إعداد: دينا لملوم
باحثة متخصصة فى الشئون الإفريقية
نفذت جبهة تحرير الأورومو المنشقة عن إقليم أوروميا هجومًا مروعًا على منطقة أوروميا؛ أسفر عن مقتل العديد من المواطنين، وتتوالى أعمال الشغب والعنف من قبل هذه الجماعة المتمردة التى أعلنتها الحكومة الإثيوبية ضمن قوائم الإرهاب عام 2008، ثم بعد ذلك رفعت عنها الحظر، ويكافح “آبى أحمد” من أجل كبح جماح تلك الجبهة، عبر الجلوس على طاولة المفاوضات لمحاولة التوصل لاتفاق للسلام بينهما ينهى حالة الاقتتال الدائر بين الحين والآخر، مثلما حدث مع جبهة تحرير التجراى فى وقت سابق، وعلى الرغم من تأزم المشهد فى ظل حالات الفشل التى تؤول إليها هذه المفاوضات إلا أن هذه المحاولات قد تدفع إلى التوصل لاتفاق مُرضٍ للطرفين مستقبلًا.
من هى جبهة تحرير الأورومو؟
تعد قومية الأورومو من أكبر العرقيات فى إثيوبيا، والتى ينحدر منها رئيس الوزراء الإثيوبى “آبى أحمد”، بما يشكل قرابة 34% من سكان إثيوبيا، وتم تأسيس جبهة تحرير أورومو الجماعة المتمردة المنشقة عن هذه القومية عام 1973، ولهذه الجبهة سجال طويل من المناوشات والتوترات مع الحكومة الإثيوبية يمتد إلى عام 1993، وكانت احتجاجات الأورومو المناهضة للحكومة قد اندلعت فى عام 2015 بسبب نزاع بين مواطنين غالبيتهم من عرقية أورومو والحكومة حول ملكية بعض الأراضى، ولكن رقعة المظاهرات اتسعت لتشمل المطالبة بالحقوق السياسية وحقوق الإنسان، وأدت لمقتل المئات واعتقال الآلاف، حيث تصارع؛ رغبةً فى الحصول على حكم ذاتى لأوروميا، وقد صنفتها الحكومة كجماعة إرهابية فى عام 2008، ثم تم رفعها من لائحة الإرهاب فى عام 2018، ويتمتع الإقليم الأورومى بحكم شبه ذاتى، ويتبع النظام الفيدرالى المُطبق فى إثيوبيا، كما أنه يعد شريان الحياة الاقتصادية فى البلاد فهو بمثابة سلة غذاء للقوميات الإثيوبية المختلفة، وفى السابق نشبت خلافات بين الحكومة الإثيوبية وجبهة الأورومو، على خلفيتها قامت الأخيرة بتوجيه أصابع الاتهام إلى الحكومة باختراق اتفاق السلام الموقع بينهما فى أسمرا عام 2018؛ مما أدى إلى تدخل بعض الأطراف لحل هذه الخلافات، وأعقب ذلك التوصل لاتفاق يضمن العمل بشكل جماعى لتحقيق السلام وضمان وحدة شعب أورومو، إلا أن جماعة من مقاتلى الجبهة عُرفت بـ “أونق شني” أعلنت بشكل مفاجئ انفصالها عن جيش تحرير الأورومو أبريل 2019، ليبدأ بعدها مسلسل الصراع الدامى بين الحكومة وهذا الفصيل المنشق، ففى وقت لاحق تجددت الاحتجاجات عقب مقتل المطرب “هاشالو هونديسا” عام 2020؛ مما أسفر عن سقوط عشرات المتظاهرين فى الإقليم.
اتفاق أسمرا:
جرت مفاوضات بين الحكومة الإثيوبية بقيادة رئيس إقليم أوروميا، وجبهة تحرير أورومو بزعامة رئيس الجبهة؛ نتج عنها توقيع اتفاق مصالحة تاريخى فى العاصمة الأريترية أسمرا أغسطس 2018؛ تم بموجبه وقف كافة الأعمال العدائية بين الطرفين وإتاحة الفرصة للجبهة؛ لكى تمارس نشاطها السياسى داخل البلاد، كما تم الاتفاق على تأسيس لجنة مشتركة لتنفيذ الاتفاق، ولكن سرعان ما تم نقضه على خلفية تصاعد المواجهات بين حكومة إقليم أوروميا ومقاتلى الجبهة؛ إثر قيامهم بأعمال نهب لعدد من البنوك وابتزاز الأهالى؛ مما أدى إلى قيام قوات الدفاع الوطنى بالشروع فى نزع سلاح مقاتلى هذه الحركة مع الإصرار على ذلك؛ تجنبًا لأى مواجهات، وما زال مسلسل الاضطرابات مستمرًا؛ نظرًا لشعور شعب الأورومو بالتهميش والإهمال بالرغم من كونهم أكبر مجموعة عرقية فى البلاد، تتخلل هذه المناوشات مساعى هادفة للتسوية ومحاولات التوصل إلى اتفاق للسلام، تفشل بين الحين والآخر، ولكنها ما زالت مستمرة، قد تنتهى يومًا ما بعقد اتفاق سلام مثلما حدث مع إقليم التجراى، حال ضمان ولاء جيش الأورومو للحكومة الفيدرالية والانصياع لها، وتسليم السلاح، ومن ثم تحقيق الاندماج.
وفى هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن منطقة أوروميا تواجه أعمال عنف مختلفة، بما يجعل الوضع يشوبه بعض الغموض، حيث تبزر فيها صراعات سياسية فى الداخل، ونزاعات حول الأراضى، فضلًا عن التناحر بين فئات المجتمع، ومؤخرًا بدت العصابات تطور من أعمالها المسلحة فى المنطقة، وبالنظر إلى الطبيعة العرقية المتعددة، نجد أنه خلال السنوات الأخيرة وقعت مجازر إثنية فى أوروميا، لم يتم تحديد مرتكبيها بالتحديد، خاصة منطقة ووليجاس المتواجدة بأقصى الغرب، حيث استُهدفت إثنية الأمهرة ذات الأقلية فى هذا الحيز الجغرافى، وتبادلت الاتهامات بين الحكومة الإثيوبية التى تتهم جبهة تحرير الأورومو بارتكاب هذه المجازر، وتحاملت الأخيرة على السلطة الفيدرالية على أنها تتبنى سياسة قمعية شديدة ضدها، وهو ما جعل العلاقات بينهما تسوء يومًا تلو الآخر، بشكل يحتم ضرورة إرساء السلام بينهما عبر التوصل إلى اتفاق يضمن ذلك.
مفاوضات متعثرة:
أولًا :اتفاق أبريل 2023:
تسعى أديس أبابا لإبرام اتفاق سلام دائم مع متمردى إقليم أوروميا، فى ظل المخاوف بشأن احتمالية تكرار سيناريو حرب التجراى وجر البلاد إلى حرب جديدة مع تصاعد التوترات بين الجانبين؛ لذا فقد استقبلت زنجبار بتنزانيا إبريل الماضى أولى حلقات المفاوضات الرسمية بين جبهة تحرير الأورومو والحكومة الإثيوبية، فى ظل مساعٍ حثيثة من قبل آبى أحمد للتوصل إلى تسوية شاملة مشابهة لاتفاقية بريتوريا مع جبهة التجراي، وفى هذا الإطار لم تتمكن الجولة الأولى من المفاوضات المغلقة من التوصل لاتفاق؛ نظرًا لتمسك ممثلى جيش أورومو بمطالبهم الممثلة فى الضمانات الدولية وعدم نزع أسلحتهم، وقد انخرط فى هذه المحادثات وسطاء سعوا إلى تسهيل عملية التفاوض، كدولتى النرويج وكينيا، بجانب أخرى أمريكية لم تتضح ملامحها، كما أن الاتحاد الأوروبى أبدى حينذاك رغبته فى الانخراط فى هذا المسار التفاوضى حال نجاحه، ولكن هذه المحادثات كُللت بالفشل عقب اتهام الأورومو حكومة آبى أحمد بعدم الجدية فى اتخاذ إجراءات فعلية تسهم فى تحقيق سلام فعلى، علاوة على محاولة شن هجوم على جيش تحرير أورومو بما يتعارض مع جهود وقف التصعيد، وهو ما يضعهم أمام اتفاق هش غير مكتمل الأركان، لم يراعِ مبدأ تصفية الخلافات قبل الجلوس على طاولة المفاوضات، وهو ما كان دافعًا قويًا لفشل هذه العملية.
الجدير بالذكر أن مفاوضات أبريل تعد المرة الأولى التى تقوم فيها الحكومة الإثيوبية بالتفاوض رسميًا مع جبهة الأورومو التى سبق وأعلنتها ضمن قوائم الإرهاب، قبل أن تتراجع عن حظرها.
ثانيًا: اتفاق نوفمبر 2023:
استكمالًا للمسار التفاوضى بين جبهة الأورومو والحكومة الإثيوبية، استضافت زنجبار الجولة الثانية من مفاوضات السلام بين الطرفين نوفمبر المنصرم؛ بهدف إنهاء الصراع الدائر فى البلاد منذ سنوات، وتحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة، وقد قدمت الجبهة مجموعة من المقترحات الشاملة بشأن التفاوض على مساحة لإحداث تغيير ملموس فى حكم منطقة أوروميا، ومعالجة المشاكل الأساسية التى تعانى منها البلاد والتى تمخض عنها عقبات أمنية وسياسية على ما يبدو أنها مستعصية على الحل فى ظل تعنت السلطة الفيدرالية وفشلها فى تصحيح المسار، وكسابقتها فقد عجزت هذه المحادثات عن التوصل لاتفاق، ويتوقع أن يتم عقد جولات أخرى ربما تنتهى يومًا ما بالتوصل إلى تسوية سلمية يعقبها اتفاق سلام دائم وعادل للشعب الأورومى.
هجمات جبهة تحرير الأورومو:
عقب فشل محادثات السلام التى عُقدت فى تنزانيا بين حكومة آبى أحمد وجبهة تحرير الأورومو، ثمة هجمات من قبل الأخيرة قام بها متمردين على ثلاث قرى فى حى شيركا بأوروميا يومى 24 و27 من نوفمبر الماضى؛ أسفرت عن مقتل قرابة 36 شخصًا، إضافة إلى تدمير عدة ممتلكات، وهذه لم تكن المرة الأولى التى يشهد فيها الإقليم هجوم مثل ذلك، ففى فبراير الماضى شهد الإقليم مقتل حوالى 50 شخصًا فى هجوم شنته هذه الجماعة المتمردة، استهدف نازحين فى بلدة آنو غرب العاصمة الإثيوبية، هذا وقد شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا للهجمات المسلحة التى تستهدف الأقليات فى كافة أنحاء إثيوبيا، على خلفية التوترات السياسية والتاريخية وبصفة خاصة العرقية، واستهداف عرقية الأمهرة بشكل كبير، ففى يونيو 2022، قُتل ما يقرب من 400 مدنى فى هجوم مسلح على منطقة تولى بإقليم أوروميا، وغيرها من الهجمات التى تقع بين الحين والآخر.
سيناريوهات مستقبلية:
فى ظل تحالفات السلام الهشة التى تبوء بالفشل، مع تغير شكل التحالفات القائمة على تغير المصالح الداخلية، فإن الوضع الراهن فى إثيوبيا ينذر بالسيناريوهات التالية:
السيناريو الأول:
السير على خطى التجراى: قد تدفع رغبة “آبى أحمد” فى تحسين صورته الدولية إلى محاولة استعادة المسار التفاوضى والسعى لإيجاد حل وسط يرضى جبهة تحرير الأورومو وفى نفس الوقت يضمن أمن واستقرار البلاد ويضع حدًا للهجمات المتوالية على إقليم أورومو وغيره من الأقاليم الإثيوبية، وما قد ينجم عنه اتفاق سلام شامل ، مثلما حدث من قبل مع جبهة تحرير التجراى.
السيناريو الثانى:
اتفاقات سلام متعثرة: فى الفترة الحالية قد تتعدد محاولات التوصل إلى اتفاق سلام بين الحكومة فى أديس أبابا وجبهة الأورومو بين الحين والآخر، وقد يتكرر سيناريو الفشل فى ظل تضارب الرؤى والتوجهات بين الطرفين مع استمرار الهجمات التى تشنها جماعة الأورومو أحيانًا، وقد تقوم الأخيرة بالتحالف مع الأمهرة وطرح الخلافات والنزاعات التاريخية بينهما حول الأرض جانبًا؛ لتكوين حلف جديد قائم على المصالح المشتركة يناوئ الحكومة الإثيوبية، هو ما سيدفع البلاد نحو مزيد من التأزم، ومن ثم عرقلة الهدف الأكبر الذى تسعى إليه حكومة آبى أحمد وهو تحقيق السلام الشامل ليضم كافة الأقاليم، وهذا السيناريو مرجج بشكل كبير على الأقل فى الوقت الحالى.
السيناريو الثالث:
تضييق الخناق على جبهة الأورومو: قد ينفد صبر السلطة الفيدرالية من تكرار محاولات التوصل لاتفاق سلام مع جبهة الأورومو والتى تبوء بالفشل، بما قد يدفعها إلى محاصرة هذه الجبهة وشن هجمات عليها من جهات عدة، مع احتمال أن يؤدى ذلك إلى تشتيتها، بشكل يمكن أديس أبابا من فرض شروطها فى أى حوار سلام مقبل، وقد ينقلب هذا المخطط رأسًا على عقب إذا لم تنصاع الأورومو لمطالب الحكومة، وتعمل على تكثيف هجماتها على الأقاليم الإثيوبية؛ وبالتالى مفاقمة حدة التوترات والاضطرابات فى البلاد.
ختامًا:
على ما يبدو أن مستقبل المفاوضات المتعثرة بين السلطة الإثيوبية وجبهة تحرير الأورومو قد يؤول إلى الصلح عما قريب، ففى السابق كان هناك روابط تحالف بين جبهة التجراى ونظيرتها الأورومو، ضد الحكومة فى أديس أبابا، إلا أن التجراى انضوت تحت لواء السلطة الفيدرالية وأنهت بذلك حرب العامين، وعليه يحتمل أن تقود سلسلة المفاوضات الثنائية بين الحكومة وجيش الأورومو إلى التوصل لاتفاق سلام، فعلى الرغم من فشل هذه المحاولات مرارًا وتكرارًا إلا أن المساعى لا تزال مستمرة؛ نظرًا لأن الحل ليس فى القتال بل بإسكات البنادق؛ تحقيقًا للسلام الذى هو أساس كل شئ، خاصة وأن إثيوبيا تسعى من أجل إرساء أسس التنمية، وأن هذا الهدف لا يمكن تصوره من دون سلام.