المقالات
هجومُ مجدلِ شمس: قلقٌ لبنانيٌ وسيناريوهاتٌ إسرائيليةٌ مرتقبةٌ
- يوليو 30, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: إسراء عادل
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
في ظلِ اتساعِ بوتقةِ الحربِ في الشرقِ الأوسطِ على هامشِ الحربِ الإسرائيليةِ على غزةَ، واحتماليةِ وصولِها إلى حربٍ إقليميةٍ شاملةٍ تنعكسُ بظلالهِا القاتمةِ على دولِ المنطقةِ، تأتي المواجهةُ المحتدمةُ بين إسرائيلَ وحزبِ اللهِ اللبنانيِ، إذ تتزايدُ نذرُ التصعيدِ يوماً بعد يومٍ، خاصةًُ بعد الهجومِ الصاروخيِ الأخيرِ الذي استهدفَ منطقةَ مجدلِ شمس بالجولانِ السوريِ المحتلِ، وبينما اتهمتْ تلُ أبيب الحزبَ بالمسؤوليةِ عن الهجومِ، تنصلَ حزبُ اللهِ اللبنانيُ من الهجومِ، وطالبتْ الحكومةُ اللبنانيةُ بإجراءِ تحقيقٓ دوليٓ. وأثارَ الهجومُ على قريةِ مجدلِ شمس العديدَ من الانتقاداتِ الحادةِ لصناعِ القرارِ في إسرائيلَ، وردودَ فعلٍ غاضبةٍ من قِبل رؤساءِ مجالسِ مستوطناتِ الشمالِ، الذين يطالبونَ الحكومةَ الإسرائيليةَ منذ 9 أشهر بتصعيدِ الهجماتِ ضَد حزبِ اللهِ، وانضمَ إلى هذه الدعواتِ عددِ من الوزراءِ في الحكومةِ الإسرائيليةِ بالإضافةِ إلى أعضاءٍ من المعارضةِ.
الهجومُ على قريةِ مجدل شمس:
مجدلُ شمس هي قريةٌ سوريةٌ تقعُ في الجزءِ الجنوبيِ لجبلِ الشيخِ “حرمون” بإقليمِ البلانِ في هضبةِ الجولانِ السوريةِ، وعند مثلثِ الحدودِ بين سوريا ولبنان وفلسطين، وكان أغلبيةُ سكانِها من الطائفةِ الدرزيةِ، وخلالَ حربِ 1967 احتلتهَا إسرائيلُ وبقيتْ تحتَ سيطرتِها منذ ذلك الحينِ، وذلك رغمَ اعترافِ المجتمعِ الدوليِ بها إلى جانبِ بقيةِ مرتفعاتِ الجولانِ كجزءٍ من سوريا، وكانت مجدلُ شمس تدارُ في البدايةِ تحتَ سيطرةِ المحافظةِ العسكريةِ الإسرائيليةِ، ولكن عامَ 1981 صدّقَ الكنيستُ الإسرائيليُ على قانونِ مرتفعاتِ الجولانِ، والذي قضىَ بدمجِ المنطقةِ في نظامِ المجالسِ المحليةِ الإسرائيليةِ، الأمرُ الذي أدىَ إلى ضمِها فعلياً، ولكن لم تحظْ هذه الخطوةُ على اعترافٍ رسميٍ إلا من قِبل الولاياتِ المتحدةِ خلالَ رئاسةِ ترامب في مارس 2019.[1]
وفي 27 يوليو، شهدتْ بلدةُ مجدلِ شمس الواقعةُ في الجولان المحتلِ، هجوماً صاروخياً على ملعبٍ لكرةِ القدم، وأسفرَ الهجومُ عن مقتلِ 12 شخصاً من بينهم أطفالٌ، وإصابةِ أكثرَ من 30 آخرين، وبينما نفىَ حزبُ الله مسؤوليتَه عن مهاجمةِ القريةِ، إلا أن إسرائيلَ تواصلُ اتهامَ جماعةِ حزبِ اللهِ بالهجومِ، وتتوعدُ بردٍ قاسٍ، مما يثيرُ مخاوفَ هائلةً من اندلاعِ حربٍ شاملةٍ بين الطرفينِ، الأمرُ الذي يزيدُ من احتدامِ الأزمةِ الإقليميةِ في المنطقةِ، خاصةً في ظلِّ وجودِ مناوشاتٍ متبادلةٍ بين تل أبيب وحزبِ اللهِ اللبناني منذُ هجومِ حماس في السابعِ من أكتوبر الماضي، والذي كان سبباً في استمرارِ التوتراتِ على الحدودِ المشتركةِ.
وفي السياقِ ذاتهِ أكدَ المتحدثُ باسمِ الجيشِ الإسرائيليِ، دانيال هاغاري، على استعدادِ تل أبيب للردِ على حزبِ اللهِ، منوهاً إلى أن الأدلةَ الجنائيةَ أظهرتْ أن الصاروخَ إيرانيُ الصنعِ من طرازِ فلق 1، في حينِ أشارَ وزيرُ الخارجيةِ الإسرائيليةِ، يسرائيل كاتس، بأن الهجومَ تجاوزَ الخطوطَ الحمراءَ وسيكونُ الردُ وفقاً لذلك، مهدداً من الاقترابِ من لحظةِ حربٍ شاملةٍ ضد حزبِ الله ولبنان، كما حملتْ واشنطنُ مسؤوليةَ الهجومِ لحزبِ اللهِ، مشددةً على دعمِ حقِ إسرائيلَ في الدفاعِ عن مواطنيهِا. وعلى الجانبِ الآخرِ جاءَ التحذيرُ الإيرانيُ مما تفعلهُ الحكومةُ الإسرائيليةُ تجاهَ لبنان تحتَ ذريعةِ حادثِ مجدلِ شمس، إذ شددَ ناصر كنعاني وزيرُ الخارجيةِ الإيرانيةِ على أن حدوثَ أيِ إجراءٍ من الجانبِ الإسرائيليِ يمكنهُ أن يدفعَ بالمنطقةِ إلى بوتقةٍ من نيرانِ الحربِ التي تقودُ إلى عدمِ الاستقرارِ والتدهورِ الأمنيِ، كما نوهَ أيضاً على أن تلَ أبيب تريدُ من خلالِ سيناريو مختلقٍ أن تبعدَ الرأيَ العامَ والاهتماماتِ الدوليةَ عن الجرائمِ المروعةِ التي ترتكبُها في فلسطين.[2]
دلالاتُ وأبعادُ الهجومِ:
يأتي الهجومُ على مجدلِ شمس في توقيتٍ حساسْ وظروفٍ استثنائيةٍ صعبةٍ، ووسطَ دقاتِ ناقوسِ الخطرِ باحتماليةِ اندلاعِ حربٍ إقليميةٍ واسعةِ النطاقِ، وأمامَ التهديداتِ الإسرائيليةِ المتواصلةِ بالردِ الغاشمِ على حزبِ اللهِ، إذ يعتبرُ الهجومُ بمثابةِ ضربةٍ استثنائيةٍ قويةٍ منذُ بدءِ عملياتِ التصعيدِ المتبادلِ بين تل أبيب ولبنان، ولكن من الملاحظِ أن أبعادَ الهجومِ على مجدلِ شمسِ لا تتوافقُ مع أهدافِ ومصالحِ حزبِ اللهِ اللبنانيِ، خاصةً وأن مجدلَ شمس تُعدُ أحدَ قرى التمردِ على المحاولاتِ الإسرائيليةِ لتهويدِهم وتجريدِهم من أراضيهِم. ولذلك فمنَ الممكنِ أن تلَ أبيب تحاولُ الترويجَ للهجومِ خلالَ الاتهاماتِ المتواصلةِ لجماعةِ حزبِ اللهِ باستهدافِها المدنيين والأطفالَ في قريةِ مجدلِ شمس، في خطةٍ مختلقةٍ بهدفِ الحصولِ على دعمِ المجتمعِ الدوليِ لأيِ هجومٍ ضدَ الحزبِ في لبنان، وهو ما ظهرَ جلياً خلالَ قيامِ أهاليِ قريةِ مجدلِ شمس بطردِ الوزراءِ الإسرائيليين وأعضاءِ الكنيستِ خلالَ مراسمِ الجنازةِ، الأمرُ الذي يشيرُ إلى رفضهِم لاستخدامِ تل أبيب الهجومَ كورقةٍ ضاغطةٍ ضدَ حزبِ اللهِ وفقَ أجندةِ إسرائيلية.
وعلى الجانبِ الآخرِ، يبدو أن هناكَ مصالحَ وخططاً عديدةً تسعَى تلُ أبيب إلى تنفيذِها من خلالِ محاولةِ توظيفِ الهجومِ وتحميلِ حزبِ اللهِ المسؤوليةَ الكاملةَ من أجلِ تحقيقِ هذه الأهدافِ، إذ يتزامن الهجومُ مع زيارةِ نتنياهو إلى واشنطن، بحيثُ تأتي المراحلُ الأخيرةُ للتصعيدِ بين حزبِ اللهِ وإسرائيلَ على قائمةِ أجندةِ نتنياهو، محاولاً خلال الزيارةِ الحصولَ على الموافقةِ الأمريكيةِ بتنفيذِ هجومٍ عسكريٍ ضد حزبِ اللهِ. كما جاءَ الهجومُ بالتزامنِ أيضاً مع مباحثاتِ الهدنةِ في غزة في العاصمةِ الإيطاليةِ روما، ففي الوقتِ الذي يحاولُ حزبُ اللهِ التهدئةَ في شمالِ إسرائيل بهدفِ التوصلِ لوقفٍ فوريٍ لإطلاقِ النارِ في غزة، تحرصُ تلُ أبيب من الجهةِ الأخرى على الفصلِ بين الجبهةِ اللبنانيةِ وقطاعِ غزة، فضلاً عن تشددِها بضرورةِ انسحابِ عناصرِ الحزبِ من الحدودِ اللبنانيةِ إلى شمالِ نهرِ الليطانيِ كشرطٍ لا يمكنُ التنازلُ عنه.[3]
تداعياتُ الهجومِ الصاروخيِ على مجدلِ شمس:
أثارَ الهجومُ الصاروخيُ على مجدلِ شمس تداعياتٍ واسعةَ النطاقِ على المستويينِ المحليِ والإقليميِ، بحيث تتراوحُ هذه التداعياتُ بين الأثرِ المباشرِ على سكانِ القريةِ، والانعكاساتِ السياسيةِ في إسرائيلَ، وحتى التوتراتِ الإقليميةِ التي قد تؤديِ إلى تصعيدٍ أكبرَ في المنطقةِ، وفيما يلي أبرزُ تبعاتِ الهجومِ الصاروخيِ على بلدةِ مجدلِ شمس:
أولاً: التداعياتُ المحليةُ
على الصعيدِ المحليِ، أدىَ الهجومُ إلى تصاعدِ الغضبِ بين سكانِ مجدلِ شمس الذين يشعرونَ بالتهديدِ الدائمِ جراءَ الصراعاتِ المستمرةِ في المنطقةِ، إذ وجدَ السكانُ الذين يعانون بالفعلِ من تبعياتِ السابعِ من أكتوبر الماضيِ، أنفسَهم في مرمىَ النيرانِ، مما يزيدُ من تفاقمِ الوضعِ في تلكِ المناطقِ، فقد زادَ هذا الحادثُ من الشعورِ بالعجزِ والخوفِ لدى الأهاليِ، مما دفعهَم للمطالبةِ بمزيدٍ من الحمايةِ والتدخلِ السريعِ من السلطاتِ المعنيةِ.[4] ومن هنا تتجلىَ التداعياتُ المحليةُ في عدةِ جوانبَ، منها:
الخوفُ وعدمُ الأمانِ: إذ يعيشُ السكانُ في حالةٍ من القلقِ الدائمِ بشأنِ سلامتهِم وسلامةِ أسرهِم، نتيجةَ التهديداتِ المستمرةِ من الهجماتِ الصاروخيةِ والصراعاتِ الدائرةِ في المنطقةِ، مما يجعلُ حياتهَم اليوميةَ غيرَ مستقرةٍ ومحفوفةٍ بالمخاطرِ. الأطفالُ، على وجهِ الخصوصِ، يعانون من تأثيراتٍ نفسيةٍ سلبيةٍ نتيجةً لهذهِ الظروفِ.
الضغوطُ النفسيةُ والاجتماعيةُ: حيث يعاني الأهاليِ من ضغوطٍ نفسيةٍ متزايدةٍ نتيجةً للتهديدِ المستمرِ والظروفِ المعيشيةِ الصعبةِ؛ نظراً لأن حياتهَم المعيشيةَ تحتَ تهديدٍ دائمٍ، الأمرُ الذي يؤثرُ بشكلٍ كبيرٍ على الصحةِ النفسيةِ والجسديةِ للسكانِ، مما يؤدي إلى انتشارِ حالاتِ الاكتئابِ والقلقِ والأمراضِ المزمنةِ، ولذلك من الضروريِ تقديمُ الدعمِ النفسيِ والاجتماعِي لهؤلاءِ السكانِ للتخفيفِ من آثارِ هذه الضغوطِ.
المطالباتُ بالحمايةِ: تزايدتْ الدعواتُ المطالبةِ بتوفيرِ حمايةٍ أفضلَ للمدنيين من قبل الحكومة والقوات الأمنية، فالسكانُ يطالبون دائماً باتخاذِ تدابيرَ أكثرَ فعاليةٍ لضمانِ سلامتهِم، مثلَ تعزيزِ الدفاعاتِ المدنيةِ وتوفيرِ ملاذاتٍ آمنةٍ خلالَ الهجماتِ، فهذه المطالباتُ تأتي نتيجةً لعدمِ الشعورِ بالأمانِ ولعدمِ كفايةِ التدابيرِ الحاليةِ.
ثانياً: الانعكاساتُ السياسيةُ في إسرائيلَ
وعلى المستوى السياسيِ، أثارَ الهجومُ انتقاداتٍ حادةً تجاهَ الحكومةِ الإسرائيليةِ من قبلِ زعماءِ المجالسِ المحليةِ في الشمالِ، الذين يتهمونَ الحكومةَ بالتقاعسِ في حمايةِ المواطنين، فهذه الانتقاداتُ قد تعززُ من دعواتهِم لتصعيدِ الهجماتِ ضد حزبِ اللهِ، مما يزيدُ من احتماليةِ نشوبِ صراعٍ أكبرَ، فضلاً عن الضغوطِ السياسيةِ الداخليةِ التي يمكنهُا أن تدفعَ الحكومةَ لاتخاذِ خطواتٍ أكثرَ حدةً في التعاملِ مع التهديداتِ الأمنيةِ، وبالتالي تبرزُ التبعاتُ السياسيةُ للهجومِ فيما يلي:
انتقاداتُ الحكومةِ: إذ تصاعدتْ الانتقاداتُ الموجهةُ للحكومةِ الإسرائيليةِ بشأنِ عدمِ قدرتهِا على حمايةِ المواطنين في الشمالِ. حيث عبرَ زعماءُ المجالسِ المحليةِ عن استيائهِم من الإجراءاتِ الحكوميةِ التي يعتبرونهَا غيرَ كافيةٍ وغيرَ فعالةٍ في مواجهةِ التهديداتِ، فهذا الضغطُ الداخليُ قد يضعُ الحكومةَ في موقفٓ صعبٓ، بحيث يتوجبُ عليها إيجادُ حلولٓ سريعةٍ.
تصعيدُ الهجماتِ: فزيادةُ الدعواتِ لتصعيدِ الهجماتِ ضد حزبِ اللهِ، قد تؤدي إلى قراراتٍ سياسيةٍ بتكثيفِ العملياتِ العسكريةِ. وتأتي هذه الدعواتُ من زعماءِ المجالسِ المحليةِ وبعضِ الأطرافِ السياسيةِ التي ترى أن التصعيدَ هو الحلُ الأمثلُ لردعِ التهديداتِ المستقبليةِ، ولكن هذا الاتجاهَ من شأنهِ يقودُ إلى زيادةِ التوترِ وتصعيدِ الصراعِ في المنطقةِ.
الضغوطُ الداخليةُ: حيث تواجهُ الحكومةُ ضغوطاً من الداخلِ لاتخاذِ إجراءاتٍ أكثرَ فاعليةً وسرعةً لحمايةِ المدنيين، فتزايدُ مخاوفِ المواطنين من التصعيدِ قد يزيدُ من الضغطِ الشعبِي والسياسيِ على الحكومةِ لاتخاذِ خطواتٍ ملموسةٍ وسريعةٍ.[5]
ثالثاً: التداعياتُ الإقليميةُ
وعلى الصعيدِ الإقليميِ، يزيدُ الهجومُ من حدةِ التوترِ بين إسرائيلَ وحزبِ الله، وبينما نفى حزبُ اللهِ مسؤوليتَه عن الهجومِ، تُصرُ إسرائيلُ على تورطهِ، مما يهددُ باندلاعِ مواجهاتٍ عسكريةٍ بين الطرفين، وقد يؤدي هذا التصعيدُ المحتملُ إلى انخراطِ لبنان ككلٍ في الصراعِ، ويزيد من تعقيد المشهد السياسي في المنطقة، وتتمحورُ أبرزُ نقاطِ التبعاتِ الإقليميةِ للهجومِ فيما يلي:
زيادةُ حدةِ التوترِ: حيث يزيدُ الهجومُ من حدةِ التوترِ بين إسرائيل وحزبِ اللهِ، مما يهددُ باندلاعِ مواجهاتٓ أكبر، فالتوترُ المتزايدُ قد يؤدي إلى تصاعدِ الأعمالِ العدائيةِ ويزيدُ من احتمالِ وقوعِ مواجهاتٍ عسكريةٍ مباشرةٍ بين الطرفين، الأمرُ الذي ينتجُ عنه وجودُ تدخلاتٍ عسكريةٍ أوسعَ تشملُ لبنان ككل، فالتصعيدُ العسكريُ قد يمتدُ ليشملَ مناطقَ أخرىَ في لبنان، مما يعقدُ الوضعَ الإنسانيَ والسياسيَ في البلادِ ويزيدُ من معاناةِ المدنيين.
تعقيدُ المشهدِ السياسيِ: فتصاعدُ التوتراتِ يزيدُ من تعقيدِ الأوضاعِ السياسيةِ في المنطقةِ، ويؤثرُ على العلاقاتِ بين الدولِ المجاورةِ، إذ يجعلُ هذا التعقيدُ من الصعبِ التوصلَ إلى حلولٍ دبلوماسيةٍ سلميةٍ ويزيدُ من احتمالاتِ نشوبِ صراعاتٍ جديدةٍ.
ردودُ الفعلِ الدوليةِ والإقليميةِ على الهجومِ:
أثارَ الهجومُ على مجدلِ شمس ردودَ فعلٍ واسعةٍ على الساحةِ الدوليةِ والإقليميةِ، حيثُ عبرتْ العديدُ من الدولِ والهيئاتِ الدوليةِ عن قلقهِا إزاءَ التصعيدِ المحتملِ، وفيما يلي أبرزُ ردودِ الفعلِ الدوليةِ والاقليميةِ حول الهجومِ:
الولاياتُ المتحدةُ
أدانتْ الولاياتُ المتحدةُ الهجومَ بشدةٍ وحملتْ حزبَ اللهِ المسؤوليةَ عنه، مؤكدةً على حقِ إسرائيلَ في الدفاعِ عن نفسهِا، فمن جهتهِ شددَ وزيرُ الخارجيةِ الأمريكيِ على دعمِ واشنطن الكاملِ لإسرائيلَ في مواجهةِ التهديداتِ التي تواجهُها، وأشارَ إلى ضرورةِ اتخاذِ خطواتٍ لمنعِ تصاعدِ التوترِ، محذراً من أن الاستمرارَ في مثلِ هذه الهجماتِ قد يؤدي إلى عواقبَ وخيمةٓ على الاستقرارِ الإقليميِ.[6]
الاتحادُ الأوروبيُ
دعا الاتحادُ الأوروبيُ إلى التهدئةِ وضبطِ النفسِ من جميعِ الأطرافِ، حيث أعربتْ ممثلةُ السياسةِ الخارجيةِ للاتحادِ عن قلقِها البالغِ إزاءَ التصعيدِ الأخيرِ، مشددةً على أهميةِ إجراءِ تحقيقٍ دوليٍ مستقلٍ لتحديدِ المسؤولين عن الهجومِ ومحاسبتهِم، كما أكدتٰ على ضرورةِ تجنبِ أي خطواتٍ قد تؤديِ إلى مزيدٍ من التصعيدِ، داعيةً جميعَ الأطرافِ إلى الحوارِ والعملِ على تخفيفِ التوتراتِ.
الأممُ المتحدة
من جانبهِ حثَ الأمينُ العامُ للأممِ المتحدةِ جميعَ الأطرافِ على ممارسةِ أقصى درجاتِ ضبطِ النفسِ والعملِ على تهدئةِ الوضعِ، وأكد أن الحلولَ العسكريةَ لن تحققَ السلامَ الدائمَ، مشدداً على أهميةِ الحوارِ والتفاوضِ لحلِ النزاعاتِ، ودعا إلى تعزيزِ الجهودِ الدوليةِ لدعمِ الاستقرارِ في المنطقةِ ومنعِ اندلاعِ صراعاتٍ جديدةٍ.
روسيا
أعربتْ روسيا عن قلقِها العميقِ إزاءَ التصعيدِ الأخيرِ، داعيةً جميعَ الأطرافِ إلى ضبطِ النفسِ والعملِ على تهدئةِ الوضعِ، وشددتْ على أهميةِ الحلولِ الدبلوماسيةِ وضرورةِ التوصلِ إلى تسويةٍ سلميةٍ للنزاعِ.[7]
إيران
حذرتْ إيرانُ من أيِ إجراءاتٍ انتقاميةٍ من الجانبِ الإسرائيليِ، معتبرةً أن ذلك يمكنُ أن يؤديَ إلى إشعالِ حربٍ شاملةٍ في المنطقةِ، وأكدَ وزيرُ الخارجيةِ الإيرانيِ أن طهرانَ تدعمُ لبنانَ وحزبَ اللهِ، محذراً من العواقبِ الوخيمةِ لأيِ تصعيدٍ عسكريٍ، وشددَ على أن طهرانَ تراقبُ الوضعَ عن كثبٍ وستتخذُ الإجراءاتِ اللازمةَ لحمايةِ مصالحهِا ومصالحِ حلفائهِا في المنطقةِ.
لبنان
رفضتْ الحكومةُ اللبنانيةُ الاتهاماتِ الإسرائيليةَ لحزبِ اللهِ، ودعتْ إلى إجراءِ تحقيقٍ دوليٍ مستقلٍ للكشفِ عن حقيقةِ ما حدثَ، فيما أكدتْ أن لبنانَ لن يقفَ مكتوفَ الأيديِ أمامَ أيِ اعتداءاتٍ إسرائيليةٓ محتملةٍ، مشيرةً إلى حقهِ في الدفاعِ عن سيادتهِ وسلامةِ أراضيهِ، كما دعتْ المجتمعَ الدوليَ إلى الضغط ِعلى إسرائيلَ لوقفِ اعتداءاتِها وحمايةِ المدنيينَ.
مصر
أعربتْ مصرُ عن قلقِها إزاءَ الأوضاعِ الأخيرةِ التي شهدتهَا قريةُ مجدلِ شمس، محذرةً من خطرِ التصعيدِ الذي يقودُ إلى فتحِ جبهةٍ جديدةٍ في لبنان ويلقي بالمنطقةِ إلى حافةِ الهاويةِ، كما أكدتٰ على أهميةِ دعمِ لبنان وشعبهِ ومؤسساتهِ وتجنبهِ نيرانَ الحربِ، وناشدتْ القوىَ المؤثرةَ في المجتمعِ الدوليِ بضرورةِ التدخلِ لوقفِ التصعيدِ لتجنبِ شعوبِ المنطقةِ لمزيدٍ من التبعاتِ الكارثيةِ، والتي تشكلُ تهديداً للأمنِ والسلمِ الدوليينِ.[8]
سيناريوهاتُ الردِ الإسرائيليِ على الهجومِ:
في ظلِ تلك الأوضاعِ المتوترةِ، تدرسُ إسرائيلُ عدةَ خياراتٍ للردِ على الهجومِ، حيث تتراوحُ السيناريوهاتُ بين تصعيدٍ محدودٍ وضرباتٍ مركزةٍ إلى حملةٍ عسكريةٍ واسعةِ النطاقِ، وفي ضوءِ ذلك فإن استشرافَ مسارِ المواجهةِ بين تلِ أبيب وحزبِ اللهِ اللبنانيِ يتبلورُ في السيناريوهاتِ التاليةِ:
السيناريو الأول: تصعيدٌ محدودٌ وضرباتٌ مركزةٌ
يمكنُ أن تختارَ إسرائيلُ تنفيذَ ضرباتٍ جويةٍ وصاروخيةٍ مركزةٍ على مواقعَ تابعةٍ لحزبِ اللهِ في جنوبِ لبنان، ويهدفُ هذا الخيارُ إلى تقويضِ قدراتِ الحزبِ الصاروخيةِ والعسكريةِ بشكلٍ محددٓ ومركزٍ، مع السعيِ لتجنبِ وقوعِ إصاباتٍ بين المدنيين، ويتسندُ هذا السيناريو إلى ضربِ أهدافٍ استراتيجيةٍ مثلَ مخازنِ الأسلحةِ ومنشآتِ التدريبِ والمواقعِ القياديةِ.
ولكن يبدو أن هذا الخيارَ يحملُ مخاطرَ محدودةً من التصعيدِ الشاملِ، ولكنه قد لا يحققُ الأهدافَ الاستراتيجيةَ الكاملةَ لإسرائيلَ، قد يؤدي إلى ردِ فعلٍ محدودٍ من حزبِ اللهِ، ولكنه يحتملُ أن يساهمَ في تهدئةِ الوضعِ على المدى القصيرِ.
السيناريو الثاني: حملةٌ عسكريةٌ واسعةُ النطاقِ
في حالِ تصاعدِ التوترِ بشكلٍ أكبرَ، قد تلجأُ إسرائيلُ إلى شنِّ حملةٍ عسكريةٍ واسعةِ النطاقِ تستهدفُ البنيةَ التحتيةَ لحزبِ اللهِ في لبنان، وهذا السيناريو قد يشملُ هجوماً برياً وجوياً واسعاً، مع محاولةِ تحقيقِ نصرٍ سريعٍ لتجنبِ الدخولِ في حربٓ طويلةِ الأمدِ، ويمكنُ أن تشملَ الحملةُ استهدافَ شبكاتِ الاتصالاتِ والطرقَ اللوجستيةَ بالإضافةِ إلى المواقعِ العسكريةِ.
ومن المحتملِ أن ينتجَ عن هذا السيناريو مخاطرُ عاليةٌ من اندلاعِ حربٍ شاملةٍ، مع تداعياتٍ كارثيةٓ على المدنيين والبنيةِ التحتيةِ في لبنان، فقد يحققُ أهدافاً استراتيجية كبيرةً لإسرائيلَ، ولكنه يتطلبُ استعداداً عسكرياً وسياسياً كبيراً، مع احتمالِ تدخلِ قوىً إقليميةٍ ودوليةٍ.
السيناريو الثالث: التوجهُ نحو التهدئةِ والحوارِ
فعلى الرغمِ من التصعيدِ، قد تسعىَ بعضُ الأطرافِ داخلَ الحكومةِ الإسرائيليةِ إلى احتواءِ الأزمةِ من خلالِ التوجهِ نحو التهدئةِ والدخولِ في حوارٍ غيرِ مباشرٍ مع حزبِ اللهِ عبر وسطاءَ دوليين، ويهدفُ هذا الخيارُ إلى تجنبِ اندلاعِ حربٍ شاملةٓ قد تكونُ لها تداعياتِ كارثيةٌ على المنطقةِ، ويمكنُ أن يشملَ هذا المسارُ تقديمَ تنازلاتٍ معينةٍ والتفاوضَ على وقفِ إطلاقِ نارٍ مؤقتٍ أو طويلِ الأمدِ.
ويبدو أن هذا السيناريو يعكسُ رغبةً في تجنبِ التصعيدِ الكبيرِ والعملِ على إيجادِ حلولٍ دبلوماسيةٍ، فقد يكون الأقلَ خطورةً على المدىَ القصيرِ، ولكنه يتطلبُ توافقاً داخلياً في الحكومةِ الإسرائيليةِ واستعداداً من حزبِ اللهِ للمشاركةِ في الحوارِ، ويمكنُ أن يساهمَ في تحقيقِ استقرارٍ نسبيٍ وتجنبِ الكوارثِ الإنسانيةِ.
ختاماً يمكنُ القولُ، بأن الهجومَ على مجدلِ شمس يأتي في سياقٍ معقدٍ ومتشابكٍ من التوتراتِ الإقليميةِ والدوليةِ، مما يزيدُ من خطورةِ الوضعِ واحتمالاتِ التصعيدِ، وبينما تتصاعدُ دعواتُ الردِ العنيفِ داخلَ إسرائيلَ، تظلُ الخياراتُ مفتوحةً أمامهَا، بما في ذلك السعيُ للتهدئةِ أو التصعيدِ المحدودِ، ولكن يبقَى الأملُ في أن تدركَ جميعُ الأطرافِ خطورةَ المرحلةِ وأن تعملَ على تجنبِ الانزلاقِ نحو حربٍ شاملةٍ قد تكونُ لها تداعياتٌ كارثيةٌ على المجتمعِ الدوليِ ككلٍ في النهايةِ، ومن هنا يظلُ الحوارُ والدبلوماسيةُ الطريقَ الأمثلَ لحلِ النزاعاتِ وتحقيقِ الاستقرارِ في المنطقةِ.
المصادر:
[1] محمود عبد القادر، “مجدل شمس” تشعل شرارة الحرب بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله، صدى البلد، 28 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/L3DNu0DZ
[2] BBC NEWS، إسرائيل وحزب الله : هل تندلع حرب شاملة بعد هجوم مجدل شمس؟، 28 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/J9r8Neo0
[3] ممدوح ثابت، جبران محمد، هجوم مجدل شمس يهدد باندلاع «الحرب الشاملة».. إسرائيل تتوعد بمهاجمة لبنان رغم نفي حزب الله، المصري اليوم، 28 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/R8krZtJF
[4] صحيفة الشرق الأوسط، مجدل شمس ترفض المتاجرة بمأساتها، 29 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/84DNQcQO
[5] جريدة الخنادق، الخطاب الإسرائيلي بعد حادثة مجدل شمس.. هل هناك نية لحرب واسعة؟، 29 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/TvTqNck9
[6] جريدة عمان، ردود أفعال دولية متباينة لاستهداف «مجدل شمس» والأمم المتحدة تدعو إلى «أقصى درجات ضبط النفس»، 28 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/miBbFApV
[7] RT، لافروف تعليقا على حادثة مجدل شمس: روسيا تدين أي هجمات إرهابية، 28 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/xU9xErWV
[8] العربية، بعد ضربة مجدل شمس.. مصر تحذر من فتح جبهة جديدة، 28 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/bfdXx51n