إعداد: عنان عبد الناصر
باحثة متخصصة في الشأن الافريقي
ثمة تغيرات جذرية يتوقع أن تحدث في المشهد الداخلي الخاص بجنوب القارة الأفريقية، خاصة بعد إطلاق أنجولا قاطرة الاستثمارات عن تحويل ميناء لوبيتو إلى بوابة لهذه المنطقة، وهو ما يسهم في تحقيق نتائج إيجابية في مجال التجارة والتنمية في جنوب القارة السمراء، فضلاً عن ضمان تسويق الثروات المعدنية وتدفقها إلى العالم أجمع، وفي الوقت ذاته قد يؤجج ذلك المشروع من حدة التنافسات الدولية على موارد القارة الأفريقية، وهو ما اتضح بالفعل في رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في اللحاق بالركب الصيني داخل إفريقيا نظراً لهيمنة الاستثمارات الصينية الهائلة خلال السنوات الاخيرة، ونجد أن ذلك ما دعي قادة الغرب والأوروبيون إلى دعم وتطوير ذلك المشروع التنموي.
ممر لوبيتو.. دلالات وأبعاد متعددة
يمتد ممر لوبيتو لأكثر من 1300 كيلومتر (808 ميلاً) داخل القارة بين زامبيا ولوبيتو من الجنوب الأفريقي إلى وسط أفريقيا وسوف يقطع زامبيا وأنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، يتضمن المشروع بناء 260 كيلومتر من الطرق الفرعية الرئيسية، وما يقرب من 550 كيلو متر من خطوط السكك الحديدية في زامبيا، ويعد إكمال هذه المشروع بمثابة ممر اقتصادي ضخم يربط الدول المضيفة بالأسواق العالمية، فضلاً عن وجود هدف مشترك متمثل في قطار متصل يمتد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي.
حظى مشروع ممر لوبيتو باهتمام دولي كبير خلال الفترات الأخيرة، فهو ليس مشروعًا حديثًا في جوهره، ويعد ذلك الممر الأفريقي بمثابة شريانًا لنمو الاقتصاد الأفريقي في المستقبل ليس فقط لاعتباره ممر لتصدير السلع التعدينية ولكن من خلال تحفيز عدد من القطاعات مثل الصناعات الثقيلة والتعدين والزراعة، بجانب مساهمته في خلق المزيد من فرص العمل الجديدة والمتنوعة داخل القارة الأفريقية، وقد تزامن الأنباء عن الرغبة في تطوير ممر لوبيتو مع إعلان الدول الغربية عن إطلاق دراسات جدوى لذلك المشروع من خلال توسيع خطوط السكك الحديدية بين كل من أنغولا وزامبيا والكونغو الديمقراطية، ووفقًا لذلك اجتمعت الدول الثلاث لتوقيع مذكرة تفاهم حول كيفية إحياء ذلك الممر ليكون أسرع وأقصر طريق للميناء من مناطق التعدين الرئيسية.
هناك توقعات حول مساهمة المشروع في تعزيز إمكانيات التصدير لكل من الدول الثلاث زامبيا وأنغولا والكونغو الديمقراطية، بالإضافة إلى تزايد حركة التداول الإقليمي للسلع من خلال تقليل متوسط وقت النقل بشكل كبير حيث ستعمل السكك الحديدية الجديدة على خفض التكاليف اللوجستية والبصمة الكربونية لتصدير السلع وغير ذلك من المنتجات، بالإضافة إلى التطوير المستقبلي للاكتشافات المعدنية، ويشمل هذا المشروع أيضًا تطوير مشروعات الطاقة النظيفة من أجل زيادة إمدادات الطاقة للمجتمعات المحيطة ودعم الاستثمارات المتنوعة في المعادن وسلاسل توريد الطاقة النظيفة، بجانب توسيع نطاق الوصول الرقمي وتنمية سلاسل القيمة الزراعية لتعزيز الإنتاج الغذائي على الصعيد المحلي.
وقد حصلت شركة لوبيتو أتلانتيك للسكك الحديدة خلال عام 2022م على امتياز لمدة 30 عامًا لخدمات السكك الحديدية على طول خط سكة حديد بنغويلا في مشروع تعاون مشترك بين شركات ذات أصول برتغالية وبلجيكية وسنغافورية وذلك من أجل دعم عملياتها وأنشطتها، وقد تعهدت هذه الشركات باستثمار ما يقرب من 455 مليون دولار أمريكي داخل أنغولا، وحوالي 100 مليون دولار أمريكي داخل جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقد حظى هذا المشروع بدعم دولي كبير قادته الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لتكثيف التعاون في ثلاثة مجالات تشمل استثمارات البنية التحتية للنقل، وشؤون تسهيل التجارة والتنمية الاقتصادية، وتدعيم النمو الاقتصادي المستدام بجانب زيادة استثمار رأس المال على المدى الطويل، فقد بات التركيز الدولي اليوم حول كيفية تعظيم الاستفادة من الممرات الاقتصادية التي تعزز الاتصال وتسمح بتجميع الاستثمارات دون وجود عوائق تخترق مسارها.
السياقات والدوافع الكامنة خلف هذا المشروع
عند الحديث عن الدوافع الكامنة خلف مشروع ممر لوبيتو نجد أنها تتجلى في بروز حالة من التنافس الجيوسياسي بين الدول الكبرى، فذلك الاهتمام الغربي لدعم مشروع ممر لوبيتو يأتي في إطار مواجهة النفوذ الصيني المتنامي داخل إفريقيا وخاصة مشروعها الاستراتيجي الضخم المتمثل في مبادرة الحزام والطريق التي تستهدف ربط الصين بوسط وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا لتتجاوز بذلك ممراتها الأصلية وتضفي بعدًا عالميًا على ذلك الطريق من خلال تدشين الطرق ومحطات الطاقة والسكك الحديدية والبنية التحتية الرقمية، ولذلك فقد اعتبر الحزام والطريق أكبر مشروع عالمي للبنية التحتية على الإطلاق.
وقد جاء الدعم الأمريكي والأوروبي لمشروع ممر لوبيتو جراء تصاعد التنافس الدولي الشديد داخل القارة الأفريقية، فالمشهد الأفريقي حاليًا يعكس حالة من التنافس الصيني والأوروبي والأمريكي على كافة الأصعدة والمستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، ولذلك فقد أكد الدعم الغربي والأوروبي للمشروع مساعي الغرب والدول الكبرى لكسب القارة الإفريقية في دائرة صراعات النفوذ.
أهم الانعكاسات الاستراتيجية المحتملة على منطقة جنوب الصحراء الكبرى
هناك مجموعة من الانعكاسات الاستراتيجية المرتقبة جراء تطوير ذلك المشروع، فبالرغم من وجود كثير من العوائد الإيجابية المتوقع أن تعود على القارة الإفريقية جراء تحقيق نمو اقتصادي ضخم نظرًا لاعتباره المشروع من أكبر مشروعات البنية التحتية داخل أفريقيا، إلا أنه على الجانب الأخر يمنح الغرب الفرصة لتصاعد نفوذهم داخل المنطقة من أجل التصدي لتصاعد النفوذ الصيني الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك فقد كثرت المزاعم حول أن المشروع بات جزءًا محوريًا من صراع واشنطن وبكين داخل القارة السمراء، وفي هذا الصدد نلقي الضوء على أبرز الانعكاسات المحتملة من تطوير مشروع ممر لوبيتو على النحو الآتي:
- التنافس على الموارد الطبيعية للمشروع
سادت توقعات حول احتدام التنافس على الموارد الطبيعية داخل الدول الأعضاء بالمشروع، وكان ذلك وفقًا لبعض التقارير التي تم نشرها من قبل وكالة الطاقة الدولية، فقد أوضحت أن القارة الإفريقية تضم ما يقرب من 30% من احتياطي المعادن في العالم وهو ما جعلها ساحة لتنافس القوى الكبرى، فعلى سبيل المثال نجد أن جمهورية الكونغو الديمقراطية من الدول الغنية بمعدن الكوبلت حيث تنتج ما يقرب من 70% من الكوبلت في العالم، وتعتبر زامبيا أكبر منتج للنحاس في إفريقيا حيث يدخل في صناعة المعدات الكهربائية مثل المحركات والأسلاك.
ووفقًا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية سيرتفع الطلب العالمي على المعادن بما لا يقل عن 30 ضعفًا وذلك بحلول عام 2040م، وخاصة المعادن مثل الليثيوم والجرافيت والكوبلت والنيكل، فضلاً عن التوسع في شبكات الكهرباء الأمر الذي سيعني ارتفاع الطلب على النحاس بشكل أكثر خلال السنوات القادمة، وهذا ما عزز بالفعل الرغبة الأمريكية لتحقيق الاستفادة القصوى من موارد القارة الأفريقية من خلال توقيع مذكرات تفاهم مع دولتي زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية لتطوير سلسلة قيمة متكاملة لإنتاج المركبات الكهربائية، بجانب عمليات استخراج المعادن.
- تصاعد وتيرة التنافس الدولي على القارة الأفريقية
أوضحت مجموعة من المؤشرات الاقتصادية أن إجمالي الصادرات الأفريقية إلى الولايات المتحدة الأمريكية بلغت تكلفتها ما يقرب من 43.1 مليار دولار خلال عام 2022م، في حين استوردت سلع بقيمة 30.6 مليار دولار، على الجانب الأخر نجد أن الصين قامت بتصدير سلع بلغت قيمتها حوالي 164 مليار دولار إلى أفريقيا واستوردت ما بلغت قيمته 117 مليار دولار أمريكي من السلع الأفريقية خلال نفس العام، وبذلك فقد وصلت نسبة الصادرات الأفريقية إلى الصين ما يقرب من 18% من إجمالي صادرتها، في حين نجد أن نسبة الولايات المتحدة الأمريكية لا تتخطى حوالي 6.5%، ونستخلص من ذلك أن الصين تعد الشريك التجاري الأكبر والمنفرد للقارة الأفريقية.
- الحضور الأوروبي المتنامي داخل إفريقيا
وفي إطار المساعي الأوربية لتعزيز النفوذ الأوروبي داخل أفريقيا، فقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن دعمه لتطوير مشروع ممر لوبيتو، وقد قامت أوروبا بإطلاق مبادرة البوابة العالمية خلال عام 2022م وذلك لمواجهة النفوذ الصيني داخل أفريقيا، وقد استهدفت هذه المبادرة تضييق الفجوة الدولية في الاستثمار داخل البنية التحتية من أجل تعزيز التبادل التجاري والاستثمار في الابتكار الرقمي والطاقة الخضراء والنقل مع الشركاء الدوليين، بالإضافة إلى ذلك فتسعى المبادرة أيضًا إلى تحويل الصفقة الخضراء الأوروبية إلى صفقة عالمية خضراء خلال الفترة من 2021م بحلول عام 2027م، ولذلك فقد استهدفت عدد من الدول الإفريقية في مجموعة من المجالات مثل تعزيز البنية التحتية والاتصالات والنقل ومجال الرقمنة.
ختامًا
يعتبر مشروع ممر لوبيتو أحد أحدث المؤشرات التي تزيد من حدة التنافس بين القوى الكبرى على أفريقيا، وخاصة الدول الأفريقية التي تحتل أهمية استراتيجية بالغة على الصعيد العالمي، وفي هذا الصدد فإن الدول الأفريقية المنخرطة في ذلك المشروع لن تكون في منأى عن ساحة التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى، ولذلك فإن ما أعلنته الدول الغربية من إطلاق دراسات جدوى لتطوير ذلك المشروع يعد بمثابة ركيزة أولية نحو دعم وتعزيز المزيد من الاستثمارات داخل أفريقيا في إطار تصاعد التنافس الدولي على موارد القارة السمراء.