المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > نفوذٌ واسعٌ: مظاهر تنامِي أنشطة حزب الله في أمريكا اللاتينية
نفوذٌ واسعٌ: مظاهر تنامِي أنشطة حزب الله في أمريكا اللاتينية
- مايو 26, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: ريهام محمد
باحث في وحدة شؤون الشرق الأوسط
في تطوُّرٍ لافتٍ يعكس تحوُّلًا في الموقف الأمريكي تِجَاه زيادة نفوذ “حزب الله” خارج منطقة الشرق الأوسط، أعلنت واشنطن، في 20 مايو الجاري، عن مكافأة بقيمة “عشرة ملايين دولار” لمن يُدْلِي بمعلومات تساعد في تعطيل الهيكل المالي للحزب في أمريكا اللاتينية، في خطوةٍ تُعَدُّ دليلًا على تزايُد المخاوف الأمريكية من احتمال تحوّل القارة اللاتينية إلى “ملاذ آمن” لعمليات الحزب؛ حيث تتداخل مصالحه الأمنية والمالية واللوجستية ضِمْنَ بيئةٍ رخوةٍ أمنيًّا، وغنية بالفُرَص المفتوحة أمام التنظيمات العابرة للحدود. [1]
في هذا السياق، تمكَّنَ “حزب الله”، بفضل سنواتٍ عدةٍ من العمل المستمر، إعادة بناء نفسه داخل أمريكا اللاتينية من خلال أساليب متنوعة، تشمل التهريب وغسل الأموال وتجهيز الجاليات وعقد تحالفات مع المافيات المحلية وبعض الأنظمة ذات الطابع الشعبي المناهض للغرب، إذ لم يكن هذا الانتشار عشوائيًّا، بل أُسِّسَ على فهْمٍ مُعَمَّقٍ للفوضى المؤسساتية السائدة في عددٍ من دول القارة واستثمار منهجي في الثغرات السيادية، التي جعلت منها بيئة مواتية لنمو الجماعات ذات الطابع الأيديولوجي والعابر للحدود.
أولًا: الخلفية التاريخية لظهور حزب الله في أمريكا اللاتينية
-
الهجرة اللبنانية وتأسيس القاعدة الاجتماعية: تعود بدايات الحضور اللبناني في أمريكا اللاتينية إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، عندما انتقل الآلاف، وخاصَّةً من الطائفة الشيعية، إلى دولٍ “مثل البرازيل وفنزويلا والأرجنتين وباراغواي”؛ نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية في فترة الحُكْم العثماني، وقد اندمجت هذه الجاليات في المجتمعات المحلية لكنها احتفظت بروابطها الثقافية والدينية لوطنها الأم، ومع مرور الزمن، أصبحت لهذه الجاليات ثُقْل اقتصادي واجتماعي مهم، خاصَّةً في قطاعيْ التجارة والصناعة؛ ما أتاح بيئة مناسبة لأيِّ تنظيم يسعى للاستفادة من شبكات مغتربة ذات نطاق جغرافي ومالي واسع، وتجسَّدَتْ أهمية أمريكا اللاتينية بالنسبة لحزب الله في أربعة جوانب رئيسة؛ منها وجود جاليات لبنانية كبيرة يمكن الاستفادة منها اجتماعيًّا واقتصاديًّا، بالإضافة إلى عدم استقرار بعض الأنظمة الأمنية والسياسية، وزيادة مُعدَّلات الفساد، فضلًا عن التضاريس الوعرة التي تسهل عمليات التهريب، بالإضافة إلى العلاقة الوثيقة بين إيران وأنظمة مناهضة لواشنطن مثل فنزويلا.[2]
-
ظهور حزب الله وتوسعه بعد الحرب الأهلية: بعد تأسيسه عام 1982، بدعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني، بدأ حزب الله ببناء قاعدة شعبية داخل الجاليات اللبنانية المغتربة، مستفيدًا من ادعاءاته بتمثيل “المقاومة الإسلامية” والدفاع عن قضايا العالم الإسلامي، خصوصًا القضية الفلسطينية، وخلال التسعينيات زاد الحزب من نشاطه في أمريكا اللاتينية، مستغلًّا عودة المغتربين والزيارات الدينية والثقافية والشبكات الخيرية والدينية الشيعية التي استخدمت كغطاء للأنشطة المالية والتجنيد.[3]
-
“المثلث الحدودي”: نقطة إستراتيجية حيوية: تعتبر منطقة “المثلث الحدودي” التي تقع بين الأرجنتين وباراغواي والبرازيل واحدةً من أكثر الأماكن حساسية في القارة؛ إذ تتميز هذه المنطقة بضعْف الأمان وزيادة نشاط الجريمة المنظمة والتهريب؛ ما جعلها بيئة مثالية لعمل الجماعات العابرة للحدود، وتشير التقارير الاستخباراتية إلى أن الحزب استخدم هذه النقطة كنقطة انطلاق لإنشاء شبكة مالية تعتمد على تهريب السِّلَع وإعادة تدوير الأموال عبْر شركات وهمية ومكاتب صرافة غير مراقبة.[4]
-
التحوُّل من الوجود الثقافي إلى النفوذ العملياتي: مع بداية القرن الحادي والعشرين، بدأ الانتقال من مجرد وجود ديني وثقافي نحو نشاطات عملياتية ذات طبيعة أمنية واقتصادية، وشكَّلَ توسُّع حزب الله في أمريكا اللاتينية جزءًا من إستراتيجيات إيران لتدويل الصراع مع إسرائيل والولايات المتحدة بواسطة أذرع غير نظامية؛ ما جعل أمريكا اللاتينية نقطة ارتكاز خلفية للصراع، وقد ارتبط هذا التوسُّع بتطوير إيران لإستراتيجيتها الإقليمية تحت مُسمَّى “محور المقاومة”؛ ما دفع بحزب الله لاستثمار الجاليات كأدوات لوجستية ضِمْنَ شبكة عالمية تخدم مصالح طهران، ولم يكن هذا التمدُّد مجرد نشاط طارئ، بل بات عمليةً ممنهجةً ذاتَ طابعٍ استخباراتيٍّ، عسكريٍّ، واقتصاديٍّ، والتي بدأت بأعمال إرهابية لافتة في الأرجنتين، لتتحوَّلَ لاحقًا إلى شبكة مُعقَّدة من النشاطات غير المشروعة؛ ما أوجد لحزب الله مجال نفوذ يتجاوز منطقة الشرق الأوسط.[5]
الأنشطة المزعومة لشبكات حزب الله في أمريكا اللاتينية:
يُمثِّلُ نشاط حزب الله في أمريكا اللاتينية نموذجًا لدمْج العمل الأيديولوجي مع النشاط الإجرامي المنظم، بما يخدم أهداف الحزب الإستراتيجية والمالية، وتتوزع هذه الأنشطة على عدة مستويات:
-
التمويل من خلال الاقتصاد الموازي وتبييض الأموال: يُعَدُّ التمويل الخارجي أحد أهم أعمدة بقاء حزب الله كتنظيم “سياسي – عسكري”، خاصَّةً في ظلِّ العقوبات المفروضة على إيران، وتشير تقارير أمريكية وإقليمية إلى أن الحزب يدير شبكةً مُعقَّدةً من الشركات الوهمية، والمحال التجارية، والمصارف غير الرسمية hawala))، والتي تُستخدم لتبييض الأموال القادمة من أنشطة غير قانونية كتهريب السجائر والسلع الإلكترونية، وإعادة بيع المجوهرات والمعادن الثمينة، بالإضافة إلى تجارة السيارات المستعملة، وقد قدّرت تقارير سابقة أن هذه الشبكات تدر على الحزب مليارات الدولارات[6]، تُحوَّل إمَّا مباشرة إلى لبنان، أو يُعادُ استثمارها في مشاريع تابعة للحزب في أفريقيا و الشرق الأوسط.
-
العمليات الإرهابية- الأداة الأولى لفرض الحضور: كانت باكورة عمليات حزب الله الإرهابية في القارة جزءًا من تدويل الصراع “العربي – الإسرائيلي”، والتي تجسَّدَتْ في تفجير السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس عام 1992؛ ردًّا على اغتيال إسرائيل للزعيم الشيعي “عباس الموسوي”، ثمَّ جاء تفجير الجمعية اليهودية الأرجنتينية (AMIA) عام 1994؛ ما أسفر عن 85 قتيلًا و150 مصابًا، واعتُبر أكبر هجوم إرهابي في تاريخ الأرجنتين؛ هذان الهجومان رسَّخا صورة حزب الله كفاعلٍ أمنيٍّ في النطاق القارِّي، وقرَّرت العدالة الأرجنتينية أن الهجوم تمَّ التخطيط له وثبت تورُّط إيران في التخطيط والتمويل، وحزب الله في التنفيذ عبْر خلاياه الخارجية.
فيما سجَّلت السنوات التالية تورُّط حزب الله بعمليات أقلّ صدى، ولكنها تشير إلى توسُّعٍ شبكيٍّ؛ منها محاولة تفجير في ليما (بيرو) عام 2014، بالإضافة إلى مخططٍ تمَّ إحباطه في تشيلي، فضلًا عن ضبْط متفجرات في بوليفيا عام 2017، وصولًا إلى خطةٍ لاغتيال إسرائيليِّين وأمريكيِّين في كولومبيا عام 2021، في إطار الثَّأْر لمقتل قاسم سليماني.[7]
-
الجريمة المنظمة: امتدَّت أنشطة حزب الله في أمريكا اللاتينية إلى أنماط الجريمة المنظمة، مستفيدًا من ضعْف الحدود وتواطؤ مسؤولين محليِّين، وكما ذكرنا سلفًا، باتت منطقة “الحدود الثلاثية” بين البرازيل والأرجنتين وباراغواي مركزًا رئيسيًا لتجارة غير مشروعة تشمل تهريب المخدرات والأسلحة، تبييض الأموال عبر شركات وهمية أو تحويلات مصرفية، وتزوير وثائق الهوية.