المقالات
هل من الممكن أن يؤدي التعنت الإسرائيلي في عمليات السلام إلى تجميد اتفاقية كامب ديفيد؟
- مايو 22, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: مروة سماحة
المقدمة
لطالما كانت سياسة ” ضبط الأنفس ” هي المحدد الواضح في العلاقات المصرية – الإسرائيلية ولاسيما فيما يخص الملف الفلسطيني؛ فمنذُ أن أعلن نتنياهو حربه على غزة ،سارعت مصر بالتدخل كوسيط بين حماس وإسرائيل لإنهاء الحرب وإعادة الرهائن ، كذلك بذلت قصارى جهدها للتوصل إلى أرضية مشتركة بين الطرفين، وعلى المستوى الإنساني كانت مصر في مقدمة البلدان التي سارعت بإرسال معونات إنسانية لقطاع غزة في ظل سياسة التجويع الغاشمة التي فرضتها إسرائيل على سكان القطاع منتهكة بذلك القانون الدولي الإنساني بشكل صارخ، كذلك رفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي المشروع الإسرائيلي المتمثل في التهجير القسري لسكان غزة إلى سيناء مشددًا أن في ذلك تصفية مباشرة للقضية الفلسطينية واخلال بقواعد القانون الدولي.
وبالرغم من سعي مصر الدائم منذُ السابع من أكتوبر في إحلال السلام وإنهاء الحرب، كان الموقف الإسرائيلي في غاية التعنت أمام دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع ، اضف إلى ذلك الرفض المستمر لأطروحات السلام. ولم يقف الأمر لدرجة التعنت فقط، بل تعدى ذلك؛ فقد اتجهت تل ابيب إلى سياسة تزييف الحقائق وتلفيق الجرائم وانتهاك الاتفاقيات ، وانطلاقًا من ذلك رفعت مصر دعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بجانب دولة جنوب افريقيا.
وفي تلك الورقة سيتم تناول مظاهر التوتر في العلاقات المصرية الإسرائيلية وتداعياته، بجانب لمحة عن الرغبة العربية المستمرة للسلام في ضوء التعنت الإسرائيلي.
أولًا: مظاهر التعنت الإسرائيلي أمام السبل المصرية لتسوية الحرب
كما ذكرنا انفًا أن مصر قدمت منذُ بداية الحرب الكثير من الجهود التي لا يمكن اختزالها سواء على صعيد الوساطة أو على الصعيد الإنساني، وعلى النقيض استمر الكيان الإسرائيلي في السير على نهج التعنت والاستفزاز ناهيك عن سياسة لي الحقائق والانتهاك الصارخ للاتفاقيات الدولية بين الطرفين. مما جعل مصر ترخي يدها قليلًا عن التزامها بسياسة ” ضبط الأنفس” سالكةً نهجًا جديدًا في معادلتها مع إسرائيل غير مسبوق . وإبان السطور التالية سيتم التمعن في سياسة إسرائيل التي اسفرت إلى تأجيج التوترات بينها وبين مصر .
1 – رفع علم إسرائيل على معبر رفع من الجانب الفلسطيني
سبق وأن حذرت مصر إسرائيل في شهر ابريل الماضي بقطع العلاقات المشتركة بين الدولتين عندما اعلن نتنياهو عن رغبته المستميتة في اجتياح رفح، وفي ذلك الصدد، صرح موقع “اكسيوس” الأمريكي أن اجتياح رفح ونزوح عشرات الآلاف إلى مصر سيؤدي بطبيعة الحال إلى انهيار العلاقات الثنائية بين الدولتين لأنه سيعرض الأمن القومي المصري لخطر كبير وسيحول مصر من وسيط إلى طرف في الحرب.
وفي يوم 7 مايو ، ازدادت حدة التوترات بين مصر وإسرائيل على أثر مشهد الدبابات الإسرائيلية في معبر رفح الفلسطيني تحمل العلم على بعد امتار قليلة من الحدود المصرية ، فالاجتياح الإسرائيلي لشرق رفح والسيطرة على المعبر البري من الجانب الفلسطيني، يمثلان انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، كذلك يقوضان سبل السلام والتهدئة كما يعد ذلك انتهاكا صارخا لاتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل، ونصوصها الأمنية. وكان لذلك تداعيات إذ أصبحت العلاقة بين الدولتين أكثر اضطرابًا وظهر ذلك في اللهجة الحادة لكلا الطرفين وتبادل الاتهامات علاوة على اتخاذ مصر إجراءات تصعيدية والادلاء بتقارير تؤكد على تأثير عملية السلام بين الدولتين التي تعد الأساس البين للعلاقات بين الدولتين ما يقرب من 50 عامًا.
وفي السياق نفسه، رفض الجانب المصري التنسيق مع إسرائيل لإعادة فتح المعبر وأوقفت دخول المساعدات الإنسانية عبر معبري رفح وكرم أبو سالم ، أعلن نتنياهو أن ذلك التصرف بمثابة احتجازًا للفلسطينيين رهائن في رفح.
والجدير بالذكر أن ما زاد الأمور سوءًا، هو هدم إسرائيل لمحادثات الهدنة التي استضافتها مصر لوقف اطلاق النار في غزة قبل عدة أسابيع من الاجتياح، وفي ذلك الصدد، وافقت حماس على مقترح تقدمت به مصر والولايات المتحدة وقطر، في حين مضي إسرائيل في عملياتها العسكرية برفح في الوقت نفسه[1].
كيف يمثل اجتياح رفح انتهاكًا واضحًا لاتفاقية كامب ديفيد
تعتبر اتفاقية كامب ديفيد بمثابة معاهدة سلام بين كل من مصر وإسرائيل وقعت عام 1979، وتعهد بموجبها الطرفان الموقعان بإنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بينهما.
تلزم اتفاقية كامب ديفيد بكل ما تحمله من نصوص أمنية الطرفان بصون سيادة وسلامة أراضي كلاهما، ومنع اللجوء إلى التهديد أو العنف المسلح، كذلك ضمان احترام الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان للسكان المقيمون في الأراضي الخاضعة للاحتلال .
وجاء ذلك متجليًا في المادة الرابعة من الاتفاقية و التي نصت على إقامة مناطق منزوعة السلاح على جانبي الحدود المصرية الإسرائيلية، وهو بالضبط ما خرقته إسرائيل حينما سيطرت على رفح بقواتها وبإدخال المعدات العسكرية الصلبة ، وما يحدث حاليًا من استهداف إسرائيلي ممنهج للمدنيين العزل في رفع بمثابة انتهاك صريح لجوهر اتفاقية السلام التي بموجبها كانت تضع حدًا للنزاع ليس فقط بين مصر وإسرائيل ولكن بين إسرائيل وجيرانها العرب
كذلك انتهكت إسرائيل المادة الأولى من اتفاقية كامب ديفيد والتي تنص على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية؛ وذلك من خلال استهدافها للأبرياء في رفح كذلك الاجتياح البري، كذلك تضمنت معاهدة السلام التزامًا بانسحاب القوات الإسرائيلية والمستوطنين إلى حدود ما قبل 1967
وفي ضوء الانتهاكات الوخيمة لإسرائيل التي تنتهك اتفاقية السلام مع مصر وفلسطين، يمنح القاهرة الحق القانوني الكامل في تعليق العمل بالاتفاقية أو الانسحاب منها، وفقًا لقواعد القانون الدولي[2]”..
2- اتباع اسرائيل لنهج تزييف الحقائق وتوريط مصر
لم تكف اسرائيل عن ممارسة الابادة الجماعية والتجويع كذلك سياسة التهجير منذٌ ثماني أشهر، ومنذٌ الحرب ومصر تندد بتفاقم الاعتداءات الاسرائيلية على المدنيين بغزة التي اسفرت عن مقتل ما يقرب من 35 الف فلسطيني، وسياسة التهجير العلنية، ناهيك عن عرقلة الجهود المصرية من أجل التوصل لاتفاق هدنة وتبادل للأسرى. ضف على ذلك سياسة تزييف الحقائق التي لعبتها الآلة الأعلامية الاسرائيلية وتوريط مصر في عملة الابادة وأثر ذلك رفعت مصر دعوى قضائية ضد اسرائيل بجانب جنوب افريقيا أمام محكمة العدل الدولية في لهاي في شهر مايو لوضع حد لسياسة التعنت والاجرام .
[3]
وفي صدد السياسة الاسرائيلية المستمرة لتوريط مصر أمام المجتمع الدولي، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس اتهم، أن مصر هي المتسسبة في المجاعة بغزة بغلقها لمعبر رفح وبالتالي تمنع وصول المساعدات الانسانية وردًا على ذلك صرح وزير الخارجية المصرية سامح شكري موافق 15 من شهر مايو الجاري رفض بلاده «القاطع لسياسة ليّ الحقائق والتنصل من المسئولية التي يتبعها الجانب الإسرائيلي»، وأكد الوزير في بيان «أن إسرائيل هي المسئولة الوحيدة عن الكارثة الإنسانية التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة حالياً». وأضاف الوزير أن السيطرة الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، والعمليات العسكرية الإسرائيلية التي تنفذها في محيط المعبر «هي السبب الرئيسي في عدم القدرة على إدخال المساعدات من المعبر».
[4]
ولم يقف التدليس عند ذلك الحد بل تعدى، ففي سياق سلسلة الاتهامات الموجه لاسرائيل في محكمة العدل الدولية، ادعى نائب المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية “غيل عاد” «رصد 700 نفق تقريباً في رفح (الفلسطينية) وحدها، وبينها 50 نفقاً تتجه نحو مصر، وداخل تلك الانفاق اسرى محتجزين». وجاءت تلك المزاعم بالتوازي مع هجوم صحيفة «معاريف» الإسرائيلية على مصر، وادعاءها بأن مصر «لم تدمر أنفاق حماس، واختارت بهدوء أن تكون بجانب الحركة».
ورد البرلمان المصري على ذلك، بأن تلك المزاعم ما هي إلا كذب بين صريح، فمصر دمرت جميع الانفاق لحماس عام 2020 وهناك منطقة عازلة بعمق 5 كيلومترات في رفح المصرية وبناء على ذلك لاتوجد انفاق حاليًا، كذلك أضاف أن الادعاءات الإسرائيلية، ما هي إلا محاولة للتغطية على أفعال إسرائيل في غزة، وسط استياء تل أبيب من التحرك المصري الأخير في محكمة العدل الدولية».[5]
كذلك زعمت صحيفة معارف الاسرائيلية في خضم شهر مارس الماضي أن مصر هددت اسرائيل بشكل صريح بتجميد اتفاقية كامب ديفيد إذا اجتاحت اسرائيل رفح، ولم يصدر أى بيان مصري واحد مفداه التهديد بتجميد أو الغاء الاتفاقية، وتزامنًا على تلك المزاعم، أكد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أن بلاده ملتزمة ببنود اتفاقية السلام مع “إسرائيل” بوصف الاتفاقية بأنها “خيار استراتيجي للدولة المصرية منذ 45 عاماً، وركيزة رئيسية للسلام في المنطقة لتحقيق الاستقرار”.[6]
ثانيًا : لمحة عن الرغبة العربية للسلام في ضوء التعنت الاسرائيلي
عكست المساعي العربية للسلام التعنت الإسرائيلي حيالها على مدار التاريخ السياسي انطلاقا من مبادرة السلام العربية التي انطلقت بمبدأ الأرض مقابل السلام إلى اتفاقيات إبراهام التي اختلفت عن سابقتها بشكل مطلق وجاءت بمبدأ السلام مقابل السلام ختامًا بجهود السلام التي تلعبها مصر وبعض الدول العربية في الوساطة بحرب غزة وبناء على ذلك فإن إسرائيل كيان لا يريد السلام مطلقا على عكس ما تروج إليه الاقترابات الغربية، فإسرائيل تلعب معادلة صفرية تريد من خلالها تحقيق السلام ولكن على حساب القضية الفلسطينية بتصفيتها جذريا وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى والشرق الأوسط الجديد الذي سبق وأعلنهم نتنياهو في خطابة امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي ذلك دلالة أن إسرائيل لا تؤمن بشيء سوى الهيمنة على كل شيء. وأن اتفاقيات إبراهام ما هي إلا حبر على ورق فيما يخص السلام في المنطقة بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص. كذلك أن استراتيجية إسرائيل تتمثل في رفض السلام مع ادعائها عكس ذلك، واستراتيجية العرب البحث عن السلام من دون أي ادعاء يناقض ذلك، واستراتيجية المجتمع الدولي تتمثل في التراخي أمام التعنت الإسرائيلي، وعدم ردعها بشكل لا يجعلها فقط تتنصل من القانون الدولي بل تعلو فوقه.
ختامًا
من خلال ما تم ذكره أنفًا، نستنتج أن طابع العلاقات المصرية الاسرائيلية بات يأخد منحنى متصاعد من التوتر في الفترة الأخيرة ولاسيما بعدما انضمت مصر لدعوى جنوب افريقيا ضد اسرائيل ناهيك عن رفض مصر التنسيق مع اسرائيل حول فتح معبر رفح فكان لذلك أثر كبير في زيادة حدة العلاقات، ويمكن اعتبار مزاعم الآلة الاسرائيلية ما هو إلا حيلة واضحة لتوريط مصر وتشتيت الرأي العام عن جرائمها الشنيعة ، وبالأخير ، فإسرائيل محاصرة قانونيًا ودوليًا من حيث خرقها لاتفاقية كامب ديفيد بوجودها العسكري في رفح بجانب جرائمها الغاشمة في حق المدنيين بغزة. ومهما كانت المزاعم التي تتداولها اسرائيل عن مصر، فهي لايمكن أن تبرأها قانونيًا من تواجدها العسكري برفح.
وبالنسبة لما تم تدواله عن صحيفة معارف الاسرائيلية بالتهديد المصري بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد، لم يصدر موقف رسمي مصري واحد يؤكد ذلك. وماهي إلا وسيلة لإحداث البلبلة وتشتيت الرأي العام عنها، وإن كان ليحدث، فسيحدث كورقة ضغط ليس إلا على تل ابيب لعدم اجتياح رفح.
المصادر:
[1] هشام المياني – ياسمين فرج, في ظل توتر العلاقات مع إسرائيل، ما هي أوراق الضغط التي تملكها مصر لوقف حرب غزة؟، بي بي سي نيوز عربي – القاهرة، 16/5/2024, https://shorturl.at/a2zOt
[2] مي عبدالمنعم، إسرائيل تجتاح معبر رفح.. كيف يمكن أن ترد مصر قانونيا؟، الشرق الأوسط، 7/5/2024، https://tinyurl.com/4jkdcrh4
[3] إسراء أحمد فؤاد، أسباب تمسك مصر بالانضام لدعوى ضد إسرائيل بمحكمة العدل الدولية.، اليوم السابع، 20/5/2024, https://t.ly/gHLfA
[4] الشرق الأوسط، مصر: نرفض سياسة ليّ الحقائق الإسرائيلية بشأن معبر رفح، الشرق الأوسط، 14 مايو 2024 ، https://shorturl.at/ri651
[5] الشرق الأوسط، هل يُصعّد «حديث الأنفاق» التوترات بين القاهرة وتل أبيب؟، الشرق الأوسط، 19/5/2024، https://shorturl.at/3WwbX
[6] كراديل عربي، مصر تؤكد التزامها باتفاقية “كامب ديفيد”:خيار استراتيجي لنا، كراديل عربي، 12 مارس 2024، https://shorturl.at/ghHex