إعداد: مروة سماحة
انجرَّ لبنان إلى صراعٍ مجهول العواقب على حدوده الجنوبية في اليوم التالي لهجوم حماس على إسرائيل، في 7 أكتوبر، وفي ذلك الصدد، أطلق الحزب صواريخ على الأراضي اللبنانية المحتلة من الجانب الإسرائيلي منذ 1967 (مزارع شبعا، وقرية الغجر)؛ تضامنًا مع الفلسطينيين في غزة، وكان الرَّدُّ الإسرائيلي حِيالَ ذلك منضبط بشكلٍ كبيرٍ، فأتى الرَّدُّ بقصفٍ متواصلٍ، استهدف مواقع حزب الله في لبنان، ومنذ ذلك الحين، تواصلت حِدَّة القتال، لدرجة أن التصعيد نحو حربٍ شاملةٍ تجتاح المنطقة بأكملها بات السيناريو الأقرب ذا المصداقية العالية في نظر العديد من المراقبين وجزء كبير من السكان في كلتا الدولتيْن.
وفي خطابٍ أُذيع يوم 16 فبراير، تحدَّى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إسرائيل، بإعلانها عدم التخلِّي عن القتال.
وأضاف: “العدو سيدفع ثمن سفكه لدماء نسائنا وأطفالنا الذين قُتلوا في الجنوب دماء”.
ويشير هذا البيان إلى أن الميليشيا لن تستهدف بعد الآن المواقع العسكرية فحسب، بل المدنيين أيضًا، وفي اليوم السابق للخطاب، أحدثت غارة بطائرة بدون طيار ضد مسؤولين في حزب الله في النبطية إلى مقتل عائلة في الطابق الأول من المبنى المستهدف.
ومن الجانب الإسرائيلي، حذَّر وزير الدفاع، يوآف غالانت، في 11نوفمبر، من أن «حزب الله يجر لبنان إلى حربٍ يمكن أن تقع، وما يمكننا القيام به في غزة، يمكننا القيام به أيضًا في بيروت”، ونشر الجيش الإسرائيلي قوات إضافية على حدوده الشمالية، وقام بإجلاء المدنيين المقيمين في البلدات الحدودية، وتستمر التساؤلات عالقة في الأذهان، هل المنطقة تتجه حتمًا نحو حربٍ مفتوحةٍ جديدةٍ بين إسرائيل وحزب الله؟
الأضرار التي تكبَّدها الطرفان منذ الحرب حتى الآن:
منذ 8 أكتوبر، استهدفت النيران الإسرائيلية أكثر من 90 قرية، وأَثَرُ ذلك ظاهرٌ في مغادرة أكثر من 83 ألف شخص من سكان جنوب لبنان منازلهم إلى أماكن أكثر أمانًا.
ووفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، فيتم الترحيب بأغلبية النازحين من قِبَلِ أقاربهم، بينما يستأجر آخرون، أو يقيمون في مراكز ومدارس مطلوبة لاستيعابهم، وهكذا فإن تنظيم مساعدات النازحين تتم إدارته إلى حدٍّ كبيرٍ من خلال التضامن الأُسَري والمؤسسات الإنسانية المدنية والحزبية؛ ولا يزال دور الحكومة اللبنانية محدودًا، وغالبًا ما تكون خطط الطوارئ غير كافية.
كما أن الحصيلة البشرية تتزايد يومًا بعد يوم، ويبلغ عدد القتلى حاليًا أكثر من 200 قتيل، معظمهم من مقاتلي حزب الله، ومن بينهم عدد من الضحايا المدنيين، والجدير بالذكر، أن هناك بشكلٍ خاصٍّ صحفيين استهدفتهم الضربات الإسرائيلية عمدًا، وهي الاستراتيجية التي اعتمدتها إسرائيل في هذه الحرب، والتي أدَّت غاراتها في غزة إلى مقتل أكثر من 84 صحفيًّا منذ بدْء الأعمال العدائية.
ولا يمكن المبالغة في التأكيد على العِبْء المالي الذي تتحمله الدولة اللبنانية، وقبْل كل شيء، النازحون الذين يُشكِّلُ المزارعون وعمال المياومة نسبةً كبيرةً منهم، وهكذا، لم يتمكن العديد من القرويين من حصاد وبيْع منتجاتهم (وخاصة الزيتون)، كما أدَّى استخدام إسرائيل لقنابل الفسفور الأبيض في حقول جنوب لبنان إلى إلحاق أضرار دائمة بالأرض.
وبالإضافة إلى الأثر الاقتصادي والبيئي، اضطرت معظم المدارس في المنطقة إلى إغلاق أبوابها، وتسرَّب أكثر من 5000 طفل من المدارس، ويجب ألَّا يغيب عن بالنا حقيقة أن لبنان يعاني من أزمةٍ اقتصاديةٍ خطيرةٍ، منذ عام 2020، تجلَّت في انهيار عُمْلته، وتسجيل إحدى أعلى نِسَبِ الدَّيْن إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم (283.2%)، فإن اندلاع الصراع مع إسرائيل من شأنه أن يدمر – إلى الأبد – آمال اللبنانيين في كسْر الجمود، ويُحوِّل البِنْية التحتية القليلة التي لا تزال في حالةٍ جيدةٍ إلى كارثية وسيئة للغاية.
إسرائيل وحزب الله، تاريخ من العداء
وهذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها لبنان مثل هذه السيناريوهات، منذ الحرب الأهلية (1975-1989) ، وحتى الفترة التي تَلَتْ إخلاء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان (2000) وحرب تموز/يوليو 2006 ، هاجمت القوات الإسرائيلية لبنان عدة مرات، وحافظت على وجود عسكري قوي على طول الحدود.
إسرائيل وحزب الله هما أفضل الأعداء؛ فالهجمات الإسرائيلية المتكررة تؤكد دور حزب الله كحارسٍ للمقاومة، وخصْم لدود لإسرائيل ومدافع عن السيادة اللبنانية وتحرير فلسطين، في حين أن السلام مع إسرائيل من شأنه أن يُجْبِرَ الحركة على نزْع سلاحها، وفي نهاية المطاف، إلى التخلِّي عن سلاحها بل إلى اختفائه، أمَّا بالنسبة لدولة إسرائيل، فإن وجود الميليشيا والخطر الذي تمثله يُبرر سياستها الأمنية واستمرار الحرب.
وتظل الحقيقة هي أنه إذا كان الصراع الحالي قد أعاد صورة حزب الله بين أغلبية العرب الذين يشيدون بجهوده الحربية ضد حماس ضد إسرائيل، فإن الدعم في لبنان يظل مختلطًا، بالنسبة للكثيرين، تمثل الاشتباكات المستمرة تهديدًا خطيرًا لمستقبل البلاد.
انقسامات السياسية
وينقسم الرأي العام اللبناني والطبقة السياسية، من جهة، بين أولئك الذين يلتزمون بالمشروع السياسي لحزب الله وحلفائه في “محور المقاومة” المدعوم من إيران – والذي يضم حماس، والميليشيات الشيعية في العراق والحوثيين اليمنيين – ومن جهةٍ أخرى، أولئك الذين يرفضونها ويطالبون بنزْع سلاحها، ويتهمونها بأنها قوة مضادة تعيق الحياة السياسية والتعافي الاقتصادي.
في الأيام الأولى من الصراع، نجح التزام حزب الله على الجبهة الجنوبية في تجاوز الانقسامات الطائفية لبعض الوقت، لا سيما بين السنة والدروز والشيعة؛ تضامنًا مع غزة، لكن مع الركود وبدْء الحرب مع مرور الوقت، تتصدَّع التحالفات.
وبالنسبة للمجتمع المسيحي المعادي لهذه الحرب، فإن حزب الله يأخذ مرةً أُخرى اللبنانيين كرهائن، ويُعرِّضُ سيادة البلاد للخطر، علاوةً على ذلك، فإن الوعد الذي أطلقه الأمين العام حسن نصر الله، بإشراك منظمته بشكلٍ محدودٍ في إنشاء “جبهة دعم وتضامن” في بداية الصراع لم يعُدْ قائمًا، فإن العدد الكبير من المقاتلين الذين لقوْا حتْفَهم خلال العمليات واغتيال المسؤولين التنفيذيين (حماس، وحزب الله) بطائرات بدون طيار، وتهجير السكان في الجنوب الفارِّين من القتال والتثبيت في الصراع، يجعل خطر الحريق أكثر احتمالًا من أيِّ وقتٍ مضى، لكن هذا الخطر لا يُنظر إليه بالطريقة نفسها من قِبَلِ الجميع في لبنان؛ حيث تتواجد عِدَّة حقائق.
السيناريوهات المحتملة
في إطار حِدَّة التصعيد المتبادل بين حزب الله وإسرائيل التي انتهت بضرْب إسرائيل للعُمْق اللبناني واستهدافه للمدنيين، أصبح هناك العديد من السيناريوهات ما بين التهدئة النسبية واحتمالية اشتعال فتيل الحرب بين الطرفيْن، وفيما يلي سيتم توضيح ذلك بشكلٍ وافٍ.
السيناريو الأول: الحفاظ على الوضع السابق والعودة إلى الرَّدْع
قد تحاول إسرائيل العودة إلى نهْج الرَّدْع، الذي حافظ بشكلٍ مترددٍ على السلام لمدة تقارب 20 عامًا، يقوم الرَّدْع لحزب الله على فكرة أن التهديد بالحرب، بما في ذلك الدمار المحتمل لأجزاء من لبنان، والضربات العقابية على الفصائل والبنية التحتية اللبنانية، سيمنع الفصيل من شَنِّ هجمات أو على الأقل ضربات كبيرة على إسرائيل، يعمل هذا التهديد عن طريق تعريض شيءٍ يعتبره حزب الله عزيزًا، مثل حياة قادته، وقوته في لبنان، ورفاهية جماهيره، للخطر، بعد انسحاب إسرائيل من لبنان في عام 2000، قامت بالردِّ بالتأكيد على الصواريخ المتفرقة أو أيِّ انتهاك آخر للسلام بتهديدٍ بشنِّ ضرباتٍ أضخم في حالة شنّ حزب الله هجومًا أكبر، كما حذَّر رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في ديسمبر 2023: “إذا اختار حزب الله بدْء حربٍ شاملةٍ، فسيحول بمفرده بيروت وجنوب لبنان – ليس مستبعدًا – إلى غزة وخان يونس”.
الرَّدْع يبدو أنه ما زال حيًّا حتى بعد السابع من أكتوبر، أكَّد نصر الله في تصريحاتٍ عامةٍ أن حزب الله لا يخطط لحرب أوسع حتى وإن كان يدعم الفلسطينيين، ولن يستبعد التصعيد إذا تغيَّرت الظروف، تركز ضربات حزب الله على أهداف محددة على طُول الحدود، على الرغم من أن لدى الفصيل القدرة على شنِّ هجمات أكثر وضرب جميع أنحاء إسرائيل، فمن الواضح أنه يحاول تقييد هجماته حتى وهو يظهر تضامنه، يهتم حزب الله بجماهيره، ويدرك أن تكرار حرب عام 2006، يُعدُّ أمرًا كارثيًّا وسيئًا للغاية، سيكون كارثة لهذه الجماهير، في السنوات الأخيرة، انهيار اقتصاد لبنان، وحزب الله لا يريد تحمُّل اللوْم عن حرب من شأنها تدمير البلاد بشكلٍ أكبر، ومن الواضح أن تهديدات إسرائيل لحزب الله جعلت لبنان مُعرَّضًا لضربةٍ قويةٍ إذا استأنفت الصراع الشامل، ودمار غزة يُعزِّزُ مصداقية هذا التهديد.
ومع ذلك، يمكن أن يفشل الرَّدْع لعدة أسباب، قد تؤدي الضربة إلى قتْل أعدادٍ كبيرةٍ من المدنيين الإسرائيليين، حتى لو كانت عرضية، إلى تفاقُم الوضع، فالرَّدْع يعتمد أيضًا على فهْم حسابات القرار للخصم، وقد تفهم إسرائيل بشكلٍ خاطئٍ تسامح حزب الله لهجمات على قادة حماس، أو استمرار فقدان كوادر حزب الله، لا سيما القادة التشغيليين المهمين، كما لُوحظ سابقًا، تغيَّرت تحمُّلات المخاطر في إسرائيل، وقد يقرر قادة إسرائيل أنه يجب التصدِّي مُسْبقًا لحتمية شنِّ حزب الله هجومًا على إسرائيل حتى لو كانت فرصة ضئيلة.
السيناريو الثاني: الدبلوماسية القسرية
وهناك نهْج آخر، يتلخص في استخدام الدبلوماسية القسرية لإرغام حزب الله على الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 1701، ولتحقيق هذه الغاية، تستخدم الولايات المتحدة، التي غالبًا ما يمثلها الوسيط هاموس هوكشتاين الدبلوماسية للتفاوض مع القادة اللبنانيين، وبالتالي بشكلٍ غير مباشرٍ مع حزب الله، في حين تضع إسرائيل الضغط العسكري على الجماعة من خلال مزيجٍ من الضربات على قوات حزب الله وقادته، إن التهديد المتجدد بحرب شاملة يمنح هذا الضغط قوة إضافية، ولكن حزب الله لا يريد أن يُنظر إليه على أنه مستسلم للضغوط الإسرائيلية، وخاصَّةً في وقتٍ تهيمن الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين على العناوين الرئيسية للصحف.
وبالإضافة إلى إنهاء هجمات حزب الله على إسرائيل، فإن هدف إسرائيل هو أن يقوم حزب الله بإعادة قواته المسلحة إلى نهر الليطاني، كما وعد بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701، ومن الممكن، أن تقبل إسرائيل أيضًا بانسحاب أقلّ شمولًا، من شأنه أن يُبعد حزب الله عن الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ولكن ليس حتى نهر الليطاني، وقد تحتاج قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان إلى تعزيزٍ كبيرٍ، وأن تكون أكثر عدوانية في استخدامها للقوة ردًّا على أيِّ توغُّل، وهو الأمر الذي سيكون من الصعب تحقيقه.
وسيُطلب من إسرائيل أيضًا تقديم تنازلات وإجراء تغييرات؛ ردًّا على قرار مجلس الأمن رقم 1701، واسترضاء حزب الله، وتنتهك إسرائيل المجال الجوي اللبناني بانتظام، وهو ما تفعله إسرائيل لضرب ومراقبة مواقع حزب الله، ومن المرجح أيضًا أن يسعى حزب الله إلى إخلاء إسرائيل لـ”مزارع شبعا، وقرية الغجر”، وربما وضعها تحت قيادة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان؛ حتى تتمكن المجموعة من ادّعاء النصر السياسي عند تقديمها تنازلات.
الخيار 3: حرب محدودة
وهناك توجُّه آخر، يتلخص في مواصلة المستوى الحالي من الصراع؛ حيث لا توجد حرب شاملة، ولكن العشرات من مقاتلي حزب الله يقتلون كل شهر، فضلًا عن عددٍ صغيرٍ من الإسرائيليين، وسوف يموت المدنيون على الجانبيْن، ولكن إذا استمرت الأنماط الحالية، فإن عدد اللبنانيين الذين سيقتلون سيكون أكبر بكثيرٍ من عدد الإسرائيليين، ستشمل الحرب المحدودة غارات جوية إسرائيلية منتظمة على قوات حزب الله، بالقرب من الحدود، وعلى قائد حزب الله من حينٍ لآخر، في حين يطلق حزب الله صواريخ مضادة للدبابات على البنية التحتية العسكرية والمدنية عبْر الحدود؛ ما يسمح للجماعات الفلسطينية المتمركزة في لبنان، بمحاولة عبور الحدود من حين لآخر، الهجوم وإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون على المواقع الإسرائيلية.
السيناريو الثالث: استراتيجية الحرب المحدودة (وهو الأقرب)
إن الحرب المحدودة سوف تخدم عِدَّة أغراض لكُلٍّ من إسرائيل وحزب الله، بالنسبة لإسرائيل، فإن مثل هذه الضربات تؤدي إلى اختلال توازن حزب الله؛ ما يجبر قادته على الاختباء أو المخاطرة بالقتل، ويُعرِّض مخابئ أسلحته للخطر، بالإضافة إلى ذلك، تظهر الضربات للشعب الإسرائيلي، أن الحكومة تحاول بنشاط الدفاع عنهم، وتجعل من الصعب على حزب الله حشْد القوات التي قد تشُنُّ هجومًا مفاجئًا عبْر الحدود، بالنسبة لحزب الله، فإن الحرب المحدودة تسمح له بإظهار التضامن مع حماس، والتأكيد على أجندة “المقاومة” الإيرانية، وعلى الرغم من أن حزب الله فَقَدَ أكثر من 100 مقاتل منذ 7 أكتوبر، إلا أن هذا المستوى من الخسائر يمكن التحكُّم فيه بالنسبة لمنظمةٍ كبيرةٍ تضُمُّ العديد من الأفراد المَهَرة، بالنسبة لكل من حزب الله وإسرائيل، فإن حدود الصراع تساعد في تجنُّب تكاليف حرب شاملة.
وفي الوقت نفسه، تطرح الحرب المحدودة مشاكل لكلا المجموعتيْن، بالإضافة إلى الخسائر البشرية المنتظمة، المشكلة الأكبر هي التأثير على المدنيين على طول الحدود، ويؤدي الصراع إلى تفاقُم حالة عدم الاستقرار المستمرة في لبنان والمشاكل الاقتصادية المتصاعدة، ويخاطر حزب الله بتحمُّل اللوْم، وربما فرَّ 75 ألف لبناني من جنوب لبنان، مع عدم وجود احتمالٍ فوريٍّ للعودة، وهي مشكلة سياسية مماثلة بالنسبة لحزب الله لتلك التي تواجهها إسرائيل مع مواطنيها النازحين، ومن المستبعد عودتهم إلى ديارهم بشكلٍ جماعيٍّ ما دامت الحرب المحدودة مستمرة.
وأخيرًا، من غير الواضح ما إذا كانت الحرب المحدودة ستظل محدودة بالفعل أم لا؟
السيناريو الرابع: حرب شاملة (وهو الأبعد)
وإذا فشلت سياسة الرَّدْع بجانب الدبلوماسية القسْرية، فمن الممكن أن تندلع حرب شاملة، ويأتي ذلك انطلاقًا من حديث رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتزي هاليفي؛ حيث وجَّه كلمةً للجنود الإسرائيليين، مفادها؛ أن فرص الحرب ضد حزب الله تتزايد، ويتلخص جزء من منطق إسرائيل، في أن الحرب مع حزب الله في مرحلةٍ ما أمرٌ لا مفرَّ منه، وأن إسرائيل لا ينبغي لها أن تنتظر هجومًا مفاجئًا، كذلك أشار تشاك فريليتش، نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، إلى أنه “إذا كنت تعتقد أن وجود حزب الله أمرٌ لا مفرَّ منه، كما يعتقد الكثيرون في إسرائيل، فهذا هو الوقت المناسب للقيام بذلك”.
ومن المرجح، أن تُركِّزَ الحرب على منْع تكرار ما حدث في «طوفان الأقصى»، وملاحقة قدرات حزب الله الصاروخية والطائرات المسيرة، ومحاولة دفْع مقاتلي الجماعة بعيدًا عن الحدود، ربما إلى الجانب الآخر من نهر الليطاني، ومع ذلك، فحتى الهزيمة الحاسمة لحزب الله لن تؤدي إلى تدمير الجماعة؛ نظرًا لجذورها العميقة في لبنان والدَّعْم القوي من إيران.
وتمتلك إسرائيل قدرةً كبيرةً على خوْض حربٍ مع حزب الله، رغم أن الجماعة اللبنانية سوف تُشكِّلُ عدوًا لدودًا، تحاول المخابرات الإسرائيلية المراقبة المستمرة لمواقع صواريخ حزب الله والطائرات بدون طيار، وفي الواقع، فإن جزءًا من السبب الذي جعل حماس قادرة على مفاجأة إسرائيل، في السابع من أكتوبر، كان على الأرجح؛ لأن الاستخبارات الإسرائيلية كانت أكثر تركيزًا على حزب الله، الذي اعتبرته التهديد الأكبر.
ويتفوق جيش الدفاع الإسرائيلي على حزب الله، من حيث القوات والدبابات والمدفعية وغيرها من أشكال القوة العسكرية، كما أن المُعدات الإسرائيلية أكثر تطورًا بكثيرٍ، وقواتها أفضل تدريبًا، ومنذ أدائها الضعيف في حرب 2006، استعدت إسرائيل للحرب مع حزب الله، على النقيض من عدم استعدادها لغزو غزة، وقد أعدَّت إسرائيل مجموعة أهداف يمكنها الاعتماد عليها في أيِّ وقتٍ لشنِّ ضربات.
من المحتمل، أن يتضمن الهجوم الإسرائيلي غارات جوية واسعة النطاق تسعى إلى استهداف قادة حزب الله، وتعطيل القيادة، والسيطرة (والتي قد تنطوي أيضًا على هجمات إلكترونية)، وضرب مواقع إطلاق الصواريخ التابعة لحزب الله، وخاصَّةً تلك التي تتضمن ترسانة حزب الله من الذخائر الدقيقة، على الرغم من أن إسرائيل ستستهدف قيادة حزب الله والمواقع العسكرية في بيروت وفي وادي البقاع، فمن المرجح، أن تُركِّزَ معظم جهودها على وجود حزب الله بالقرب من الحدود، وبأخذ الدروس المستفادة في غزة في قيد الاعتبار، فمن المرجح، أن تحاول إسرائيل أيضًا تدمير شبكة أنفاق حزب الله.
وأشار بعض القادة الإسرائيليين، مثل بيني غانتس، عضو مجلس الوزراء الحربي لرئيس الوزراء نتنياهو، في فبراير 2024، أن إسرائيل يمكن أن تضرب الجيش اللبناني كجزءٍ من حربٍ أوسع، وقال “غانتس”: “من المهم أن نكون واضحين، المسؤول عن إطلاق النار من لبنان ليس فقط حزب الله أو العناصر الإرهابية التي تنفذه، بل أيضًا الحكومة اللبنانية والدولة اللبنانية التي تسمح بإطلاق النار من أراضيها”، وأضاف أيضًا: “لا يُوجد هدف أو بِنْيَة تحتية عسكرية في منطقة الشمال ولبنان ليست في مرمى بصرنا”.
وقد تقوم إسرائيل بعد ذلك بغزو لبنان بعددٍ ليس بالقليل من الفِرَق العسكرية (استخدمت إسرائيل أربع فرق في غزة؛ حيث تتطلب التضاريس الحضرية الكثيفة قوة بشرية كبيرة)؛ سعيًا إلى كشْف وتدمير الأنفاق المخفية، وإجبار مقاتلي حزب الله على التوجُّه إلى الجانب الآخر من نهر الليطاني، ورغم أن جنوب لبنان ليس مُكتظًّا بالسكان مثل غزة، إلا أن بعض القتال قد يشمل حرب مدن، وإذا نجحت إسرائيل في إزالة قوات حزب الله، فسوف تقوم بعد ذلك بمراقبة المنطقة بعناية وتنفيذ ضربات مُكثَّفة إذا لزم الأمر؛ لمنع أيِّ عودة، وقد تضغط إسرائيل من أجل تشكيل قوةٍ أقوى من قوات اليونيفيل؛ لمراقبة المنطقة، أو تسعى إلى إنشاء منطقة عازلة، والعمل مع وكلاء لبنانيين، كما فعلت قبل عام 2000، على الرغم من أن كلا النهجيْن أثبتا عدم كفايتهما في الماضي.
وفي صدد الحرب سيتبع حزب الله عدة آليات لردع القوات الإسرائيلية وحفظ ماء وجهه، وهما كالتالي:
- حرب العصابات سيتم تنفيذها على الأرجح باستخدام شبكة أنفاق واسعة النطاق ومواقع دفاعية مُرسَّخة بالقرب من الحدود الإسرائيلية، وسيكون للطبيعة الجغرافية في الجنوب المتمثلة في التضاريس الوَعِرَة أثرٌ كبيرٌ في نجاح تلك الآلية.
- سيحاول الحزب أيضًا شنّ هجمات عبر الحدود، بما في ذلك التسلُّل البحري وضرب إسرائيل مباشرة في عقْر دارها، ناهيك عن ترسانته الصاروخية، وفي تلك الحالة، سيكون تهديدًا مباشرًا لأنظمة الدفاع الإسرائيلية، وضرب أهدافه في جميع أنحاء البلاد.
ففي عام 2006، كان حزب الله قادرًا على شنِّ هجمات صاروخية طوال 34 يومًا من الحرب، واليوم يمتلك حزب الله عددًا من الترسانات أكبر بكثيرٍ، وبالتالي ستكون أشبه بحرب استنزاف ضد إسرائيل. - وأخيرًا، قد يقوم حزب الله بشنِّ هجمات إرهابية دولية على أهداف إسرائيلية في جميع أنحاء العالم، بمساعدة إيران، كما سيستخدم حزب الله نفوذه على الحكومة اللبنانية؛ لضمان أن يكون أي محاولة لوقف إطلاق النار، وفْق شروطه الخاصة.