المقالات
هل تتراجع إيران عن تهديداتها بـ”الرَّدِّ الحاسم” على اغتيال هنية في مقابل إحياء المفاوضات النووية؟
- سبتمبر 17, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة في وحدة شؤون الشرق الأوسط
مُنْذُ أن تمَّ اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، بقلب طهران، في 31 يوليو الماضي، وإيران تتوعَّد بـ” الرَّدِّ الحاسم” وبـ “الانتقام الشديد”، ولكن رغم استمرار تلك التوعدات، إلَّا أنها لم ترُد حتى الآن، وقد فسَّر البعضُ تأخُّر الرَّدِّ الإيراني، بأنها تخشى اندلاع حربٍ إقليميةٍ حتميّة لن تتحمل عواقبها؛ ما قد يدفعها إلى الاكتفاء بردٍّ رمزيٍّ محسوبٍ؛ في مقابل الحصول على بعض التنازُلات والمكاسب في ملف برنامجها النووي، والذي يسعى النظام الإيراني إلى تسويته في أقربِ وقتٍ ممكنٍ:
أولًا: رغبة إيرانية مُلِحَّة لإحياء المفاوضات النووية
بعد توقُّفٍ دَامَ لما يقْرُبُ من عاميْن، تُبْدِي إيران الآن رغبةً مُلِحَّةً لاستئناف المفاوضات النووية، وقد عبَّرت طهران عن تلك الرغبة علنًا، من خلال تصريحات للمرشد علي خامنئي، والرئيس مسعود بزشكيان، ووزير خارجيته عباس عراقجي؛ حيث:
أعطى المرشد الإيراني علي خامنئي، الضوْء الأخضر لاستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة، بشأن البرنامج النووي الإيراني؛ حيث صرَّح خلال اجتماعه مع الحكومة الإيراني، يوم 27 أغسطس الماضي، بـ “لا ضرر في التعامُل مع العدو في مواقف معينة، ولكن لا تثقوا فيه”، وتشبه هذه التصريحات التصريحات التي صدرت عن خامنئي، قُبَيْل بدْء المفاوضات التي أدَّت إلى توقيع الاتفاق النووي، لعام 2015؛ إذ وصف حينها التفاوض مع واشنطن، “الشيطان الأكبر”، بـ “المرونة الشجاعة”[1].
صرَّح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، يوم 28 أغسطس، بأن حكومته ستبْذُلُ قُصَارَى الجهْد لإزالة العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، من خلال الطُّرُق المختلفة، بما في ذلك سياسة حُسْن الجوار والحوار[2].
تعهَّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بإنعاش المسار الدبلوماسي لرفْع العقوبات، مُصرِّحًا بـ “ستتحذ الخارجية الإيرانية عدة إجراءات في الفترة الجديدة لإدارة التوتُّرات مع واشنطن، وتحسين العلاقات مع الدول الأوروبية، وسيكون هدف الوزارة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، ورفْع العقوبات”، ولكنه أوضح أن “إحياء المفاوضات ليس سهلًا كما كان في الماضي؛ نظرًا لتغيُّر الظروف الدولية”، مشيرًا في ذلك إلى حرب أوكرانيا، وتغيير النظرة الأمنية لدى الأوروبيين، فضلًا عن الحرب في قطاع غزة[3].
تحدثت تقارير صحفية عن وجود وساطة قطرية وعُمانية، بشأن الملف النووي الإيراني، والدليل على ذلك، أن تصريحات المرشد علي خامنئي سالفة الذكر، جاءت بعد يومٍ واحدٍ فقط من زيارة رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لطهران، في 26 أغسطس الماضي، فضلًا عن أن زيارة المسؤول القطري إلى إيران، جاءت بعد زيارةٍ لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، للدوحة، هذا إلى جانب الكشْف عن مباحثاتٍ غير مباشرةٍ أجراها مسؤولون إيرانيون مع مسؤولين أمريكيين في سلطنة عُمان، خلال شهريْ يناير ومايو الماضييْن.
أبْدَتْ إيران استعدادَها لإجراء مفاوضاتٍ حول برنامجها النووي، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، نهاية سبتمبر الجاري؛ حيث صرَّح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، يوم 9 سبتمبر، بأن هناك فرصةً دبلوماسيةً لإنعاش الاتفاق النووي، مُشِيرًا إلى احتمال عقْد مفاوضاتٍ ثنائيةٍ على هامش اجتماعات الجمعية العامة بين عراقجي ومفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل[4].
ثانيًا: دوافع إيران لإستئناف المفاوضات في هذا التوقيت
مما لا شكَّ فيه، أن إيران قد اختارت التفاوُض على برنامجها النووي في الوقت الراهن؛ لخدمة عِدَّة دوافع، سواء كانت تتعلق بالوضع الداخلي، أو بالوضع الإقليمي والدولي، ومن بينها:
تخفيف الضغط الداخلي الواقع على النظام الإيراني؛ يواجه النظام الإيراني موْجةً كبيرةً من السخط والرفض من قِبَلِ الإيرانيين، انعكست في نِسْبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة؛ وذلك لأسباب عِدَّة؛ من أهمها: الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، وبالتالي؛ تريد طهران معالجة وضْعها الاقتصادي في أسرعِ وقتٍ ممكنٍ، وتدركُ أن الحلَّ الوحيدَ لتحقيق ذلك، هو رفْع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وهذا من خلال التوصُّل لاتفاقٍ بشأن برنامجها النووي[5].
الخوف من عودة الجمهوري دونالد ترامب؛ عامل الانتخابات الأمريكية مؤثر للغاية في الملف النووي الإيراني؛ فمع احتمالية عودة دونالد ترامب، والذي كان قد انسحب من الاتفاق النووي، وأعاد العقوبات على طهران في 2018، إلى البيت الأبيض، تسعى إيران جاهدةً لتحقيق بعض المكاسب النووية، قبْل يوم التصويت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في 5 نوفمبر المقبل[6].
وبما أن طهران لا تريد مجيء ترامب، وتُفضِّلُ التعامُل مع إدارةٍ ديمقراطيةٍ، وتدركُ أن تخلِّيها عن الرَّدِّ الحاسم سيكون في مصلحة حسابات إدارة بايدن والديمقراطيين، الذين لا يرغبون في اندلاع حربٍ في المنطقة والانتخابات الأمريكية على وشك البدْء، فإن إيران الآن قد تكتفي بشراء الوقت والرَّدِّ المحسوب بدلًا من الانتقام الشديد؛ بحيث تكون أعطت الديمقراطيين ما يريدون؛ في مقابل استئناف المفاوضات التي تستهدف منها رفْع العقوبات؛ في حال فوْز كامالا هاريس في الانتخابات، والتي من المتوقع أن تنتهج سياسة بايدن فيما يخُصُّ إيران، وتسعى هي الأُخرى إلى إحياء الاتفاق النووي.
إيجاد مكسبٍ بديلٍ يُبرِّرُ عدم تنفيذ ردِّها الحاسم الذي توعَّدت به؛ تدركُ طهران جيِّدًا أن تنفيذ ما هدَّدت به بعد مقتل هنية، سيجُرُّها هي وأذرعها في المنطقة إلى حربٍ واسعةٍ مع الولايات المتحدة وإسرائيل؛ لذلك تحاول تجنُّب مثل هذا السيناريو، مُبرِّرةً تأخُّر ردِّها بعِدَّة أسباب؛ منها: أن طولَ انتظار إسرائيل ردّها أصعبُ نفسيًّا من قوة الرَّدِّ، وأنها لا تريد أن تُجَرَّ إلى مخطَّطِ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو[7].
ولكن حقيقة الأمر؛ أن إيران تخشى ردَّ فعلٍ أمريكيٍّ إسرائيليٍّ، قد يصدُرُ عن أيِّ تصرُّفٍ متهورٍ لها، وبالتالي؛ تريد إيران استغلال الوضع الراهن لتظهر بمظهر الدولة غير الراغبة في التصعيد على عكس إسرائيل، فضلًا عن الحصول على بعض التنازُلات بالملف النووي، والتي ستكون بمثابة ثمن التخلِّي عن الضربة الانتقامية، التي روَّج لها المرشد وجميع قادة الحرس الثوري.
خشية عودة العقوبات الأممية بعد انتهاء فترة الاتفاق النووي؛ تُسَابِقُ إيران الزمن حتى تعيدَ إحياء الاتفاق النووي وتمديد فترته قبْل موعد انتهائها؛ وذلك لأنه في 18 أكتوبر 2025، سيكون انقضت الـ10 سنوات، التي هي مدة الاتفاق النووي، وبالتالي؛ سيتم انتهاء العمل بأحكام القرار 2231، لعام 2015، ومن ثمَّ؛ عودة جميع العقوبات الأممية، التي كانت مفروضةً على إيران، ورُفعت بموجب الاتفاق، وهذا ما يجعل تسوية الملف النووي له الأولوية الآن بالنسبة لطهران، وهي غير مستعدةٍ تمامًا لعودة العقوبات الأممية عليها[8].
ثالثًا: عقوبات في طريق الاتفاق النووي
ما تُراهن عليه إيران في ملفها النووي، تحكمه العديد من القضايا العالقة بين طهران والدول الأطراف في الاتفاق النووي، والتي قد تقف عائقًا أمام الرغبة الإيرانية في استئناف المفاوضات النووية، ومن أهمها:
الموقف الأمريكي الراهن؛ علَّقت الخارجية الأمريكية على تصريحات المرشد الإيراني في بيانٍ لها، مؤكدةً أن “الحكم على قيادة إيران سيكون من خلال أفعالها، وليس أقوالها؛ فواشنطن أكَّدت مُنْذُ فترةٍ طويلةٍ، أنها تنظر في نهاية المطاف إلى الدبلوماسية، باعتبارها أفضلَ طريقةٍ لتحقيق حلٍّ فعَّالٍ ومُسْتَدَامٍ؛ فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، ومع ذلك الوضع الحالي بعيد كُلَّ البُعْد عن أيِّ شيءٍ من هذا القبيل، وإذا كانت إيران تريد إظهار الجِدِّيَّة أو اتباع نهْجٍ جديدٍ؛ فعليها وقْف التصعيد النووي، والبدْء في التعاون بشكلٍ هادفٍ مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.[9]
ومن جانبه؛ صرَّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكي، يوم 26 أغسطس الماضي، بأن “الولايات المتحدة ستضمن بأيِّ وسيلةٍ مُمْكِنَةٍ، عدم حصول إيران على سلاحٍ نوويٍّ أبدًا، وهي مستعدةٌ لاستخدام كُلِّ قدرات قوتها الوطنية لهذا الغرض”.
ويُشارُ في السياق ذاته؛ إلى عامل الانتخابات الأمريكية في نوفمبر المقبل، ومخاوف عودة دونالد ترامب سالفة الذكر، فضلًا عن غياب الضمانات التي تضمن لإيران عدم انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مُجدَّدًا.
استمرار الأزمة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ مُنْذُ انهيار الاتفاق النووي، بانسحاب ترامب في 2018، وإيران تتخذ خطواتٍ تصعيديةً في برنامجها النووي؛ حيث تخلَّت عن جميع القيود التي فرضها الاتفاق، وأقرَّ البرلمان الإيراني قانون “الخطوة الإستراتيجية للرَّدِّ على العقوبات الأمريكية” في 2020، والذي نصَّ على رفْع تخصيب اليورانيوم إلى 60%، كما قلّصت مستوى التعاون مع المفتشين الدوليين؛ إذ عطّلت كاميرات المراقبة التي وضعتها الوكالة الذرية، هذا إلى جانب وقْف العمل بالبروتوكول الإضافي في معاهدة حظْر الانتشار النووي، في فبراير 2021.[10]
وفي ضوْء هذه الإجراءات، زادت إيران من مُعدَّلات تخصيبها من اليورانيوم، بشكلٍ ينتهكُ النسبة التي حدَّدها الاتفاق النووي؛ حيث وفقًا لآخر تقريرٍ صادرٍ عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 29 أغسطس 2024، فإن مخزون طهران من اليورانيوم المُخصَّب بنسبة 60%، يُقدَّرُ حاليًا بـ164.7 كيلوجرام، بزيادة نحو 22.6 كيلوجرام على ما كان عليه قبْل 3 أشهر، وتقِلُّ تلك الكمية بنحو كيلوجراميْن فقط عن الكمية التي تكفي من الناحية النظرية لصُنْع 4 قنابل نووية؛ في حال زيادة درجة التخصيب، كما نصَّ التقرير على أن إيران تمنع دخول مفتشي الوكالة المختصين في التخصيب، كما لم تُقدِّمْ تفسيرًا بشأن وجود آثار يورانيوم مُخصَّب في مواقع غير مُعْلَنة.
وردًّا على ما جاء في التقرير بشأن منْع إيران دخول مفتشي الوكالة، أكَّد رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي، أن العلاقة الحالية بين الوكالة وإيران لم تعُدْ تتعلق بالاتفاق النووي، بل تستندُ إلى التزامات معاهدة حظْر الانتشار النووي واتفاق الضمانات المرتبط بالمعاهدة، والتي وفْقًا لها؛ يحِقُّ لإيران قبول أو رفْض دخول مفتشي الوكالة، والأمر نفسه ينطبق على كاميرات المراقبة.
وقد تعقَّدَ الخلاف أكثر خلال اجتماع مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوم 12 سبتمبر الجاري؛ حيث ندَّدت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث؛ ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، بأداء إيران وانعدام تعاونها مع الوكالة الدولية، مؤكدين على التالي[11]:
وسَّعت إيران على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، قُدْرتها الإنتاجية الإجمالية بشكلٍ كبيرٍ، من خلال تركيب وتشغيل أجهزة طرْدٍ مركزيٍّ متطورةٍ جديدةٍ، كما – لأوَّلِ مرَّةٍ مُنْذُ سنواتٍ – قامت ببعض أعمال البناء في مركز أبحاث حول الماء الثقيل، دون إبلاغ الوكالة بجميع المعلومات المطلوبة.
تقوم طهران بإنتاج وتكديس اليورانيوم عالي التخصيب دون وجود مُبَرِّرٍ لاستخدامه بشكلٍ سِلْمِيٍّ وموثوقٍ فيه، كما باتت الوكالة الدولية غير قادرةٍ على ضمان سِلْمية برنامج إيران النووي.
تلتزم الدول الأوروبية الثلاث بالحلِّ الدبلوماسيِّ، واستخدام جميع الوسائل الدبلوماسية المُتاحة لمنْع إيران من تطوير أسلحة نووية.
الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة؛ والتي تُلْقِي بمزيدٍ من التوتُّر على العلاقات «الإيرانية – الأمريكية» والأوروبية، وخاصَّةً مع ارتفاع وتيرة التصعيد بين طهران وتل أبيب، ووصوله إلى ذُرْوَتِهِ، في أبريل الماضي؛ حيث تمَّ تبادُل الضربات الصاروخية بين الدولتيْن، ولا شكَّ أن استمرار الحرب في غزة، سيؤدي إلى مواصلة المواجهات بين إسرائيل وأذرع إيران في المنطقة، والتي بدورها ستنعكس سلبًا على علاقات طهران بالغرب، وبالتالي؛ عرْقلة أيّ مساعٍ لتقريب وجهات النظر فيما يخُصُّ الملف النووي.
الدعم الإيراني لروسيا في حربها بأوكرانيا؛ بعد أن خاضت إيران والولايات المتحدة عِدَّة جوْلات لإحياء الاتفاق النووي بوساطةٍ أوروبيةٍ، جاءت الحرب «الروسية – الأوكرانية»؛ لتُنهي هذه المفاوضات، وذلك على خلفية دعْم طهران لموسكو في حربها ضد كييف، من خلال تسليمها طائراتٍ مُسيَّرةٍ.
ورغم تجميد المفاوضات النووية على خلفية هذا الدَّعْم، وفرض عقوبات غربية استهدفت برنامج المُسيَّرات الإيراني، إلَّا أن طهران واصلت هذا الدعم، والذي بدوره يزيد من تعقيد علاقاتها مع الدول الأوروبية، وبالتالي؛ تراجُع احتمالات استئناف المفاوضات النووية في وقتٍ قريبٍ؛ حيث[12]:
أكَّد الاتحاد الأوروبي، يوم 9 سبتمبر الجاري، أن حلفاءه تبادلوا معلوماتٍ استخباراتيةً، تُفيد بأن إيران زوَّدت روسيا بصواريخ باليستية، وفي المقابل؛ نَفَتْ إيران هذه الاتهامات، مؤكدةً أنه لم يتم إرسال أيِّ صواريخ إلى موسكو، وأن هذا الادعاء نوْعٌ من الحرب النفسية، مشددةً على أنها ليست مؤيدةً لأيِّ طرفٍ في الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
رغم النفي الإيراني والروسي، ندَّدت فرنسا وألمانيا وبريطانيا، في بيانٍ مشتركٍ، بإرسال صواريخ باليستية إيرانية إلى روسيا، وقد هدَّدت الدول الثلاث، بأنها ستتخذ خطواتٍ فوريةً لإلغاء اتفاقات ثنائية تتعلق بخدمات جوية مع إيران، كما دعوا طهران إلى الوقْف الفوريِّ لكل الدعم المقدم إلى روسيا في حربها على أوكرانيا.
من جهتها، أكَّدت الولايات المتحدة، أن العقوبات الجديدة ستُقيِّدُ الرحلات الجوية لشركة “إيران إير” بين المدن البريطانية والأوروبية وطهران.
في السياق ذاته، أعلنت بريطانيا، يوم 10 سبتمبر، حِزْمَةً جديدةً من العقوبات؛ إذ أدْرجت سبعة كيانات على نظام عقوبات إيران، وثلاثة على نظام عقوبات روسيا، وتشمل الكيانات الخاضعة للعقوبات شركات ومنظمات تربطها صلاتٌ بقطاع تصنيع الطائرات المُسيَّرة في كُلٍّ من روسيا وإيران.
في المقابل؛ توعَّدت إيران بالرَّدِّ على هذه العقوبات، والتي أكَّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، أنها تُمثِّلُ “استمرارًا للسياسة العدائية للغرب والإرهاب الاقتصادي ضد الشعب الإيراني، والتي ستُواجه بالإجراءات المناسبة والمتسقة من جانب إيران”[13].
وعلى إثْر ذلك؛ استدعت وزارة الخارجية الفرنسية، القائم بالأعمال الإيراني، فيما استدعت الخارجية الإيرانية رؤساء البعثات الدبلوماسية لكُلٍّ من بريطانيا وفرنسا وهولندا وألمانيا.
إجمالًا:
يتضحُ من سياسة ضبْط النَّفْس التي تتبعها إيران إزاء الاستفزازات الإسرائيلية، أنها تُراهن على شراء الوقت حتى فوز كامالا هاريس في الانتخابات الأمريكية، وذلك عن طريق تجميد وتهدئة الموقف، والاكتفاء بتنفيذ ردودٍ رمزيةٍ، محسوبةٍ من خلال وكلائها في المنطقة؛ تسهيلًا للوصول إلى اتفاق هُدْنة غزة، قبْل نوفمبر المقبل، والذي سيُرجِّحُ بشكلٍ كبيرٍ كفَّةَ المُرشَّحة الديمقراطية على حساب الجمهوري دونالد ترامب؛ بمعنى أنه بات من مصلحة إيران حاليًا وقْف الحرب في غزة؛ ما يجعلها تتمهل في تنفيذ ردِّها الحاسم على اغتيال إسماعيل هنية، أثناء وجوده في طهران، والذي لا تزالُ تُهدِّدُ به.
ولكن هذا الرّهان الإيراني تقف أمامه العديد من العقبات والتحديات؛ منها: تصاعُد الخلافات بين إيران والغرب على إثْر تعاونها العسكري مع روسيا، واستمرار أزمتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، النِّسَب المرتفعة التي يحصل عليها المرشح دونالد ترامب في استطلاعات الرَّأْي، والتي تُرجِّحُ عودته للرئاسة مُجدَّدًا، فضلًا عن التمادِي الإسرائيلي، والذي يستند إلى رغبة بنيامين نتنياهو في تحقيق أكثر خسائرَ مُمْكِنَةٍ لإيران وأذرعها في المنطقة؛ استغلالًا للمأزق الذي تعيشه طهران حاليًا، وللرغبة الإيرانية المُلِحَّة لاستئناف المفاوضات النووية، والتي تُجبر طهران على الصَّمْت، واتباع نهْج الصبر الإستراتيجي.
المصادر:
[1] خامنئي يفتح الباب أمام المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني، أسوشيتد برس، روسيا اليوم، 27/8/2024، متاح على الرابط: https://arabic.rt.com/world/1595146-%D8%AE
[2] مساعٍ إيرانية لإزالة العقوبات بالحوار، صحيفة الشرق الأوسط، 29/8/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86
[3] طهران تطلق «إشارة متحفظة» لاستئناف مفاوضات النووي، الشرق الأوسط، 28/8/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86
[4] إيران: إحياء الاتفاق النووي مشروط بعودة الأطراف الأخرى إليه، الشرق الأوسط، 9/9/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86
[5] إيران واغتيال هنية.. من الانتقام الشديد إلى الرد المحسوب والحوار مع “العدو”، العربية.نت، 1/9/2024، متاح على الرابط: https://www.alarabiya.net/iran/2024/09/01/%D8%AA%D8%AD%
[6] التفاوض أم الردع؟… إيران بين هاريس وترمب، الشرق الأوسط، 30/8/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-
[7] هدى رؤوف، لماذا تتعجل إيران استئناف المفاوضات النووية؟، اندبندنت عربية، 30/8/2024، متاح على الرابط: https://www.independentarabia.com/node/606757/%D8%A2%D8%B1%
[8] هدى رؤوف، لماذا تتعجل إيران استئناف المفاوضات النووية؟، مرجع سابق.
[9] واشنطن ترد على خامنئي بشأن التفاوض حول النووي: “ننتظر الأفعال لا الأقوال”، العربية.نت، 28/8/2024، متاح على الرابط: https://www.alarabiya.net/iran/2024/08/28/%D9%88%D8%A7%D8%B4
[10] إيران ترفض تفتيشاً دولياً يتجاوز «معاهدة حظر الانتشار»، الشرق الأوسط، 1/9/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-
[11] أوروبا لمنع النووي الإيراني بـ«كل الوسائل»، الشرق الأوسط، 12/9/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-
[12] عقوبات أميركية – أوروبية على طهران بسبب تقديمها صواريخ باليستية لروسيا، الشرق الأوسط، 10/9/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%
[13] إيران تهدد بـ«إجراءات مناسبة» بعد العقوبات الأوروبية، الشرق الأوسط، 11/9/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86