المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > هل تنجحُ الوساطةُ الهندية بين روسيا و أوكرانيا؟
هل تنجحُ الوساطةُ الهندية بين روسيا و أوكرانيا؟
- أغسطس 28, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات
إعداد: مريم هشام
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
في وقتٍ تَحتدِمُ فيه الحرب الروسية الأوكرانية، خاصةً بعد الهجوم الأوكراني على منطقة كورسك غرب روسيا و تمركزِ القوات الأوكرانية في المنطقة منذ ٦ اغسطس الجاري، إلى جانب التوغل الروسي في أوكرانيا، بدأت بعضُ الدول السعي للعمل كوسيطٍ بين روسيا و أوكرانيا؛ من أجل التوصل لمفاوضات تجمع الطرفين، وكانت بداية تلك المحاولات المساعي القطرية التي تعثَّرت بعد هجوم كورسك حيث كان من المقرر أن تستضيفَ الدوحة محادثات بين روسيا وأوكرانيا خلال هذا الشهر، ولكن يوم الجمعة، 23 أغسطس، قام رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، بزيارةٍ تاريخية إلى أوكرانيا، حيث تعد تلك الزيارة هي الأولى لزعيم هندي إلى أوكرانيا منذ استقلالها عن الإتحاد السوفييتي ١٩٩١، ف فهل تَنجحُ الوسَاطةُ الهندية في ذلك؟
آخرُ التطوراتِ في ملف الحرب الروسية الأوكرانية:
في وقت تأخذُ فيه الحربُ الروسيةُ الأوكرانية مسارًا مثيرًا للقلق، احتفلت كييف بذكرى استقلالها عن الإتحاد السوفييتي وذكر “زيلينسكي” أن روسيا أرادت تدمير أوكرانيا عندما بدأت تلك الحرب في عام ٢٠٢٢، إلا أن أوكرانيا تقوم الآن بالانتقام، واصفاً ذلك الانتقام بأنه “العدالة”، ويُذكَرُ أن أوكرانيا بدأت هجوماً حادًا على منطقة كورسك الحدودية مع موسكو واستولت على عشرات البلدات ومئات الكيلومترات من الأراضي الروسية. كذلك فقد أصدر الأوكراني “زيلينسكي” قانونا يحظر المؤسسات الدينية المرتبطةِ بالكرملين قائلاً “أن تلك الخطوة تساعد في استقلال بلادهِ خاصةً انه انهم تلك المؤسسات بالتواطؤ مع موسكو خلال العملية العسكرية على أوكرانيا”[1].
منذ بداية الحرب، حاولت عدةُ قوى دولية القيامَ بدور الوساطة لوَضْعِ حدٍّ للحرب بين البلدين لكن دون الوصول إلى حل بسبب صعوبة التوصل إلى اتفاق يوازن بين مطالب الطرفين، وبعد الهجوم الأوكراني على كورسك زادت صعوبة التوصل إلى حلول تَدعمُ وَقْفَ الحرب بين الطرفين و التوصلَ لاتفاق.
محاولةُ الوساطةِ الهندية بعد الهجوم الاوكراني على كورسك
وَصَلَ رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” إلى كييف، يوم الجمعة 23 اغسطس الجاري، و التقى بالرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي”، وعرض مودي بأن الهندَ مستعدةٌ للعمل كوسيط للتوصل إلى إتفاقية سلام بين البلدين من شأنها أن تُنْهيَ الحرب، كما أكد على احترام ودعم الهند للسيادة الأوكرانية على أراضيها[2].
من الجدير بالذكر أن “مودي” قد قام خلال شهر يوليو الماضي بزيارة إلى موسكو تزامنت مع هجومٍ صاروخي روسي على أوكرانيا كانت من ضمن اهدافه مستشفى “أوخماديت”[3]، مما جعل تلك الزيارة مثيرةً للانتقادات من جانب الرئيس الأوكراني “زيلينسكي”، الذي عَبّرَ عن خيبة أمله حينها قائلا “أن تلك الضربة مدمرة لجهود السلام”، وذكر “مودي” تفاصيل تلك الزيارة خلال زيارته لكييف مؤكدًا أنه قد ابلغ الرئيسَ الروسي “فلاديمير بوتين”، بأن المشاكلَ لا يُمكنُ حلُّها خلال ساحة المعركة و إنما بالحوار و الدبلوماسية موضحاً بذلك موقف دولته من الحرب و مؤكداً على الدور الحيادي للهند و رغبتها في العمل كوسيط.
وعلى الرغم من انتقادِ الهند لروسيا خلال هجومها على المنشآت المدنية، إلا انها أيضاً تربطها علاقاتٌ متنوعةٌ و قويةٌ مع موسكو خاصة في الوقت التي فرضت فيه الدول الغربية عقوباتٍ ضخمة عليها، وقطعت معها العلاقات التجارية بسبب الحرب على أوكرانيا، فمن جانب التعاون الاقتصادي، تُعَدُّ روسيا واحدةً من الموردين الأساسيين للهند التي تستورد منها النفط و الأسلحة بشكلٍ خاصٍ أيضا هناك عددٌ من الاتفاقيات بين البلدين الموقعة حديثا لتطوير التعاون الاقتصادي و التجاري بينهما مثل توقيع الطرفين على إتفاقية تدعم زيادة حجم التجارة بين البلدين ليصل إلى 100 مليار دولار عام 2030، و في مجال التعاون العسكري و الدفاعي تم توقيع إتفاقية لضرورة تعزيز أنظمة الدفاع المتقدمة و نقل التكونولجيا العسكرية للهند، كذلك تَربِطُ البلدان علاقاتِ تعاونٍ خاصة بمجال الطاقة و التكنولوجيا منها الاتفاقيات المشتركة في مجال الطاقة النووية السلمية، و غيرها من المجالات التي تجعل من العلاقات الروسية الهندية علاقات قوية[4].
وفي ضوء الجهود الدولية الآخرى للقيام بالوساطة قبل هجومَ كورسك، يُذْكرُ أنه قبل الزيارة الهندية إلى أوكرانيا كانت كلٌ من كييف و موسكو تستعدان لإرسال وفودٍ إلى قطر خلال الشهر الجاري لإجراء مفاوضاتٍ هدفها وقف إطلاق النار بين الطرفين و التوقف عن ضرب البنية التحتية للطاقة، و قد اجتمع الوفد القطري بشكل منفصل مع كلا الوفدين استعدادا للمفاوضات التي كان مقرراً حدوثها، إلا أن تلك المحادثات توقفت بعد الهجوم المفاجئ الذي شنته أوكرانيا على كورسك الروسية[5].
و يُمكنُ القولُ أن الهندَ تسعى من خلال تلك الوساطة بتحقيق عدد من الأهداف:
منذ بدايةِ الحربِ، تَتخِذُ الهند موقفا حياديا و عكست زيارة “مودي” إلى كييف ذلك من خلال دعم أوكرانيا و التأكيد على حقهِا في السيادةِ على أراضيها؛ فإن ذلك الموقف يدعم مصالح نيودلهي من خلال الحفاظ على مكانتها دون التعرض لضغوط أيٍ من الشريكين الروسي و الأمريكي، فكذلك عكست الزيارة الهندية لروسيا يوليو الماضي رغبة الهند في التأكيد على استقلالها الخارجي دون الانحياز إلى معسكرٍ دولي مُعينٍ، وتلك السياسة الخارجية الهندية تلبي طموحها في الوصول إلى ان تكونَ قطباً مهماً في السياسة الدولية[6].
تجمع نيودلهي و كييف علاقات قوية و بشكل خاص فإن الهند تَحْرِصُ على إبقاء العلاقات التجارية مع أوكرانيا؛ فالهند تعد هي الوجهة الأولى لصادرات أوكرانيا، و يبلغ حجم التجارة بين البلدين ٢,٥ مليار دولار طبقا للسنة المالية ٢٠٢٠-2021 [7].
أيضا فإن الهندَ حريصةٌ على الحفاظ على التوازن الإقليمي والدولي في آسيا، لذلك أكد “مودي” في تصريحٍ سابقٍ له أن الهند تسعى للتعاون مع روسيا و أوكرانيا للحفاظ على الاستقرار والسلام في القارة الآسيوية.
كذلك فإن الهند ترى في روسيا قوةً آسيوية لا غنى عنها خاصة في ظل علاقاتها القوية مع القوى النووية الثلاث: كوريا الشمالية، الصين، وباكستان، خاصة الصين التي أثارت الشراكة الروسية معها بعد حربها ضد أوكرانيا قلق الهند؛ نظرا لوجود نزاعات حدودية بينها وبين الصين.
و على الجانب الإقتصادي، فإن نيودلهي تسعى بشكل عام إلى توسيع دائرة العلاقات الإقتصادية مع كلٍ من موسكو و كييف من خلال توسيع سوق الصادرات الهندية في كلا البلدين و ولا تريد أن تَقِفَ الحرب حاجزا أمام تحقيق ذلك، فعلى سبيل المثال: يُذكر أن الهند اصبحت اكبر مُشترٍ للنفط الروسي بعد عام فقط من بداية الحرب[8].
و يُمكنُ تحديدُ أبرز نقاط ضعف و قوة جهود المفاوضات بعد حادثة كورسك كالآتي:
أولا: نقاطُ الضعف
تصريحات المسئولين في كلٍ من روسيا و أوكرانيا لا تتنبأ بإمكانية حدوث مفاوضات في المستقبل القريب، فلاحقا ذكر رئيس الخارجية الروسي أنه لن تكون هناك مفاوضاتٌ مع كييف في الوقت الذي أعلنت فيه كييف أنها لن تقبل إلا بمفاوضات تتم بشروطها[9].
تَعْتبرُ روسيا الهجومَ على كورسك بمثابة استفزاز لها و تهديد لأمنها و أمن الطاقة لديها، لذلك نجد في خطابات الرئيس “بوتين” ميل إلى عدم قبول الدخول في مفاوضات، و ظهر ذلك عندما أعلنت موسكو تأجيلها لجلسة المفاوضات التي كان من المقرر اجراؤُها في الدوحة الشهر الجاري، و ذلك بعد هجوم أوكرانيا على منطقة كورسك مما أثار الغضب الروسي.
الوضع العالمي الحالي ملئٌ بالتوترات و الصراعات مما يجعل الجهود الدولية الساعية لإيجاد حلول لمختلف قضايا العالم حاليا غير قادرة على التركيز على قضية واحدة، فعلى سبيل المثال في الوقت الذي حاولت فيه قطر اجراء مفاوضات بين روسيا و أوكرانيا، كانت تسعى على الناحية الآخرى لبحث مفاوضات خاصة بالحرب في غزة، مما يُضعِفُ من تركيزها على الحرب الروسية الأوكرانية وحدها، و بالتالي يعني بطء عملية المفاوضات.
حتى الآن كان الهجوم الأوكراني على كورسك يهدف إلى الضغط على روسيا للدخول في مفاوضاتٍ لوقف إطلاق النار، إلا انه من المتوفعِ أن يتحولَ الهدف إلى انتقامٍ غاشمٍ في حالة تَعنّتِ روسيا و استمرار رفضها للمفاوضات، و بالتالي تطول مدة الحرب التي يجهل كلا الطرفين ما ستؤول إليه افعالهم.
ثانيا: نقاطُ القوة
احتماليةُ إجراء مفاوضات بوساطة طرف ثالث تقبلها أوكرانيا، مثل الهند، ولا يستبعد المستشارون المقربون من الرئيس الأوكراني قيام تلك المفاوضات خاصة وأن هدف أوكرانيا في التوغل في كورسك لم يكن رغبةً منها في السيطرة على جزءٍ من الأراضي الروسية، وإنما كان هدفُها الضغط على روسيا لقبول المفاوضات وقف الحرب، و بالتالي فإن أوكرانيا تمتلك النية في قبول المفاوضات.
المساعي الهندية التي ظهرت من خلال زيارة “مودي” لروسيا يوليو الماضي، وزيارته الأخيرة لأوكرانيا، تَبّعثُ الأملَ في إمكانيةِ قَبولِ الطرفين للدخول في المفاوضات من جديد بدلا من تصعيد الأوضاع أكثر من ذلك.
احتمالية نجاحِ الهند بدور الوساطة بين البلدين كبيرة لما تمتلكه الهند من علاقات وثيقة بكل من روسيا و أوكرانيا، خاصة و أن الهندَ ترغب في استقرار المنطقة الآسيوية و ترغب في كسب روسيا كحليفٍ لها خوفا من أي تداعيات في المستقبل، فهي تمتلك من الاهداف ما يجعلها مصممة على التركيز في قضية الحرب الروسية الاوكرانية و حلها.
ختاما؛
يُمكنُ القولُ بأنه بعد الهجوم الأوكراني المفاجئ على منطقة كورسك بدأت الحرب الروسية الأوكرانية تتخذ مسارًا مثيرا للقلق، خاصة في ظل التلويح باستخدام النووي من خلال تصريحات المسئولين الروس، إلا أن زيارةَ رئيس الوزراء الهندي “مودي” لأوكرانيا تُشِيرُ إلى إمكانية قيام الهند بدور الوسيط بين البلدين، و من ضمن الأسبابِ التي تَجعلُ من الهند قادرةً على القيام بالوساطة انها تمتلك عَلاقاتٍ قويةً بكل من روسيا و أوكرانيا و خاصة روسيا التي تَربْطُها بها علاقات متعددة الأبعاد في مجالات مثل: الاقتصاد و الطاقة و التكنولوجيا، مما يُقَوّي من دَورِ الهند كوسيط يمكنه التخطيط لإجراء المفاوضات بين الطرفين و التوصل لحلٍ لوقف إطلاقِ
المصادر:
[1] زيلينسكي: الحرب “عادت” إلى روسيا، سكاي نيوز عربية، 24 اغسطس 2024
[2] الأولى منذ 33 عاما.. هل تصلح زيارة مودي لكييف العلاقة مع أوكرانيا؟،صفوان جولاق، الجزيرة،23 اغسطس 2024
[3] الامم المتحدة، 8 يوليو
https://news.un.org/ar/story/2024/07/1132356
[4] العلاقات الروسية الهندية، ديمتري بريجع، مركز الدراسات العربي الاوراسية، يوليو 2024
[5] قطر كانت على وشك وساطة تاريخية بين أوكرانيا وروسيا، مشيرب، 22 اغسطس 2024
[6] مرجع سابق
[7] موقف الهند من الحرب الروسية الأوكرانية، ليث العبيدي، مجلة بحوث الشرق الأوسط، ع 12، ديسمبر 2023
[8] دوافع ودلالات تعزيز العلاقات الهندية الروسية في بيئة دولية مُعقَّدة، مركز المستقبل للأبحاث و الدراسات، 16 يوليو 2024
[9] زيلينسكي: لن نتنازل عن أراضينا لإنهاء النزاع مع روسيا، ارابيك RT، 25 اغسطس 2024