المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > ملفُ المياه في سوريا: فُرصُ التفاهمِ وتحدياتُ الواقع
ملفُ المياه في سوريا: فُرصُ التفاهمِ وتحدياتُ الواقع
- يناير 6, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: مصطفى مقلد
باحث فى العلوم السياسية
مقدمة:
تُعدُ إدارةُ المياه من أهم القضايا الحيوية التي تواجهُ سوريا في ظلِّ التغيرات المُناخية وأزمة الغذاء وتداعيات عودة النازحين بجانب الصراعات السياسية التي لم تنتهي بعد، حيث تعاني البلادُ من أزمةٍ مائيةٍ مُستفحلةٍ تفاقمت نتيجة الجفاف المطول، وسوء استخدام الموارد، والسياسات الإقليمية التي جعلتْ المياه أداةَ ضغطٍ سياسيٍ. في هذا السياق، تبرز العلاقات بين الأطراف المحلية والدول الإقليمية كعاملٍ حاسمٍ لإيجاد حلولٍ مستدامةٍ، إذا ما توفرت الإرادة السياسية لدى تركيا باعتبارها الطرف المهيمن وهو ما يمثل اختبار حقيقي لها في سوريا.
توصيفُ الوضع المائي:
أدتْ جملةٌ من المشكلات بالنسبة لسوريا إلى جفافٍ شديدٍ وطويل الأمد ونُدرةِ المياه، مثل التغير المناخي والتلوث، بجانب انعكاسات الأزمة السورية على القطاع الزراعي زادت من تأثيرات الحرب والصراعات السياسية على الوضع المائي وصولا لانهيار وحدة إدارة المياه، وهنا تَبرزُ السياساتُ المائيةُ التركيةُ ومنها تخفيض الحصة السورية، وأحدُ دوافعِ ذلك الأمر هو سوءُ العلاقات بين تركيا و«مجلس سوريا الديمقراطية»، وهو ما استخدمته تركيا كمبرر للتوغل
في الشمال السوري والتحكم بالمصادر المحلية للمياه، والمثال الأوضح هو فتحُ السلطات التركية عام 2020 بواباتِ تصريف المياه في سد بحيرة ميدانكي قرب عفرين لاستجرار المياه إلى سد الريحانية في ولاية هاتاي التركية، ما خفّضَ مخزونَ البحيرة إلى النصف[1].
هذه السياسةُ لم تأخذْ في الاعتبار احتياجاتِ السكان المحليين المتضاعف عددهم بسبب النزوح أو تعويض النقص الذي تسبّب فيه تحويل الموارد المائية لصالح الأراضي التركية[2]، وانخفضَ تدفّقُ مياه نهر الفرات وروافده إلى سوريا، ووصل التدفق المسجل عام 2020 إلى حوالي 244 متر مكعب في الثانية فقط، أي أقل من نصف المتفق عليه في الاتفاقات الدولية[3]، حيث إن السلطاتِ التركيةَ تبنّت سياساتٍ استباقيةً لمعالجة أزمة الجفاف في المنطقة، وذلك ببناء العديد من السدود على أراضيها، مما أدى إلى تقليص حصة سوريا من مياه نهر الفرات والذي يعتمد عليه الملايين في سوريا كمصدرٍ رئيسيٍ للحصول على مياه الشرب وتوليد الكهرباء.[4]
وفي 19 نوفمبر الماضي، أفادتْ هيئة الإذاعة البريطانية أن الضرباتِ التركيةَ في شمال شرق سوريا تركت أكثر من مليون شخص في شمال شرق سوريا بدون كهرباء ومياه، حيث تعتبرُ أنقرة البنيةَ التحتيةَ هدفًا “مشروعًا”، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية التركي “هاكان فيدان” بقوله في أكتوبر 2023: إن تركيا تعتبر أي بنية تحتية ومرافق طاقة مملوكة لحزب العمال الكردستاني أو وحدات حماية الشعب الكردية أو خاضعة لسيطرتها “أهدافًا مشروعة”.[5]
ومن المعلوم أن أزمةَ المياه وتدهورَ الزراعة وانعدامَ الأمن الغذائي يؤثرُ على كثيرٍ من الطبقات الاجتماعية، ويؤدي إلى عدم الاستقرار مثل الهجرة التي تؤدي لحدوث ضغط كبير على النازحين والمجتمعات المضيفة، ويمتدُ أثرُ أزمةِ المياه إلى بقية الأنشطة من صناعةٍ وسياحةٍ، بخاصة أن سوريا تنادي الآن بإعادة الإعمار، وهو ما يعني الحاجة إلى مزيدٍ من المياه لأعمال البناء، كما أن ثمةَ عجزٍ في استخدام المياه في توليد الكهرباء بسبب انخفاض منسوب السدود.
الحكومةُ الانتقاليةُ في سوريا والحاجة لاعادة الإعمار:
تعتمدُ سوريا على نهرِ الفرات في 80 في المئة من احتياجاتها المائية، وهو العمود الفقري لمشروعاتها الكهربائية وخططها التنموية، وأكثر من ثلث مناطق سوريا تعتمدُ على نهرِ الفرات لتوليد الطاقة الكهربائية وعلى رأس هذه المناطق مدينة حلب.[6]
ويشكّلُ قطاع الزراعة، إلى جانب النفط، ركيزةً أساسيةً للاقتصاد السوري وفق دراسات البنك الدولي. وبحسب بيانات منظمة (الفاو) يُسهمُ قطاعُ الزراعةِ بنسبة 28% من الناتج المحلي الإجمالي. وبحسب وزير الزراعة السوري، تسعى الوزارة إلى إعادةِ صياغةِ الاتفاقيات الدولية مع دول الجوار، لضمان حصول سوريا على حصتها الكاملة من المياه واستثمارها.[7]
العلاقاتُ القويةُ بين هيئة تحرير الشام وتركيا: فرصة لإدارة ملف المياه:
العلاقاتُ القويةُ بين هيئة تحرير الشام وتركيا قد تمثلُ فرصةً لإدارة ملف المياه بشكلٍ منصفٍ وفعالٍ، ويتطلب هذا الهدف نهجًا متكاملًا يعتمد على أسس التعاون والثقة المتبادلة، ولضمان استدامة الاتفاقات، يجبُ إشراكُ المجتمعات المحلية في عملية اتخاذ القرار، مع الاستفادة من دعم المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة لضمان التنفيذ العادل للمشاريع.
تُعدُ المياه موردًا حيويًا لتحقيق الاستقرار في سوريا، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها المناطق التي تُسيطر عليها هيئةُ تحرير الشام. وتركيا باعتبارها فاعلًا إقليميًا رئيسيًا، تمتلكُ مواردَ مائيةً تؤثر بشكلٍ مباشرٍ على هذه المناطق، مما يجعلها شريكًا محوريًا في أي خطة لإدارة المياه، ويوفر ذلك إطارًا تفاوضيًا مشتركًا يتيحُ منصةً للحوار والتفاوض حول تقاسم الموارد المائية، بما يضمن تحقيق العدالة وتقليل النزاعات.
وهو ما يفتحُ البابَ أما مشاركة إقليمية أوسع، فمصر بفضل خبراتها الفنية وقدراتها في تطوير شبكات المياه، يمكنها المساهمة في تنفيذ مشاريع لتحسين إدارة المياه، مثل بناء السدود وشبكات الري وتوفير مياه الشرب. علاوةً على ذلك، يمكن للأطراف المعنية التنسيق لمواجهة التحديات البيئية، وضمان استدامة الموارد من خلال تطبيق تقنيات حديثة تُقللُ من الهدرِ وتزيدُ من كفاءة الاستخدام.
ورغم الفرص المتاحة، قد تواجهُ هذه الجهود تحدياتٍ كبيرةً، فالتوترات الجيوسياسية يمكن أن تُعرقلَ التعاونَ، خاصةً مع الأطراف المتصارعة الأخرى في سوريا، وعدم استقرار الأوضاع الأمنية يُعد أيضًا عاملًا رئيسيًا يؤثر على تنفيذ المشاريع.
التفاهمُ بين الأكراد ودمشق:
تقويةُ الموقفِ السوري على الصعيدين السياسي والاقتصادي يتطلبُ نهجًا استراتيجيًا يركز على تعزيز الوحدة الوطنية وإشراك جميع المكونات المجتمعية في إدارة الدولة، وبشكلٍ أكثر تحديدا، يمكن تحقيق ذلك من خلال عقد تفاهمات بين الحكومة السورية (دمشق) والأكراد، مما يحققُ فوائدَ متعددةً، مثل تقوية الموقف السوري الإقليمي من خلال إظهار قدرة البلاد على حل مشكلاتها الداخلية دون تدخل خارجي، مما يُعزز من صورتها أمام المجتمع الدولي، كما أن توحيدَ الصفِ الداخلي يُضعف النفوذَ التركيَ ويَحولُ دون استغلال الانقسامات الكردية-العربية. إضافةً إلى ذلك، يُسهم التعاون بين دمشق والأكراد في تعزيز استقرار الشمال السوري، مما يُقلل من قدرة الجماعات المسلحة الأخرى على استغلال الفوضى.
ويمكن القول إن لقاءَ الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية “مظلوم عبدي” جاء فى هذا السياق، حيث يرى مراقبون أن الاجتماع عُقدَ برعايةٍ أمريكيةٍ لقطْعِ الطريق أمام الهيمنة التركية على سوريا، ولإجراء مفاوضاتٍ سياسية تتعلق بسيادة الدولة على أراضيها كافة، ومشاركة جميع المكونات في بناء الدولة الحديثة[8]، خاصة أن الأكرادَ أعلنوا أن لديهم استعداداً للانضمام إلى أيِّ جيشٍ وطنيٍ سوريٍ يُشَكّلُ بإرادةٍ سوريةٍ خالصةٍ، وعلى أن يتم وضع دستور جديد يضمن حماية حقوق المكونات كافة، وتشكيل حكومة جديدة من شأنها تمثيل جميع المكونات والأطراف السورية، ومن ثم بناء هيكل جديد للدولة القائمة على وحدة أراضيها وسيادتها”.[9]
إن إشراكَ الأكراد في الحياةِ السياسيةِ ومؤسسات الدولة مثل الجيش والإدارة المحلية، وإعادة الإعمار والتنمية في المناطق الكردية، والاتفاق على إدارة مشتركة للموارد الطبيعية مثل النفط والمياه يُعززُ من العدالةِ في التوزيع ويُلبي احتياجاتِ جميع الأطراف، ويضعف الذرائع التركية للتدخل في الشمال السوري أو استخدام المياه كأداةِ ضغطٍ سياسيٍ، حيث تُبرر تركيا تدخلها بأنها تحارب “الخطر الكردي” على حدودها، ويؤدي التعاون بين دمشق والأكراد إلى خلْقِ حالةٍ من الاستقرار في الشمال السوري، مما يُضعفُ حُججَ تركيا لاستمرار وجودها العسكري في الأراضي التى تديرها بعد عملياتها العسكرية هناك خلال فترة حكم “الأسد”.
وعلى صعيد إدارة الموارد، يُتيح التفاهم توحيدَ الموقف السوري بشأن ملف المياه، مما يجعلُ دمشق أكثر قدرة على الضغط في المفاوضات مع تركيا خاصة أن تركيا تستخدم ملف الأكراد للتملّصِ من التزاماتها المائية.
توصيات:
-
تبادلُ المعلوماتِ والبيانات والتواصل الفني والعلمي عبر إنشاء آليةِ مراقبةٍ محايدةٍ ومستقلةٍ بشأن جميع الموارد المائية العابرة للحدود التي تشترك فيها سوريا وتركيا والعراق، تكون مهمتها مراقبةَ الالتزام بالاتفاقيات الموّقعة وقواعد القانون الدولي، ودعم حوار بين أصحاب المصلحة الرئيسيين للوصول إلى تسويةٍ مستدامةٍ تضمنُ استخدام المياه بشكل منصف ومعقول. [10]
-
تخصيصُ موارد لترميم السدود الرئيسية ومحطات المياه.
-
إطلاقُ برامج لمعالجة المياه الملوثة.
-
العمل على تأسيس منصة إقليمية للتعاون حول المياه تضم دول تركيا وسوريا والعراق.