المقالات
موريتانيا: منطقة رخوة أم فاعل استراتيجي مستقبلي؟
- سبتمبر 11, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
إعداد/ ريهام محمد
باحث مساعد في وحدة شؤون الشرق الأوسط
في خضم الاضطرابات الأمنية المتزايدة التي تشهدها منطقة الساحل الأفريقي الناجمة عن تصاعد أنشطة الجماعات المسلحة، وتفاقم الأزمات الإنسانية، إلى جانب تحديات الفقر والهجرة غير الشرعية، برزت موريتانيا كلاعب استراتيجي محوري في المنطقة، بفضل موقعها الجغرافي الحيوي واستقرارها النسبي مقارنة بجيرانها. فما الذي يحرك الاهتمام المتنامي بهذه الدولة التي طالما كانت على هامش الأحداث والأجندات؟
يسعى هذا التقرير إلى تحليل الثقل الاستراتيجي لموريتانيا في هذا السياق المعقد، من خلال استعراض موقعها الجغرافي، ودورها الأمني في المنطقة، والعوامل التي تجعلها محط اهتمام القوى الدولية.
استراتيجيًا: تتمتع موريتانيا بموقع استراتيجي فريد واحتياطات غنية من الموارد، اذ تقع نواكشوط على ساحل المحيط الأطلسي، وتعمل كحلقة وصل بين دول المغرب العربي وغرب إفريقيا، مما يمنحها دورًا محوريًا في القضايا المتعلقة بإفريقيا جنوب الصحراء، كونها الدولة العربية الوحيدة ضمن تجمع الساحل يعزز من مكانتها ويجعلها محور اهتمام متزايد للدول الإقليمية والدولية، خاصةً الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي نظرًا لقربها الجغرافي من السواحل الأوروبية، كما مكنها الموقع من أن باتت نقطة تنافس بين الجزائر والمغرب؛ حيث تُعد الطريق الأقصر والأكثر أمانًا لتصدير البضائع إلى دول غرب إفريقيا المطلة على المحيط الأطلسي وخليج غينيا.[1]
اقتصادياً، يُعتبر الموقع الاستراتيجي لنواكشوط ميزة جيواقتصادية بالغة الأهمية، فقد أتاح لها هذا الموقع استغلال احتياطيات كبيرة من الموارد والثروات الطبيعية التي أسهمت في دعم تقدم الدولة وتحسين وضعها الاقتصادي، تأتي الموارد النفطية على رأس هذه الثروات، حيث تُعد موريتانيا ثالث أكبر دولة إفريقية تمتلك مخزونًا من الغاز الطبيعي، إذ تملك نواكشوط احتياطات ضخمة من الغاز المسال تُقدّر بنحو 110 تريليونات قدم مكعب، بعد نيجيريا (207 تريليون قدم مكعب) والجزائر (159 تريليون قدم مكعب، ويحتوي حقل “بير الله” على 80 تريليون قدم مكعب بينما يحتوي حقل “السلحفاة” على 25 تريليون متر مكعب مع احتمالية تصدير أول شحنة نهاية العام الجاري، كما تتمتع موريتانيا باحتياطيات هائلة من موارد أخرى مثل الأسماك والحديد والذهب وغيرها، حيث تشكل الموارد المتجددة نحو ثلثي الثروة الطبيعية وتُمثل مصايد الأسماك وحدها ربع هذه الثروة.[2]
سياسياً ودبلوماسياً، ساعد الموقع المركزي لنواكشوط في تعزيز علاقاتها وسياستها الخارجية ضمن محيطها الإقليمي والعالمي، فقد تمكنت من تشكيل شبكة متنوعة وواسعة ومتوازنة من العلاقات التي تعزز تعاونها وروابطها الإقليمية والدولية، علاوةً على ذلك، مكن هذا الموقع البلاد من تبني سياسة الحياد الإيجابي في تحركاتها الخارجية مما جعل منها وسيطاً موثوقاً ومؤثراً في حل النزاعات الإقليمية؛ بل أصبحت نواكشوط دعامة أساسية لاستقرار منطقة الساحل الإفريقي والإقليم.
من جانب اخر؛ يمتاز النظام السياسي في موريتانيا بطابع جمهوري يعتمد نظامًا رئاسيًا يتضمن تقسيم السلطات بين السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويُعتبر رئيس الجمهورية هو القائد للسلطة التنفيذية ويتم انتخابه مباشرةً بواسطة الشعب لفترة رئاسية تمتد لخمس سنوات مع إمكانية الترشح لفترة ثانية، وتتكون السلطة التشريعية من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، وبينما تنتخب الأولى مباشرة، لكن يتم تعيين أعضاء الثاني من قبل السلطات المحلية.
موقع موريتانيا على الساحة الدولية:
تحظى موريتانيا باهتمام متزايد من القوى الدولية، اذ تعتمد إسبانيا وفرنسا وحلف الناتو بشكل خاص، بالإضافة إلى الصين وروسيا، على الاستقرار النسبي الذي تتمتع به البلاد وسط عدم الاستقرار الحاصل نتيجة سلسلة من الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وقد مثلت هذه التحديات مخاطر تفشي الجماعات الإرهابية في غرب ووسط إفريقيا وزادت المخاوف بشأن الضغوط الأمنية التي قد تتعرض لها نواكشوط مع سعي الدول الغربية لإعادة تموضع قواتهم وتأمين مصالحهم بالمنطقة، فضلاً عن قوى إقليمية كالمغرب والجزائر، التي تسعى إلى تعزيز التعاون معها لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، يأتي هذا التنافس في ظل رؤية دولية واسعة لدور موريتانيا المحوري في استراتيجيات مكافحة الإرهاب، وإدارة النزاعات الحدودية، وتدفق الهجرة غير الشرعية.[3]
الا انه وفقا لنواكشوط، تسعى الحكومة الموريتانية لتبني سياسة متوازنة تقوم على إقامة علاقات قوية مع جميع الأطراف الدولية، نظرًا لدورها الحيوي كحائط صد ضد تطرف جماعات العنف المسلح وضمان عدم تمدده في المنطقة، وتجلت هذه السياسة التوازن الذي تحافظ عليه بين روسيا والصين والغرب عبر مجموعة متنوعة من الزيارات المتبادلة وإقامة قنوات اتصال مستمرة معهم لتحقيق تفاهم مشترك يخدم المصالح الإقليمية والدولية.
تحديات داخلية وتهديدات خارجية:
تحديات داخلية قد تعصف بالاستقرار السياسي: تشهد موريتانيا منذ بداية حكم الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني هدوءا سياسيا وتوافقا لم تعهده منذ عقود، إلا أن القوى السياسية خرجت من الانتخابات الأخيرة بانطباع سيئ عن النظام الحالي، وسعت للتصعيد مرارا رفضا للنتائج التي اعتبرتها مزورة وهذه تحديات تُضاف إلى أخرى أمنية واجتماعية وديمقراطية يراها البعض أنها لا تناسب التحول “الطاقوي” الذي تشهده البلاد.
وتتعلق تلك التحديات بالديمقراطية والحوكمة والاستقرار تطرحها الاكتشافات النفطية والغازية رغم الأوجه الإيجابية لها التي تتعلق بتحسين الأوضاع الاقتصادية وتقليص البطالة والتخفيف من وطأة الهشاشة والفقر وتعزيز الطبقة الوسطى، بما ينعكس إيجابا على التقدم الديمقراطي، الا أن المداخيل النفطية تجعل الدول تتعامل مع المواطنين كـ”زبائن” مما يدفع المجموعات الإثنية والأحزاب للنضال من أجل القسمة العادلة للثروة، وينذر بحالة من عدم الاستقرار.
على صعيد القضايا الاقتصادية، تعاني موريتانيا من تداخل عدة تحديات تزيد من حدة الأزمة الاقتصادية القائمة، اذ يعتمد الاقتصاد الوطني بشكل كبير على قطاع واحد محدود هو الصناعات الاستخراجية، مثل التعدين (خاصة الحديد والنفط والذهب)، بينما يمثل كلا القطاعين الزراعي وصيد الأسماك عوامل مهمة أخرى، إلا أن نقص الاستثمارات فيهما يؤدي إلى ضعف تنويع الاقتصاد ويجعله عرضة لتقلبات الأسعار العالمية.
بالإضافة إلى ذلك، تواجه البلاد ضعفاً ملحوظاً في البنية التحتية الحيوية التي تحفز النمو الاقتصادي، بما يشمل شبكات النقل والطاقة الكهربائية، بما يقوض جهود التنمية وجذب الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، ومن جهة أخرى، تسجل معدلات بطالة مرتفعة خصوصًا بين الشباب؛ مما يعكس ضعف القدرة على خلق فرص عمل متعددة ومتنوعة عبر مختلف القطاعات الاقتصادية.[4]
فضلا عن التحديات المتعلقة بالأمن الغذائي نتيجة للجفاف المتكرر وعمليات التصحر المستمرة؛ وهو ما يؤثر سلبًا على إنتاجية القطاع الزراعي ويزيد الاعتماد على الواردات الغذائية وبالتالي رفع مستويات الفقر في المجتمع.
على المستوى الخارجي:
يُعتبر الجوار الجغرافي لمنطقة الساحل الإفريقي مجالاً حيوياً وعمقاً استراتيجياً بالنسبة لموريتانيا، وبالتالي، فإن أي حديث عن الأمن الوطني في نواكشوط سيكون ناقصاً إذا لم يأخذ بعين الاعتبار هذا الفضاء الواسع الذي أصبح مصدراً لعدد من التهديدات الأمنية الرئيسية، إن الوضع الأمني غير المستقر الذي تعاني منه منطقة الساحل الإفريقي مؤخرًا يمثل لحظات مفصلية للأمن الوطني، حيث يمكن تصنيفه كأحد أخطر التحديات الخارجية التي واجهتها الدولة الموريتانية منذ الاستقلال.
وتزداد تعقيداً المسألة الأمنية في المنطقة نتيجة للأزمات المتعددة بدءًا من النزاع في شمال مالي وسقوط نظام معمر القذافي في ليبيا، وصولاً إلى تهديد الإرهاب الدولي وتعاوناته مع شبكات الجريمة المنظمة، جميع هذه العوامل تجعل موريتانيا، باعتبارها دولة تماس، تعمل كحاجز أمام هذه التهديدات مما يضع أمنها الوطني على المحك. ويمكن تلخيص ذلك على النحو التالي:
تفاقم الأوضاع الأمنية في مالي: تُعتبر الأوضاع الحالية في مالي مسألة ذات أهمية قصوى لموريتانيا، حيث تؤثر هذه الظروف بشكل مباشر وغير مباشر على الجوانب الأمنية والاقتصادية لكلا البلدين، يعود ذلك إلى الارتباط الجغرافي والتاريخي القوي بينهما، وينجم عن الأزمة المالية تداعيات متعددة؛ إذ تساهم في انتشار الأسلحة وزيادة حالات النزوح نحو الدول المجاورة، نتيجة لهذا الوضع، قامت موريتانيا بتعزيز تعاونها الأمني والعسكري مع عدد من دول المنطقة، بما فيها مالي، بهدف مواجهة التهديدات المشتركة، ومن أبرز الخطوات الملموسة مشاركة نواكشوط في القوة المشتركة لدول الساحل الخمس (G5)، والتي تهدف إلى مكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة.[5]
علاوةً على ذلك، أدت هذه الأزمة إلى إحداث اضطرابات في التجارة العابرة للحدود بين البلدين وما أسفر عنها من خسائر اقتصادية مشتركة نتيجة للتحديات المرتبطة بالأمن وسلامة الطرق التجارية، كما فاقمت الأحداث المتوترة العلاقات الاجتماعية داخل مالي نفسها، خصوصاً بين الطوارق والعرب والسكان من ذوي البشرة السمراء، مما قد يؤثر سلبًا على النسيج الاجتماعي لموريتانيا نظرًا للاختلاط الإثني الموجود بين سكان الدولتين.
ومؤخرًا، تصاعدت حدة التوترات عبر الحدود المشتركة بين موريتانيا ومالي إثر تقارير تتحدث عن تعرض مواطنين موريتانيين لاعتداءات ممنهجة من قِبل جنود الجيش المالي، وكان أحد أبرز هذه الحوادث ما ورد من أنباء حول قيام أفراد تابعين للقوات المسلحة المالية بقتل مجموعة من المواطنين الموريتانيين بتاريخ أبريل الماضي بالقرب من الشريط الحدودي، وتوالت بعد ذلك أحداث مشابهة تشمل عمليات قتل واختطاف داخل الأراضي المالية وفقًا لتقارير وشهادات متلقاة من الجانب الموريتاني.[6]
الأزمة الليبية وتأثيرها على الأمن الإقليمي: فعلى الرغم من أن موريتانيا لا تواجه تهديدات مباشرة من الأزمة في ليبيا، إلا أن التداعيات الناتجة عنها تشكل عنصرًا حاسمًا في تفاقم الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل، تُسهم هذه التداعيات بعدة طرق مرتبطة بالتغيرات الإقليمية والصراعات المسلحة التي تنخرط بها مناطق الساحل وشمال إفريقيا، تشمل أبرز تداعيات الأزمة الانتشار الواسع للأسلحة والجماعات المسلحة عبر الحدود الليبية، مما أدى إلى زيادة تدفق الأسلحة إلى دول الساحل بما فيها موريتانيا، وقد ساعد هذا الوضع على تعزيز قدرات الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية مثل “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” و”تنظيم الدولة الإسلامية”.[7]
بالإضافة إلى ذلك، أحدثت الأزمة فراغًا أمنيًّا في شمال إفريقيا استغلته الجماعات الإرهابية للتوسع نحو منطقة الساحل، وتُعتبر ليبيا نقطة عبور رئيسية للهجرة غير الشرعية والتهريب باتجاه أوروبا، ففي أعقاب الأزمة؛ شهدت شبكات التهريب وزيادة الهجرة غير الشرعية نشاطًا متزايدًا، مما أثّر سلباً على دول مثل موريتانيا التي تُستخدم كممر للمهاجرين، وبالتالي فإن هذا يفرض تحديات أمنية إضافية.
فضلا عن التدخلات الإقليمية والدولية المرتبطة بالأزمة والتي أدت أيضًا إلى تعقيد الوضع الأمني في شمال إفريقيا وخلق حالة عدم استقرار مستمرة في منطقة الساحل، وتعاني موريتانيا بشكل خاص من آثار هذه التطورات على مستوى الأمن الداخلي، خاصة فيما يتعلق باللاجئين والمهاجرين العابرة حدودهم وكذلك مكافحة عمليات التهريب والاتجار غير المشروع.[8]
خريطة 1: التأسيس الجهادية الكبرى في الساحل الأفريقي:
الخلاف المغربي الجزائري: تراهن موريتانيا على تحقيق توازن في علاقاتها مع جارتيها المغرب والجزائر اللتين تتباين طموحاتهما الجيوسياسية ومصالحهما، وتسعى نواكشوط دائمًا للحفاظ على علاقاتها بالجارتين بعيدًا عن أي صراعات ثنائية قد تؤثر عليها سلبًا، ملتزمة بتجنب الانحياز الصريح لأي منهما وراغبةً في تقريب وجهات النظر بين الطرفين رغم الاختلافات المحورية المتعلقة بقضية الصحراء الغربية، اذ تحافظ موريتانيا على موقف محايد بشأن هذا النزاع الذي يجري بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، وعلى الرغم من حرصها الشديد على عدم التأثر بعقود من التوتر والخلافات التاريخية بين الرباط والجزائر، فقد واجهت تحديات مستمرة نتيجة محاولات كلا البلدين للتأثير على مواقفها السياسية وشدّها نحو تحالفات غير مرضية للطرف الآخر.
سياسة موريتانيا في مكافحة الإرهاب:
تعتمد المقاربة الأمنية في موريتانيا على استراتيجية شاملة ومتعددة الأبعاد تدمج بين الجوانب العسكرية والحوار، بالإضافة إلى الربط الفعّال بين التنمية والأمن.
فيما يتعلق بالجانب العسكري:
– شهدت موريتانيا انخفاضًا ملحوظًا في الهجمات الإرهابية بعد فترة غير مسبوقة من التصعيد نفذت فيها اعتداءات خلال الفترة ما بين 2005 و2011. لذلك، أُطلق مشروع قانون لمكافحة الإرهاب بتاريخ 15 ديسمبر 2009 لتعزيز التعاون مع الحكومات الإفريقية وتعزيز إجراءات مكافحة الإرهاب.
– تم إنشاء لجنة عام 2010 لوضع استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب؛ حيث تعارض هذه الاستراتيجية الأسباب الجذرية للتطرف وتبدأ بحوار فكري مع حوالي (70) فرد من العناصر المتطرفة بهدف فهم أسباب انضمامهم إلى الجماعات المتشددة ومساعدتهم على إعادة تأهيل أنفسهم ضمن المجتمع.
– استندت استراتيجية موريتانيا إلى إصلاحات أمنية تشمل إعداد قوات خاصة وتحسين التعليم العسكري المهني. كما زادت الميزانية العسكرية بمعدل أربعة أضعاف من عام 2008 حتى عام 2018، مما ساعد على تعزيز تسليح الجيش وتوفير الزي الرسمي للجنود وترميم ثكناتهم العسكرية بجانب توفير التعويضات المالية لكافة القوات المسلحة. وقد أدى ذلك إلى اختيار نواكشوط كموقع لكلية الدفاع لمجموعة الساحل “G5” عام 2018.[9]
على الصعيد الاستخباراتي:
– توسع العمل الاستخباراتي بشكل كبير في عامي 2022 و2023 بفضل التعاون مع وحدة المهاريست، والتي تتولى مهمة تعقب العناصر المتطرفة في المناطق النائية. وتم التركيز أيضًا على تنمية المجتمع من خلال دعم قطاعي التعدين والمناجم كوسيلة لمواجهة التطرف.
– استضافت نواكشوط المؤتمر الإفريقي الثاني لتعزيز السلام ومحاربة التطرف بشهر فبراير من العام 2022، وعلى صعيد آخر تمكنت الجهات الأمنية الموريتانية بتاريخ 13 مارس 2023 من إحباط محاولة هروب متطرفين من إحدى السجون.[10]
حلول اقتصادية واجتماعية: لم تقتصر رؤى السلطات العامة في موريتانيا على الجوانب العسكرية فحسب، بل اتجهت أيضاً نحو تقديم حلول اقتصادية تهدف إلى مكافحة الفقر وتحقيق تنمية مستدامة في المناطق الهشة التي تعاني من مستويات معيشية تحت خط الفقر، وقد تم اعتماد سياسات جديدة لتوظيف الشباب ودمجهم بشكل فعال في الحياة الاقتصادية.
ونظرًا لأن الجماعات الإرهابية وعصابات التهريب تسعى لاستخدام الدين كوسيلة لجذب جمهورها المستهدف، أصبحت الحاجة واضحة أمام السلطات الموريتانية لخلق بيئة حوار مباشر مع السجناء بهدف مواجهة الحجج المقدمة من هذه الجماعات وتصحيح المفاهيم الخاطئة، فتم تنفيذ برنامج شامل للتوعية الدينية يركز على تصحيح المفاهيم بعيداً عن الغلو والتطرف، وأقيمت عدة ندوات وطنية ودولية لمكافحة التطرف الديني والتي لعبت دوراً بارزاً في تعزيز الوعي وتمييز الأفكار الصحيحة.[11]
ختامًا: يتضح أن الثقل الاستراتيجي لموريتانيا قد تجاوز حدودها الجغرافية ليصبح جزءًا أساسيًا من المعادلات الإقليمية والدولية، فموقعها المتميز جعل منها نقطة تواصل حيوية بين شمال وغرب إفريقيا، مما يعزز من قدرتها على التأثير في الديناميكيات الأمنية والسياسية في المنطقة، فضلا عن دورها الأمني، الذي تجلى في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، بما يضع موريتانيا في صدارة جهود الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
علاوة على ذلك، برزت العوامل الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك مواردها الطبيعية وثرواتها البشرية، فضلا عن استقرارها النسبي كعوامل جذب للقوى الدولية التي تتطلع إلى إقامة شراكات استراتيجية تعود بالنفع على كافة الأطراف.
في ظل هذا السياق المعقد، يجب على موريتانيا استثمار إمكانياتها وتعزيز آليات التعاون مع الشركاء الدوليين، مما سيمكنها من تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز استقرارها الداخلي، كما ان الاستمرار في تعزيز هذا الثقل الاستراتيجي يتطلب رؤية واضحة واستراتيجيات فعالة، مما يفتح آفاقًا جديدة لموريتانيا في الساحة الدولية ويعزز من مكانتها مستقبلًا كأحد الفاعلين الرئيسيين في المنطقة.
المصادر:
[1] عبير مجدي، محور ارتكاز: هل تعيد موريتانيا هيكلة شراكاتها الأمنية؟، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، اكتوبر 2023. https://rcssegypt.com/15274
[2] المرجع نفسه
[3] خضر عبدالعزيز، استثمارات غربية بمليارات الدولارات.. 5 أسئلة عن مستقبل ثروة موريتانيا الغازية، الجزيرة نت، يوليو ٢٠٢٣. https://linksshortcut.com/EKMGB
[4] خضر عبدالعزيز، الصناعة في موريتانيا.. استغلال ضئيل للمقدرات رغم الإمكانات الهائلة، الجزيرة نت، مايو ٢٠٢٤. https://linksshortcut.com/zrpuG
[5] حبيب الله مايابي، سؤال وجواب.. تعرف على حقيقة الأزمة بين موريتانيا ومالي، الجزيرة نت، أبريل ٢٠٢٣.
https://linksshortcut.com/cDFbw
[6] المرجع السابق
[7] الصراع الليبي وتداعياته في منطقة الساحل الخمس، مركز الأبحاث، نوفمبر ٢٠٢٠.
https://linksshortcut.com/eFLuB
[8] المرجع نفسه
[9] أمن دولي ـ ما أهمية موريتانيا في مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي؟، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، سبتمبر ٢٠٢٣. https://linksshortcut.com/Dzsrf
[10] المرجع نفسه
[11] سيد محمد ولد لخليفه، المقاربة الأمنية في موريتانيا.. ردع بالفكر والسلاح، بوابة افريقيا الاخبارية، فبراير 2022. https://short-link.me/JZTc