هل تعصفُ سياساتُ ترامب بالعلاقات الهندوراسية – الأمريكية؟

إعداد: إسراء عادل

باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية

في تطورٍ غير مسبوقٍ قد يغيرُ ملامح العلاقات الأمريكية – الهندوراسية، هددت رئيسة هندوراس زيومارا كاسترو، في مطلعِ يناير الحالي، بطردِ القواتِ العسكرية الأمريكية من أراضيها، وهو تهديدٌ ينطوي على تبعاتٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ خطيرةٍ، خاصةً وأن هذه التهديدات تأتي في وقتٍ حساس للغاية، حيث كانت القواعدُ العسكريةُ الأمريكيةُ تمثلُ حجرَ الزاوية في التعاون بين البلدين، لا سيَّما في مجالاتِ مكافحةِ المخدرات والجريمة المنظمة، فضلاً عن دعم الأمن الإقليمي. ولكن في ظل تصاعد التوترات الناتجة عن السياساتِ المتشددةِ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فيما يتعلق بقضايا الهجرة والتعاون الأمني، فإن احتماليةَ إغلاقِ هذه القواعد لن يكونَ مجردَ قرارٍ عسكريٍ، بل سيشكلُ ضربةً قويةً للعلاقات الثنائية بين البلدين، وسيترتبُ عليه تداعياتٌ واسعةٌ ليس فقط لهندوراس، بل للمنطقة بأسرها. وفي هذا السياق تبرزُ عدة تساؤلات محورية، حول العواقب المحتملة لهذا التصعيد، وما هي الخياراتُ المتاحةُ أمام هندوراس لمواجهة سياسات ترامب المتشددة؟ وكيف سترد الولايات المتحدة على هذا التحدي الخطير الذي قد يعيد رسم خرائط التحالفات في أمريكا اللاتينية؟

أسبابُ التوترِ الأمريكي – الهندوراسي:

هددتْ رئيسةُ هندوراس زيومارا كاسترو في خطابها بمناسبة العام الجديد، بأنها ستُنهي وجود القواعد العسكرية الأمريكية في البلاد، رداً على خطط الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب والمتعلقة بتنفيذِ عملياتِ الترحيل الجماعي للمهاجرين الهنودوراسيين عند توليه منصبه في 20 يناير الحالي، وأكدت على أن استمرارَ تلك التصرفات العدائيةِ ضد المهاجرين، ستدفع هندوراس إلى إعادة النظر في التعاون مع الولايات المتحدة، لا سيَّما في المجال العسكري والأمني، خاصةً وأن واشنطن تحتفظُ بقواعدَ عسكريةٍ في البلاد دون دفعِ أيِ تكاليف مالية، إذ تمتلكُ الولاياتُ المتحدة قاعدةَ سوتو كانو العسكرية في بالميرولا منذ الثمانينيات، والتي تم إنشاؤها لمكافحة الحركات الشيوعية، ويتمركز بها ما يقرب من 400 جندي أمريكي.

ويأتي هذا التهديدُ في ظلِّ تصاعدِ الجدل حول السياسات المتشددة للرئيس ترامب لترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين، بحيث تشملُ قوائم الترحيل 280 ألف هندوراسي، وهذا ما دفع كاسترو في خطابها إلى تحذير واشنطن بأن الطردَ الجماعيَ للمهاجرين سيؤدي إلى فقدان الولايات المتحدة مبرراتها لوجودها العسكري في هندوراس.^[1]

وفي السياقِ ذاته يبدو أن تصريحاتِ كاسترو نتجَ عنها انتقاداتٌ واسعةٍ من المعارضة السياسية في هندوراس، حيث اتهمها المرشحُ الرئاسيُ المحتملُ عن الحزب الليبرالي، خورخي كاليكس، بأنها تعرّضُ أمن البلاد للخطر، وتعصفُ بالعلاقات مع واشنطن الشريك الاستراتيجي لهندوراس.^[2]

تداعياتٌ محتملةٌ للتصعيد:

تعتبرُ القواعدُ العسكريةُ الأمريكيةُ في هندوراس عنصراً رئيسياً في التعاون الأمني بين البلدين، حيث تستخدمها واشنطن لتعزيزِ جهود مكافحة تهريب المخدرات والجريمة المنظمة في المنطقة، ولذلك فإن التهديدَ بإغلاقِ تلك القواعد يعدُ خطوةً مثيرةً للقلق ويشملُ تداعياتٍ كبيرةً على المستوى الإقليمي والدولي، كما يؤثر على العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وهندوراس، وفيما يلي أبرز تلك التداعيات المحتملة:

تدهورُ العلاقاتِ الدبلوماسية بين البلدين: فإذا نفذت هندوراس تهديدها بإغلاق القواعد الأمريكية، فهذا سيؤدي إلى تصعيد كبير في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مما يدفع الولايات المتحدة بتقليص الدعم الاقتصادي أو فرض عقوبات، مما يضر بالاقتصاد الهندوراسي في ظل الاعتماد الكبير على المساعدات الأمريكية.

التأثير على التعاون الأمني بين البلدين: إن التهديد بطرد القوات الأمريكية سيؤدي إلى تقليل الدعم العسكري الأمريكي، مما يؤثر سلباً على جهود هندوراس في محاربة العصابات المسلحة التي تمثل تهديداً للأمن الداخلي، ففي ظل غياب التعاون العسكري الأمريكي، قد تزداد وتيرة العنف والجريمة المنظمة في البلاد. ومن جهة أخرى، فإن فكرة إغلاق القواعد الأمريكية سيضعف من قدرة الولايات المتحدة أيضاً على مراقبة التهديدات الأمنية والتعامل معها في منطقة أمريكا الوسطى، خاصة وأن هذه القواعد تعد جزءاً من استراتيجية أوسع لضمان الاستقرار الإقليمي، لذا فإن إغلاقها قد يعزز النشاطات المعادية في المنطقة.

التأثير على التجارة والاقتصاد: تعد الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري لهندوراس، لذلك فإن إنهاء التعاون العسكري وطرد القوات الأمريكية سيؤثر على العلاقات التجارية بين البلدين، خاصة إذا قامت واشنطن بفرض عقوبات على بعض القطاعات الصناعية في هندوراس، الأمر الذي يضر الاقتصاد الهندوراسي في ظل الأزمات الاقتصادية الحادة، كما أن هندوراس تعتمد على التحويلات المالية من مواطنيها في الخارج، حيث يوجد أكبر جالية لها في الولايات المتحدة، ويعيش حوالي 5% من سكان هندوراس في واشنطن، أي ما يقرب من 500 ألف مواطن، وبدون التحويلات المالية من مواطنيها، فمن المتوقع أن يتعرض الاقتصاد الهندوراسي لضربة كبيرة، وبالتالي سيكون من الصعب على حكومة هندوراس مواجهة تلك التحديات.^[3]

وعلى الجانب الأخر، يمكن أن تتأثر الاستثمارات الأمريكية في هندوراس، حيث تستثمر العديد من الشركات الأمريكية في هندوراس في مجالات الزراعة والتعدين والبنية التحتية، وبالتالي فإن تصعيد الخلافات بين البلدين قد يؤدي إلى تقليل الثقة من قبل المستثمرين الأمريكيين في هندوراس، مما يضر الاقتصاد الأمريكي.

التغيير في سياسة التحالفات الدولية لهندوراس: ففي حالة إنهاء التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، ستقوم هندوراس بالبحث عن شركاء جدد، مثل روسيا والصين، الأمر الذي يغير من ديناميكيات المنطقة، ولكن يتسبب أيضاً في عزلة دولية لهندوراس، فبينما يعزز بعض الشركاء العلاقات مع هندوراس، فقد يقلل البعض الآخر من مساعداته بسبب التوترات مع أكبر قوة في العالم، خاصةً الدول الغربية الحليفة لأمريكا.

تداعيات سياسية داخلية في هندوراس: فقد تواجه الحكومة الهندوراسية انتقادات شديدة من قبل القوى السياسية المعارضة، والتي ترى في التعاون العسكري مع الولايات المتحدة أداة أساسية للاستقرار الداخلي، فهذه التهديدات قد تثير استقطاباً داخلياً حاداً وتؤدي إلى توترات سياسية بين الحكومة ومعارضيها.

الردود الأمريكية المحتملة:

إن التهديد بإنهاء التعاون العسكري بين البلدين وطرد القوات الأمريكية من هندوراس قد يكون له تأثيرات واسعة على العلاقات الثنائية، خاصة في ظل الإدارة التي يقودها الجمهوريون برئاسة دونالد ترامب، فمن المرجح أن يقوم الجمهوريون بتصنيف حكومة الرئيس زيومارا كاسترو على أنها متحالفة مع الحكومات المناهضة للولايات المتحدة مثل حكومتي فنزويلا ونيكاراغوا.

ويبدو أن الرئيس ترامب سيتعامل مع تلك التهديدات بردود قاسية، من خلال تشديد سياسات الهجرة بدرجة أكبر، مع فرض عقوبات اقتصادية على بعض القطاعات في هندوراس. كما يمكن أن تقوم الإدارة الأمريكية أيضاً بدعم المعارضة السياسية في هندوراس مما يفاقم التوترات السياسية الداخلية بين الحكومة والمعارضة. ومن الناحية الأمنية والعسكرية فقد تسعى واشنطن إلى تعزيز قواعدها العسكرية في الدول المجاورة لهندوراس مثل السلفادور وغواتيمالا لتعويض دورها العسكري في هندوراس.

ختامًا يمكن القول

إن تهديد هندوراس بطرد القوات الأمريكية وإغلاق القواعد العسكرية يُمثل نقطة تحول خطيرة في العلاقات بين البلدين، فإلى جانب تأثيره العميق على الاستقرار الأمني في المنطقة، قد يُفضي هذا التصعيد إلى تداعيات اقتصادية وأمنية حادة، سواء بالنسبة لهندوراس أو للولايات المتحدة. علاوة على ذلك، فقد يُسهم هذا التحول في تغيير توازن القوى الإقليمي، ويُعمق الأزمات التي تعيشها منطقة أمريكا الوسطى، بما في ذلك تفاقم مشكلات الهجرة غير الشرعية، الأمر الذي يخلق تحديات أكبر ليس فقط لهندوراس بل أيضاً للولايات المتحدة والمنطقة ككل.

ومن هذا المنطلق، فمن الضروري النظر في استراتيجيات دبلوماسية مرنة وشاملة، تسهم في تجنب التصعيد وتعزز التعاون البناء بين الأطراف المعنية، بما يحفظ مصالح الأمن والاستقرار الإقليمي ويجنب المنطقة مزيداً من التوترات.

المصادر:

^[1] Agenzianova news ، هندوراس.. كاسترو: إزالة القواعد العسكرية الأمريكية إذا واصل ترامب عملية الطرد الجماعي للمهاجرين، 2 يناير 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/BgjhvmSu

^[2] جسور بوست، رداً على سياسات ترامب “العدائية للمهاجرين” هندوراس تهدد بإنهاء الوجود العسكري الأمريكي، 4 يناير 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/vZVCpoy8

^[3] الخليج انسايدر، لماذا تهدد هندوراس بطرد القوات الأمريكية؟، 4 يناير 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/jX6JlLcL