المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > واقعٌ متأزم وقيودٌ مشددة: كيف تبدو كابول بعد 3 أعوام من حكم طالبان؟
واقعٌ متأزم وقيودٌ مشددة: كيف تبدو كابول بعد 3 أعوام من حكم طالبان؟
- أغسطس 25, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
لا توجد تعليقات
إعداد: جميلة حسين، أية أشرف
منسق برنامج الإرهاب والتطرف، باحث مساعد فى برنامج الإرهاب والتطرف
المقدمة:
فى الخامسَ عَشَرَ من الشهر الحالى إحتفلت حكومة طالبان بالذكرى الثالثة لعودتهِا إلى السلطة فى أفغانستان، بعد اجتياحها للعاصمة كابول عام 2021 واستيلائها على المقراتِ الحكومية وإعلان عودة حكمها بعد عشرين عاماً من انهيارها، وأعلنت تشكيل “حكومة تصريف الأعمال” لإدارةِ شؤونِ البلاد لتبدأَ مرحلةً جديدةً يَتَركّزُ نَهْجُها فى بناء ما أسمته “الإمارة الإسلامية”، فى حدث لافت ذاع صيته فى جميع أنحاء العالم وخَلّفَ معه التساؤل عن الوضع الأفغانى الذى تبدل بين ليلةٍ وضحاها، لاسيَّما مع ارتباط أفغانستان حينها بواحدةٍ من أسوأ الأزمات الإنسانيةِ مع نقص المساعدات الإنمائيةِ والتمويل الغربى لكابول، واتخاذ سلطة طالبان حزمةً من الإجراءاتِ التشددية ضد الأفغان. وبعد مرورِ ثلاث سنوات تَعودُ التساؤلاتُ من جديدٍ حول ماذا تَغَيّرَ فى كابول؟، وهل لا زالت الأزمة الإنسانية والحقوقية تَتَصدّرُ الواجهة؟، وهل استطاعت الحكومة التغلب على الأزمات الاقتصاديةِ العاصفةِ بأفغانستان؟، وكيف يتعامل المجتمع الدولى مع حكم طالبان خاصة فى ظل افتقارها للاعتراف الدولى؟، وكيف تدير طالبان علاقاتها مع جيرانها؟
وعليه تحاولُ تلك الورقة تَقديمَ مقاربةٍ للإجابة عن التساؤلات سالفةِ الذكر من خلال الوقوف على ملامح الوضع فى أفغانستان على الصعيدين الداخلى والخارجى بالإطلاع على أهم الإنجازات والإخفاقات لحكومة طالبان خلال الثلاث سنوات، مع إيضاح أبرزِ التحديات التى تُواجِهُ الحكومةَ والشعب الأفغانى على حدٍ سواء.
أولًا: الصَّعِيدُ الداخلى:
الاتجاه الإنسانى والمجتمعى”سياسات قمعية وحقوق مهدرة”:
“إن المجتمعَ الأفغانىَ يعاني الإحباطِ المستمرِ على مدى ثلاث سنوات، بينما تَنتهِجُ طالبان سياسةَ الأمر الواقع بانتهاكهِا لحقوقِ الإنسان بموجبِ القانون الدولي ضد الشعب الأفغاني –لا سيَّما النساءُ والفتياتُ– مع إفلاتٍ تامٍ من العقاب” هكذا أقرّتْ منظمةُ العفوِ الدولية فى خُضَمِّ تقريرها عن الوضعِ المجتمعى فى أفغانستان فى ضوء تلاشى أى تدابير فعلية فى مواجهةِ الأزمة الإنسانيةِ والحقوقية التى تواجهُ المجتمعَ[1]، ويمكن الإشارةُ إلى أبرزِ أبعادِ تلك الأزمة فيما يلى :
1- تَضييقُ الخِناقِ وانعدامِ التمكين للنساء:
منذ الاستيلاءِ على الحكم تواجهُ نساء أفغانستان حالةً من الخوف والفزعِ المرتبط بالتساءل عن مصيرهن فى هذا الوضع الجديد وذلك بالمقارنة بالفترة التى عاشوها أثناء الولايةِ الأولى لحكم طالبان منذ عام 1995 وحتى عام 2001، والذى أثّرَ على مستوى التعليم بالسلبِ وأسْفَرَ عن ارتفاعِ نِسَبِ الأُمّيةِ بين النساء ليخلق حالة من الإقصاء السياسى للمرأة بشكلٍ كبيرٍ من العمل السياسى، والذى تمَّ التحولُ عنه بعد انهيار حكمهم فى عام 2001 وعادت النساء لِلَعبِ أدوارٍ رئيسيةٍ فى السياسة فى محاولةٍ لكسب جزءٍ من حريتها، ولكن ما أشْبَهَ اليومَ بالبارحة، تواجه النساء فى الفترة الحالية حالة فى التضييق وسلبِ حريتها وحقوقهِا الأساسيةِ مثل الحق فى التعليم، وبالرجوعِ إلى تقديرات اليونسكو أشارت فى تقديرٍ حديثٍ لها أن الوصولَ إلى التعليمِ الأساسي تَرَاجعَ أيضا بشكلٍ حادٍ، حيث انخفض عدد الفتيات والفتيان الملتحقين بالمدارسِ بنحو”1,1 مليون”، كما حُرمت نحو “1,4 مليون” فتاة من الوصول إلى التعليم الثانوى بشكلٍ مُتَعمدٍ منذ عام 2021، وهو ما يمثل فى مجمله 80% من الفتيات الأفغانيات في سن الدراسة[2].
وعن جملة الإجراءات المتشددة التى اتخذتها سلطةُ طالبان تجاه الفتياتِ أصدرت وزارة “الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر” فى ديسمبر عام 2021 أمراً بوجوبِ مرافقةِ “محرم” للمرأة عند السفر، وفى 7 مايو عام 2022 فرضت قوانين جديدة تُلْزِمُ المرأة بارتداء زي إسلامي مُعينٍ لهن “البرقع أو النقاب”، وإغلاق المدراس الثانوية للبنات، ومنع التعليم بعد الصف السادس، ومنعت النساءَ من دخولِ الحدائقِ العامة وبعض الأماكن خاصةً في العاصمة كابول وحتى فرض قيود على ممارسة الرياضة، وفى 21 ديسمبر 2022 أصدرت قراراً بمنع الطالبات من دخول الجامعات، وكذلك عدمُ السماح للنساء بالذهاب إلى العملِ فى المنظمات غير الحكومية سواء المحلية أو الدولية، وبالرغم من الحياةِ الهامشيةِ التي تَعِيشُها الأفغانياتُ، فإنهن يواصلن احتجاجهنَّ ومناضلتهنَّ من أجل الحصول على حقوقِهنَّ الأساسية والمساواة في التعليم والعمل، على الرغم من قَمْعِ تلك التجمعات والاحتجاجات وتعرضهن للاحتجاز.
وللخروجِ من هذا المأزقِ أمام المجتمع الدولى لاسيما وأنها وعدت منذ تولى الحكم في أغسطس عام 2021 بحكمٍ أكثر اعتدالًا مع احترامِ حقوقِ المرأة والأقليات، فإنها تَتَزعّمُ فى الوقت الحالى أنها تتقيد بالشريعة الإسلامية، وفى لقاءٍ منذ أيام عُقد مع المتحدث باسم طالبان (ذبيح الله مجاهد) مع قناة العربية صَرَّحَ أن سلطات طالبان تَحْكُمُ إمارتَها الإسلاميةَ وفقاً لمبادئ الثقافة الإسلامية لأنها تتطابق مع عادات وتقاليدِ الشعب الأفغانى، كما أنها تعترفُ بحقوقِ وقضايا المرأة الأفغانية، وأن جملةَ السياسات التى تتبعها تجاهها مؤقتة لتهيئة مناهج تتوافق مع الشريعة الإسلامية. ولكن الشاهد هنا أن سجل حركة طالبان في مجال حقوق الإنسان وخاصةً حقوقَ المرأة ليس وليدَ اللحظة إنما مُترَسّخاً في أفكارِهم ومعتقداتهم منذ سنوات.
2- الالتزامُ بتطبيق الشريعة الإسلامية فى النظام القضائى:
ما لَبِثَتْ أن عادت طالبان إلى الساحة السياسية مرةً أخرى وانهار نظامُ العدالة القانوني والرسمي في أفغانستان، مع إعلانِ السلطة بعد إيمانِها بأنظمةِ القضاء الحالية التى تفشل حالياً في ضمان الحد الأدنى من المحاكمة العادلة وضمانات الإجراءات القانونية اللازمة، واعتمادها اعتمادا وثيقاً على تفسيرِها للشريعة الإسلامية الذي يتولاه علماءُ الدين المتخرجون من المدارس الدينية، وذلك فى ضَوءِ إصدارِ القائدِ الأعلى وزعيم طالبان (هبة الله آخند زاده) فى نوفمبر عام 2022 أمراً إلزامياً بتطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً كاملاً في أفغانستان[3]. وفى ضوء الانتهاجِ بالشريعةِ الإسلامية كمصدرٍ رئيسىٍ للقواعد وإصدار الأحكام تَحَدّثَ عددٌ من ممثلى المجتمع المدنى وبعثةِ الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان عن عودة العقوبات الجسدية في أفغانستان، مثل “الجلد العلنى أو الضربِ والرجمِ، وإجبار الناس على الوقوف في الماءِ البارد، وحَلْقِ الرؤوس بالقوة”، وغيرها من أشكال العقاب البدنى والتعذيب التي تَنْتهِكُ المبادئَ الأساسية للقانون الدولي، وكذلك انتهاكٌ لاتفاقيةِ مناهضة التعذيب[4].
3- تكثيفُ بناء المدارس الدينية في أفغانستان:
تَسْتمِرُّ الحركة فى بناء المدراس الدينية فى كل ولاية بحيث تستوعبُ كل مدرسة 1000 طالب، وأعلنت وزارة التعليم الأفغانية مؤخراً الانتهاءَ من وَضعِ حجر الأساس لإنشاء 14 مدرسة دينية جديدة في ولايات “بدخشان، وبغلان، وغزنى، وبلك، وبانغشير، وبكتيكا”. مع التخطيط لبناء 3 مدراس دينية فى كل ولاية، وسبق تكثيفُ العملِ لبناءِ مدارسَ دينيةٍ أخرى فى 14 مقاطعةً خلال الشهرين الماضيين، وذلك فى اتجاه استبدال التعليم الغربى الحالى بالتعليم الدينى المُستندِ على الشريعة والثقافة الإسلامية في جميع أنحاء أفغانستان.[5]
الأداءُ الاقتصادى:
رأى البعضُ أن هناك بعضَ التغييراتِ والإنجازاتِ التى استطاعت طالبان تَحقيِقَها خلال تلك السنوات فى المجال الاقتصادى، ويأتى فى مقدمتِها تَراجعُ مستوى الفساد الإدارى فى الأجهزة الحكومية بشكلٍ كبيرٍ باعتباره أحدَ أهمِّ الأزمات التى واجهتهَا الجمهوربةُ الأفغانية قبل تولى طالبان، ناهيك عن تحصيلِ الضرائب من أجلِ دعم إيرادات الحكومة، مع تنفيذ عددٍ من مشروعات البِنْيَةِ التحتية، فضلاً عن تراجعِ زراعة المخدرات وتصديرها في ضوءِ إصدار زعيم طالبان حظراً على زراعةِ الأفيون فى فبراير عام 2022، ولا يمكن إغفال الإجرءات التى انْتَهجتهَا حركةُ طالبان لتعزيز سعر العملة المحلية، التى صُنِّفَتْ بأنها العملةُ الأفضل أداءً في العالم خلال الربع الثالث من عام 2023، وذلك من خلال تَجنّبِ طباعة النقود، والاعتماد على نظام الحوالة في تحويل الأموال، وفرض قيودٍ صارمةٍ على خروج العملات الأجنبية من الدولة وحظر استخدام الدولار والروبية الباكستانية في المعاملات الحالية، ذلك بالإضافة إلى العمل على الاستثمارِ فى الموارد والمعادن الطبيعية بما فيها من “النفط والغاز الطبيعى والذهب والتحاس والفحم والأحجار الكريمة” وغيرها من الموارد الطبيعية النادرة[6].
وفى ضوءِ تلك الانجازاتِ لم يصاحبْها تَحَسّنٌ فى المؤشرات الأخرى للاقتصاد الكلى، حيث واجهت طالبان جملةً من التحديات للاقتصادِ الأفغانى استطاع برنامجُ الأمم المتحدة الإنمائيُ بلْوَرتَها فى ضوء تقريرٍ تمَّ إصداره مطلع هذا العام، يعكس صورة مأزومةً للوضع الاجتماعي والاقتصادي في أفغانستان منذ أغسطس عام 2021، حيث أوضحَ التقرير أن التحسنَ فى الاقتصاد الأفغانى لم يكن كافياً للتعافى من حالة الانكماش الذى شهدته البلاد منذ عام 2020 بل يَصِلُ إلى مستوى غيرِ قادرٍ على تلبيةِ الاحتياجات الرئيسية للمواطنين من الغذاء والرعاية وفرص العمل وغيرها، والتى قَدّرَها ذلك التقريرُ الإنمائىُ بنحو “69%” من الأفغان يعانون من انعدام الأمن المعيشى، وتَكْمُنُ أبرزُ الإخفاقاتِ التى يعانى منها النشاط الاقتصادى في انكماشِ الناتجِ المحلى الإجمالى، والقيودِ المفروضة على القطاع المصرفى، وتوقّفِ المساعدات الأجنبية ونقص الاستثمار الأجنبى ودعمِ المانحين للقطاعات الإنتاجية بما فيها الزراعة والتصنيع، وافتقاد بعض المؤسسات الاقتصادية للخبراتِ والقدراتِ الفنية .[7] وفيما يلى تفصيل لتلك التحديات:
1- انخفاضُ الناتج المحلى الإجمالى:
أقَرَّ البنك الدولى أن الناتجَ المحلى شَهِدَ انكماشاً حاداً بنسبة 26 % فى عامى 2021 و2022 ، مع تحذيره بتراجع كلٍ من مستوى النمو خلال السنوات المقبلة وكذلك العائداتُ للفرد تحت الضغط الديموغرافى البالغ أكثر من 45 مليون نسمة، ناهيك عن غياب الاستثماراتِ والتمويل الخارجى المعهود قبل تولى مقاليد الحكم، فالبرغم من استقرار الاقتصادِ من نواحى أخرى سالفةِ الذكر، إلا أن ذلك لم يَنْعكِسْ على نُموِّ الناتج المحلى الإجمالى لأفغانستان.
2- تَوقّفُ المساعداتِ الإنسانية:
مع افتقارِ حكومة طالبان للاعتراف الدولى واستمراريتِها فى نهجِها التشددى تجاه بعض القضايا توقفت المساعداتُ الإنسانيةُ وتَرَاجعَ التمويلُ الغربى لبعض البرامج الإنمائية وارتفعت مستوياتُ انعدامِ الأمن المعيشى، ووفقاً للأمم المتحدة يَعِيشُ ثُلُثُ سكان أفغانستان على الخبز والشاى ناهيك عن ارتفاع معدلات البطالة[8] ،وأكدت التقاريرُ التابعةُ ل”مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” إلى حاجة حوالى ” 23.7مليون شخص” للمساعداتِ الإنسانية والانتشالِ من الفقرِ، مع الإشارةِ إلى أن النساء والفتياتِ من بين الأكثر تضرراً، ناهيك عن تَعَرّضِ “خطة الاستجابة الإنسانية الأممية لعام 2024 ” لنقص التمويل فحتى الشهر الحالى ساهمت الدول المانحة بـ 12% فقط من الأموال اللازمة، مما يُشَكٌلُ تحدياً لإنقاذ ملايين الأفغان من المجاعة، ووقفِ فرار ملايين الأفغان بحثاً عن الأمان والفرص الاقتصادية، وكذلك فى تقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية بشكلٍ مُستدامٍ، وتحريك عجلة النمو، فى ضوء الاعتماد بشكل أساسى على الإيراداتِ الداخليةِ وترشيد الإنفاق الحكومى والبحث عن شركاء استراتيجيين للدفعِ بحركة الاقتصاد[9].
3- التحدياتُ التي تُواجهُ النظامَ المصرفي:
يواجهُ القطاع المصرفىُ مجموعةً مع القيود المفروضة عليه بسبب العقوبات الدولية لحركة طالبان وكذلك تجميدُ أصول البنك المركزى حتى لا يمكن إرسالُ الأموال إلى الخارج أو تلقى التحويلات عبر البنوك الأفغانية. وتؤثر أزمةُ القنوات المصرفية بشكلٍ كبيرٍ على قطاع تمويل المشاريع التنموية الصغيرة ومتناهية الصغر لاسيما التى تقودُها النساء والتى شهدت انكماشاً بنسبة 60 % منذ عام 2021، وكذلك تُؤثرُ على مستويات انعدام الأمن غذائى بشكلٍ حاد، وعلى الرغم من إنشاء صندوقٍ خاصٍ في سبتمبر 2022 في جنيف تحت إدارةِ “بنك التسويات الدولية” من أجلِ إعادةِ المبالغ المحتجزة منذ وصول طالبان إلى السلطة إلى البنك المركزي الأفغاني. إلا أن عمليةَ فَكِّ الحصار الجزئى لتلك الأصول غير واضحة الأفق. [10]
الوضعُ الأمنى:
سَلّطَ عددٌ من التقارير الضوءَ على التحسن النِسبى الذى شهدته أفغانستان على المستوى الأمنى بشكلٍ عامٍ، ويَرْجِعُ القلقُ الأمنىُ المرتبطُ بمجموعة من الجماعات المسلحة والإرهابية التى شجعت عودة طالبان للسلطة من تناميها حيث اعتبرتها نموذجاً يُحتَذَى به ومصدراً للإلهام ليس فقط داخل أفغانستان ولكن خارجها أيضاً، ووفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن مجلـس الأمـن التابـع للأمـم المتحدة يؤكد “أن العديدَ من الجماعاتِ المسـلحةِ الأجنبيـة، بدءاً من تنظيـم القاعـدة، أو حركـة طالبـان الباكسـتانية، أو حتـى الفصائـل الأوزبكيـة، اتخـذت مـن أفغانسـتان مـلاذاً لهـا بموافقـةِ السـلطات الأفغانيـة الحـاكمة”.[11]
وعن الجماعةِ الأكثرِ قلقاً من الناحية الأمنية بالنسبة لطالبان “تنظيم داعش فى خراسان” والتي تنامى تَواجُدها بعد الانسحاب الأمريكى من أفغانستان وتَركّزَ تواجدُها فى شرق أفغانستان وأجزاء من شمالها وجنوبها، ويُعتَبرُ ذلك الفرع هو الأخطرُ بالنسبة لفروع داعش المتمددة حول العالم نظراً لاستراتيجيته وأهدافه المتطرفةِ وسَعْيهِ لنزع الشرعية عن طالبان الأفغانية، وقام التنظيم بتنفيذ عملياتٍ كبرى فى الداخل الأفغانى أبرزُهم التفجيرُ الذى اسْتَهدَفَ “مطار كابول” فى أغسطس عام 2022 وأسفر عن سقوطِ أكثر من 170 شخص[12] .
وعلى الرغم من نَجاحِ طالبان النسبى فى التعامل مع تهديدِ تنظيم داعش حيث تَراجُعُ عملياتِ التنظيمِ واتخاذه نمطَ العمليات الطفيفة وكان آخرُها ذلك الهجومَ المسلح الواقع فى ولاية “باميان” فى الوسط فى مايو المنصرم وأسفر عن سقوط 6 أشخاص[13] ، إلا أنه تَمَّت السيطرةُ على المستوى العملياتى فقط، فما زال تهديدُ التنظيم قائماً ليس فقط لحكومة طالبان، وإنما امتد تهديدُه إلى روسيا وإيران والدول الآسيوية المجاورة وكذلك أجزاء من أوروبا هذا العام الجارى، الأمر الذى يُثِيرُ نوعاً من التّخوفِ والقلق لدى طالبان من أن تؤثر تلك التهديدات على علاقاتها بالدول الإقليمى خاصة إيران وروسيا لاسيما فى ملف مكافحة الإرهاب[14].
وعلى صعيدٍ آخر يثيرُ وضع حركة “طالبان باكستان” نوعاً من القلق داخل كابول فى ضوء السيطرةِ على الأجزاء الحدودية مع أفغانستان، وتواجد العديدِ من عناصرِها ومقاتليها على الأراضى الأفغانية، واحتماءِ الحركة بطالبان الأفغانية، والتى تَعْتبرُها الأخيرةُ أداةً هامةً فى سياستها تجاه إسلام أباد، مما ينعكس فى تلقى الكثير من الدعمِ من طالبان تَنّوعَ ما بين الإمدادِ بالأسلحة والمعدات وكذلك العناصر المقاتلة المنضمة من طالبان أفغانستان إلى طالبان باكستان، الأمرُ الذى يَزيدُ من زخمِ توترِ العلاقات الباكستانية الأفغانية وسط اتهاماتٍ بعد قدرة طالبات على ضبط أمن حدودِها وارتفاع نِسَبِ هجمات الإرهاب داخل إسلام أباد.
ويُشيرُ المشهدُ العام إلى استمراريةِ التهديد الذى يُصدّرهُ فرعُ التنظيم ليس فقط علىى المستوى العملياتى إنما من خلال الأنشطة التجنيدية والدعائية وبَعْثِ التهديد للأمن الدولى عبر وسائلهِ المتنوعة، خاصة مع عجز طالبان عن بناء قدرات أمنية قوية بأفغانستان، واستمرارية الضغوط الواقعة عليها من أجلِ اتخاذِ موقفٍ أكثر حزماً فى التعامل مع ولاية خراسـان، ناهيك عن غموضِ علاقة طالبان مع الجماعات المسلحةِ الأخرى التى تخلق تساؤل يتعلق بماهيةِ وسببيةِ السياسات التى تَتّبِعُها طالبان من أجلِ خَلْقِ بيئةٍ مواتيةٍ للجماعات الإرهابيةِ والمسلحة على النطاق الإقليمى.
المستوى السياسى:
بعد تولى طالبان لمقاليدِ الحكم وتحريرِ الأراضى الأفغانية من التواجدِ الأمريكى وتدخله فى شؤون البلاد، قامت بإرساء حكومةٍ مركزيةٍ تحت اسم “حكومة تصريف الأعمال” مع إلغاءِ العملِ بالدستور، تبدو العديد من التحديات التى تواجهُ الحكومةَ سياساً يأتى فى مقدمتِها استمراريةُ عمل حكومة تصريفِ الأعمال وعدمُ القدرة على تشكيل حكومةٍ جديدةٍ تشملُ مختلفَ الأطياف ولديها برنامج وخططُ عملٍ واضحةٍ بناءً على إطلاقِ حوارٍ داخلى شاملٍ يساعد على تسريع العملية السياسية المطلوبة فى أفغانستان وفقاً لمتطلبات المجتمع الدولى، ناهيك عن الإخفاق فى وضعِ دستورٍ جديدٍ أو تعديل الدستور السابق بما يُلبّى تطلعاتِ ورغباتِ الشعب الأفغانى بما يرسى لفجوة قانونية، فى ضوء سريان الأمور من خلالِ مبادئِ الشريعة الإسلامية وفقًا للعاداتِ والتقاليد الأفغانية.[15]
وعلى صعيدٍ آخر تَشْهدُ الفصائل المختلفة لحركة طالبان بعد الخلافات والاتجاهات المختلفة بين المتشددين والبراجماتيين حول عدد من القضايا فى الآونةِ الأخيرة، من المحتمل تأثيرها على الحكم وكذلك العمل كمجموعةٍ متماسكةٍ وفقاً لأراء بعض المتخصصين، ويبدو ذلك الانقسامُ خاصة بين الفصيلِ المتشددِ المتمركز فى “قندهار” تحت قيادةِ الزعيمِ (هبة الله آخند زاده) ومستشاريهِ المقربين والفصائل الأقل تشدداً والأكثرِ اعتدالاً يمثله شخصيات مثل (سراج الدين حقانى) وزير الداخلية، و(محمد عباس سـتانيكزاى) نائب وزير الخارجية وكشفت بعضُ الأحداثِ مثل ملف “المرأة الأفغانية” انتقاد تلك الفصائل بعض قراراتِ القيادة بشكل علنى ، حيث تَحدّثَ البعض مثل سـتانيكزاى وحقانى علانية ضد السياسات المتشددة التي تَتَبِعُها الحركة تجاه المرأة وانتقاد تبنى السياسات الصارمة ومقاومة الوصول إلى حلٍ وسطٍ يُخْرِجُ البلادَ من أزمةٍ سياسيةٍ ودولية، وغيرهم من المعتدلين مثل (محمد يعقوب) القائم بأعمال وزير الدفاع الذى أكد على ضرروة الاستماع إلى المطالبِ المشروعةِ للشعب مما ممثل فى مجمله تحدياً لسلطة زعيم طالبان وكذلك للنهج الذى تَستَنِدُ إليه الحركة .[16]
ثانيًا: الصعيدُ الخارجىُ:
تُواجهُ حكومة طالبان عدداً من التحديات التي تَقِفُ عائقاً أمام جهود الحركة في تطبيع علاقاتها الخارجية مع أعضاء الجماعة الدولية من دولٍ ومنظماتٍ والخروجِ بنموذجِ دولةٍ مسؤولةٍ قادرةِ على الاندماج الدولى والوفاء بمسؤولياتها والتزاماتها الدولية، وفيما يلي تحليلٌ لأهم التحديات التى تواجهُها خلال قيادتها لدفة السياسية الخارجيةِ الأفغانيةِ:
الاعترافُ الدولى:
تُعَدُ مشكلةُ القبول الدولى والاعترافِ الرسمى من قِبَلِ الدول والمنظمات الدولية واحدةً من أهمِّ نقاط الضعف والإخفاق بالنسبة لحكومة “طالبان” منذ عودتها للحكم، فبعد ثلاث سنوات من الوصول لقصرِ الحكم في “كابول” لم تستطعْ طالبان الحصولَ على الاعتراف الرسمى من قِبَلِ أي دولةٍ على مستوى العالم حتى في ظلٌِ وجودِ بعض العلاقات الدولية لعدد من القوى الدولية والإقليمية مع الحركة والتي فرضتها ظروفُ الواقع الدولي بشكلٍ كبيرٍ فتأتي كاستجابةٍ لمُعطياتٍ فرضها الواقعُ الجديد، وتُعدُّ القيودُ الخانقة التي تَفرِضُها الحركةُ في مجالات حقوق الإنسان وحقوق النساء بشكلٍ خاصٍ من أهم أسباب الرفض الدولى للحركة فضلاً عن خلفية طالبان المصنفة بأنها “إرهابيةٌ” لدى العديد من الدول خاصة الغربية، قاد هذا الرفضُ الواسعُ لحكومة طالبان إلى عزلةٍ دبلوماسيةٍ لأفغانستان كانت لها آثارٌ سلبيةٌ بشكل كبير على الوضع الداخلى للبلاد خاصة فيما يتعلق بالملف الاقتصادى، حيث أوقفت العديد من الدول المساعدات الانسانية والاقتصادية التي تَعتَمِدُ عليها عجلةُ الاقتصاد والتنمية الأفغانية بشكلٍ كبير، فضلاً عن تجميدِ عددٍ من الأصول الأفغانية في الخارج على رأسها أصولُ البنك المركزى الأفغانى كما سَلَفَ الذكر على الصعيد الداخلى، فقد قامت الولايات المتحدة بتجميد 9.5 مليار دولار من أصول البنك المركزي الأفغاني، كما قامت ألمانيا بتعليق 300 مليار دولار في شكل مساعداتٍ تنمويةٍ واقتصادية لأفغانستان، فيما عَلّقَ صندوق النقد الدولى حوالي 440 مليار دولار،وهو ما انعكَسَ بشكل سلبى على النظام التجارى الأفغانى والقدرة الشرائية للأفغان.[17]
الضغوط الدولية:
بجانب التحديات المحوريةِ التى تواجهُ حكومةَ طالبان فيما يتَعلقُ بمشكلةِ القبول على المستوى الدولى فهى أمام تَحَدٍ آخر لا يَقلُّ خطورةً ومحوريةً ويتعلق بالضغوط الدولية الواسعة التي تُمارس على حكومة طالبان في مجالات حقوق الإنسان، فالمجتمع الدولي بأسره يضغطُ على الحركة بشدةٍ لتحسين وضعِ حقوق الإنسان وخاصة المرأة والأقليات وتعزيز فرص مشاركة المجتمعية والسياسة لكافة طوائف الشعب الأفغاني، فضلاً عن الدعوات المتكررةِ لتشكيلِ حكومةٍ شاملةٍ بدستورٍ وطنيٍ واضحٍ وتجاوز هذا الوضع الانتقالي الذي استمر طوال هذه السنوات الثلاثة، كما يضعُ عدداّ من أعضاء الجماعة الدولية رهاناتٍ كبيرةً على دَوْرِ طالبان في مجال “مكافحة الإرهاب” المنتشرة في القطر الأفغانى خاصة تجاه “تنظيم داعش ولاية خرسان”.[18]
التدخلاتُ الإقليميةُ والتنافس الدولى:
يُعْتبرُ عاملُ التنافس الإقليمى والدولى عاملاً حاسماً بالنسبة للأزمة الأفغانية ويعمل على زيادةِ تعقيد المشهد الحالى فى البلاد، ويأتي في إطار التنافس الجيوسياسي بين القوى الإقليمية والدولية الذي لا تكاد تخلو منطقة من العالم من مؤشراته وتبعاته، وفي الحالة الأفغانية تعتبر الأهمية الجيوستراتجية التي تتمتعُ بها افغانستان وموقعُها المتميزُ في القارة الآسيوية ومواردُها الغنيةُ بمثابةِ منطقةِ نفوذٍ واسعٍ لمختلف القوى على الساحة الدولية، بالإضافة إلى ذلك تأتي اعتباراتٌ كالأمنِ القومي والتبادلِ التجاري والاستثمارات كعواملَ محفّزةٍ لهذا التنافس المحموم والذي يؤثرُ بشكلٍ كبير على استقرار العلاقات الخارجية الأفغانية حتى وإن كانت الحركة تحاولُ الاستفادةَ من هذا الوضعِ الدولي المنقسمِ لتحقيق مكاسب لصالحها، وفي هذا الإطار يمكن تحليل العلاقات الدولية والإقليمية لحكومة طالبان فى ظل هذا الوضع الإقليمى والدولى كالآتى:
1- الولايات المتحدة الأمريكية:
شَهِدَتْ العلاقاتُ بين الولايات المتحدة وحركة طالبان تحولاتٍ دراماتيكية في السنوات الثلاث التي أعقبت وصول طالبان إلى السلطة في أفغانستان، تشكلت هذه العلاقات في إطار عددٍ من العوامل أهمهُا “المصالح الوطنية، والأيديولوجيات، والضغوط الدولية”، وفي الآونةِ الأخيرة عملت الولايات المتحدة على انتهاجِ أسلوبٍ أكثر واقعية في تعاملها مع حكومة طالبان”وذلك من خلال استراتيجية جديدة وضعتها الخارجية الأمريكية في إطار أربع محدداتٍ هي : “مكافحةُ خطر التنظيمات الإرهابية والمساعداتُ الإنسانية والاقتصادية والخدمات القنصلية للمواطنين الأمريكيين في افغانستان من خلال القنصلية القطرية، وتقديمُ الدعم اللازم للأفغان الراغبين في الهجرة للولايات المتحدة”، ومن المُلاحظ بشدةٍ في طور العلاقة الجديدة بين “واشنطن” و”طالبان” أنها لا تسعى لاستخدامِ القوة مرة أخرى مع الحركة وتَتَمسكُ بالحلِّ السلمى ومسار المفاوضات الذي تمَّ صياغته بناءً على اتفاق “الدوحة” وهو ما يعد نقطةَ تحولٍ إيجابيةٍ بالنسبة “لطالبان” قد تكون بدايةً لنهجٍ أمريكي جديد في التعامل مع “طالبان” تقوم فيها الولايات المتحدة بتحقيق التوازن بين مصالحها الجيوستراتيجية ومبادئها حول الديمقراطية وحقوق الانسان خاصةً في ظل وجود تهديد ” داعش خرسان” الذي يُهددُ استقرارَ الحكم “لطالبان” في ” كابول” والمصالح الأمريكية على حد السواء.[19]
2- الصين:
تُعتَبرُ الصينُ أولَ دولةٍ تُرسِلُ مبعوثاً دبلوماسياً في “كابول” وتستقبل في المقابل سفيراً ممثلاُ للحركة في “بكين” بالرغم من عدم اعترافهِا الرسمي بحكومة “طالبان” على المستوى الدولى، ويأتي مُضى الصين قدماً نحو افغانستان مدفوعاً بالنظرة الجيوستراتيجية التي تُعتبرُ هي الموجّهَ الأساسى للبوصلة الصينية على مستوى العلاقات الخارجية، فأفغانستان تعتبر مجالاً حيوياً ومنطقة نفاذ محوريةٍ للصين خاصةً في ظلِّ طُموحِ “بيكين” في تعزيزِ نفوذها في محيطها الآسيوي ومحاولة ملئ الفراغ الأمريكي وخدمةِ اجندة ومشروعاتها “كمبادرة الحزام والطريق” التي تَحتاجُ بشكلٍ كبير إلى الأراضي والمواردِ الأفغانية، فضلاً عن فتح أسواق جديدة للمنتجاتِ والاستثمارات الصينية، وفي هذا الإطار قامت الصين بالتعاونِ مع حكومة “طالبان” الحالية بتنفيذِ مشروعِ “ممرِّ واخان” الذي يَرْبِطُ لأول مرة الحدودَ الصينية الأفغانية وذلك في إطارِ تعزيزِ الأهداف الصينية من التقارب مع “كابول” وبذلك تضمن الصين تحقيقَ معادلةٍ متزنةٍ مع الحركة تقومُ من خلالها بترسيخِ نفوذها الآسيوي وكذلك تُوفّرُ متنفساً للحركة التي تعاني ضغوطاتٍ في مختلفِ المجالات.[20]
3- روسيا:
تُعدُ افغانستان الحديقةَ الخلفيةَ لروسيا والعمقَ الآسيوي لها لذلك فهي تأتي على قمة أولويات السياسة الخارجية “لموسكو” وذلك لعدةِ أسبابٍ أهمها التنافس الأمريكي الروسي التاريخي على الأراضي الأفغانية، فضلاً عن المخاوف الأمنية وخطرِ التنظيمات الإرهابيةِ وخاصة “داعش خرسان” الذي هدد الداخلَ الروسي لذلك تسعى روسيا إلى حجزِ موضعِ قدمِ فيما يتعلق بالأزمة الأفغانية وذلك من خلال بناء علاقاتٍ متزنةٍ مع حكومة طالبان الحالية خاصة فيما يتعلق بالتعاون الأمني والمعلوماتي والملفات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية التي تُعتبرُ ورقةً رابحةً لكلا الطرفين روسيا وطالبان، كما ظهرت العديد من الدعاوى من قلب مؤسساتٍ رسميةٍ روسيةٍ تنادي برفعِ اسم الحركة من قائمة الإرهاب الوطنية الروسية، كما شارك وفدٌ رسميٌ من حكومةِ طالبان فى “منتدى سان بطرسبرج” الاقتصاديِ الذي عقدته روسيا.[21]
4- قطر:
تَلعَبُ قطر دوراً بارزاً في ملف المفاوضات حول الأزمة الأفغانية وتُعْتبرُ وسيطاً موثوقاً به لدى كافة الأطراف وهو الأمر الذي نجحت الدبلوماسية القطرية في تحقيقه بشكلٍ ملفتٍ ومؤثر في الفترات القليلة الماضية، وفيما يتعلق بالأزمة الأفغانية نجحت قطر في فتحِ قنوات تواصلٍ وحوارِ مع حركة طالبان من خلال استضافتِها لمكتبِ “طالبان” واشرافِها على توقيع اتفاقِ “الدوحة التاريخي” الأمر الذي جعلها بمثابةِ حلقةِ الوصل بين حكومة “طالبان” المعزولة في” كابل” والمجتمعِ الدولي، تسعى الدبلوماسية القطرية من خلالِ هذه الجهود إلى التوصلِ لحلٍ سلميٍ ومرضٍ لكافة أطراف الأزمة ويضمنُ تحقيقَ الاستقرارِ والأمن بالنسبة للشعب الأفغاني الذي أنهكتهُ الحروب على مدارُ تاريخه الطويل، كما تسعى قطر من خلال هذا الدور إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي ومنع انتشار الفوضى وتوسعِ النشاط الإرهابي من افغانستان إلى المحيط الآسيوي ومنه إلى العالم ، فضلاً عن دورِها البارز في ملف المساعدات الإنسانية والاقتصاديةِ للشعب الأفغاني، كما أن السفارةَ القطريةَ ما زلت تباشر أعمالها بما فيها تمثيل المصالح الأمريكية في افغانستان، وساعدت هذه الجهود في تعزيزِ مكانةِ قطر كلاعبٍ دوليٍ مؤثرٍ إقليميٍ ودوليٍ.[22]
5- الإمارات:
تتَمتعُ الإمارات العربية المتحدة بعلاقاتٍ ثنائية جيدةٍ مع حكومة طالبان، فدولة الإمارات تَلعَبُ دوراً مهماً في تحقيق تسويةٍ بشأن الأزمة الأفغانية فضلاً عن دورِها البارز في دعم المسار الاقتصادي والتنموي الافغاني من خلال المشاريعِ الاستثماريةِ الضخمةِ خاصة في مجالات البنية التحتية وإعادة الإعمار كتوقيع اتفاقية مع حكومة طالبان لإدارة مطار كابول، فضلاً عن الزيارات المتكررة لعددٍ من مسؤولى الحركة للإمارات على رأسهم (سراج الدين حقاني) وزير الداخلية و (عبد الحق وثيق) رئيس الاستخبارات العامة في الحكومة، وذلك لتعزيز علاقاتِ التعاون المتبادل بين كلا الطرفين كما قَبِلَتْ دولةُ الإمارات أوراق اعتمادِ الدبلوماسي الأفغاني (مولوي بدر الدين حقاني) ممثلاً الحركة لديها ولكن دون وجود اعترافٍ رسميٍ بالحركة، وبذلك تَعملُ الإمارات على الوقوف على مسافةٍ متساويةٍ من كافة الأطراف في نَهْجٍ واقعيٍ ومتزن اتسمت به أبو ظبي في سياستها الخارجية تسعى من خلاله للحفاظِ على التوازناتِ الجيوسياسية في المنطقة.[23]
6- إيران:
تَتَّسمُ العلاقاتُ الإيرانيةُ مع حركة طالبان بقدرٍ من التشابك والتعقيد نتيجة تأثرها بعددٍ من العوامل التاريخية والسياسية والدينية التي كان لها تأثيرٌ كبيرٌ في رَسْمِ ملامح العلاقة بين كلا الطرفين، وتُعتبرُ الخلافاتُ المذهبيةُ بين شيعة إيران وسنة طالبان والتغيرات السياسية والتنافس الجيوسياسي من أهمِّ هذه العوامل، إلا أنه بعد أحداثِ “الحاديَ عَشَرَ من سبتمبر” والعداء بين الحركة والغرب وخاصة الولايات المتحدة عملت إيران على تعزيز علاقاتها مع الحركة والتخلي عن سياسةِ العداء تجاهها، وعليه أخذَ مسارُ هذه العلاقات في التطور حتى عودة طالبان للحكم مرةً أخرى فسارعت “طهران” بتقديم الدعم المالي واللوجستي وتعزيز التعاون الاقتصادي خاصةً في مجال التعدين وفتح قنوات تواصلٍ وتعاونٍ مع الحركة لتعزيز موقفِها أمام الضغوط الغربية وذلك في إطار التنافس الغربي الأمريكي الإيران، فضلاً عن سعي إيران إلى تأمينِ حدودِها الغربية وتقلّصِ نفوذ تنظيم داعش الذي يُمثلُ الهاجسَ الأكبرَ بالنسبة للإيراني والشيعة في مختلف بقاع العالم.[24]
7- باكستان:
يَحْتلُ ملفُ حركة طالبان والوضع السياسي والامني في افغانستان مكانةً محوريةً بالنسبة لمتخذى القرار الباكستاني وذلك لعددٍ من الاعتبارات أهمها التواصلُ الجغرافي والأيدولوجيات المتشابهةُ إلى حدٍ كبيرٍ ووجود فرع “لطالبان” في باكستان، لذلك فإن العلاقات بين “كابول” و”إسلام آباد” تعتبر استراتيجيةً بشكلٍ كبير، وبعد عودة “طالبان” إلى سُدّةِ الحكم والإطاحة برئيس الوزراء الباكستاني (عمران خان) اتسمت هذه العلاقات بنوع من التوتر لعددٍ من الأسباب أهمها التوترات الحدودية ومشكلةُ طردِ اللاجئين الأفغان من باكستان وتعزيزُ طالبان لعلاقاتها مع الهند والنشاط الإرهابي المتزايد “لطالبان باكستان”، إلا أن مسؤولين في الحركة أكدوا أن الحكومةَ تتَطلعُ لبناءِ علاقاتٍ قويةٍ وحسنةٍ مع حكومة “إسلام آباد” في المقابل تتعاملُ الأخيرةُ مع طالبان بقدرٍ من الحذرِ الشديد.[25]
8- الهند:
لم تكنْ العلاقاتُ بين الهند وحركةِ طالبان جيدةً بشكلٍ كبيرٍ على مدار تاريخِ الحركة؛ حيث كانت الهند مؤيدةً بشكلٍ كبير للمعسكر الغربي ضد الحركة في علاقة يشوبها عدمُ الثقة المتبادل بين الطرفين، إلا أنه بعد عودة الحركةِ للحكم عَمِلتْ الهند على تعديلِ سياستِها الخارجية تجاه الحركة بما يتناسبُ مع متطلبات الواقع الجديد والطموح الهندي المتنامي الذي يسعى للتنافسِ بشدةٍ مع القوى الإقليميةِ والدولية على النفوذِ في آسيا وشبه القارة الهندية، فضلاً عن تخوفات الهند من انتشار الفوضى وعدمِ الاستقرار الإقليمي خاصة في ظل تنافسِها مع باكستان لذلك عَمِلتْ على تعزيز علاقاتها مع حكومةِ الحركة من خلال المساعدات الاقتصاديةِ والتعاون في المجال الانساني.[26]
الخاتمة:
تأسيساً لما سبق نَجِدُ أن حكومةَ طالبان تَجِدُ نفسَها أمام التزامٍ ومسؤوليةٍ كبيرة تتطلب قدراً كبيراً من الاتزانِ والحكمة والمرونة في علاقاتها الخارجية للخروج بالبلاد من هذا النفق المظلم، فهى فى حاجة مُلحّةٍ لمعالجة معضلة الاعتراف الدولى وإقامة علاقات رسمية مباشرة مع الشركاء الاستراتيجيين _دولياً واقليماً_ خاصة فى ظلِ التحديات الداخليةِ المُعقّدةِ التي تعاني منها البلاد وفي مقدمتِها التحدياتُ الإقتصاديةُ والتنموية، فضلاً عن ملف حقوق الإنسان والمرأة الذي يُعتَبرُ العائقَ الأهم أمام طالبان للحصول الشرعية والاعتراف الدولي، وفي هذا الإطار ترى الحركةُ أن المجتمعَ الدوليَ يَتّخِذُ من هذا الملف ذريعةً لتأجيجِ الصراع مرة أخرى في افغانستان وذلك على لسان المتحدث باسم الحركة (ذبيح الله مجاهد)، وفي ظل تمسك الحركة بوجهةِ نظرِها في الملفات المختلفة فهي تراهنُ بشكلٍ كبيرٍ على عامل الوقت الذي سيضطر الدول تباعاً إلى إقامةِ علاقاتٍ معها حتى في ظل غياب الاعتراف الرسمي ولذلك لعدد من الاعتبارات أهمها:
-
محوريةُ أفغانستان بالنسبة للعديد من الفواعل على المستوى الإقليمي والدولي.
-
التنافسُ الدوليُ ومستويات الاستقطاب الدولي العالية التي يشهدُها النّسَقُ الدولي الحالي.
-
التهديداتُ الأمنيةُ المشتركة مع عددٍ كبيرٍ من القوى الإقليمية والدولية وعلى رأسها تهديدات تنظيم داعش “ولاية خرسان”.