على مرِّ التاريخ، مرتْ البشريةُ بمحطاتٍ تحوليةٍ عميقةٍ من خلال الثورات الصناعية التي أرست أُسسَ تطورها الاقتصادي والاجتماعي وأعادت تشكيلَ أنماطِ الإنتاج والحياة، بدأت هذه التحولات مع الثورة الصناعية الأولى في القرن السابعَ عشرَ الميلادي، التي مثَّلت نقلةً نوعيةً من الإنتاج اليدوي المحدود إلى الإنتاج الميكانيكي باستخدام طاقة البخار، مما أطلقَ شرارة التطور التقني وأحدثتْ ثورةً في قطاعات الزراعة والصناعة والنقل، تواصلت مسيرة التقدم مع الثورة الصناعية الثانية التي قامت على استغلال الطاقة الكهربائية، مما مكّن من توسيع نطاق الإنتاج وزيادة كفاءته، أما الثورةُ الثالثة، فقد جلبت معها ثورةَ المعلومات والاتصالات التي أحدثت تحولًا جِذريًا في أنظمة العمل والإنتاج، اليوم، تقف البشرية على أعتاب الثورة الصناعية الرابعة، التي تمثلُ تقنياتها المتطورة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، عاملًا محوريًا في تعزيز الأمن القومي وإعادةِ تعريف أساليبه. تتغلغلُ هذه التقنيات في مجالاتٍ حيويةٍ مثل الروبوتات، إنترنت الأشياء، والمدن الذكية، مما يتيح للدول تطوير أنظمة متقدمة لرصْدِ التهديدات الأمنية، وإدارة الأزمات، وتعزيز قدراتها في مجال الحرب السيبرانية. كما توفرُ الهندسة الوراثية والطباعة ثلاثية الأبعاد إمكانات جديدة لحماية الحدود، وتحسين الاستعداد لمواجهة التحديات البيولوجية والكيميائية.
تعكسُ هذه الثورة تحولًا استراتيجيًا في طبيعة الأمن القومي، حيث لم يعدْ يقتصرُ على المفاهيم التقليدية، بل بات يشملُ تأمينَ البيانات الحساسة، تطوير الأنظمة الدفاعية الذكية، وتوظيفَ تقنيات التحليل التنبئي لاتخاذ قراراتٍ استباقيةٍ، هذه التقنيات لا تساهمُ فقط في مواجهة التهديدات المعاصرة، بل تُعزز أيضًا من قدرة الدول على بناء أنظمةٍ مرنةٍ ومستدامةٍ تحافظ على سيادتها واستقرارها في مواجهة التحديات المتغيرة، ومن هنا، أصبحت تعتمد الدول المتقدمة على الذكاء الاصطناعي كأداةٍ استراتيجيةٍ لتطوير قدراتها الدفاعية.
في السياق المصري، يُعرَّفُ الذكاءُ الاصطناعي بأنه منظومةٌ تقنيةٌ متقدمةٌ تُحاكي القدرات البشرية في التحليل والتعلم واتخاذ القرار، ما يجعله أداة استراتيجية في دعم الأمن القومي، الذي يُعرف بدوره بأنه قدرةُ الدولة على حماية استقلالها السياسي وسلامة أراضيها، وضمان أمن مواطنيها ومواردها في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وبالتالي يشكّلُ الذكاء الاصطناعي فرصة محورية لتعزيز الأمن القومي المصري من خلال توظيفه في تطوير الحلول التقنية لمواجهة المخاطر الأمنية، سواء عبر تحسين القدرة على رصْدِ التهديداتِ الداخلية مثل الجرائم السيبرانية والجريمة المنظمة، أو التعامل مع التحديات الخارجية المتعلقة بالتهديدات الإقليمية والدولية.
تهدفُ ورقةُ السياسات هذه استكشافَ فرص استخدام الذكاء الاصطناعي لدعم الأمن القومي المصري، مع التركيز على فهْمِ ماهيته وإمكاناته في مواجهة التحديات الأمنية والعسكرية الراهنة والمستقبلية، مع تقديم توصياتٍ عملية تتعلق بتطوير السياسات العامة والبنية التشريعية الخاصة به.
المقدمة
يشهدُ العالم تحولًا جِذريًا بفعل التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي أصبحَ ركيزةً أساسيةً لإعادة تشكيل الواقع الاقتصادي والاجتماعي على مستوى العالم، حيث تشير التوقعات إلى أن الذكاء الاصطناعي سيُضيف نحو ١٥ تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام ٢٠٣٠ [1]، مما يجعلهُ قوةً دافعةً للنمو الاقتصادي، خاصة للدول التي تستثمر بفاعلية في استيعابه ودمْجهِ ضمن اقتصاداتها، وفي هذا الإطار، أصبحَ الذكاء الاصطناعي محط اهتمام الحكومات الوطنية والدولية لما يقدمهُ من إمكاناتٍ هائلةٍ لدفْع عجلة التنمية ومواجهة تحديات الأمن القومي.
يُعرفُ الذكاء الاصطناعي بأنه أحدُ فروع العلوم الحاسوبية المعنية بتطوير الآلات والبرمجيات القادرة على محاكاة الذكاء البشري والقيام بمهامٍ مُعقدة بكفاءةٍ عاليةٍ، تشمل هذه المهام تحليلَ البيانات الضخمة، معالجةَ اللغة الطبيعية، والرؤية الحاسوبية، مما يجعله أداةً حاسمةً في مختلف القطاعات، وبينما تُستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي حاليًا كأدواتٍ مساعدةٍ للإنسان في اتخاذ القرارات، فإن التطورات المتسارعة في هذا المجال تثير مخاوف بشأن الوصول إلى مستويات متقدمة من “الذكاء الاصطناعي الخارق”[2]، الذي قد يصبحُ قادرًا على اتخاذ قرارات مستقلة، هذا الوضع ينطوي على مخاطرَ جسيمةٍ تتعلق بالسيطرة البشرية وأمن الدول.
ومن هنا، أصبحَ الذكاءُ الاصطناعي يُمثل تحديًا مزدوجًا للأمن القومي، إذ يحمل فرصًا هائلة لتعزيز القدرات الأمنية من جهة، وتهديداتٍ محتملةً تزيد من تعقيد المشهد الدولي من جهة أخرى، وفقًا لتقرير المخاطر العالمية لعام ٢٠٢٤ الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي [3]، يُعد الذكاء الاصطناعي من أبرز التحديات التي تهدد الأمن العالمي، تبرز هذه التحديات في ثلاثة محاور رئيسية: انتشارُ المعلومات المضللة، سوء استخدام التكنولوجيا في الهجمات السيبرانية، واحتكارُ تقنيات الذكاء الاصطناعي من قبل عدد محدود من الدول أو الشركات الكبرى، مما يؤدي إلى اختلال توازن القوى على الساحة الدولية.
وبالنظر إلى الدولة المصرية، أطلقتْ مصرُ الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في يوليو ٢٠٢١، التي تهدفُ إلى تحسين استخدام هذه التقنيات في كافة القطاعات الحيوية، وأيضًا تم إطلاق الميثاق المصري للذكاء الاصطناعي المسؤول، الذي يحددُ الأُطرَ التنظيميةَ لاستخدام هذه التقنيات بطريقة أخلاقية وآمنة، ورغم هذه الجهود، تواجهُ مصر تحدياتٍ تتعلق بضَعْفِ البنية التحتية، والحصول على استثمارات مستدامة، وتعاونٍ دوليٍ مع الدول الرائدة في هذا المجال، وبالتالي فإن الذكاء الاصطناعي يُعتبر أداة ذات حدين؛ إذ يحمل إمكانات هائلة لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الأمن القومي، لكنه يُثير أيضًا مخاطر تتطلب إدارتها بحذر. تظل مصر، من خلال استراتيجياتها الطموحة، في موقعٍ متميزٍ للاستفادة من هذه الفرصة التاريخية، شريطة تحقيق التوازن بين تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي والحد من مخاطره المحتملة لضمان مستقبل أكثر استقرارًا واستدامة.
توصيفُ المشكلةِ
“أولًا: الأبعادُ العسكرية والأمنية في أنظمة الذكاء الاصطناعي”
يرى المحللون العسكريون أن الذكاء الاصطناعي سيُعيد تشكيلَ الحروب في القرن الحادي والعشرين، حيث أصبحت العديد من الدول وأيضًا الفواعل من دون الدول تتبنى الذكاء الاصطناعي العسكري بكفاءة فيما يُعرف “بعسكرة أنظمة الذكاء الاصطناعي”، وهو ما يُمثل محورًا حاسمًا في المنافسة الجيوسياسية والعسكرية، فيما يلي الأبعادُ العسكرية والأمنية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي:
1- الذكاءُ الاصطناعيُ ورصْد التطرف الإلكتروني :تستغلُ الجماعاتُ المتطرفة حول العالم منصات متعددة، بدءًا من مواقع التواصل الاجتماعي المشهورة وصولًا إلى المنتديات الأقل شهرة مثل 4chan 8kun، [4]، لنشرِ المعلومات المضللة، تجنيد الأفراد، والتخطيط للهجمات، وهنا تبرزُ أهميةُ الذكاء الاصطناعي في تتبع ورصد التطرف عبر الإنترنت. إذ تعتمد وكالات الأمن على تقنيات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي لفكِّ شفرات الحوارات المبهمة، وتحليلِ المؤشراتِ التي تنذر بتهديد وشيك، كما تُستخدم هذه التقنيات لمواجهة حملات المعلومات المضللة الموجهة لزعزعة الأمن والاستقرار للدول.
2- الذكاءُ الاصطناعي في حرب المعلومات :تلجأُ وكالاتُ الاستخبارات إلى الذكاء الاصطناعي لإدارة حرب المعلومات، سواء داخليًا أو خارجيًا، يُمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي كشفُ التلاعب بالمعلومات عبر تقنيات “التزوير العميق (Deep Fake)[5]، التي تنتج صورًا ومقاطع فيديو وأصواتًا مزيفة تبدو واقعية، وتُستخدم هذه الأدوات لتشويه الحقائق ونشْرِ معلوماتٍ مغلوطة تُنسب إلى قادة أو مسؤولين، مما يزرع الفوضى ويُفقدُ المجتمعاتٍ الثقةَ بمؤسساتها.
3- الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية :في السياقات العسكرية، يُسهم الذكاءُ الاصطناعيُ في تحسين أنظمة القيادة والسيطرة، مما يعزز دقتها ومرونتها، من خلال تحليل كمياتٍ ضخمةٍ من البيانات من مصادر متنوعة، بالإضافة إلى استخدام ما يُعرفُ بـ”صورة التشغيل المشتركة” [6]، التي توحّد المعلومات لصانعي القرار بدلاً من الاعتماد على تقارير منفصلة قد تكون متناقضةً أو مكررةً، كما يمكن للأنظمة المتقدمة أيضًا اقتراح مسارات عمل عملية بناءً على تحليلٍ لحظْيٍ لساحة المعركة، ومثال ذلك نظام “لافندر” [7] الذي استخدمته القوات الإسرائيلية في حرب غزة، يعتمد هذا النظام على بيانات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وقد حدد الجيش الإسرائيلي من خلاله ما يقرب من ٣٧ ألف هدف فلسطيني، وذلك بإنشاء قاعدة بيانات للأفراد تعتمد خوارزميات معينة تضبط معايير البحث، وقد طورته الوحدة 8200 التي تُعرف باستخبارات النخبة.
4- دور الذكاء الاصطناعي في اللوجستيات العسكرية :تلعبُ تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي دورًا بارزًا في إدارة الخدمات اللوجستية العسكرية، على سبيل المثال، تُستخدمُ الأنظمة الذكية للتنبؤ بالأعطال في المعدات العسكرية، ووضْعِ جداول صيانة وقائية تلقائية، مما يُخفض من التكاليف ويضمن جاهزية الأسلحة بشكل مستمر، هذه التطبيقات تفوق بكفاءتها أساليب الصيانة التقليدية التي تعتمد على قواعد روتينية أو على إصلاحِ الأعطال فقط عند حدوثها ،كما تُمثلُ أنظمةُ الأسلحة المستقلة المدعومة بالذكاء الاصطناعي طفرةً كبيرةً في الحروب الحديثة، إذ تقلل هذه الأنظمة من الأخطاء البشرية وتُجنب الجنود مخاطر التواجد في ساحات القتال، ومن أبرز هذه التطبيقات الطائرات بدون طيار (Drones)، التي تُحددُ الأهداف وتتعامل معها تلقائيًا دون تدخل بشري.[8]
5- الفواعلُ من غير الدول: في السابق، كانت تكنولوجيا التسلح، كالصواريخ النووية أو برامج الفضاء، حكرًا على الحكومات، لكن مع انتشارِ تقنياتِ الذكاء الاصطناعي وتطويرها من قِبل شركات ناشئة، باتت الفواعل من غير الدول تمتلكُ وسائلَ متقدمةً تُستخدم لتحقيق مصالحها، تعتمد هذه الجهات على البرمجيات المفتوحة المصدر والشبكات المُظلمة لتطوير أدوات هجومية ودفاعية، مما يُعقّد جهود الحكومات في التصدي للتهديدات السيبرانية.
6- الحربُ الروسية-الأوكرانية إختبارًا للذكاء الاصطناعي :قدمت الحرب الروسية-الأوكرانية نموذجًا عمليًا لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحروب. استخدمت روسيا طائرات بدون طيار (KUB-BLA) المُجهزة بأنظمة استكشافٍ ذكيةٍ للتعرف على الأهداف وتدميرها بكفاءةٍ. كما طورت روسيا دبابات آلية تُعرف بـ”الروبوت القاتل” (Uran–9)، الموجهة عن بُعد والمزودة بأسلحة متطورة، بالمقابل، لجأت أوكرانيا إلى الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدراتها الدفاعية باستخدام تِقنيةِ التعرف على الوجوه لتحديد المتسللين الروس، كما اعتمدت على طائرات Switchblade 600 الأمريكية التي تُنفذ المهام ذاتيًا.[9]
“ثانيًا: مخاطرُ الذكاءِ الاصطناعي على الأمن القومي”
تُعد التقنياتُ المُرتبطة بالذكاء الاصطناعي أحدَ أبرز التطورات التكنولوجية في العصر الحديث، ولكنها لا تخلو من مخاطرَ كبيرةٍ على الأمن القومي، فبينما تُسهم هذه التقنيات في العديد من المجالات مثل تحسين الكفاءة الاقتصادية وتعزيز القدرات العسكرية، فإنها في الوقت نفسه تمثل تهديدات متعددة على أمن واستقرار الدول، وذلك على النحو الآتي:
1- التضليلُ الإعلامي عبر الذكاء الاصطناعي: يشكّلُ الذكاء الاصطناعي تهديدًا كبيرًا في مجال التضليل الإعلامي، حيث أتاح تطورُ تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي كـ “ميدجورني” Midjourney [10]إنشاء صورٍ ومحتوى إعلامي يتمتع بواقعية عالية، ما يُعززُ قدرةَ هذه التكنولوجيا على التأثير في الرأي العام بشكل كبير. أحد أبرز المخاطر المترتبة على هذه التقنيات هو قدرتها على نشر المعلومات المغلوطة بشكلٍ فائق السرعة، حيث إن الصور أو مقاطع الفيديو التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي قد تكون أكثر إقناعًا من الصور الحقيقية، وبالتالي قد تُمكّن الجهات الفاعلة من نشْر معلومات غير صحيحة على نطاق واسع، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة في سياق الأمن القومي، مثل الإعداد لمواجهات عسكرية بناءً على معلومات مضللة، وهو ما يُضاعفُ من انتشار خطاب الكراهية، وتأجيج الصراعات، واحتمال حدوث حروب دولية، خصوصًا في غياب الأنظمة القانونية والأخلاقية التي تحد من استخدام هذه التقنيات.
2- التهديدات السيبرانية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي :يعدُ الذكاء الاصطناعي من العوامل المحورية التي تساهم في تصعيد التهديدات السيبرانية على مستوى العالم، حيث في يونيو ٢٠٢٣، تم تحذير الدول في تقارير دولية من أن الذكاءَ الاصطناعي قد يُستخدمُ لاستغلال الثغرات في نُظمِ الأمان الرقمية[11]، مما يؤدي إلى هجمات إلكترونية أكثر تطورًا وفعالية، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن للمهاجمين تنفيذُ هجمات معقّدة على البنية التحتية الحيوية للدول، مثل الهجمات الخبيثة، أو البرمجيات الضارة، أو الهجمات باستخدام الفدية، تُعدُ هذه التهديدات بمثابة دعوةٍ ملحةٍ لتعزيز الدفاعات السيبرانية العالمية ومراجعة الاستراتيجيات الأمنية بشكل مستمر.
3- استغلال الذكاء الاصطناعي في تصنيع الأسلحة البيولوجية والكيميائية :في سياقٍ أكثر خطورة، يبرزُ القلقُ من استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير أسلحة بيولوجية وكيميائية جديدة، من خلال تقنيات مثل الخوارزميات المدعمة بالتعلم الآلي، يمكن للذكاء الاصطناعي تسريعُ عملية البحث والتطوير لهذه الأسلحة، على سبيل المثال، صمم مولّد جزيئات ‘ميغاسِن 2″ MegaSyn2 [12]وهو عبارة عن خوارزمية تستخدمُ التعلم الآلي بغرض إيجاد مركبات علاجية جديدة لعلاج الأمراض البشرية، وعن طريق الذكاء الاصطناعي تعلم الخوارزمية أن تفضّل الضرر وتتجنب الفائدة وفي أقل من ستة ساعات بعد تشغيلها، أنتج ٤٠ ألف جزيء كيميائي يتميز بأنه ضار للجسد البشري.
4- الجماعات المتطرفة والذكاء الاصطناعي: لا يقتصرُ استخدامُ الذكاء الاصطناعي على الدول أو الشركات الكبرى، بل يمتد أيضًا إلى الجماعات المتطرفة التي قد تستغل هذه التكنولوجيا لنشر محتوى متطرف وتدريب الروبوتات على تكثيف حملاتها الإرهابية، وبفضل الذكاء الاصطناعي، أصبحَ بإمكان هذه الجماعات إخفاءُ هوياتهم على الإنترنت، مما يزيد من صعوبة ملاحقتهم قانونيًا، علاوةً على ذلك، يمكن للجماعات المتطرفة استخدام الذكاء الاصطناعي في جمع الأموال عبر العملات المشفّرة، مما يعزز قدرتها على التمويل والتوسع في أنشطتها.
5- تسارعُ وتيرةِ الهجمات الإلكترونية بالذكاء الاصطناعي :من المتوقعِ أن تتسارعَ الهجماتُ الإلكترونية المدعومة بالذكاء الاصطناعي بشكلٍ أكبر في السنوات القادمة، فخلال عام ٢٠٢٣، ارتفعت الهجمات الإلكترونية بنسبة ٣٨% مقارنة بالعام ٢٠٢٢ [13]، وتمكّن تقنيات الذكاء الاصطناعي القراصنة من إنشاء تعليماتٍ برمجيةٍ ضارة ورسائل بريد إلكتروني تهدف إلى اختراق الأنظمة الأمنية بشكلٍ أسرع وأكثر فعالية، وهو ما يفرضُ على الدول والمؤسسات الدولية تعزيز التحصينات الأمنية وتطوير آليات استجابة سريعة لهذه الهجمات.
6- تجسسُ المناطيد والصراع على الهيمنة التكنولوجية :أدى تقدّمُ الذكاء الاصطناعي إلى تحسين تقنيات تجسس المناطيد، التي يمكنُ توجيهها عبر التحكم في الارتفاع للوصول إلى الرياح المناسبة دون الحاجة لوسائل دفع. يتميز المنطاد بقدرته على الثبات فوق الهدف، مما يجعله أكثرَ فعاليةً من الأقمار الاصطناعية. مثال على ذلك هو المنطاد الصيني الذي حلّق فوقَ الأراضي الأمريكية في فبراير ٢٠٢٣ [14]، في نفس الوقت، أصبح التنافس على هيمنة تقنيات الذكاء الاصطناعي حاسمًا في الصراع العالمي، حيث تفوقت الصين على الولايات المتحدة في عدد الأبحاث في ٢٠٢١، مما قد يُنذر بتغيير ميزان القوى العالمية.
“ثالثًا: فُرصُ وتحدياتُ الذكاء الاصطناعي في الأمن القومي المصري”
تمتلكُ مصرُ فرصًا كبيرة للاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتعزيز أمنها القومي في كافة القطاعات المختلفة، حيث شهدت مصر تقدمًا ملحوظًا في جاهزيتها الرقمية، والذي يتيح لها أن تقودَ منطقة الشرق الأوسط في هذا المجال، وفيما يلي فرص تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مصر:
1- التقدمُ في المؤشرات العالمية للذكاء الاصطناعي :تسعى مصرُ إلى أن يُسهمَ الذكاء الاصطناعي في تعزيز النمو الاقتصادي، إذ تُشيرُ التوقعات إلى أن الذكاء الاصطناعي سيُسهم بنسبة ٧.٥% في الناتج المحلي الإجمالي لمصر بحلول عام ٢٠٣٠ [15]، هذه النسبة ليست فقط نتيجة لزيادة الاستثمار في قطاع التكنولوجيا، ولكن أيضًا من خلال تحسين الإنتاجية وتقليل التكاليف في القطاعات المختلفة مثل البنوك والعقارات والتجارة، وقد أظهرت المؤشراتُ الدوليةُ أن مصر قد تقدمت في الترتيب العالمي في مجال “جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي” من المركز ١١١ في ٢٠١٩ إلى المركز ٦٥ في ٢٠٢٢ [16]، مما يعكسُ تحسنًا في الاستعداد لاستفادة الحكومة من تقنيات الذكاء الاصطناعي.
2- الحوكمةُ الرقمية :يُعتبرُ الحي الحكومي بالعاصمة الإدارية الجديدة بمثابة دولاب عملِ الدولة ومحركها الرئيس، من خلال شبكات اتصالات ومراكز وقواعد بيانات للوزارات، بحيث يشهدُ أداء الحكومة نقلةً نوعيةً أيضًا، من حيث التواصل والأخذ بالتكنولوجيا، وفي القلب “مركز البيانات الموحد”[17]، وهو مركز بيانات عملاق يدار بواسطة خاصية الذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى سرعة الأداء، ورفْعِ كفاءة الخدمات الحكومية، وإدماج الذكاء الاصطناعي في دورة صُنعِ القرار وزيادة الشفافية.
3- التعاون مع القطاع الخاص والقطاع الأكاديمي :نجحت مصر في بناء شراكاتٍ استراتيجيةٍ بين الحكومة، القطاع الخاص، والأكاديميين من خلال إنشاء المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي في عام ٢٠١٩ [18]، الذي يعمل على وضْعِ استراتيجيةٍ وطنية شاملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، من خلال هذه الشراكات، يتم تنفيذ برامج تدريبية لتطوير المهارات الرقمية، بما يتماشى مع احتياجات سوق العمل.
4- بناءُ القدرات ودعم الابتكار التكنولوجي :من أبرزِ الفرص التي توفرها استراتيجية التحول الرقمي في مصر، إطلاق منصة الذكاء الاصطناعي الوطنية في عام ٢٠٢١ [19]التي تهدف إلى جمع كافة الجهود المتعلقة ببناء القدرات وتعزيز الخبرات في هذا المجال، بالإضافة إلى ذلك، تسعى مصر إلى دعمِ الابتكارِ التكنولوجي وريادة الأعمال من خلال مراكز إبداع مبادرة “مصر الرقمية” هذه المبادرات من شأنها أن تُسهمَ في بناء مجتمعٍ معلوماتي متكامل وجذْبِ الاستثمارات العالمية، مما يعززُ النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.
5- مصرُ كمركز إقليمي للذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط: ترأستْ مصر، مُمثَلة في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الاجتماع الثالث للدورة العادية للجنة الفنية المتخصصة للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والإعلام، الذي استضافته بمدينة العلمين الجديدة في ديسمبر ٢٠٢١ [20]، وكان الهدفُ من إنشاء مجموعة العمل هو الخروجَ باستراتيجية موحدة لأفريقيا في مجالات الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى ذلك شاركت مصر في القمة العالمية للذكاء الاصطناعي من أجل المصلحة العامة في مايو ٢٠٢٤، بجنيف، سويسرا، وقد سبقها في نفس الشهر مؤتمر الأمم المتحدة لإدارة الذكاء الاصطناعي.[21]
بينما حققت مصر تقدمًا ملموسًا في مجال الذكاء الاصطناعي، لا تزال هناك فرصٌ غيرُ مستغَلة، حيث تواجه مصر عدداً من التحديات في توطين الذكاء الاصطناعي، وذلك على النحو الآتي:
1- الهيمنةُ السيبرانية: من بين المخاوف الأخرى التي تُثارُ عند الحديث عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الأمن القومي المصري، هي مسألة الهيمنة السيبرانية. فبعض الشركات الكبرى والدول المتقدمة تمتلكُ القدرةَ على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكلٍ أسرع وأوسع، مما يعززُ من تأثيرها على النظام الدولي. في الوقت ذاته، قد يؤدي ذلك إلى تعزيز مركزية النفوذ في يدِ عددٍ قليل من الأطراف المتقدمة، بما يشكلُ تهديدًا للأمن السيبراني الوطني، ويعرضُ بنية المعلومات والبيانات الوطنية للهجوم أو الاستغلال.
2- الفجوة الرقمية: يُعتبرُ الفارق بين الدول المتقدمة والنامية في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي من أبرز التحديات التي قد تعيقُ تطبيقاته في مصر، إن الفجوة التكنولوجية بين الدول الكبرى ومصر قد تؤدي إلى إعاقة فرص مصر في الاستفادة من هذه التكنولوجيا في المجالات التنموية، كما أن التفاوت في القدرة على الوصول إلى هذه التكنولوجيا بين الطبقات الاجتماعية المختلفة يُزيد من الانفصال بين هذه الطبقات، حيث يصبح الوصول إلى الوظائف المتقدمة والتكنولوجيا حكرًا على فئةٍ معينةٍ من المجتمع، مما يعمق الفوارق الطبقية.
3- ارتفاعُ التكلفةِ المرتبطة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي: فالتطبيقاتُ المتقدمة للذكاء الاصطناعي تتطلبُ استثماراتٍ ضخمةً في مجال البحث والتطوير، إضافة إلى تكلفة أجهزة الحوسبة المتقدمة وبرامج تحليل البيانات الضخمة، وتُعد هذه التقنيات مكلفةً بشكلٍ خاص في البداية، وهو ما يجعل من الصعب على العديد من الشركات الوطنية والمؤسسات الحكومية المحلية تفعيل هذه الحلول.
4- ضَعفُ البنية التحتية التكنولوجية :الذكاء الاصطناعي يعتمدُ بشكلٍ أساسي على بنيةٍ تحتيةٍ متطورة لدعم الأنظمة الحسابية وتخزين وتحليل البيانات. في مصر، لا تزال البنية التحتية التكنولوجية في مراحلها الأولى مقارنةً بالدول الكبرى التي تمتلك أنظمةً سحابيةً متقدمةً وشبكات تكنولوجية عالية الكفاءة، هذا الضعف في البنية التحتية يعوق استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل فعال في مختلف القطاعات، خاصة في مجال الأمن القومي.
5- صعوبةُ جذْب الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي :يُعدُ جذبُ الاستثمارات من أكبر التحديات التي تواجه مصر في تطبيق الذكاء الاصطناعي، إذ يواجه المستثمرون صعوبةً في اتخاذ قرار بضخ الأموال في هذا القطاع بسبب نقص التوعية بالمزايا طويلة المدى لهذه التقنيات وضعف القوانين التي تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي.
الخاتمةُ والتوصياتُ
في الختام، تتضحُ أهميةُ تكامل الذكاء الاصطناعي في تعزيز الأمن القومي المصري، حيث يقدمُ هذا المجال فُرصًا غير محدودة لتحسين الأداء الأمني وتطوير آليات الحوكمة، من خلال خطوات عمليةٍ ومدروسةٍ، يُمكن لمصر أن تحوّلَ الذكاء الاصطناعي إلى مُحرك رئيسي لتعزيز أمنها الوطني وتحقيق ريادة إقليمية في هذا المجال ، وبالنظر إلى هذا الإطار يُمكن تقديم عدد من التوصيات على النحو الآتي:
1- إطلاقُ برنامج وطني للذكاء الاصطناعي والأمن القومي: من خلال تصميم برنامجٍ وطنيٍ يركزُ على دمج الذكاء الاصطناعي في القطاعات الأمنية بشكل مرحلي، يتضمن ذلك تحديدَ الأولويات، مثل تحليل البيانات الكبيرة Big Data للتنبؤ بالتهديدات، وتعزيزَ مراقبة الحدود باستخدام تقنيات التعرف على الوجه والطائرات بدون طيار.
2- الاستثمارُ في البحث والتطوير: زيادةُ التمويل المخصص للبحث والتطوير في مجالات الذكاء الاصطناعي، خاصةً في قطاعات الأمن السيبراني والمراقبة، بالإضافة إلى إنشاء شراكات مع الجامعات المحلية والدولية والمراكز البحثية المتخصصة لضمان تفعيل هذه التقنيات في تحسين أداء الأجهزة الأمنية.
3- تعزيزُ التعاون مع الجامعات المصرية: إطلاقُ برامجَ بحثية بالتعاون مع الجامعات المصرية في مجالات مثل تحليل البيانات والتعلم الآلي. يمكن للدولة تقديم منحٍ دراسيةٍ للطلاب والباحثين لإجراء دراسات متعمقة حول الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الأمن القومي.
4- تحفيزُ الاستثماراتِ المحلية والدولية: يُمكن للحكومة وضْعُ حوافزَ ضريبية وتسهيلات تنظيمية لجذب الاستثمارات المحلية والدولية في مجالات الذكاء الاصطناعي، مما يُسهمُ في تسريع تطوير هذه التقنيات، بالإضافة إلى تشجيع الشركات الناشئة المصرية على الدخول في هذا المجال وتقديم الدعم المالي والتقني لها.
5- إطار قانوني وأخلاقي قوي: تفعيل إطار قانوني يحكمُ استخدام الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على حماية الخصوصية وحفظِ الحقوقِ الإنسانية للأفراد، وأيضًا مُعالجة المخاوف الاجتماعية والأخلاقية المتعلقة بتوظيف الذكاء الاصطناعي في مجالات الأمن الوطني، بما في ذلك حماية بيانات المواطنين ومنع التمييز.
6- التوظيفُ التدريجي للتقنيات في القطاعات الأمنية: البدءُ بمشروعات صغيرة ومحددةٍ لتجربة التقنيات الجديدة وضمان فعاليتها قبل التوسع في استخدامها، على سبيل المثال، يمكن البدء باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الجريمة أو مراقبة المناطق الحدودية ذات الأولوية.
7- التوعية المجتمعية وإدارة المخاطر الاجتماعية: تعزيزُ التوعيةِ المجتمعية حول فوائد وأضرار تطبيقات الذكاء الاصطناعي، خاصة في مجالات مثل سوق العمل والأمن السيبراني، بالإضافة إلى إدارةِ المخاطر الاجتماعية المترتبة على هذه التطبيقات، مثل الانفصال الاجتماعي بين أولئك الذين يمتلكون الوصولَ للتكنولوجيا وأولئك الذين لا يمتلكونها.
المصادر:
[1] مسؤولة للعربية: الذكاء الاصطناعي سيضيف 15 تريليون دولار للاقتصاد العالمي في 2030، العربية، تاريخ النشر: ١٢ سبتمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/HBBWl
[2] الذكاء الاصطناعي “الخارق”.. إمكانات هائلة ومخاطر ضخمة، سكاي نيوز العربية، تاريخ النشر: ٢ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/AjkwZ
[3] خالد كاظم أبو دوح، تقرير المخاطر العالمية 2024: الحاجة إلى الحوار في مواجهة الانقسامات العالمية المتزايدة، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، تاريخ النشر: ٣ أبريل ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://www.idsc.gov.eg/Article/details/9167
[4] Online Forums as Breeding Grounds for Extremism, Stanford University, published at: 2022, available at: https://linksshortcut.com/lhVmY
[5] ولاء محمد محروس، إدراك مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لتهديدات التزييف العميق “Deep Fake” وعلاقته باستخدامهم الآمن لتلك المواقع، المجلة العلمية لبحوث الصحافة، جامعة القاهرة، العدد ٢٤، تاريخ النشر: ٢٠٢٢، متاح على الرابط: https://sjsj.journals.ekb.eg/article_296038.html
[6] محمد عزام، الذكاء الاصطناعى.. مظلة حماية الأمن القومى فى القرن الحادى والعشرين، مجلة السياسة الدولية، تاريخ النشر: ٨ أغسطس ٢٠٢٣، متاح على الرابط: https://www.siyassa.org.eg/News/19653.aspx
[7] “لافندر” يسمح لجنود إسرائيليين بإطلاق قنابل “غبية” تنسف منازل غزة بمن فيها، العربية، تاريخ النشر: ٦ أبريل ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/KIFuf
[10] 4 اعتبارات يجب أخذها في الحسبان عند استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي للفيديو، MTTechnologyReview ، تاريخ النشر: ٢٦ أبريل ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/qVxaV
[15] أدهم البرماوي، الاستراتيجية الوطنية المصرية للذكاء الاصطناعي ودورها في رؤية مصر 2030،مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، تاريخ النشر : ٢١ يناير ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://www.idsc.gov.eg/Article/details/8979
[17] “معلومات الوزراء” يسلط الضوء على الذكاء الاصطناعي ومستقبل التنمية الاقتصادية من خلال دوريته “آفاق اقتصادية”، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، تاريخ النشر: ٢٧ فبراير ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://www.idsc.gov.eg/News/details/17632
[19] خالد جودة، إطلاق منصة الذكاء الاصطناعى لدعم بناء «مصر الرقمية»، الأهرام، تاريخ النشر: ٥ يوليو ٢٠٢١، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/jRGgd
