المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > من التنظيم إلى الفرد: قراءةٌ في هجوم سيدني الإرهابي
من التنظيم إلى الفرد: قراءةٌ في هجوم سيدني الإرهابي
- ديسمبر 17, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
لا توجد تعليقات

إعداد: إلهام النجار
باحث في برنامج الأمن والإرهاب
لم يعدْ الإرهاب في العِقدين الأخيرين ظاهرةً مرتبطةً بالحدود الجغرافية أو بالبنى التنظيمية الصُلبة، بل تحوّل إلى سلوكٍ عنيفٍ عابرٍ للهَويات والسياقات، يتغذّى على خطاب الكراهية، والاستقطاب السياسي، وتآكل التماسك المجتمعي داخل الدول المستقرة نفسها. وفي هذا الإطار، يأتي هجوم سيدني ليشكّل نموذجًا دالاً على التحولات البنيوية التي طرأت على طبيعة التهديد الإرهابي في الدول الغربية، حيث لم يعد مصدر الخطر خارجيًا فحسب، بل بات ينشأ من داخل المجتمعات المفتوحة، مستهدفًا رموزها الدينية والاجتماعية وقيمها التعددية. حيث تكمن خطورةُ هذا الهجوم ليس فقط في طابعه الدموي أو في استهدافه مدنيين أبرياء خلال مناسبةٍ دينيةٍ، بل في الدلالات الاستراتيجية التي يكشفها بشأن صعود الإرهاب الفردي القائم على الكراهية، وتراجع القدرة التقليدية للأجهزة الأمنية على التنبؤ المبكر، إضافةً إلى ما يُثيره من أسئلةٍ معقّدةٍ حول العلاقة بين الأمن، والهوية، والحريات العامة في المجتمعات الديمقراطية. كما يعكس الهجوم بوضوح تداخل المحلي بالدولي، حيث تتقاطع الصراعات العابرة للحدود مع الفضاءات الاجتماعية الداخلية، لتُنتجَ أنماطًا جديدةً من العنف السياسي يصعب احتواؤها بالأدوات التقليدية.
أولًا: تفاصيل الهجوم
في مساء الأحد 14 ديسمبر الجاري وقعَ هجومٌ مسلّحٌ استهدف احتفالاً يهوديًا في منطقة شاطئ بوندي بسيدني، وأسفر عن عشرات القتلى والجرحى وصنّفته السُلطات الأسترالية كعملٍ إرهابيٍ بدوافع مُعاديةٍ للسامية. هذا الحدثُ خلق صدمةً وطنيةً، دفع لمطالب بمراجعة قوانين السلاح وسياسات مكافحة التطرف، وزاد مخاطر الاحتكاك الطائفي والاجتماعي، حيث أعلنت الشرطة الأسترالية مقتل 12 شخصًا وإصابة 30 آخرين على الأقل، وصرّح رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، قائلا بأنه شعر بالضيق إزاء “الهجوم الإرهابي هذا هجوم مستهدف على اليهود الأستراليين في اليوم الأول من عيد حانوكا، الذي ينبغي أن يكون يومَ فرحٍ، إن الهجوم على اليهود الأستراليين هو هجومٌ على كل أسترالي”.ووصف لانيون الحادث بأنه هجومٌ إرهابيٌ، مشيرًا إلى العثور على عدة عبوات ناسفة بدائية الصُنع في سيارة بشارع كامبل باريد، والتي تبين أنها تعود للمهاجم القتيل، وأكد أن وحدة إبطال المتفجرات التابعة لفريق الإنقاذ اتخذت الإجراءات اللازمة.[1]
ثانيًا: دوافع الهجوم
تنبع دوافع هجوم سيدني من تداخلٍ معقّدٍ بين التطرف الفردي القائم على الكراهية الدينية، والتأثر بخطاباتٍ تحريضيةٍ عابرةٍ للحدود، في سياقٍ يشهد تصاعداً عالمياً لجرائم العنف الهوياتي. ويعكس الهجوم تحوّل الإرهاب من فعلٍ تنظيميٍ منسّق إلى سلوكٍ فرديٍ يصعب التنبؤ به أو احتواؤه بالوسائل الأمنية التقليدية. ويمكن توضيح أبرز هذه الدوافع من خلال الآتي:
1- الدافع الأيديولوجي (معاداة السامية):
تشير التقييمات الأولية لشرطة ولاية نيو ساوث ويلز وتصريحات الحكومة الأسترالية إلى أن الدافعَ المركزي للهجوم هو معاداةُ السامية، إذ استهدف منفّذو الهجوم تجمعًا يهوديًا خلال احتفال ديني (عيد الحانوكا)، وهو ما يُعد مؤشرًا واضحًا على الاستهداف المتعمّد لجماعةٍ دينيةٍ بعينها، وليس حادثَ عنفٍ عشوائي ٍ، وقد أكدت الشرطة أن اختيار التوقيت والمكان يعكس نيةً مُسبقةً لاستهداف اليهود، وهو ما يضع الهجوم ضمن نمط الجرائم الإرهابية ذات الدوافع الأيديولوجية العنصرية/الدينية كما ذهبت وسائل إعلام دولية إلى أن الهجوم يأتي في سياق تصاعدٍ عالميٍ لخطاب الكراهية والاعتداءات المعادية لليهود منذ اندلاع أزمات إقليمية ودولية خلال السنوات الأخيرة .[2]
2- التطرف الفردي والعنف اليميني المتشدد:
أشارت تقارير أمنية وإعلامية إلى أن أحد منفذي الهجوم كان معروفًا للأجهزة الأمنية في سياق تحقيقاتٍ سابقةٍ تتعلق بتبنّي أفكارٍ متطرفةٍ، دون أن يثبت انتماؤه التنظيمي المباشر لجماعة إرهابية محددة، وهو ما يُعزز فرضية “الذئاب المنفردة” أو التطرف الفردي . هذا النمط يتماشى مع ما تصفه أدبيات مكافحة الإرهاب بـ الإرهاب اليميني المتطرف غير المنظم، حيث يتحرك الفاعل بدافعٍ أيديولوجيٍ عام (الكراهية، العنصرية، التفوق العرقي) دون توجيهٍ مباشرٍ من تنظيم هرمي .[3]
3- تأثير البيئة الدولية وخطاب الاستقطاب:
ترى تحليلاتٌ إعلاميةٌ عربيةٌ وغربيةٌ أن الهجوم لا يمكن فصله عن مُناخ الاستقطاب الدولي الحاد، خاصةً مع تزايد الخطابات التحريضية المرتبطة بالصراعات في الشرق الأوسط، والتي انعكست في المجتمعات الغربية على شكل توترات دينية وهوياتية وقد حذرت تقارير أسترالية من أن تصاعد النقاشات العدائية على منصات التواصل الاجتماعي أسهم في خلْقِ بيئةٍ خصبةٍ لتطبيع العنف ضد “الآخر الديني”، ما شجّع بعض الأفراد على الانتقال من الكراهية اللفظية إلى الفعل العنيف.[4]
4- الدوافع النفسية والاجتماعية :
إلى جانب الدافع الأيديولوجي، تُشير بعض التحليلات إلى وجود عوامل نفسية واجتماعية مساعدة، مثل:
الشعور بالتهميش أو الغضب المتراكم، الميل للعنف بوصفه وسيلةً لإثبات الذات، التأثّر بسرديات المؤامرة والخطاب التحريضي، غير أن السُلطات الأسترالية أكدت أن هذه العوامل لا تُفسر الهجوم بمفردها، بل تعمل كعوامل مُكمّلةٍ داخل إطار التطرف الأيديولوجي الأوسع.[5]
وعليه، يمكن القول إن الدافع الرئيس لهجوم سيدني هو دافعٌ أيديولوجيٌ متطرفٌ قائم على معاداة السامية، تداخلَ معه تطرفٌ فرديٌ غير منظم، وتغذّى من مناخ دولي مشحون بالاستقطاب وخطاب الكراهية. ويعكسُ الهجوم تحوّلاً متزايدًا في طبيعة التهديد الإرهابي في الدول الغربية، من التنظيمات العابرة للحدود إلى الفاعلين الأفراد ذوي الدوافع الأيديولوجية.
ثالثًا: دلالات الهجوم
تنبع دوافع هجوم سيدني من تداخلٍ معقّدٍ بين التطرف الفردي القائم على الكراهية الدينية، والتأثر بخطاباتٍ تحريضيةٍ عابرةٍ للحدود، في سياق يشهد تصاعدًا عالميًا لجرائم العنف الهوياتي. ويعكس الهجوم تحوّل الإرهاب من فِعلٍ تنظيمٍي منسّق إلى سلوكٍ فرديٍ يصعب التنبؤ به أو احتواؤه بالوسائل الأمنية التقليدية. وأبرز هذه الدلالات كالتالي:
صعود نموذج “الإرهاب الفردي / شبه الفردي”:
يدل الهجوم على استمرار تحوّل الإرهاب في الدول الغربية من تنظيماتٍ هرميةٍ إلى فاعلين أفراد أو خلايا عائلية صغيرة، يتبنون أيديولوجياتٍ متطرفةً دون ارتباطٍ تنظيميٍ مباشر أو قيادةٍ مركزيةٍ واضحة، هذا النمطُ يقلل من فاعلية أدوات الردع التقليدية ويصعّب من مهام الاستخبارات في التنبؤ المسبق .[6]
تصاعد العنف القائم على الكراهية الدينية:
استهداف احتفالٍ ديني يهودي يؤشر إلى تحوّل معاداة السامية من خطاب كراهية إلى عنفٍ ماديٍ مباشر، ويعكس هشاشة التعايش المجتمعي في ظل الاستقطاب الهوياتي العالمي، خاصة في المجتمعات متعددة الثقافات مثل أستراليا.[7]
رابعًا: ردود الفعل الدولية
ومن أبرز هذه الردود، كالتالي:
الموقف الأسترالي الرسمي :
أعلنت الحكومة الأسترالية، على لسان رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي، أن الهجوم يمثّل عملاً إرهابيًا مدفوعًا بالكراهية الدينية، مؤكدًا التزام الدولة بحماية التعددية الدينية ورفْضِ أي محاولةٍ لزعزعة السِلْم المجتمعي. كما شددت السُلطات على أن الرد سيكون قانونيًا وأمنيًا دون الانزلاق نحو شيطنةٍ جماعيةٍ أو استقطاب داخلي[8]
الولايات المتحدة:
أدان البيت الأبيض الهجوم بشدة، واعتبره اعتداءً إرهابيًا مدفوعًا بمعاداة السامية، مؤكدًا تضامن واشنطن مع أستراليا والجالية اليهودية فيها، وجاء في البيان أن “الهجوم يندرج ضمن موجةٍ عالميةٍ مقلقةٍ من العنف القائم على الكراهية”، ما يعكس إدراكًا أمريكيًا بأن الحادث ليس محليًا بحتًا بل جزءٌ من ظاهرةٍ دوليةٍ أوسع .
الاتحاد الأوروبي:
أصدرت المفوضية الأوروبية وعدة عواصم أوروبية (باريس، برلين، لندن) بيانات إدانة أكدت:
رفْضَ الإرهاب بجميع أشكاله، التضامن مع أستراليا، القلق من تصاعد الاعتداءات المعادية لليهود في الغرب، وذهبت بعض التصريحات الأوروبية إلى اعتبار الهجوم جرس إنذارٍ جديدٍ حول خطورة التطرف الفردي داخل المجتمعات الديمقراطية .
ردّ الفعل الإسرائيلي ودلالاته السياسية:
أدانت الحكومة الإسرائيلية الهجوم بقوة، واعتبره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دليلاً على تصاعد معاداة السامية عالمياً، محمّلاً في تصريحاتٍ غير مباشرةٍ بعض الخطابات السياسية الدولية مسؤولية خلْقَ مُناخٍ تحريضٍي، غير أن هذه التصريحات قوبلت برفض أسترالي رسمي، حيث أكد رئيس الوزراء الأسترالي أن الهجوم لا يمكن تسييسه أو ربطْهُ بمواقف حكومية خارجية، وهو ما كشف عن توترٍ دبلوماسيٍ محدود لكنه دالٌ حول تفسير دوافع الإرهاب.
المواقف العربية والإسلامية:
أدانت عدة دولٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ الهجوم، وأكدت رفضها التام للإرهاب واستهداف المدنيين أياً كانت دوافعه، مع التشديد على أن الإرهاب لا يمثّل أي دينٍ أو ثقافةٍ
ركّزت التغطيات العربية على:
توصيف الهجوم كـ عملٍ إرهابيٍ مدفوع بالكراهية
التحذير من خلْطِ الإرهاب بالإسلام
الدعوة إلى معالجة جذور التطرف وليس الاكتفاء بالمقاربة الأمنية