المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > هجومُ باماكو الإرهابي … هل سَتتخذُ ” القاعدة” من مالي مَقرًا لعملياتها في الساحل الأفريقي؟
هجومُ باماكو الإرهابي … هل سَتتخذُ ” القاعدة” من مالي مَقرًا لعملياتها في الساحل الأفريقي؟
- سبتمبر 27, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات
إعداد: إلهام النجار
باحث مساعد في برنامج الإرهاب والتطرف
المُقدمة:
شهدت العاصمةُ باماكو الأسبوع المُنصرمَ عمليةً نفذّتها مجموعة مُرتبطة بتنظيم القاعدة، أسفرت عن مقتل العشرات، وتأتي هذه التطورات في وقتٍ تؤكد فيه الحكومة العسكرية أن الوضعَ تحسَّن بعد طرد القوات الغربية ومساعدة روسيا، لكن الهجوم يكشف عن التحديات الأمنية المستمرة في البلاد، وتُعتبرُ مالي واحدةً من بين العديد من دول غرب أفريقيا التي تواجه تمردًا مُتطرفًا ظهر في المناطق الشمالية القاحلة في عام 2012 وانتشر مُنذ ذلك الحين في جميع أنحاء منطقة الساحل، وامتد مؤخرًا إلى الدول الساحلية الشمالية، وهذا الهجوم يطرحُ العديد من التساؤلات حول ما إذا كان تنظيم القاعدة يُخطط لإتخاذ مالي مقرًا له ولعملياته النوعية، وما إذا كان يحاول أن يستعيدَ أمجاده مرةً أخري مُستغِلًا خروج القوات الفرنسية والأجنبية من مالي.
أولًا: تفاصيلُ العملية
أفادت مصادرُ دبلوماسية أن عمليةً نفذتها جماعة مُرتبطة بتنظيم القاعدة في العاصمةِ المالية “باماكو” الأسبوع الماضي أسفرت عن مقتل أكثر من 70 شخصًا، ويُعَّد الهجوم الذي استهدف أكاديمية الشرطة والمطار من بين الهجمات الأكثر دمويةً في الآونةِ الأخيرة في المدينة، ووقع الهجوم يوم الثلاثاء، وقد شكِّل بدوره تحديًا كبيرًا للوضع الأمني في مالي، وخاصةً في العاصمة التي كانت تُعتبر إلى حدٍ كبير مُحصَّنة ضد مثل هذه العمليات، ويأتي ذلك في وقتٍ تتفاخر فيه الحكومة العسكرية بتحسُّن الوضع الأمني بعد طرد القوات الفرنسية والأمريكية والاستعانة بالدعم الروسي.[1]
كما استهدفَ الهجوم مواقع عسكريةّ للجيش ومجموعة “فاجنر” الروسية، بما في ذلك مطار موديبو كيتا سينو الدولي العسكري، إذ أظهرت مقاطع فيديو مشاهد حرق وتدمير، بما في ذلك إحراق طائرة مدنية وتخريب مرافق المطار، وأعلن المتحدثُ باسم الجيش أن العملية استهدفت المطار العسكري ومركز تدريب قوات الدرك، وسط العاصمة، كما قال رئيس أركان الجيوش، الجنرال عمر ديارا، للتلفزيون الرسمي، “إن الوضع تحت السيطرة، وإن الجيش صّد الهجوم، وقتل أكثر من 15 إرهابيًا، بما في ذلك قائد المجموعة المهاجمة”، ويُعّدُ الهجوم على المطار من أكبر العمليات التي نفّذتها الجماعة الإرهابية في منطقة الساحل، استهدفت عرقية “الفلان”، والتي يُعتقد أن بعض أفرادها ينتمون إلى التنظيم المتطرف.[2]
ومن جانبه، أعلنت جماعة “نُصْرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بتنظيم القاعدة مسؤوليتها عن الهجوم، وقالت الجماعة في بيان نشرته على قنواتها الإعلامية إنها نفذت “عمليةً خاصة” استهدفت المطار العسكري ومركز تدريب الدرك المالي في وسط العاصمة المالية (باماكو).[3]
ثانيًا: دوافعُ الهجوم
هناك العديدُ من الدوافع وراء قيام جماعة نُصرةٍ الإسلام والمسلمين بالهجوم الإرهابي ومن أبرزها:
الدافعُ الأول: الانسحاباتُ العسكرية الفرنسية والأُممية، وهذا ما شكَّل فراغًا تريدُ القاعدة تعبئَته، وبعد حدوث الانقلاب العسكري المزدوج في 2020 و2021، دفع المجلس العسكري القوات الفرنسية التي كانت تُنّفذ مهامًا ضد التنظيمات المتطرفة، إلى مغادرة البلاد في 2023،2022، وتُجيد التنظيمات الإرهابية في مالي استغلال الظروف والتطورات الحاصلة حيث سبق أن شنّت هجومًا على الحركة الازوادية في عام 2012، وذلك بعد أن سيطرت على مناطق عديدة انسحب منها الجيش المالي، وما يزيد من فرص حدوث ذلك مرة أخرى هو أن هذه التطورات ترافقت بالفعل مع تحركاتٍ للتنظيمات الإرهابية، ويمنحُ انسحابُ القوات الفرنسية والقوات الأممية التي كانت تقاتل هذه التنظيمات الإرهابية فرصةّ ثمينةّ لهذه التنظيمات لكي تُعيدَ نشاطَها وتستغلَ ضَعْفَ القوات الحكومية وانشغالها بالحرب مع الحركة الازوادية.
الدافعُ الثاني: تراجعُ جهود المكافحة الإقليمية، لقد سحبَ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعثتَه المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، والتي تشكّلت في عام 2013 للمساعدة في العمليات السياسية والجهود الأمنية وسط الاضطرابات، وبعد هذا الانسحاب، أعلنت وزارةُ الخارجية النرويجية أنها ستغلقُ سفارتَها في مالي وكان هذا بحلول نهاية عام 2023 بسبب تصاعد الانقلابات السياسية في السنوات الأخيرة، فضلاً عن قرار الدولة بإنهاء التعاون الأمني مع فرنسا والأمم المتحدة.
الدافع الثالث: إحكامُ السيطرة، أكدت الجماعةُ الإرهابية أن جميع المقاتلين الذين شاركوا في الهجوم قُتِلوا “مقبلين غير مدبرين”، وأطلقت على الهجومِ اسمَ “غزوة باماكو”، وقالت إن الهجومَ يأتي”انتقامًا لمئات المجازر والمذابح التي ارتكبتها هذه الطغمة الحاكمة وحلفاؤها الروس بحق شعبنا المسلم”.[4] ورغم أن فِكرَ القاعدة يقوم على مبدأ أولوية قتال العدو البعيد، أي اليهود والصليبيين، وأبرزهم الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن هذا لم يمنعْ الجماعةَ في الوقت الحاضر من تبنّي مبدأ أولوية قتال العدو القريب المتمثل في جيوش المنطقة، واستنادًا إلى المصلحة التنظيمية، وطبيعة الوضع على الأرض، وأولويات الاستهداف لدى الجماعة، ولعل هذا ما يفسر هجمات الجماعة شبه المستمرة على جيوش مالي والنيجر وبوركينا فاسو، سواء عبر الهجمات التقليدية أو الهجمات الانتحارية.[5]
ثالثًا: تداعياتٌ خَطِرة
ساهم تصاعد نشاط جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في ارتفاع معدلات الإرهاب في القارة الأفريقية، خاصة في ظل التنافس بين تنظيمي القاعدة وداعش على صدارة المشهد الجهادي في القارة، من خلال التنافس على شنِّ الهجمات الإرهابية، ومن أبرز التداعيات ما يلي:
انتشارُ المزيدِ من المقاتلين: أشارَ تقريرٌ صادرٌ عن الأمم المتحدة في فبراير الماضي إلى أن آلاف المقاتلين من تنظيمي القاعدة وداعش انتشروا في مناطق مختلفة من القارة الأفريقية، وخاصة في منطقتي الساحل والقرن الأفريقي، حيث بلغ التهديد الإرهابي ذِروتَه في القارة الأفريقية تزامنًا مع تراجعه في مناطق أخرى من الشرق الأوسط.[6]
تصعيدُ التهديدات الأمنية: أصبح تصعيدُ التهديداتِ الأمنية من قِبَلِ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين سببًا لقلقٍ متزايدٍ على المستويين الإقليمي والدولي، نظرًا لتنوع هجمات الجماعة ونطاقها وتهديدها لمصالح بعض القوى الكبرى ومواطنيها، في ظل استمرارها في اختطاف الأجانب، ولعل هذا ما دفع الولاياتِ المتحدة الأميركية في إبريل من عام 2024 إلى الإعلان عبر وزير خارجيتِها “أنتوني بلينكن” عن إدراج وزارته سبعة من قيادات ما يعرف بـ”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” و”المرابطون” لتورطهم في احتجاز رهائن أميركيين في غرب أفريقيا، كما جاء في بيان الوزارة أن “جماعةَ نصرة الإسلام والمسلمين”، الفرع الأكبر والأشد فتكاً لتنظيم القاعدة في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، أعلنت مسؤوليتَها عن العديدِ من عمليات الاختطاف والهجمات منذ الإعلان عن تأسيسها في عام 2017.[7]
تفاقمُ أعداد الضحايا: إن خطرَ الإرهاب لا يزالُ يتصاعد، حيث تُشير منظمة “أكليد”، التي ترصد ضحايا النزاعات حول العالم، إلى أن نحو 1500 مدني وعسكري قُتلوا في هجماتٍ إرهابية خلال العام الماضي في النيجر وحدها، مقارنة بـ650 بين يوليو 2022 و2023، بينما تُشيرُ تقارير مُنظمات دولية أخرى، إلى أن عام 2024 الحالي، مرشحٌ بقوة لأن يكون العام الأكثر دمويةّ في بوركينا فاسو ومالي ونيجيريا، منذ بداية الهجمات الإرهابية عام 2015، في هذه البلدان الأفريقية الفقيرة والهشة.[8]
رابعًا: مآلاتٌ مستقبليةٌ
في ظل التحولات الحالية التي تشهدها مالي ، يمكن تصّور أربعة سيناريوهات في رصد مستقبل الأوضاع بها:
سيناريو الانفجار:
والذي تؤكده مؤشراتٌ بارزة، منها تدهورُ الوضع الاقتصادي والاجتماعي نتيجةً للعقوبات الاقتصادية والضغوط الإقليمية والدولية، وتفاقم التحديات الأمنية وتضافر التهديدات الإرهابية، والقطيعة الفعلية مع القوى السياسية والحقوقية والمدنية وطبقًا لهذا السيناريو المحتمل، فإن مبادراتِ كتل المعارضة (مثل تحالف نداء فبراير، وشبكة المدافعين عن حقوق الإنسان، والعمل من أجل التضامن مع مالي) ستؤدي إلى الشروع في العصيان المدني والاحتجاجات المدنية، بالطريقة الفعاّلة التي أطاحت سابقًا بنظامي موسى تراوري في عام 1991 وإبراهيم بوبكر كيتا في عام 2020، وطبقًا لهذا السيناريو، الذي سيحظى بدعم دولي، فمن المرجّح أن ينضمَ بعض القادة العسكريين إلى الانتفاضة المدنية ضد الحكومة الحالية.
سيناريو العودةٓ إلى العملية الانتخابية:
وفقًا لمطالب الاتحاد الأفريقي والمنظمات الدولية (مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان)،وقد تُضطرُالسلطات العسكرية الحاكمة إلى هذا الخيار بعد إدراكها فشل مشروعها في الاستمرار في الوضع الاستثنائي، شريطة أن تتبنى مسارَ الاستمرار في السلطة عبر البوابة الانتخابية، ووفقًا لأحكام الدستور الجديد.
تحالفٌ مشترك:
إن الجماعاتِ المتطرفةَ والمسلحة ستلجأ إلى المزيد من التعاون والتحالف فيما بينها نتيجة الخسائر التي تكبّدتها بين عامي 2022 و2023؛ حيث بدأت هذه الحركات تفقدُ بعضَ أماكن سيطرتها وخاصة في شمال مالي، وقد يؤدي هذا أيضًا إلى زحف المسلحين نحو مناطقَ أخرى نظرًا للتداخل الإثني بين دول المنطقة وخاصة بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وهذا يعني أنه في حين تشهد بعض المناطق في الساحل الإفريقي تحسُنًا من حيث الأمن، فإن مناطقَ أخرى تشهد تفاقمًا لانعدام الأمن، كما هو حال بوركينا فاسو في الشهور الأخيرة.
سيناريو الاحتقانِ المُستمر: