هل تتجهُ العلاقاتُ العسكرية بين تركيا وقطر نحو بناء تحالفٍ استراتيجي طويل الأمد؟

إعداد: أحمد فهمي

منسق برنامج دراسات الدول التركية

مقدمة

شهدتْ العلاقاتُ بين تركيا وقطر تطورًا لافتًا تجاوزت أُطرَ التعاون الاقتصادي والسياسي لتصلَ إلى مستوياتٍ متقدمةٍ من الشراكة العسكرية والأمنية، ويأتي هذا التقارب في سياقٍ إقليميٍ مضطربٍ يتّسمُ بتحولاتٍ استراتيجيةٍ متسارعةٍ وتوازناتٍ أمنيةٍ متغيرة، دفعت كلا البلدين إلى البحث عن حلفاء موثوقين يعززون من استقلالية قراراتهما ويؤمّنون مصالحهما في منطقة الخليج والشرق الأوسط عمومًا.

ويمثّل التعاون العسكري بين أنقرة والدوحة أحد أبرز مظاهر هذا التحالف، حيث تأسس على أساسٍ من التفاهم السياسي العميق والتقارب في الرؤى تجاه القضايا الإقليمية، ومع استمرار التحديات الأمنية وتراجع انخراط القوى الدولية التقليدية في المنطقة، تبرزُ تساؤلاتٌ ملحّةٌ حول مستقبل هذه الشراكة: ما مدى عمقها؟ وما الفرص التي تحملها؟ وما التحديات التي قد تواجهها في ظل السياقات الداخلية والخارجية المتغيرة؟

يهدف هذا التقرير إلى تقديم قراءة تحليلية مختصرة وعملية لمستقبل الشراكة العسكرية بين تركيا وقطر، من خلال استعراض واقع التعاون الحالي، ورصْدِ الاتجاهات المؤثّرة، واستكشاف آفاق التطوير، مع الإشارة إلى أبرز التحديات التي قد تعترض طريقها.

الشراكة العسكرية الراهنة

تُعد العلاقات الدفاعية بين تركيا وقطر من أكثر الشراكات العسكرية عمقًا وتماسكًا في المنطقة، إذ تجسّدت هذه العلاقة عبر سلسلةٍ من الاتفاقيات ومشروعات التعاون العسكري المتنامية، فقد أبرم البلدان اتفاقيةً في مجال الصناعات الدفاعية عام 2007، أعقبتها اتفاقيةٌ أخرى للتدريب العسكري في عام 2012، قبل أن تشهد العلاقةُ نقلةً نوعيةً بتوقيع اتفاقية التعاون العسكري الشامل في مارس 2015، والتي تضمّنت تبادل المعلومات الاستخباراتية وإتاحة إمكانية نشر قواتٍ عسكريةٍ متبادلةٍ بين الجانبين.

وبناءً على تلك الاتفاقية، شرعت تركيا في نشْرِ وحداتٍ من قواتها المسلحة داخل الأراضي القطرية منذ عام 2015، في إطار خطةٍ لإنشاء قاعدةٍ عسكريةٍ تركيةٍ في الدوحة، وقد افتُتحت قاعدةُ طارق بن زياد كأول قاعدة تركية في منطقة الخليج، قبل أن تتحول لاحقًا إلى مقر القيادة المشتركة القطرية–التركية في ديسمبر 2017.

وتوسّع الوجود العسكري التركي تدريجيًا من بضع مئات من الجنود إلى نحو 3000 جندي حاليًا، مع قابلية للاستيعاب تصل إلى 5000 جندي موزعين على منشأتين عسكريتين في قطر، وتتميز هذه القاعدة بوجود وحدات متعددة التخصصات تشملُ قواتٍ بريةً وبحريةً وجويةً إلى جانب عناصر من القوات الخاصة التركية، فضلًا عن مستشارين ومدربين عسكريين يعملون على دعم وتأهيل القوات المسلحة القطرية.

أما على صعيد التعاون الميداني، فتشهد العلاقات الدفاعية بين البلدين مناوراتٍ وتدريباتٍ عسكريةً مشتركةً بصورةٍ منتظمةٍ، تُسهمُ في رفع مستوى الجاهزية وتعزيز التكامل العملياتي بين الجانبين، فإلى جانب البرامج التدريبية المشتركة والتمارين التكتيكية بالذخيرة الحية، شاركتْ وحداتٌ بحريةٌ تركيةٌ – من بينها الفرقاطة TCG Gökova – في مناورات بحرية مع القوات القطرية في مياه الدوحة.

وفي تطورٍ نوعيٍ حديثٍ، تمَّ عام 2024 إنشاءُ سِربٍ جويٍ مشتركٍ يضم مقاتلات تركية من طراز F-16 وأخرى قطرية من طراز رافال، بهدف تعزيز التدريب المتبادل ورفع مستوى التنسيق الجوي بين الطرفين، كما عززت البحرية التركية وجودها في العام ذاته عبر إرسال سفنٍ حربيةٍ إضافية إلى قطر في إطار منظومة القيادة المشتركة.

الاتجاهات والتطورات

شهدت الشراكة العسكرية بين أنقرة والدوحة تفاعلًا متزايدًا مع التحولات الإقليمية والدولية التي دفعت نحو تعميق التعاون بين الجانبين، فقد لَعِبَ الاصطفاف السياسي دورًا حاسمًا في توطيد العلاقات، إذ تبنّت أنقرة والدوحة منذ مطلع الألفية الجديدة رؤىً متقاربةً تجاه قضايا الشرق الأوسط، تمثّلت في دعمِ تياراتٍ سياسيةٍ ذات طابعٍ إسلامي في عددٍ من دول المنطقة، وقد أفرز هذا التقارب الأيديولوجي والاستراتيجي اصطفافًا واضحًا بين البلدين، ووضعهما في أحيانٍ عدّةٍ في مسارٍ مُغايرٍ لتوجّهات بعض القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة.

برزت أزمة حصار قطر عام 2017 كأهم محطة عززت التحالف العسكري بين أنقرة والدوحة، ففي خضمّ تلك الأزمة، عندما قطعت بعض الدول العربية علاقاتها مع قطر وطرحت مطالب من بينها إغلاقُ القاعدة العسكرية التركية، سارعت أنقرة إلى دعم الدوحة عبر إرسال قواتٍ إضافيةٍ بشكلٍ عاجلٍ إلى القاعدة التركية، وقد جسّدت هذه الاستجابة السريعة مدى اعتماد قطر على الدعم التركي في أوقات الأزمات، ورسّخت مستوى عاليًا من الثقة الاستراتيجية المتبادلة بين قيادتي البلدين، كما شكّل الموقف القطري الداعم لتركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 مؤشرًا إضافيًا على عمق الروابط السياسية والأمنية التي تجمع الطرفين.

وبعد تجاوز أزمة الحصار، استمرت العلاقات في التنامي رغم تبدّل السياق الإقليمي، فالمصالحة الخليجية مطلع عام 2021 أنهت عزلة قطر الإقليمية، لكنها لم تؤثرْ سلبًا على التحالف القطري–التركي، بل فتحت الباب أمام مناخٍ أكثر توازنًا في علاقات أنقرة مع العواصم الخليجية الأخرى، فقد رحّبت تركيا بالمصالحة ورأتْ فيها فرصةً لتحسين علاقاتها مع الرياض وأبوظبي دون المساس بعلاقتها المتميزة مع الدوحة، فيما أكدت قطر تمسّكها بشراكتها الوثيقة مع تركيا بوصفها شريكًا استراتيجيًا موثوقًا، ومع تحسّنِ علاقات أنقرة مع بعض دول الخليج خلال الأعوام اللاحقة، تراجع الضغط الإقليمي ضد الوجود العسكري التركي في قطر، وأصبحت مسألة القاعدة التركية أقل إثارةً للجدل مع مرور الوقت.

كما مثّل التحولُ في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط عاملاً إضافيًا في ترسيخ التعاون التركي–القطري، فمع تراجع الانخراط العسكري الأمريكي المباشر في المنطقة، برزت تركيا كقوةٍ إقليميةٍ قادرةٍ على لَعبِ دورٍ أمنيٍ داعمٍ، بينما أصبحت قطر منصةً متقدمةً لهذا الدور. ومن ثمَّ، يُعدّ التواجد التركي في الدوحة جزءًا من إعادة توزيع الأدوار الأمنية في الخليج، بما يخدم مصالح الطرفين ويعزز من استقرار الإقليم، كما أسهم هذا التواجد في تعزيز استقلالية القرار القطري، وفي الوقت نفسه زاد من الأهمية الاستراتيجية لتركيا في حسابات شركائها الإقليميين والدوليين.

فرص توسيع الشراكة مستقبلًا

يحملُ المستقبل آفاقًا واسعةً لتطوير الشراكة العسكرية بين تركيا وقطر في مجالات متعددة، لا سيَّما في ظل التجانس السياسي والاستراتيجي بين البلدين، ورغبتهما المشتركة في بناء منظومةٍ دفاعيةٍ حديثةٍ ومتكاملةٍ.

1- التعاون في الصناعات الدفاعية: يُعد قطاع الصناعات الدفاعية أحد أبرز مسارات التعاون المستقبلية بين الطرفين، فقد أصبحتْ قطر خلال العقد الأخير مستثمرًا رئيسيًا وشريكًا فاعلًا في الصناعة العسكرية التركية، بعد أن استحوذت على نسبةٍ كبيرةٍ من أسهم إحدى كبريات الشركات التركية المتخصصة في إنتاج المركبات المدرعة، وأسهمت هذه الشراكة في تمويل مشاريع استراتيجية، أبرزُها مشروعُ إنتاج الدبابة التركية الحديثة “ألتاي”، وهو ما عكس ثقة الدوحة في القدرات الصناعية التركية، وسعيها في الوقت ذاته لتنويع مصادر تسليحها ونقل التكنولوجيا الدفاعية إليها، كما قدمت قطر دعمًا ماليًا واستثماريًا لشركاتٍ تركيةٍ في مجال الصناعات العسكرية، ما ساعدها على تجاوز أزماتٍ تمويليةٍ وتوسيع قاعدة إنتاجها، وقد أدّت هذه الشراكات إلى ارتفاعٍ ملحوظٍ في صادرات الصناعات الدفاعية التركية إلى قطر، حتى أصبحت الأخيرة من بين أهم المستوردين الإقليميين للسلاح التركي، ومن المرجّح أن يتوسّعَ هذا التعاون ليشملَ مجالات إنتاج الطائرات المسيرة، وأنظمة الدفاع الجوي، ومنظومات الحرب الإلكترونية، بما يتيح لقطر تطوير قدراتها الذاتية في مجالات التكنولوجيا العسكرية الحديثة، ويعزز في المقابل من مكانة تركيا كمُصدّرٍ رئيسيٍ للتقنيات الدفاعية المتقدمة في المنطقة.

2- التعاون في الأمن السيبراني: في مجال الأمن السيبراني وحماية البنية التحتية الرقمية، يتزايدُ إدراك الطرفين لأهمية هذا القطاع في ظل تصاعد التهديدات الإلكترونية الموجهة ضد المؤسسات الحيوية، وتشيرُ المؤشراتُ الأخيرة إلى انطلاقِ مبادراتٍ ثنائيةٍ لتَبادلِ الخبرات وبناء آليات مشتركة لمواجهة التهديدات السيبرانية، بما في ذلك تطويرُ نُظم حماية البيانات وتبادل المعرفة التقنية في مجالات الخصوصية والأمن الرقمي، ومن المتوقّع أن تشهدَ السنوات المقبلة تأسيس مراكز تدريب سيبراني مشتركة أو فرق عملٍ متخصصةٍ في الدفاع الإلكتروني، بما يرسّخُ التعاون في أحد أكثر مجالات الأمن حساسية وحداثة، ويعكسُ هذا التوجًه رغبة البلدين في توسيع مفهوم الأمن المشترك ليشملَ مجالاتٍ غيرَ تقليديةٍ تتماشى مع التحديات المُستحدثة في البيئة الرقمية.

3- التدريب العسكري وتبادل الخبرات: يُتوقع أيضًا أن يستمر تبادل الخبرات العسكرية والتدريب المشترك بوصفه ركيزةً أساسيةً في الشراكة بين الجانبين، فقد أثبتت برامج التعاون الجوي المشترك فعاليتها في تعزيز التنسيق بين القوات التركية والقطرية، خصوصًا عبر إنشاء السرب الجوي المشترك الذي أتاح للطيارين من الجانبين التدريب جنبًا إلى جنب على أحدث المقاتلات، ويمكن توسيع هذا النموذج ليشملَ مجالاتٍ أخرى مثل عمليات القوات الخاصة، ومكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، كما يُحتمل أن يتواصلَ نشْرُ وحداتٍ متبادلةٍ مؤقتة بين البلدين لأغراض التدريب ورفع الكفاءة العملياتية، سواء من خلال مشاركة القوات القطرية في مناورات تُقام في تركيا أو العكس، ويعزز هذا التكامل التدريبي من قابلية التشغيل المشترك بين الجيشين، ويؤهلهما للتعاون الميداني الفاعل في أي مهامٍ مستقبليةٍ مشتركةٍ.

4- التعاون في الأمن الداخلي والفعاليات الكبرى: إلى جانب ذلك، يبرز مجال الأمن الداخلي وحماية الفعاليات الكبرى كأحد مسارات التعاون الجديدة المحتملة، فقد شكّلت تجربة تأمين بطولة كأس العالم 2022 في قطر نموذجًا ناجحًا للتعاون الأمني بين البلدين، إذ أرسلت تركيا الآلاف من عناصر الشرطة لدعم عمليات التأمين، وقد أثبتت هذه التجربة كفاءةَ التنسيق الميداني بين الأجهزة الأمنية للبلدين، مما يمهد لتوسيع التعاون في هذا المجال من خلال توقيع مذكرات تفاهمٍ جديدةٍ تُعنى بالأمن والحماية وتبادل الخبرات الشرطية، ويمثّل هذا النوع من التعاون امتدادًا طبيعيًا للشراكة العسكرية التقليدية، إذ يسهم في بناء منظومةٍ أمنيةٍ شاملةٍ تتكامل فيها القدرات العسكرية والأمنية لتحقيق الاستقرار وحماية المصالح المشتركة.

التحديات المحتملة

رغم الزخم الإيجابي الذي يميزُ الشراكة العسكرية بين تركيا وقطر، فإن هذه العلاقة لا تخلو من تحدياتٍ محتملةٍ قد تؤثر على وتيرة التعاون أو مستقبله، وأبرزها ما يلي:

١- التحدياتُ الداخلية:

على الصعيد الداخلي، تبرز في كل من تركيا وقطر أصواتٌ أو توجّهاتٌ سياسيةٌ تنتقد طبيعة هذه الشراكة أو حجمها. ففي تركيا، وُجّهت بين الحين والآخر انتقاداتٌ من بعض أطياف المعارضة التي ترى أن الحكومة تبالغ في توثيق علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع الدوحة، معتبرةً أن بعض الصفقات أو الاستثمارات القطرية قد تُمنح بشروطٍ تفضيليةٍ، كما أثيرت جدالاتٌ داخليةٌ بشأن بيع حصصٍ في منشآتٍ دفاعيةٍ تركيةٍ لشركات قطرية، وهو ما استخدمته المعارضة أحيانًا كرمزٍ لتداخل السياسة بالاقتصاد.

ورغم نفي الحكومة التركية لهذه الاتهامات وتأكيدها أن الاستثمارات القطرية تُعامل كغيرها من الاستثمارات الأجنبية، فإن استمرار هذه الانتقادات يعكس وجود حساسيةٍ داخليةٍ تجاه طبيعة العلاقة مع قطر، وفي حال حدوثِ تغييرٍ سياسيٍ كبيرٍ في أنقرة أو وصول حكومة أقل حماسة للتحالف مع الدوحة، فقد يتأثر مستوى التعاون الدفاعي أو أولوياته، وإن كان من غير المرجّح تراجعه كليًا نظرًا للطابع المؤسسي الذي بات يميز الشراكة.

أما في قطر، فبرغم غياب معارضةٍ علنيةٍ فاعلة، يظل التوازن في العلاقات الخارجية تحديًا قائمًا، فقطر حليفٌ وثيقٌ للولايات المتحدة وتستضيف قاعدة العديد الجوية الأمريكية، وفي الوقت ذاته تحافظ على قنوات تواصل مع إيران. ومن ثمَّ، يتعين على الدوحة إدارة علاقتها مع تركيا ضمن إطار يطمئن شركاءها الآخرين، ويؤكد أن التعاونَ العسكري مع أنقرة ذو طابعٍ تكامليٍ لا يستهدف أي طرف ثالث، وأي إشاراتٍ تُفسر إقليميًا على أن التحالف التركي–القطري يُخل بتوازن القوى في الخليج قد تُثير حساسيات سياسية جديدة.

٢- التحديات الإقليمية والدولية:

إقليميًا، تظل الضغوط الجيوسياسية أبرز التحديات أمام استمرار الشراكة، فعلى الرغم من تحسّنِ العلاقات التركية مع القوى الخليجية (السعودية والإمارات) خلال السنوات الأخيرة، لا تزال بعضُ الأطراف الإقليمية تتوجّس من الحضور العسكري التركي في منطقة الخليج، كما تنظر إيران بحساسيةٍ إلى تمركز القوات التركية في قطر، وتعتبره خطوةً قد تُسهم في تعزيز محورٍ إقليميٍ منافسٍ لها. ويُضاف إلى ذلك البُعد الأمني، إذ يجعل وجود القاعدة التركية في الدوحة القوات التركية ضمن نطاقٍ محتملٍ لأي توترٍ أو صراعٍ إقليميٍ، خصوصًا في حال تصاعد التوتر الإيراني–التركي.

وعلى المستوى الدولي، يراقب بعض الفاعلين – مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض القوى الغربية – تطور الشراكة التركية–القطرية بحذر، خصوصًا في ظل التعاون بين البلدين في ملفاتٍ حساسةٍ مثل القضية الفلسطينية أو الاتصالات مع بعض الحركات السياسية في المنطقة. ومن ثم، قد تتعرضُ الدوحة لضغوطٍ دبلوماسيةٍ لتقييد بعض أوجهِ التعاون العسكري إذا اعتُبر مضرًا بمصالح هذه القوى أو بتوازنات الأمن الإقليمي.

٣- التحديات الهيكلية في طبيعة الشراكة:

يُضاف إلى ما سبق أن اختلالَ توازن القدرات العسكرية بين الطرفين يشكّل تحديًا بنيويًا محتملًا، فقطر دولة صغيرة من حيث المساحة والسكان والقدرات الدفاعية مقارنة بتركيا، الأمر الذي يجعل الالتزاماتِ الدفاعية غير متكافئةٍ في حال وقوع أزماتٍ أو تهديداتٍ مباشرةٍ، ففي حين يُتوقع أن تعتمد الدوحة على الدعم العسكري التركي في أي ظرف أمني خطير، فإن قدرة قطر على تقديم دعمٍ مماثلٍ لأنقرة تبقى محدودة.

هذا الواقعُ يفرض ضرورة إدارة توقعات الطرفين وتوضيح طبيعة الالتزامات المتبادلة، بما يحافظ على توازن العلاقة دون تحميل أحد الجانبين أعباءً تفوق قدراته، كما أن استمرار المظلة الأمنية الأمريكية في قطر يشكّل عنصرَ طمأنةٍ إضافيًا، إذ يسمح بتكامل الأدوار بين الحلفاء دون تضارب في المهام الدفاعية.

٤- العوامل الدولية المتغيرة

أخيرًا، قد تؤثر التحولات في النظام الدولي على مستقبل الشراكة، فالتغيراتُ المحتملةُ في سياسات الولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي تجاه انخراط تركيا خارج حدودها قد تنعكس على حسابات أنقرة بشأن استمرار وجودها العسكري في قطر، كذلك فإن تصاعدَ التنافس بين القوى الكبرى – مثل روسيا والصين والولايات المتحدة – في الشرق الأوسط، قد يضع التحالف التركي–القطري في موضعٍ معقّد إذا ما فُسر كأداة نفوذ مضادةٍ لأحد هذه الأطراف. ومن ثمَّ، فإن إدارة البُعد الدولي ستظل عاملًا حاسمًا في ضمان استدامة التعاون بين أنقرة والدوحة في المدى البعيد.

ختامًا:

في المُحصّلة، تبدو آفاق الشراكة العسكرية بين تركيا وقطر واعدةً ومبنيةً على أسسٍ صلبةٍ من المصالح الاستراتيجية المشتركة والثقة المتبادلة التي ترسّخت عبر سنوات من التعاون المتواصل، وقد أظهرت التجارب السابقة أن كلا البلدين ينظر إلى الآخر بوصفه شريكا لا يمكن الاستغناء عنه في بيئةٍ إقليميةٍ تتسم بعدم اليقين والتقلبات المتسارعة.

ومع استمرار التحولات في النظامين الإقليمي والدولي، يُتوقع أن يواصلَ الطرفان توسيع نطاق تعاونهما الدفاعي من خلال مبادراتٍ جديدةٍ واتفاقيات أكثر شمولًا تغطي مجالات الأمن التقليدي وغير التقليدي، بما في ذلك الصناعاتُ الدفاعيةُ المتقدمة، والأمن السيبراني، والتدريب العسكري، ويُرجح أن يشكّلَ هذا التعاون ركيزةً لتعزيز مكانة البلدين كفاعلين مؤثرين في منظومة الأمن الخليجي والشرق أوسطي. وفي ضوء المعطيات الراهنة، تشير المؤشرات إلى أن التحالف العسكري التركي–القطري يسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ ذاته كشراكةٍ استراتيجيةٍ طويلة الأمد، قادرةٍ على التكيف مع التغيرات الجيوسياسية المستقبلية، بما يجعل هذه الشراكة عنصرًا فاعلًا في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين لا مصدرَ توترٍ جديد.