تشهدُ السَاحة الإقليميةُ، خلال العاميْن الماضييْن، تصاعُدًا ملحوظًا في حِدَّة الاشتباك بين إسرائيل وجماعة الحوثي؛ إذ انتقل المسار من ضربات متفرقة إلى صراعٍ متنامٍ يلامسُ خطوطًا استراتيجية تمسُّ أمْن الطاقة وحركة التجارة الدولية؛ فقد شكَّلَتْ الغارةُ الإسرائيليةُ الواسعة على صنعاء، في 28 أغسطس الماضي – ضمن عملية “قطرة حظ” – منعطفًا مهمًا في هذا التصعيد؛ إذ استهدفت اجتماع حكومة الحوثيين غيرْ المُعْتَرَفِ بها، وأدَّتْ إلى مقتل رئيسها أحمد غالب الرهوي واثني عشر وزيرًا؛ ما مثَّلَ ضربةً مباشرةً لبِنْيَة الجماعة السياسية وألقى بظلاله على تماسُكها وصورتها كسلطة قادرة على إدارة مناطقها.
ورغم الصدمة، سارع الحوثيون إلى تأكيد استمرار قدرتهم على الرد؛ فخلال أقلّ من أسبوع، أطلقت الجماعة صاروخًا فرْط صوتي من طراز “فلسطين-2” أصاب محطَّة الكهرباء “أوروت رابين” في الخضيرة، كما استهدفت طائرات مُسَيَّرة مطار رامون في إيلات وأحدثت إصابات وأضرارًا مادية، بينما اعترضت الدفاعات الإسرائيلية ثلاث مُسيَّرات أخرى فوق ديمونة ووادي عربة، وفي 13 سبتمبر الجاري، جاء تصعيدٌ آخر، حين أعلنت القوة الصاروخية للحوثيين، تنفيذ هجوم بصاروخ باليستي انشطاري متعدد الرؤوس من الطراز نفسه، استهدف مواقع في يافا وتل أبيب؛[1] ورغم إعلان الجيش الإسرائيلي اعتراضه، هَرَعَ السكان إلى الملاجئ؛ ما أكَّدَ قدرة الجماعة على نقْل التهديد إلى العُمْق المدني الإسرائيلي، وأبرز أن المواجهة تدْخُلُ مستوى جديدًا من المخاطرة.
وعليه؛ يعكس المشهدُ الراهنُ معادلةً جديدةً؛ فإسرائيل تحاول تثبيت قواعد اشتباك تمنع استهداف عُمْقها وممراتها البحرية، بينما تُوظِّفُ جماعة الحوثي الصراع لتعزيز شرعيتها العقائدية وتحصين موقعها في اليمن؛ لتصبح المواجهة بين الطرفيْن ساحة اختبار للإرادات، وهو ما يفرض استشرافًا علميًّا دقيقًا لمآلات التصعيد وانعكاساته على مستقبل الجماعة ومسار المواجهة بين الطرفيْن.
دوافع إسرائيل لتوسيع بنك الأهداف
تسعى تل أبيب – من خلال عملياتها الأخيرة – إلى تثبيت قواعد جديدة للاشتباك، وإلى تحقيق مكاسب استراتيجية تتجاوز الرَّدَّ الفوريَّ على هجمات المُسيَّرات والصواريخ.
ومن أبرز هذه الدوافع:
1- إعادة الاعتبار للقدرات الأمنية: ترى إسرائيل أن استمرار الحوثيين في استهداف موانئها ومحطَّاتها الكهربائية يُقوِّضُ ثقة المجتمع الاسرائيلي في قدرة دولة الاحتلال على حماية حدودها وبُنَاها التحتِيَّة؛ لذلك كان استهداف حكومة الجماعة في صنعاء، ثُمَّ تكثيف الغارات على مواقعها رسالة مزدوجة؛ تعني ردْع أيّ محاولة جديدة لضرب العُمْق الإسرائيلي، وإظهار أن الاستخبارات قادرة على اختراق بيئة الحوثيين المُعقَّدة والوصول إلى قلْب صنعاء، و هذا الهدف ازداد إلحاحًا بعد استخدام صواريخ عنقودية، بَدَتْ أكثر تطوُّرًا من ترسانة الجماعة السابقة.
2- تحجيم نفوذ إيران وشبكة “المقاومة”: ترى تل أبيب، أن الحوثيين يُمثِّلُون ضِلْعًا مَرِنًا في المشروع الإيراني الممتدّ من لبنان إلى اليمن، وتهديدًا مباشرًا لممرَّات الطاقة في البحر الأحمر، ويهدف ضرْب قياداتهم إلى حِرْمان طهران من ورقة ضغط بحرية، وإلى منْع تكرار نموذج “الوكلاء” القادرين على تعطيل التجارة العالمية أو استنزاف موارد إسرائيل، بعيدًا عن ساحات أولوياتها، كـ”غزة والجبهة الشمالية”.
3- تثبيت الحضور في البحر الأحمر: تكشف مشاركة الوحدات البحرية الإسرائيلية في الضربات الأخيرة، وما سبقها من مناورات بحرية، منتصف أغسطس الماضي، [2]عن مسعى يتجاوز مجرد حماية خطوط المِلَاحة من هجمات الحوثيين؛ إذ تسعى تل أبيب إلى تحويل وجودها المؤقت إلى حضور أمني راسخ في البحر الأحمر، مستفيدةً من مبررات “الأمن البحري”؛ لإضفاء شرعية على نشاط عسكري يتيح لها مراقبة ممرَّات الطاقة والتجارة العالمية عن قُرْب، وإدارة شبكة ردْعٍ تمتدُّ من باب المندب حتى شرق المتوسط.
وضْع الحوثيين بعد الضربة وتداعياتها
أحدث استهداف حكومة الحوثي، صدمةً داخليةً غير مسبوقةٍ؛ فقد أمضت الجماعة أكثر من عامٍ في بلورة حكومة مُوَحَّدة تمنحها غطاءً إداريًّا، وتتيح لها تقديم نفسها كسلطةٍ مُنَظَّمَةٍ، فجاء اغتيال أحمد غالب الرهوي ووزرائه ليطيح بهذا الجهْد، ويعيدُ ترتيب الأولويات داخل بِنْية الحركة؛ فسرعان ما عيَّنَتْ القيادة ” محمد أحمد مفتاح” رئيسًا للحكومة،[3] في خطوةٍ حملت دلالات واضحة على تعزيز الخطِّ المتشدد بدل الانفتاح، إذ يُنظر إلى مفتاح كشخصيةٍ عقائديةٍ صلْبة؛ ما يُوحِي بأن القيادة لم تجِدْ في اللحظة الراهنة فرصةً لإصلاح الإدارة أو تجديد العقْد الاجتماعي، بل رأت أن إحكام القبضة الأمنية وتعبئة القواعد أوْلى من أيِّ إصلاحات سياسية أو اقتصادية؛ الأمر الذي يُكرِّسُ صورة الحكومة كذراعٍ أيديولوجيٍّ لا كجهاز خدمات عام.
أمَّا على المستوى الأمني، كشفت الغارة الاسرائيلية عن ضعْفٍ نِسْبِيٍّ في البروتوكولات التي كانت الجماعة تتّبعها لحماية كبار مسؤوليها، بعدما تمكَّن سلاح الجوِّ الإسرائيلي من استهداف اجتماعٍ وزاريٍّ في قلب صنعاء، هذا الاختراق يفرض على الحوثيين مراجعةً شاملةً لبِنْيَتهم الأمنية، وتخصيص موارد إضافية لتأمين قياداتهم السياسية والعسكرية، وهو عِبءٌ يضغط على ميزانيتهم المحدودة أصلًا، ويزاحم تمويل جبهات القتال ومشاريع التجنيد والتسليح، كما يضعف من مرونة الحركة في إدارة شؤونها الداخلية، إذ يضطرُ مسؤولوها إلى تقليل ظهورهم العلني، وتقييد الحركة بين المحافظات؛ ما يحدُّ من فاعلية الحكومة الجديدة ويُعمِّقُ الفجوة بين النُّخْبة الإدارية والقواعد الميدانية.
أمَّا على الصعيد الاجتماعي،تتفاعل هذه التحدياتُ مع تدهور الخدمات نتيجة القصف المتكرر لمحطات الكهرباء والموانئ، وارتفاع تكاليف المعيشة في مناطق سيطرة الجماعة، هذا الوضع يُغذِّي حالة سَخَطٍ شعبيةٍ، لا سيما في أوساط الموظفين والطبقات الوسطى التي كانت تأمل أن يُحقِّقَ تشكيل الحكومة السابقة استقرارًا إداريًّا يُخفِّفُ من آثار اقتصاد الحرب.
التحديات المتقابلة في مسار التصعيد
تُظهرُ المُعْطيات منذُ عملية “قطرة حظ”، أن الصراع بين الحوثيين وإسرائيل دخل مرحلة اختبار مُرَكَّب، تتداخل فيها الاعتبارات الأمنية والعسكرية مع الأبعاد السياسية والاجتماعية للطرفين؛ فلم يعُدْ الأمر مجرد تبادُلٍ محدودٍ للضربات، بل أصبح مواجهة طويلة الأمد، تفرض على كُلِّ طرفٍ إدارة توازُنًا دقيقًا بين طموحاته العملياتية وضغوطه الداخلية والتزاماته الإقليمية، وهو ما يجعل التحديات المتقابلة عنصرًا حاسمًا في تحديد مآلات التصعيد.
أولًا: التحديات البنيوية أمام الحوثيين
يُمثِّلُ استمرار المواجهة اختبارًا لقدرة الجماعة على التكيُّف بصفتها سلطة تدير مناطق واسعة وحركة مسلَّحة في الوقت نفسه؛ إذ يفرض التصعيد إعادة توزيع الموارد وتحديد أولويات جديدة؛ ما يجعل أيَّ خطأٍ في الحسابات مُرَشَّحًا لأن يهزَّ بِنْيتها التنظيمية والاجتماعية، ويقيد قدرتها على البقاء كفاعل متماسك في السَّاحة اليمنية.
ويُعَدُّ أبرز هذه التحديات هو إدارة الموارد والأولويات؛ إذ باتت القيادةُ مُطَالَبةً بتمويل تطوير ترسانتها الصاروخية وتأمين قياداتها في مواجهة الاختراقات الاستخباراتية، وفي الوقت نفسه، تمويل جبهات القتال ضد الحكومة اليمنية المعترف بها، وضبْط الأمن في المناطق الخاضعة لها، ومن شأن هذا التزاحُم بين الإنفاق العسكري والأمني والخدماتي، بأن يهدد بإضعاف قدرتها على تقديم الحد الأدنى من الخدمات، ما يفاقم الاستياء الشعبي، ويضعف القاعدة الاجتماعية للجماعة إذا طال الاستنزاف على هذا النحْو.
التحدِّي الثاني يرتبطبالارتباط المشروط بإيران؛ فالدعم الإيراني مَنَحَ الحوثيين تقنيات متقدمة – منها صاروخ «فلسطين-2» الفرْط صوتي– لكنه في المقابل يجعل قرار التصعيد أو التهدئة رهينًا بحسابات طهران في الملفات الأوسع مثل التفاهمات مع واشنطن أو فيما يتعلق ببرنامجها النووي، هذا القيْد يضع الجماعة أمام مُعْضِلَةٍ بين الحفاظ على استقلالية القرار السياسي والعسكري، وبين فُقْدَان المظلَّة التقنية واللوجستية التي تُمكِّنُها من مواصلة الضغط على إسرائيل؛ ما يهدد بتقليص هامش مناورتها الاستراتيجية.
التحدِّي الثالث يتصلبشرعيتها السياسية؛ إذ يُكرِّسُ استمرار الصراع صورتها كحركة أيديولوجية أكثر من كوْنها سلطةً تُمثِّلُ اليمنيين، ويُقلِّصُ فُرَص أيِّ انفتاح خارجي أو تفاوض جاد حول تسوية مستقبلية، ومن شأن هذا البُعْد بأن يحدَّ من قدرتها على تعزيز موقعها في السَّاحة الدولية، ويجعل نفوذها مرهونًا بالغطاء الإيراني فقط، وهو ما يضع مستقبلها السياسي في إطارٍ مُغْلَقٍ إذا لم تستطع إظهار كفاءةٍ في إدارة الأزمات.
أمَّا التحدي الرابع فيكمن فيإدارة التوازن الاجتماعي داخل مناطق سيطرتها؛ فمع امتداد الصراع تضطر الجماعة إلى تشديد الجباية والرقابة لتأمين الموارد، في حين تتراجع قدرتها على تحسين الأوضاع المعيشية؛ ما يفاقم التوتُّر بين النُّخْبة القيادية والقواعد القبلية التي تتحمل عِبْء القتال، ويجعل أيَّ انتكاسة عسكرية أو أزمة معيشية قابلة للتحوُّل إلى تمرُّدٍ محليٍّ أو تصدُّعٍ داخليٍّ، وهو ما قد يهدد استمراريتها ككيانٍ مُوَحَّد إذا لم تتمكن من استيعاب هذه الضغوط المتشابكة بكفاءة.
ثانيًا: التحديات أمام اسرائيل
تواجه تل أبيب بدورها تحديات مركَّبة في إدارة صراع بعيد المدى ضد خصْمٍ غير تقليدي، يتجاوز الطابع العسكري البحْت إلى ضغوط اقتصادية وسياسية وأمنية متشابكة.
أُولى هذه التحديات؛ هو مُعْضِلَة الرَّدْع البعيد؛ فعلى الرغم من نجاح عملية “قطرة حظ” في إظهار قدرة استخباراتية عالية عبر اغتيال رئيس حكومة الحوثيين وعدد من وزرائه، فإن استمرار الجماعة في إطلاق صواريخ ومُسيَّرات يبرهن على صعوبة تحييد قدرتها الهجومية بالكامل، خاصَّةً مع امتداد ساحة المواجهة من البحر الأحمر إلى عُمْق الأراضي الإسرائيلية، وهو ما يتطلب جهْدًا استخباراتيًّا متواصلًا وكُلْفَةً عملياتيَّةً مرتفعةً.
التحدِّي الثاني يتمثَّلُ في الُكْلفة الاقتصادية والأمنية؛ فهجمات الحوثيين عطَّلت مطار رامون، وأثَّرت على موانئ إيلات وحيفا، وألحقت أضرارًا بمحطات الكهرباء في الخضيرة؛ ما اضطر الحكومة إلى تخصيص موارد ضخمة لتعزيز الدفاعات الجوية وحماية البِنْية التحتِيَّة الحيوية، في ظلِّ تراجُع الغطاء الأمريكي في البحر الأحمر، وهو ما يضاعف الضغط المالي والسياسي على القيادة الإسرائيلية، ويُثير تساؤلات داخلية حول جدوى استمرار الحرب المفتوحة.
أما التحدي الثالث فيرتبطبإدارة الأولويات الاستراتيجية المتزاحمة؛ إذ تخوض إسرائيلُ مواجهة ًمستمرةً مع حماس في غزة، وتدير استنفارًا على جبهة حزب الله في الشمال، وتراقب البرنامج النووي الإيراني؛ ما يجعل أيَّ تصعيد واسع ضد الحوثيين مخاطرة قد تستنزف قدرات تحتاجها تل أبيب في جبهات أخرى، ويؤثر بالتالي في توازُنها الاستراتيجي على المدى المتوسط.
مستقبل مسار التصعيد بين إسرائيل والحوثيين
استنادًا إلى مسار الأحداث المتصاعدة بين تل أبيب وجماعة الحوثي، يمكن تصوُّر ثلاثة مسارات رئيسية وهي كالآتي :
السيناريو الأول: تصعيدٌ واسعٌ يشمل قيادات الصَّفِّ الأوَّل
يظلُّ احتمال توسيع بنك الأهداف الإسرائيلي قائمًا إذا استمرت هجمات الحوثيين على العُمْق الإسرائيلي أو على مرافق الطاقة والمِلَاحة في البحر الأحمر، وقد يشمل هذا السيناريو استهداف شخصيات بارزة – بما في ذلك عبد الملك الحوثي – لإحداث صدمة قيادية وشلِّ منظومة القرار داخل الجماعة، غيْر أن هذا الخيار محفوفٌ بمخاطرَ كبيرةٍ؛ إذ قد يدفع الحوثيين إلى توسيع نطاق هجماتهم لتشمل موانئ حيفا وأشدود أو منشآت الغاز في شرق المتوسط، وربما استخدام أسلحة نوْعِيَّة جديدة؛ ما يرفع منسوب المخاطرة ويجعل التصعيد الشامل مُكْلِفًا للطرفيْن سياسيًّا وأمنيًّا.
يبقى هذا المسارُ هو الأرجح في الأمد القريب؛ إذ يواصل الحوثيون إطلاق الصواريخ والمُسيَّرات بوتيرة محسوبة؛ للحفاظ على حضورهم كجزء من محور المقاومة، فيما تركز إسرائيل على ضرْب البِنْية العسكرية ومستودعات السلاح وخطوط الإمداد، مع تجنُّب إحداث فراغٍ قياديٍّ قد يدفع الجماعة إلى ردود غير منضبطة.
وعلى الرغم من تكلفته الاقتصادية والأمنية، يتيح هذا السيناريو للطرفين التحكُّم في مستوى المخاطرة، والحفاظ على قواعد اشتباك تمنع انزلاق المواجهة إلى حرْبٍ مفتوحةٍ، مع الإبقاء على هامش مناورة سياسي وعسكري لكُلٍّ منهما.
السيناريو الثالث: تهدئة مشروطة (غير مرجحة حاليًا)
قد يبرز خيار التهدئة المحدودة إذا تحقق تقدم في ملفات إقليمية أوسع، مثل التوصُّل إلى وقْف إطلاق النار في غزة أو بلورة تفاهمات بين واشنطن وطهران بشأن برنامجها النووي ودور وكلائها في المنطقة، غير أن غياب قنوات تفاوض مباشرة بين الحوثيين وتل أبيب، وارتباط كل طرفٍ باعتبارات تتجاوز السَّاحة اليمنية، يجعلان هذا الاحتمال ضعيفًا في الوقت الراهن، خاصَّةً مع استمرار الجماعة في توظيف ملفِّ حرب غزة لتعزيز شرعيتها المحلية، وإصرار إسرائيل على الحفاظ على مستوى ردْعٍ يمنع توسيع التهديدات نحْو عُمْقها المدني والاقتصادي.
في الختام:
يتضح أن التصعيد بين إسرائيل وجماعة الحوثي قد تجاوز كوْنه جولات متفرقة من الضربات إلى صراع مُرَكَّب تتشابك فيه الأبعاد الأمنية والسياسية والاقتصادية، ويختبر قدرة كل طرفٍ على إدارة استنزاف طويل المدى؛ فقد شكَّلَ اغتيال حكومة الحوثيين في صنعاء محطة فارقة، أعادت الجماعة إلى مواجهة أسئلة وجودية، حول بِنْيتها الداخلية وارتباطها الخارجي، فيما كشفت هجماتها الأخيرة – من استهداف محطة “أوروت رابين” إلى تعطيل مطار رامون – عن صعوبة إحكام الرَّدْع الإسرائيلي وكُلْفة تأمين البِنْية التحتِيَّة الحيوية.
هذا المشهدُ يرسخ حقيقة أن المواجهة لن تُحْسَمَ سريعًا، بل ستبقى رهينة حساباتٍ أوسعَ، تتعلق بميزان القوى الإقليمي، وبقدرة كل طرفٍ على تحمُّل تكاليف التصعيد دون المساس بجبهاته الأخرى أو استقراره الداخلي، ومن المرجح أن يظلَّ سيناريو “الاستنزاف المحسوب” هو الإطار الغالب في المدى القريب، مع بقاء احتمالات الانزلاق نحو تصعيد أوسع – قد يصل إلى استهداف قيادات الصَّفِّ الأول أو توسيع الضربات للبِنْية التحتِيَّة – قائمة في حال فشلت ترتيبات الاحتواء أو تزايدت الضغوط السياسية والأمنية، وهو ما يجعل هذا الملف أحد أكثر عناصر عدم اليقين في معادلات الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة.
المصادر:
[1] الحوثيون: أطقنا صاروخ باليستي متعدد الرؤوس على إسرائيل، سكاي نيوز، 13 سبتمبر 2025، انظر الرابط: https://shorturl.at/MMAWX
[2] مناورة إسرائيلية في البحر الأحمر تثير مخاوف بشأن مفاقمة التوتر، صحيفة الشرق الأوسط، 19 أغسطس 2025، انظر الرابط: https://shorturl.at/BIXUW
[3] من هو؟ الحوثيون يعينون محمد أحمد مفتاح رئيسًا جديدًا لحكومتهم بعد مقتل سلفه في غارة إسرائيلية، عدن نيوز، 30 أغسطس 2025، انظر الرابط: https://adennews.net/166990
