عام 2014 م، أدرك الغرب والولايات المتحدة الأمريكية أن نجاح الانقلاب سوف يخلق حلقة جديدة من عدم الاستقرار في البلاد وفي المنطقة ككل ويخلق فرصة لبعض المنافسين لممارسة المزيد من النفوذ لاسيما الصين وروسيا.
وقد أدان الاتحاد الأفريقي محاولة الانقلاب في النيجر داعياً المسؤولين عن ذلك بوقف ذلك العمل المرفوض، وقد أعرب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي عن تنديده الشديد بهذه السلوكيات داعيًا الشعب النيجري وجميع أشقائه في أفريقيا أن يدينوا ذلك الانقلاب.
وقد رفض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أي محاولة لتولي الحكم بالقوة ودعا إلى احترام الدستور النيجري، وسرعة الإفراج عن الرئيس النيجري محمد بازوم المحتجز، والكف عن إعاقة الحكم الديمقراطي للبلاد واحترام سيادة القانون، وأوضح الأمين العام أن الأمم المتحدة تتضامن مع الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا وشعب النيجر.
موقف فاغنر من انقلاب النيجر.
رحب رئيس شركة فاجنر يفغيني بريغوزين بالانقلاب في النيجر مؤكدًا أنه خطوة لنيل الاستقلال والتخلص من المستعمرين، فالمستعمرون السابقون عمدوا إلى زعزعة الاستقرار داخل البلدان الافريقية، وعرض رئيس شركة فاجنر خدمات مقاتليه لفرض النظام حيث أشار إلى أن ألف مقاتل من قوات فاجنر ستتمكن من استعادة النظام وتدمير التنظيمات الإرهابية ومنعهم من إيذاء السكان المدنيين.
موقف مصر من تطورات الأوضاع في النيجر.
تتابع مصر بقلق بالغ تطورات الأوضاع في النيجر، وتؤكد حرصها على سلامة واستقرار جمهورية النيجر الشقيقة، والحفاظ على النظام الدستوري والديمقراطي في البلاد، وأكدت الدولة المصرية على تضامنها الكامل مع شعب النيجر الشقيق داعية إلى تغليب المصلحة العليا للوطن والحفاظ على سلامة المواطنين.
التداعيات المحتملة للانقلاب.
يبدو أن النيجر بصدد مجموعة جديدة من الأحداث عقب اندلاع المحاولة الانقلابية على جميع الأصعدة محليًا وإقليميًا ودوليًا، والتي سنتناولها على النحو الآتي:
- على الصعيد المحلي: قد يتبلور موقف رافض المحاولة الانقلابية وربما يستدعى تدخل قوات الجيش لإخمادها وقد يعززها خروج تظاهرات شعبية رافضة لها، مما قد يشكل ضغطًا على قادة الانقلاب وربما يدفعهم للتفاوض للخروج من الأزمة، وإن كان هذه الأوضاع يترتب عليها اضطرابات سياسية وأمنية تخلق فرص أوسع لتنامي دور التنظيمات الإرهابية.
- على الصعيد الإقليمي: يمثل المشهد في النيجر اختيارًا صعبًا بالنسبة لقادة الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (الإيكواس)، نظرًا لأنها تشكل مفترق طرق في المنطقة، ولذلك ربما تشهد النيجر تطورًا في موقف الإيكواس التي من المحتمل أن تضغط في البداية عن طريق المسار الدبلوماسي لإخماد تلك المحاولة الانقلابية، وفي حالة فشلها ستتجه إلى فرض المزيد من العقوبات واللجوء إلى الحل العسكري لاستعادة النظام الدستوري في النيجر مجددًا.
- على الصعيد الدولي: من المحتمل أن يؤدي الانقلاب في النيجر إلى إضعاف علاقة فرنسا بالحكام الجدد المحتملين في النيجر لحساب زيادة النفوذ الروسي في البلاد، وهو ما يعني ضمنيًا نهاية الوجود الفرنسي هناك، ولذلك تسعى كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية للتصدي له نظرًا لأن النيجر هي الحليف الأبرز للغرب في الساحل، وهو ما يشير إلى احتمالية تدخل القوات الأجنبية الموجودة في النيجر وخاصة الفرنسية والأمريكية في الأزمة للإطاحة بالانقلاب من أجل تعزيز المشهد الأمني والعسكري هناك.
إجمالاً يتسم المشهد في النيجر بالتعقد وتعدد الأطراف المنخرطة فيه، والتي يمتلك كل منها مجموعة من المصالح الحيوية والاستراتيجية، والجدير بالذكر أن نجاح تلك الخطوة الانقلابية يتوقف على مدى قدرة المجموعة الانقلابية على تحييد مواقف الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية وعقد الكثير من المواءمات من أجل تمرير ذلك الانقلاب بالرغم من صعوبة الأمر نظرًا لرفض الجيش النيجري ذلك الأمر، فضلاً عن غياب الإرادة الشعبية حتى ذلك الوقت، ويتضح أن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب لديها حرص للحفاظ على حليفها محمد بازوم خوفًا من تحول العسكريين الجدد إلى موسكو على حساب مصالح بلادهم مؤخرًا، فقد سلط الانقلاب العسكري داخل النيجر الضوء على قضية هامة وهي قضية الدولة الوطنية في أفريقيا ومستقبلها في ضوء واقع لا تزال الدول الأفريقية تعيشه منذ الاستقلال.