لطالما كانت منطقةُ الشرق الأوسط وأفريقيا في قلْب السياسة الخارجية الروسية؛ حيثُ شكَّلت جزءًا من إستراتيجية موسكو العالمية للهيْمنة على عِدَّة مناطق جيوسياسية وحيوية، ففي السنوات العشْر الأخيرة، وجَّهت روسيا اهتمامها نحْوَ القارة الأفريقية والشرق الأوسط، خاصَّةً في سوريا وليبيا التي اتخذتهما ركيزتيْن إستراتيجيتيْن لتحقيق أهدافها التوسُّعية، وتهدف إستراتيجية روسيا تجاه المنطقة إلى تعزيز موقفها المناهض للغرب، وإعادة التوازن إلى معادلة القُوَى الدولية، غير أن هذا التوجُّه الروسي اصطدم بجُمْلةٍ من العقبات، أحدثها سقوط الحليف الأهم لروسيا في المنطقة، المتمثِّل في الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
وعليه؛ تهدف هذه الورقة إلى استقراء تداعيات انهيار النظام السوري السابق على النفوذ الروسي في المنطقة، مع التركيز على الخيارات الإستراتيجية المُتَاحة لموسكو، فمع فُقْدان روسيا لأهم قواعدها العسكرية البحرية والجوية في سوريا، التي تُعدُّ مَنْفَذًا حيويًّا لنفوذها في الشرق الأوسط وأفريقيا، يُطرح تساؤلٌ حول مستقبل حضورها الإقليمي.
وبالحديث عن ليبيا التي تُشكِّلُ محور هذه الورقة، فقد شرعت روسيا في إرسال قواتها شِبْه الرسمية، المتمثلة في “فاغنر”، منذ عام 2019؛ لدعم قوات المشير خليفة حفتر في محاولاته لدخول العاصمة طرابلس، وعلى الرغم من فشل هذه المحاولة، لم تغادر قوات “فاغنر” شرق ووسط ليبيا، بل أصبحت عنصرًا أساسيًّا في توازُن القُوَى العسكرية، ما بين الغرب الليبي المدعوم تركيًّا والشرق الذي تتعاون فيه روسيا مع القيادة العامة.
وطبقًا لموقع الدفاع العربي، بتاريخ 2 يناير الجاري، كشفت صورُ الأقمار الصناعية، قيامَ روسيا بتشييد قاعدةٍ عسكريةٍ كبيرةٍ في جنوب ليبيا، بموقعٍ إستراتيجيٍّ قريبٍ من حدود السودان وتشاد، وعلى مقْرَبةٍ من منطقة “كوري بوغودي” التشادية الغنيَّة بالذهب، وبحسب تقارير العديد من الصحفيِّين العسكريِّين السودانييِّن، فإن هذه القاعدة ستندرج ضِمْن فيلق أفريقيا التابع لوزارة الدفاع الروسية؛ ما يعكس تزايُد النفوذ العسكري لموسكو وطموحاتها الإستراتيجية في القارة الأفريقية.
وعليه؛ تُثيرُ هذه التحوُّلات تساؤلات مهمة، ألا وهي: هل ستعيد روسيا توجيه إستراتيجيتها العسكرية نحْو ليبيا، ناقلة نفوذها وقواعدها العسكرية من سوريا إلى الشرق الليبي؟ وهل ستصبح بنغازي أو طبرق البديل الجديد لقاعدة طرطوس السورية؛ بما يضمن استمرار نفوذها في الشرق الأوسط وأفريقيا، ويُعزِّزُ من حضورها الجيوسياسي في مواجهة القُوَى الغربية؟.
أولًا: طبيعة التدخُّل الروسي في سوريا
منذ بداية الأزمة السورية، في عام 2011، كانت موسكو من أكبر الداعمين لنظام بشار الأسد؛ حيث كانت دومًا تستخدم حقَّ النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضِدَّ أيِّ قرارٍ يدين النظام السوري السابق، وبعد سنواتٍ من تصاعُد العمليات العسكرية للمعارضة السورية، بدأت روسيا، في 2015، في تقديم الدعم العسكري المباشر لنظام الأسد، وبحسب تصريحات الكرملين آنذاك، كان الهدف من هذا التدخُّل؛ هو “حماية مؤسسات الدولة السورية، ومنْع تحوُّل سوريا إلى بُؤْرةٍ إرهابيةٍ”، وهو مُبرّر روسي رسمي للتواجد العسكري في البلاد.
لم يقتصر التواجُد الروسي في سوريا على الدعم السياسي فقط، بل اتخذ شكْلًا عسكريًّا، عبْر نشر القوات الجوية والبحرية على السواحل السورية، ففي بداية 2015، افتتحت روسيا قاعدةً جويةً في حميميم على الساحل السوري، كما استمرت في تعزيز وجودها في قاعدة طرطوس البحرية، التي تُعتبرُ من أهم القواعد الروسية في البحر الأبيض المتوسط، وعليه؛ أصبحت هذه القواعد تُمثِّلُ نقطة انطلاق إستراتيجية لروسيا في المنطقة، سواء في المجال العسكري أو في مجال العمليات السياسية.
وبحلول منتصف عام 2023، بلغ عددُ المواقع العسكرية الروسية في سوريا نحْوَ 105 مواقعٍ، موزَّعةً بين 20 قاعدةً و85 نقطةً عسكريةً،[1] وقد سمح هذا التوسُّع العسكري لموسكو بالتحكُّم في أهم المواقع الإستراتيجية في البلاد، كما ساعد هذا التدخُّل العسكري في وقْف تُقدِّمُ المعارضة السورية، خصوصًا في المناطق الشمالية الغربية لسوريا.
وعليه؛ يمكن القول: بأن موسكو قد حقَّقت العديد من “المكاسب” نتيجة تواجُدها في سوريا؛ حيث أدَّت عملياتها العسكرية، منذ عام 2015، وانتشار قواتها على الأراضي السورية إلى ترسيخ مكانتها كقوةٍ عُظْمَى، بعد أن وضعت لنفسها هدفَيْن مُعلنَيْن: النجاح في مكافحة الإرهاب الدولي، وإقامة قواعد عسكرية في الخارج، متجاوزةً نطاق المصالح التقليدية على طول حدودها.
كما أدّى موطئُ القدمِ الروسي على الساحل السوري في شرق البحر الأبيض المتوسط وظيفةً لوجستيةً مهمةً، تمثَّلت في توفير مدخلٍ إلى الأصول الروسية في أفريقيا، كما كان من بين المكاسب الأخرى، اكتساب روسيا مصداقيةً كوسيطٍ، وهو دورٌ يمكن أن تؤدّيه في دولٍ أُخرى في المنطقة؛ فضلًا عن ورقةٍ ضاغطةٍ في المفاوضات مع إيران وتركيا حول المنطقة.
وأخيرًا: قد سمح النفوذ الروسي في سوريا لموسكو بعرقلة مشاريع خطوط أنابيب الغاز الطبيعي المحتملة من دول الخليج إلى أوروبا.
التحديات الروسية في سوريا بعد سقوط الأسد: بين استمرار الوجود والتراجع في الأولويات
اليوم؛ وبالرغم من أن انهيار نظام الأسد يُهدِّدُ النفوذ الروسي في سوريا بشكلٍ كبيرٍ، إلَّا أن موسكو كانت تواجه تحدياتٍ كبيرةً؛ للحفاظ على نفوذها في في هذه البلاد قبْل سقوط الأسد؛ ففي أعقاب الأزمة الأوكرانية، وبين عاميْ 2022 و2023، شهدت موسكو تحوُّلاً كبيرًا في أولوياتها العسكرية؛ حيث قلَّصت وجودها العسكري في سوريا من 132 موقعًا إلى 105؛ ما يعكس انتقال جزءٍ كبيرٍ من قواتها إلى أوكرانيا. [2]
هذا التراجُع العسكري الروسي في سوريا أصبح ملموسًا؛ حيث قامت روسيا بنقل المعدَّات والعتاد العسكري إلى أراضيها، بالإضافة إلى تقليص القوات العسكرية المنتشرة في مناطق مختلفة في سوريا، ومع ذلك، استمرَّ تواجدها العسكري في المناطق الحيوية، مثل الساحل السوري؛ حيث كانت تركز على ضمان سيطرتها على المناطق التي تواجد فيها التحالف الدولي، خصوصًا في شمال شرق سوريا؛ حيث حقول النفط والغاز.
وبعد هجوم السابع من أكتوبر، أعادت روسيا تعزيز وجودها العسكري في الجنوب السوري قُرْب درعا والقنيطرة، لكنها ظلَّت منشغلةً بجبهاتٍ أُخرى، مثل أوكرانيا؛ ما دفعها لتأييد تحرُّكاتٍ تهدف إلى تحقيق هُدْنةٍ بين الأسد والمعارضة، ولكن كان انهيار الجيش السوري في مناطق إستراتيجية وهروب بشار الأسد وعائلته، بمثابة ضربةٍ مُوجِعَةٍ لموسكو، التي لم تكن مستعدةً للتعامُل مع هذه التطوُّرات؛ بسبب انشغالها بمعاركَ أُخرى وصراعات دولية.
ويبدو أن ردَّ فِعْل روسيا على سقوط نظام الأسد تركَّزَ على مراجعة سياساتها واستخباراتها لمعرفة أسباب الفشل في التنبُّؤِ بانهيار النظام، ومع ذلك، تظلُّ موسكو دائمًا مستعدةً بخططٍ بديلةٍ وتنوّع رهاناتها؛ حيث من المحتمل أن تفتح قنوات تواصل مع الإدارة السورية الجديدة في المستقبل؛ بهدف الحفاظ على تواجدها وقواعدها في سوريا، لكن سيكون ذلك مصحوبًا بالقلق والشكوك.
ثانيًا: طبيعة التواجُد الروسي في ليبيا
قبل سقوط الأسد، كان لدى روسيا إستراتيجية طموحة، تسعى من خلالها رسم “قوس لنفوذهـــا،” يمتد من شرق المتوسط في سوريا إلى جنوبه، عبْر ليبيا، التي تعيش حالة من الانقسام السياسي والعسكري منذ الإطاحة بمعمر القذافي، في عام 2011؛ حيث أصبحت منذ ذلك الوقت ساحةً للتدخُّلات العسكرية الأجنبية، وحرصت روسيا على أن تكون جزءًا من هذا المشهد، ومنذ عام 2016، عملت موسكو على تطوير علاقات وثيقة مع شرق ليبيا وقائد الجيش الوطني الليبي المشير، خليفة حفتر، الذي حَظِيَ بدعمٍ سياسيٍّ وعسكريٍّ كبيرٍ من روسيا؛ ما جعله أحد أهم حلفائها في المنطقة.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات “الروسية – الليبية” تطوُّرًا ملحوظًا؛ حيث بدأت موسكو في تقديم دعمٍ عسكريٍّ مباشرٍ لقوات حفتر، من خلال إرسال أسلحة وتدريب القوات العسكرية، بل وحتى نشْر مستشارين عسكريين روسيين على الأرض، وعلى الرغم من أن هذه العلاقات لم تكن سريةً، إلا أنها أصبحت أكثر وضوحًا، خاصَّةً بعد الإعلان الرسمي عن تشكيل “الفيلـق الأفريقي”، الذي يتخذُّ من ليبيا مقرًّا له.
وعليـــــــــه؛ يمكن القول: بأن العلاقاتِ بين موسكو والمنطقة الشرقية في ليبيا قائمةٌ على مصلحة متبادلة؛ حيث تزوّد روسيا قوات الشرق بالمعدّات العسكرية والدعم الدولي والشرعية التي كان يفتقدها، بينما تمنح هي لموسكو موطئَ قدمٍ إستراتيجيٍّ، يُمكِّنُها من تعزيز وجودِها العسكري وتخزين عتادِها.
ومع مرور الوقت، تحوَّل هذا التواجُد إلى سيطرةٍ متناميةٍ على القواعد العسكرية الرئيسية، مثل “الجفرة، براك الشاطئ، والقرضابية”؛ حيث وثَّقت صحيفة ذا تلغراف البريطانية بالأقمار الصناعية، حجْم التوسُّع الروسي، الذي شَمِلَ إرسال أسلحةٍ ومعدَّاتٍ وجنودٍ، بالإضافة إلى تجديد مدارج الطائرات وتعزيز الدفاعات، كما أن القواعد التي كانت مهجورةً تحوَّلت إلى منشآتٍ حديثةٍ قادرةٍ على استقبال الطائرات العسكرية الروسية، مثل (“ميغ-29″ و”سوخوي-24”)؛ ما أضاف بُعْدًا جديدًا للنفوذ الروسي في ليبيا.[3]
يعكس هذا التمدُّد الروسي، الذي يتسم بالبراغماتية والحَذَر، إستراتيجيةً طويلة الأمد، تسعى لتعزيز موقع موسكو كلاعبٍ رئيسيٍّ في شرق وجنوب المتوسط، مستفيدةً من هشاشة الأوضاع السياسية في ليبيا، وضعْف التوافُق الدولي حول مستقبلها.
ثالثًا: الرُّؤْية الروسية تجاه ليبيا بعد سقوط الأسد
اليوم؛ وبعْد سقوط الأسد وتراجُع النفوذ الروسي في سوريا بعد سنواتٍ من التدخُّل العسكري، تبدو ليبيا – وتحديدًا شرقها وسواحلها الشرقية – خيارًا إستراتيجيًّا آمنًا، يمكن لروسيا أن تعيد من خلاله تموْضعها العسكري والجيوسياسي، خاصَّةً أن العلاقات الوثيقة التي تربط موسكو بمعسكر الشرق الليبي، سواء على الصعيد السياسي ممثّلًا في مجلس النواب، أو العسكري بقيادة المشير خليفة حفتر، توفر أرضيةً صلْبةً لروسيا لتوسيع نفوذها وتأمين وجودها العسكري في منطقة ذات أهمية إستراتيجية كُبْرَى.
وفي الوقت الذي تحاول روسيا إبقاء قواعدها العسكرية في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، بالتفاوض مع “اللجنة السياسية لهيئة تحرير الشام”، قال مسؤولون أمريكيُّون وليبيُّون: إن روسيا تسْحَبُ أنظمة دفاعٍ جويٍّ متقدمةٍ وأسلحةٍ متطورةٍ أُخرى من قواعدها في سوريا، وتنقلها إلى ليبيا، في خطوةٍ تهدف إلى الحفاظ على وجودها العسكري في الشرق الأوسط بعد انهيار نظام بشار الأسد، حسبما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”.، وأوضح المسؤولون للصحيفة، أن “طائرات شحْن روسية نقلت معدَّات دفاع جوي؛
بما في ذلك رادارات لأنظمة اعتراض من طراز S-400وS-300، من قاعدة حميم الجوية في سوريا إلى قواعد في شرق ليبيا”، كما أشارت تقاريرُ إلى أن روسيا سحبت قوات وطائرات عسكرية وأسلحة من سوريا في خفْضٍ كبيرٍ لوجودها هناك.[4]
تعكس هذه الخطوةُ رغبةَ روسيا في استغلال حالة الانقسام السياسي والصراعات الداخلية التي تُعَانِي منها ليبيا، وبالنسبة لموسكو، يُشكِّلُ شرق ليبيا موقعًا إستراتيجيًّا يمكن استخدامه، ليس فقط كمخزنٍ آمنٍ للعتاد العسكري، بل أيضًا كقاعدة انطلاقٍ لتوسيع النفوذ الروسي في أفريقيا.
علاوةً على ذلك، فإن حالة السيولة السياسية والفوضى الأمنية في ليبيا تتيح لروسيا العمل بحريةٍ نسبيةٍ في المنطقة؛ فالأطراف الليبية المتصارعة، الطامحة إلى تعزيز سلطاتها، قد تغضُّ الطَّرْف عن هذه التحرُّكات أو حتى تتعاون معها لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية ضدَّ الخصوم.
وعلى الصعيد الآخر، فإن روسيا، التي تُعرف بقدرتها على استغلال الثغرات الجيوسياسية، تسعى لترسيخ وجودها في ليبيا كجزءٍ من إستراتيجيةٍ أوسعَ للالتفاف على الضغوط الغربية والأمريكية، خاصَّةً أن شرق ليبيا، بموقعه القريب من أوروبا ودول الساحل الأفريقي، يُمثِّلُ قاعدةً مثاليةً لتوسيع النفوذ الروسي وتطوير شراكات جديدة في القارة الأفريقية.
في ضوْء هذه التطوُّرات، يبدو أن ليبيا ليست مجرَّد بديلٍ مؤقتٍ لروسيا عن سوريا، بل هي خيارٌ إستراتيجيٌّ طويلُ الأمد، و نقْل الترسانة الروسية من سوريا إلى ليبيا سيُجنِّبُ موسكو التكاليف الباهظة لنقْل معدَّاتها بعيدًا عن المنطقة، كما أنه يمنحها موقعًا مِحْوَريًّا، يُمْكِنُ من خلاله دعْم حلفائها المحليِّين وتوسيع نفوذها الإقليمي.
رابعًا: التحديات التي قد تعرقل أجندة روسيا في ليبيا
بالرغم من أن روسيا ستسعى لزيادة نفوذها في ليبيا بشكلٍ أكبرَ خلال الفترة القادمة؛ من أجل الحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط وأفريقيا، عقب انهيار حليفها بشار الأسد، إلَّا أنها قد تواجه تحدِّيان رئيسيَّان، أولهما، هو توازن القوى داخل ليبيا؛ إذ تُسْهِمُ التحرُّكات الروسية الأخيرة في ليبيا من احتمالية تجدُّد الصراعات المسلحة بين قوات المنطقة الشرقية، وقوات المنطقة الغربية المدعومة من تركيا، خاصَّةً أن هذه التحرُّكات الروسية قد أثارت حفيظة حكومة الوحدة المتمركزة في الغرب؛ إذ أعلن رئيس الحكومة، عبدالحميد الدبيبة، رفْضَه دخولَ أيِّ عتادٍ عسكريٍّ أو قوات روسية إلى ليبيا قادمة من سوريا.
وعلى صعيد آخر، أفاد موقع أفريكا إنتليجنس، بوجود توتُّرٍ بين حكومة الوحدة، وموسكو على خلفية اعتقال 3 روسيِّين في ليبيا، في أوائل شهر ديسمبر 2024، مشيرًا إلى أن موسكو انزعجت من اعتقال عددٍ من الرعايا الرُّوس من قِبَلِ القوات التابعة لحكومة الدبيبة.
وعليه؛ قد تعيق جُمْلَة هذه الأحداث من تحقيق الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية في ليبيا، كما يزيد من تعقيد إدارة روسيا لعلاقاتها مع الأطراف المختلفة داخل البلاد؛ ما يرفع من خطر تورُّطها في صراعاتٍ متعددة الجبهات.
أما ثاني هذه التحدِّيات هو المعارضة الدولية، فمن المتوقع بأن تتعرض موسكو لانتقاداتٍ من بعض الدول الغربية، خاصَّةً الولايات المتحدة وأوروبا، التي ترى أن التوسُّع الروسي في ليبيا يُشكِّكُ تهديدًا للاستقرار الإقليمي.
في الختام:
من خلال تحليل التحوُّلات الإستراتيجية الرُّوسية من سوريا إلى ليبيا عقب سقوط الأسد، يظهر أن موسكو تسعى لإعادة تشكيل نفوذها في الشرق الأوسط وأفريقيا، ورغم التحديات التي قد تواجهها روسيا في المنطقة، إلَّا أنها تجد في ليبيا ملاذًا آمنًا لنقْل جزءٍ من ترسانتها العسكرية، بما في ذلك العتاد والسفن، حتى ولو بشكلٍ مؤقتٍ؛ لإعادة توزيعها في مناطق نفوذها داخل أفريقيا، وبناءً على ذلك؛ تُقدِّمُ ليبيا لموسكو فرصةً كبيرةً لتعزيز وجودها العسكري والاقتصادي؛ بكوْنِها نقطة انطلاق لروسيا في تنفيذ إستراتيجياتها التوسُّعية في أفريقيا، ومن خلال تعزيز علاقاتها مع الأطراف المحلية؛ بما يمكن لموسكو ضمان استمرار تأثيرها في هذه المنطقة الإستراتيجية المهمة.
