المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > من الدوحة إلى الكويت: جولة خليجية تعكس ديناميكية التحرك المصري
من الدوحة إلى الكويت: جولة خليجية تعكس ديناميكية التحرك المصري
- أبريل 15, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

اعداد: ريهام محمد
باحثة في وحدة شؤون الشرق الأوسط
في مستهل جولته الخليجية، قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيارة رسمية إلى الدوحة الأحد 13 أبريل الجاري، حيث عقد جلسة مباحثات موسعة مع صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، تناولت سبل تطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات، لا سيما الاقتصادية والاستثمارية.
وقد تكللت المباحثات بالإعلان عن حزمة استثمارات قطرية مباشرة في مصر بقيمة 7.5 مليار دولار، كما أكد الجانبان تطابق وجهات النظر إزاء القضايا الإقليمية، خاصة ما يتعلق بتطورات الحرب في غزة، وضرورة دعم جهود التهدئة والمصالحة الفلسطينية، إلى جانب المواقف المشتركة تجاه الأوضاع في السودان، واليمن، والملف النووي الإيراني. كذلك أعلنت قطر دعمها لترشيح مصر لمنصب المدير العام لليونسكو. في خطوة تعكس قوة العلاقات الثنائية، والإرادة السياسية لتعميق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وفي اليوم التالي، الاثنين 14 أبريل، حلّ الرئيس السيسي ضيفًا على دولة الكويت، حيث أجرى مباحثات مع سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، ركزت على دعم العلاقات الأخوية وتعزيز آفاق التعاون المشترك في مختلف المجالات، خاصة الاقتصادية منها، إضافة إلى تبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وسبل التنسيق العربي في مواجهة التحديات الراهنة.
وقد جاءت هذه الجولة لتعكس حيوية التحرك المصري في محيطه العربي، وترسيخ دوره المحوري في صياغة توافقات استراتيجية تحافظ على تماسك الإقليم وتوازناته، في ضوء نهج مصري قائم على تعزيز الشراكات المتكافئة وبناء منظومة أمنية واقتصادية عربية مستدامة.
دلالة التوقيت:
جاءت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى كل من دولة قطر والكويت في لحظة إقليمية فارقة تتسم بتسارع التحديات وتشابك الملفات، ما يمنح الزيارة أبعادًا استراتيجية تتجاوز طابعها الثنائي، لتصبح جزءًا من تحرك مصري أوسع لإعادة ضبط التوازنات في المشهد الإقليمي؛ فمن ناحية، تتواصل الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة وسط دعم أمريكي غير مشروط للحكومة الاسرائيلية، ما أدى إلى تعقيد المشهد الإنساني والسياسي، وتزايد احتمالات انفجار الوضع الإقليمي نتيجة تمدد رقعة الاشتباك من حين لاخر لتشمل جبهات لبنان وسوريا واليمن.
في موازاة ذلك، تتزايد حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، على خلفية الملف النووي الإيراني، حيث تتعثر مسارات التفاوض في ظل تشدد أمريكي ملحوظ منذ عودة إدارة ترامب إلى البيت الأبيض، بالتوازي مع مؤشرات على تحركات عسكرية أمريكية معززة في قواعدها بالخليج، لا سيما في قطر والبحرين، ما يعكس سيناريوهات محتملة لمواجهة محدودة حال تصاعد الخطر الإيراني أو تدخُّل مباشر لطهران عبر وكلائها في غزة أو غيرها.
في هذا السياق المضطرب، تعكس زيارة الرئيس السيسي تحركًا دبلوماسيًا استباقيًا يستهدف إعادة بناء الاصطفاف العربي العقلاني، وتنسيق المواقف السياسية والأمنية لمواجهة التحديات العابرة للحدود، كما تأتي الزيارة في إطار سعي القاهرة إلى تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع دول الخليج، وتوظيفها كأداة دعم مزدوجة للاستقرار الداخلي وللأمن الإقليمي، في ظل سياسة خارجية مصرية باتت ترتكز على التوازن، وتعدد المسارات، وتكامل أدوات القوة الناعمة والصلبة.
العلاقات المصرية–القطرية: من التقارب السياسي إلى التكامل الاقتصادي:
شهدت العلاقات بين مصر وقطر مؤخرًا تقدمًا ملحوظًا، حيث تم تعزيز التواصل المتبادل من خلال تبادل الزيارات واستئناف أشكال التعاون المشتركة لتعزيز الروابط الثنائية بما يتماشى مع تطلعات البلدين، يأتي ذلك في إطار الدور المحوري الذي تلعبه مصر لتعزيز الأمن والاستقرار والتنمية على المستوى الإقليمي والدفاع عن قضايا الأمة العربية، خصوصاً القضية الفلسطينية.[1]
كما حققت العلاقات الاقتصادية بين مصر وقطر تطورًا ملحوظًا منذ توقيع اتفاق العلا في 2021، حيث بلغت الاستثمارات القطرية في مصر نحو 5 مليارات دولار، مع خطط للتوسع في قطاعات الطاقة والعقارات والسياحة، أبرزها دخول شركة قطر للطاقة بنسبة 40% في مشروع استكشاف غاز بالبحر المتوسط. كما ارتفع التبادل التجاري ليصل إلى 325 مليون دولار، بفائض لصالح مصر، في ظل توقيع أكثر من 15 اتفاقية تعاون اقتصادي وتجاري وفني، وتُعزز الجالية المصرية في قطر، التي تقدر بنحو 350 ألف شخص، الروابط الاقتصادية من خلال مساهماتها في قطاعات حيوية وتحويلاتها المالية المنتظمة.[2]
وفي هذا السياق، تعتبر زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى قطر تتويجاً لهذا النمو المستمر في العلاقات منذ عام 2021، فقد زار أمير قطر القاهرة في يونيو 2022، تلاها زيارة للرئيس السيسي إلى الدوحة في سبتمبر 2022، حيث تم توقيع ثلاث مذكرات تفاهم تتعلق بمجالات الموانئ والشؤون الاجتماعية، بالإضافة إلى مذكرة تعاون بين صندوق مصر السيادي وجهاز قطر للاستثمار وفق ما أفادت به هيئة الاستعلامات المصرية.
العلاقات المصرية الكويتية: شراكة راسخة:
شهدت العلاقات بين مصر والكويت تطورًا ملحوظًا على مستوى القيادتين السياسية في البلدين، حيث تجسد التعاون المستمر بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وأمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح في تعزيز التنسيق السياسي والتشاور حول القضايا الإقليمية والدولية، وتعكس الزيارات المتبادلة والمباحثات المستمرة بين القيادات عمق العلاقات الثنائية والحرص المشترك على تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، كما تجلت مواقف البلدين المتشابهة في دعم القضايا العربية، خاصة القضية الفلسطينية وأمن المنطقة، مع التأكيد على أهمية التعاون العربي المشترك لحل النزاعات الإقليمية بطرق سلمية ودبلوماسية، ما يعزز دور مصر والكويت القيادي في دعم قضايا المنطقة.
كما تُعتبر العلاقات الاقتصادية بين مصر والكويت شراكة متينة تعكس التطور المستمر في التعاون الثنائي. بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 5 مليارات دولار سنويًا، مع توقعات بارتفاعه إلى 6 مليارات دولار بحلول عام 2025. كما تُقدر الاستثمارات الكويتية في مصر بنحو 15 مليار دولار، تشمل قطاعات مثل النفط والعقارات والبنية التحتية، مع مشاركة الشركات الكويتية في مشروعات كبيرة مثل خط أنابيب سوميد، تأسست اللجنة المشتركة المصرية الكويتية عام 1998، وشهدت دورتها الأخيرة في 2024 توقيع برنامج تنفيذي للتعاون، كما يعزز مجلس التعاون المصري الكويتي مشاركة القطاع الخاص في مشاريع استراتيجية مثل تطوير قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة.[3]
أبعاد الجولة الخليجية من منظور السياسة الخارجية المصرية:
-
تعزيز الدور الإقليمي لمصر: تأتي هذه الزيارة في إطار سعي مصر الدائم لتأكيد موقعها كدولة مركزية ومحورية داخل العالم العربي، حيث تدرك القاهرة أن إقامة توازن في العلاقات مع جميع دول الخليج، خاصة بعد سنوات من التباين، يعزز قدرتها على العمل كوسيط فعال في الأزمات الإقليمية، ويتماشى هذا التحرك مع مفهوم “الدبلوماسية المتوازنة” التي تتبناها مصر، والتي تهدف إلى الحفاظ على علاقات مستقرة مع مختلف الأطراف دون الانخراط في تحالفات أو استقطابات.
-
تقوية أدوات التأثير السياسي والاقتصادي: تُجسد الزيارة توجهًا راسخًا في السياسة الخارجية المصرية نحو توظيف الأدوات الاقتصادية كجزء من النفوذ السياسي الإقليمي، إذ لم يعد جذب الاستثمارات الخليجية مجرد استجابة لحاجة اقتصادية داخلية، بل أصبح ركيزة أساسية في بناء شراكات استراتيجية تعزز من تشابك المصالح بين مصر ودول الخليج، ومن هذا المنطلق، تُستخدم الدبلوماسية الاقتصادية كأداة لتعميق الروابط السياسية، وتوسيع هامش التأثير المصري في بيئة إقليمية مضطربة، بما يعكس رؤية متكاملة للارتباط بين الأمن القومي والتنمية المستدامة.
-
الاستجابة للمتغيرات الإقليمية والدولية: جاءت هذه الزيارة بالتزامن مع تصاعد الهجوم الإسرائيلي على غزة وما يصاحبه من دعم أمريكي غير محدود لإسرائيل، بالإضافة إلى زيادة التوترات المرتبطة بإيران وتجهيز القوات الأمريكية لتعزيز وجودها العسكري بالخليج لا سيما في قطر والبحرين، في هذا السياق، تسعى السياسة الخارجية المصرية إلى تحرك استباقي يهدف لاحتواء التصعيد، عبر التنسيق مع الحلفاء الخليجيين، وتفادي انزلاق المنطقة نحو مواجهة إيرانية–أمريكية قد تخلخل أمن الإقليم ومصالحه الحيوية.
-
بناء جسور تفاهم عربي مشترك: تسعى السياسة الخارجية المصرية إلى تطوير محاور جديدة للتعاون مع العواصم العربية الفاعلة، بهدف مواجهة تحديات الأمن العربي المشترك، من خلال هذه الزيارة، تُركز القاهرة على بلورة موقف عربي موحد في ملفات عدة، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات والتنسيق العالي في مختلف المجالات سواء بالاضافة الى تأسيسها لعلاقات أكبر وتنسيق أكثر في كل المجالات سواء كان ذلك على العلاقات الثنائية أو فيما يتعلق بالمستجدات الإقليمية والتأكيد على موقف البلاد فيما يتعلق بالأحداث في غزة والمضي قدما في موضوع الوساطة ووقف العدوان في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية، لذا فإن التحرك الحالي يعزز أيضًا مساعي استعادة فعالية العمل العربي المشترك الذي شهد حالة من الفتور في السنوات الماضية.
ختامًا، جسدت جولة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى كل من قطر والكويت حيوية الحضور المصري في محيطه العربي، وعكست التوجه الثابت نحو تعزيز الشراكات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة والتنسيق السياسي البنّاء، اذ جاءت الزيارتان في سياق إقليمي بالغ الدقة، يتطلب قدرًا عاليًا من التشاور وتوحيد المواقف، الأمر الذي منح التحركات المصرية أبعادًا تتجاوز الإطار الثنائي، لتُسهم في دعم الاستقرار الإقليمي وإعادة تنشيط منظومة العمل العربي المشترك.
وفي هذا الإطار، مثّلت المباحثات التي أجراها الرئيس السيسي مع قيادتي الدولتين نموذجًا للدبلوماسية الفاعلة والمتوازنة، التي تستند إلى الاحترام المتبادل، وتحرص على بناء تفاهمات استراتيجية تُسهم في احتواء التوترات، وتدفع نحو بيئة إقليمية أكثر استقرارًا وتعاونًا، ومن ثم، فإن هذه الجولة تؤكد من جديد الدور المصري المحوري في صياغة مقاربات جماعية لمواجهة التحديات، انطلاقًا من رؤية تقوم على التكامل العربي وتفعيل أدوات الحوار والتنسيق المشترك.
المصادر:
[1] مصر وقطر.. علاقات تزداد إيجابية وتنسيق مشترك تجاه القضايا الإقليمية، القاهرة الاخبارية، ابريل 2025.
https://linksshortcut.com/xGqIp
[2] محمد الجالى يكتب من الدوحة: الرئيس السيسى فى قطر والكويت.. زيارة مهمة في مواجهة التحديات الإقليمية، اليوم السابع، ابريل 2024.
https://linksshortcut.com/CsAlY
[3] زيارة الرئيس السيسي لقطر والكويت.. استثمارات ضخمة على الأبواب، بانكير، ابريل 2025.