المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > أوراق بحثية > ورقة سياسات حول اللاجئين في مصر: بين التحديات والفرص
ورقة سياسات حول اللاجئين في مصر: بين التحديات والفرص
- سبتمبر 15, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: أوراق بحثية تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: دينا إيهاب
باحث مساعد في وحدة شؤون الشرق الأوسط
الملخص التنفيذي
تُشكلُ قضيةُ اللاجئين في مصر تحديًا بالغَ الأهمية في ظل الظروف السياسية والاقتصادية المعقّدة التي تَعصفُ بالمنطقة العربية، إذ تُعتبرُ مصر واحدةً من الدول الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد تدفقًا كبيرًا من اللاجئين والنازحين والمهاجرين والأجانب المقيمين، ومن هنا يُشكل الخلط بين تلك المفاهيم الأربعة عقبةً رئيسيةً أمام إدارة ملف اللاجئين بشكل فعّال، ويرجع ذلك إلى أن لكل مصطلح تعريفه المُحدد ونطاقات مسؤولية مختلفة، مما يُؤدي إلى صعوبات في تحديد الاحتياجات المُلحة لكل فئة وتقديم المساعدة المُناسبة.
يُشير اللاجئ إلى الشخص الذي يَفِرُ من بلده بسبب مخاوف من التعرض للاضطهاد أو العنف أو الحرب، يتم تعريف اللاجئ وحقوقه القانونية في اتفاقية جنيف لعام ١٩٥١ بشأن حماية اللاجئين وبروتوكول عام ١٩٦٧ الملحق بها،[1] بينما النازحُ يشير إلى الشخص الذي يُضطرُ للترحيل داخل بلده بسبب النزاعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية أو الاضطهاد، ولكنه لم يتجاوزْ الحدودَ الدولية، ويعتمد تعريف النازح على الاتفاقية الدولية لحماية النازحين لعام ١٩٥١ والبروتوكول الاختياري لعام ١٩٦٧، [2] وبالنظر إلى المهاجرِ فهو الشخص الذي ينتقل من بلده إلى بلد آخر بحثًا عن فرص اقتصادية أو تعليمية أو اجتماعية أفضل. يمكن أن يكون المهاجر غير مضطر للترحيل، بينما الأجنبي المقيم يشير إلى الشخص الذي يعيش في بلدٍ آخر بشكل دائم أو طويل الأمد، ولكنه ليس لديه الجنسيةُ أو الجنسيةُ المزدوجة لهذا البلد. يختلف الأجنبي المقيم عن المهاجر في أنه قد يكون يعيش في البلد المضيف بشكل دائم ولكن بدون نية الحصول على الجنسية.[3]
يَكمنُ الهدف من هذه الورقة في التركيز على فئة اللاجئين في مصر، وذلك لما يُمثله اللاجئون من تحدياتٍ للأمن القومي المصري، والتي منها على سبيل المثال لا الحصر، التنافسُ على الموارد، صعوبةُ الاندماج الاجتماعي، التهديداتُ الأمنية، ضغوط على النظام القانوني المصري، وغيرها من التحديات الأخرى والتي سوف يتم تناولها، على الجانب الآخر، ستتناول هذه الورقة المسارات التي يمكن أن يتمَّ اتخاذها لإدارة ملف اللاجئين من أجل التغلب على العقوبات واستغلال الفرص الكامنة التي يطرحها، وأخيرًا تقديم عدد من التوصيات التي تساهم في التخفيف من حدّةٍ هذه المشكلة.
المقدمة
تُعدُ مصرُ وجهة ومحطة عبور للاجئين من مختلف الجنسيات على مدار التاريخ الحديث، حيث شهدت توافدَ أعدادٍ كبيرة من النازحين من خلفيات متنوعة، خاصةً من القارة الأفريقية وأوروبا، منذ اندلاعِ الصراع في ليبيا عام ٢٠١١، أصبحت مصرُ ملجأً للنازحين الليبيين الهاربين من تدهور الوضع الأمني وتصاعد وتيرة العنف بعد الثورة الشعبية، وفي العام نفسه، استقبلت مصر مَوجةً كبيرة من اللاجئين السوريين الفارّين من الحرب الأهلية في سوريا، والتي اندلعت في أعقاب الانتفاضة الشعبية ضد النظام الحاكم، أما في عام ٢٠٢٣، فقد شهدت مصر زيادةً ملحوظة في عدد اللاجئين السودانيين بعد تفاقم الصراع الداخلي في السودان، الذي اندلعَ في أبريل من ذلك العام[4]. بالإضافة إلى ذلك، تستمرُ مصرُ في استقبال أعدادٍ متزايدةٍ من طالبي اللجوء من دولٍ أفريقية أخرى، نتيجة استمرار النزاعات المسلحة والاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تدفع السكان للفرار بحثًا عن الأمان.
وفيما يتعلقُ بالسياسة المصرية المتبعةِ في إدارة ملف اللاجئين، يُمكنُ القول بأنه لا يوجد في التشريعات المصرية قانونٌ مُحددٌ ينظم الوضع القانوني للاجئين، حيث أدإن اللاجئين في مصر يعيشون في المدن والمجتمعات الحضرية وليس في مُخيماتٍ مُخصصة، نتيجة لذلك، يتم تنظيم وضعهم القانوني من خلال الاتفاقيات الدولية المتعلقة باللاجئين، وخاصة تلك التي تتبناها الأمم المتحدة والتي تَعدُ مصر طرفًا فيها[5]، يمكن القول بأن عدم قيام مصر بسَنِّ قانون داخلي ينظم بشكل مباشر حقوق اللاجئين وواجباتهم يعود إلى اعتبارات تتعلق بالمصلحة الوطنية، حيث إن إصدارَ تشريعٍ محليٍ خاص باللاجئين قد يؤدي إلى زيادة الالتزامات القانونية للدولة تجاههم، الجدير بالذكر، في يونيو ٢٠٢٣، كانت مصر تدرسُ مشروعَ قانونٍ يهدف إلى تنظيم أوضاع اللاجئين من خلال إنشاء “اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين”، والتي ستكون تابعةً لرئاسةِ الوزراء ويقع مقرُّها الرئيسي في القاهرة. وفقًا لمشروع القانون، ستتولى اللجنة مسؤولية الإشراف الكامل على جميع شؤون اللاجئين، بما في ذلك جمع المعلومات والبيانات الإحصائية المتعلقة بأعدادهم، كما ستعمل اللجنة، بالتنسيق مع وزارة الخارجية، على تعزيز التعاون مع المفوضيةِ الساميةِ للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمات الأخرى المعنية، وهو ما يَعكسُ النهجَ التشاركي الذي تتبعه الدولة المصرية في إدارة ملف اللاجئين.[6]
تكتسبُ هذه الورقة أهميةً بالغة، لأنها توفرُ تحليلًا دقيقًا للسياسات المتعلقة بشؤون اللاجئين في مصر، وتسلطُ الضوءَ على التحديات والفرص الحالية، من خلال تقديم بدائل وتوصيات عملية، تُسهمُ الورقة في تحسين إدارة اللاجئين وتعزيز الاستجابة لاحتياجاتهم، كما تدعم الورقة جهود صنع القرار من خلال تقديم رؤى مدروسة تسهمُ في تحسين التنسيق بين الجهات الحكومية والمنظمات الدولية، مما يساهم في تحقيق إدارة أكثر كفاءة وشمولية لشؤون اللاجئين.
توصيفُ المشكلة
يُعتبرُ الشرقُ الأوسط أحد أهم الأقاليم الاستراتيجية استقبالاً وتصديرًا للاجئين، وتُعتبرُ مصرُ واحدةً من أهم الدول الحاضنة لأكبر عدد من اللاجئين في الشرق الأوسط، حيث تستضيف مصر ما يقارب ٦٧٠ ألفَ لاجئٍ وطالب لجوء مسجلين من ٦٢ جنسية مختلفة، حيث تأتي الجنسية السودانية في الصدارة، تليها الجنسيةُ السورية، ثم اللاجئون من جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا واليمن والصومال والعراق. وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حتى ٢٠ يونيو ٢٠٢٤، سجلت المفوضية ٣٨٧,٠٧١ لاجئًا سودانيًا، وهو ما يمثلُ أكثر من ٥٢% من إجمالي عدد اللاجئين المسجلين في البلاد، كما تُسجلُ المفوضية ١٥٦,٤٤٤ لاجئًا من سوريا، و٤٣,٠٣١ من جنوب السودان، و٣٦,٨١٣ من إريتريا، و١٨,٤١٩ من إثيوبيا، و٨,٦٧٧ من اليمن، و٨,٠٤٦ من الصومال، و٥,٦٨٣ من العراق، بالإضافة إلى أكثر من ٥٤ جنسية[7] أخرى، كما يعيشُ اللاجئون وطالبو اللجوء في بيئة حضرية في مصر، ويتركزون إلى حدٍ كبيرٍ في القاهرة الكبرى و الإسكندرية ودمياط وعده مدن في الساحل الشمالي ومدن القناة.[8]
على النقيضِ من ذلك، تُشير تقديراتٌ حكوميةٌ ودولية أخرى إلى أن عدد اللاجئين والأجانب المقيمين في مصر يتجاوز ٩ ملايين من حوالي ١٣٣ دولة، حيث أفاد رئيس الوزراء المصري “مصطفى مدبولي”[9] والمنظمة الدولية للهجرة في مصر، وصلَ عددُ المهاجرين على الأراضي المصرية إلى ما يقرب ٩ مليون مهاجر وذلك في يناير ٢٠٢٤[10]، هذا التدفق الكبير من المهاجرين يسبب ضغوطًا كبيرة على البنية التحتية للدولة ويزيدُ من التكاليف المتعلقة برعاية هؤلاء الأفراد، وبالتالي تشير هذه الفجوة في الإحصاءات إلى مشكلةٍ كبيرةٍ تتعلقُ بتضارب الأرقام وتباينها بين المصادر المختلفة، والذي بدوره يتطلب إجراءَ إحصاءٍ شاملٍ وتدقيق في البيانات الخاصة باللاجئين سواء المُسجلين من قبل المفوضية أو الذين في قائمة الانتظار وغيرهم، وتأسيسًا على ما سبق، فإن تزايدَ أعداد اللاجئين يمثل تحديًا مُركبًا على الأمن القومي المصري وأيضًا له انعكاساتٌ محورية على القطاع الاقتصادي باعتباره أحد القطاعات المتأثرة بالأزمة الاقتصادية الراهنة، حيث يظهر ذلك على النحو التالي:
1- زيادة الاستهلاك المحلي: حيث إن تزايدَ أعداد اللاجئين في الدول المُستقبلة يؤدي إلى ارتفاعِ معدلات التضخم بشكلٍ يفوق المعدلات الطبيعية، وذلك بسبب الضغط المتزايد على السلع والخدمات المتاحة، كما يتفاقم هذا الوضع في ظل تباطؤ سلاسل الإمداد العالمية الناتج عن الأزمات الدولية والإقليمية، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والهجمات التي تستهدف حركةَ الملاحة في البحر الأحمر، ومن هنا فإن استقبالَ أعدادٍ كبيرةٍ من اللاجئين يفرضُ ضغوطًا إضافية على الأسواق، حيث شهدت مصرُ زيادةً في معدلات التضخم، حيث بلغت ٣٢.٥% في أبريل ٢٠٢٤، مقارنةً بمستوياتها في عام ٢٠٢٢ التي كانت ١٣.٢%، ورغم ارتفاع هذه المعدلات، إلا أن نسبةَ التضخم في مصر تظلُ أقلَّ من نظيراتها في بعض الدول المجاورة المُستقبلة أيضًا للاجئين مثل الأردن ولبنان حيث سجلوا أعلى معدلات تضخم في مارس ٢٠٢٤ بنسبة تصل إلى ٧٠%.[11]
2- تضخمُ أسعار العقارات: شَهِدَ سوقُ العقارات في مصر ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار الوحدات السكنية مع نهاية عام ٢٠٢٣، بسبب ظاهرة “الهلع الشرائي” وزيادة الطلب الناتجة عن تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين. مع وجود فئة من هؤلاء اللاجئين تمتلكُ سيولةً نقدية كافية، ارتفع الطلب على العقارات بشكل أكبر، حيث تمكن البعضُ منهم من دفع مبالغَ أعلى من المواطنين المحليين سواء للإيجار أو التمليك. هذا الضغط المتزايد على سوق العقارات أسهمَ في تضخمِ الأسعار، خاصة في ظل نقص العرض والتحديات الاقتصادية العامة التي تواجهها مصر.[12]
3- زيادة عجز الموازنة العامة: يزدادُ عجْزُ الموازنة العامة في مصر مع ارتفاع الإنفاق الحكومي الناتج عن استضافة اللاجئين، حيث تُقدرُ التكلفةُ المباشرة لاستقبالهم بأكثر من ١٠ مليارات دولار سنويًا وفقًا لما قاله الدكتور “مصطفى مدبولي” في أبريل ٢٠٢٤، هذا الإنفاق المتزايد يفوق معدل نمو الإيرادات، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الناتجة عن التوترات الإقليمية والعالمية.[13]
4- نقص التمويل: يمثلُ نَقْصُ تمويل اللاجئين تحديًا بالنسبة لمصر يعيق قدرتها على تلبية احتياجاتهم، وفقًا للمراجعة الاستراتيجية الإقليمية لعام ٢٠٢٤، يُقدّر أن تكون هناك حاجةٌ إلى ٤.٩ مليار دولار أمريكي لتغطية الاحتياجات ذات الأولوية، إلا أن نسبة التمويل المخصصة لمصر والدول المضيفة الأخرى انخفضت بشكلٍ حادٍ، كما أن التمويل في الفترة بين ٢٠٢٠-٢٠٢٢ يصل إلى ٤٠ % فقط من المبلغ المطلوب، بينما في العام الماضي تم تأمين ٣٠% فقط من التمويل، هذا الانخفاضُ أدى إلى تقليص الدعم الإنساني والخدمات الأساسية التي يحصل عليها اللاجئون في مصر.[14]
وبالنظر إلى التحدياتِ الأمنيةِ التي يشكلها اللاجئون في مصر، فإنها تتمحورُ حول قضية تكدس اللاجئين في بعض المناطق السكنية بمصر مُشكلين بذلك تجمعاتٍ أو تكتلاتٍ والتي ربما يكون لها عواقبُ أمنيةٌ واجتماعيةٌ على المدى البعيد[15]، وبالتالي تتطلب اهتمامًا عاجلاً، حيث يتجمع أعداد كبيرة من اللاجئين في مناطق مُحددة، مثل القاهرة الكبرى التي تشمل أحياء مثل مدينة نصر و٦ أكتوبر والشيخ زايد، وكذلك الإسكندرية في مناطق مثل العجمي وبرج العرب[16]، وهذا يمثلُ مصدرًا لعدم التوازن الاجتماعي والأمني، إضافة إلى ذلك، فإن هذه التكتلات قد تشكلُ خطرًا على الأمن القومي المصري من خلال زيادة فرص انتشار الجريمة المنظمة أو التجنيد لصالح جماعات متطرفة أو إرهابية. ولذلك، يصبح من الضروري تقنينُ أوضاع اللاجئين وتوزيعهم بشكل متوازن للحد من أي تهديدات أمنية محتملة، ولا ترتبط التحديات بوجود اللاجئين فقط، بل تمتد إلى عواقبَ تواجه اللاجئين أنفسهم في مصر، والذي يؤثر بدوره بصورةٍ غير مباشرة على الأمن القومي المصري، حيث يظهر ذلك من خلال ما يلي:
1- عقبات التسجيل للاجئين: يعاني اللاجئون في مصر من تحدياتٍ كبيرة في عملية التسجيل بسبب العددِ المحدود لمكاتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تتواجدُ حاليًا 10 مكاتب فقط في جميع أنحاء مصر، مما يتسبب في زيادة الضغط على هذه المكاتب، بالإضافة إلى ما يعكسهُ ذلك من عدم عدالة توزيعية من الناحية الجغرافية، حيث تركز المنظمات الدولية الغير حكومية ومؤسسات المجتمع المدني على محافظات دون غيرها مثل محافظات القاهرة الكبرى والاسكندرية والوجه البحري في مقابل تغافل مناطق الصعيد على الرغم من وجود ٣٢% من أعداد اللاجئين بها، ونتيجة لذلك، يضطرُ العديدُ من اللاجئين إلى الانتظارِ لفترات طويلة لتسجيل أنفسهم، وقد يضطرون للسفر لمسافات شاسعة للوصول إلى المكاتب المخصصة.[17]
2- عقباتُ الحصول على الوثائق المطلوبة: يواجهُ اللاجئون صعوبةً في تأمين الوثائق الضرورية لتسجيلهم، وذلك بسبب فقدان هذه الوثائق خلال رحلة اللجوء من بلدانهم الأصلية إلى مصر، كما أن تكاليفَ الحصول على الوثائق البديلة قد تكونُ مرتفعةً؛ على سبيل المثال، قد تصلُ تكلفة إصدار شهادة ميلاد جديدة إلى حوالي ١٠٠ دولار أمريكي، وهو ما يمثل عبئًا ماليًا على العديد من اللاجئين.[18]
3- صعوبةُ الحصول على المعلومات: يواجهُ اللاجئون صعوباتٍ في الحصول على معلومات دقيقة حول إجراءات التسجيل بسبب نقص المعلومات المتاحة باللغة العربية. دراسة أجرتها منظمة “مصر الخير” أظهرت أن ٧٢% من اللاجئين في مصر يعانون من صعوبة في الوصول إلى المعلومات حول الخدمات الأساسية، مما يعيق قدرتَهم على التكيف مع النظام الجديد.[19]
4- صعوبةُ الحصول على عمل: يواجهُ اللاجئون صعوباتٍ كبيرةً في الحصول على تصاريح العمل، مما يَحدُ من فرصهم في الحصول على وظائف لائقة، بالإضافة إلى المنافسة الشديدة مع المواطنين المصريين على الوظائف المتاحة، يعاني اللاجئون أيضًا من معدل بطالة مرتفع، حيث وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لا يمتلك سوى ١٠% من اللاجئين في مصر تصاريح عمل رسمية، تعزى هذه النسبة المنخفضة إلى التعقيدات البيروقراطية والإجراءات الطويلة والتكلفة المرتفعة للحصول على التصريح.[20]
البدائلُ المتاحةُ
يوجدُ عدد من المسارات التي تتبعها الدول في التعامل مع اللاجئين، والتي تختلف حسب سياساتها وقوانينها الداخلية، وتستطيع مصر أن تُطبقَ هذه البدائل بما يتماشى مع مصلحتها الوطنية، ويمكن تقسيم هذه المسارات إلى نهجين أساسيين:
مسارُ الاستيعاب والدمج:
1- ألمانيا: تعتمدُ على قانونِ اللجوء لعام ٢٠٠٨، المُعدل في ٢٠١٦، والذي يوفرُ مزايا مثل توزيع طالبي اللجوء على الولايات الألمانية بعد مرورهم بمراكز استقبال لمدة ثلاثة أشهر، كما يُشترط على اللاجئين تَعلّمُ اللغة الألمانية والاندماج مع المجتمع للحصول على الإقامة الدائمة. كما ألغت القيود على التوظيف في وظائف معينة، مع تسريع إجراءات اللجوء وتحديد فترة البتِّ في الطلبات بـ ٦ أشهر. في سياق استقبال مليون لاجئ أوكراني، تمَّ تعديل المساعدات المالية بحيث تُقدم بعد ٣٦ شهرًا بدلًا من ١٨ شهرًا.[21]
2- الأردن: يستضيفُ الأردن نحو ٧٦٠ ألف لاجئٍ، من بينهم ٦٧٠ ألف سوري وفقًا لتقديرات المفوضية لشؤون اللاجئين. في عام ٢٠١٦، تم التوصلُ إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي لتمويل الخدمات المقدمة للاجئين مقابل تمكينهم من العمل في قطاعات مثل الزراعة والبناء. حصلت ٦٢ ألف رخصة عمل في عام ٢٠٢١، بما فيها ٣١ ألف رخصة مرنة.[22]
مسارُ التضييق والمواجهة:
1- تركيا: نفذتْ خطةً لإعادة توطين اللاجئين في شمال سوريا، وأعادت نحو ٥٥٤ ألف لاجئٍ. تعهدَ الرئيسُ أردوغان بترحيل مليون لاجئ إضافي.[23]
2- إيطاليا: عززت حكومةُ جورجيا ميلوني إجراءاتِ مراقبة الحدود بالتعاون مع خفر السواحل الليبي والتونسي لمنعِ تدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط، تم تشديدُ قوانين اللجوء لتسريع الترحيل وتقليص منح الحماية الإنسانية، بالإضافة إلى تقييد عملياتِ الإنقاذ التي تقومُ بها المنظماتُ غير الحكومية في البحر، كما شهدت إيطاليا أزماتٍ متزايدةً نتيجة تدفق اللاجئين إلى جزيرة لامبيدوزا، مما دفع الحكومةَ لإعلان حالة الطوارئ في بعض المناطق وتسريع التعامل مع الوضع، مع التركيز على الأمن ومراقبة الحدود.[24]
أي المسارات الأنسب لمصر؟
تُوصي هذه الورقة بأن تتبعَ مصرُ نهجًا مزيجًا من مساري الاستيعاب والمواجهة هو النهج الأمثل لمعالجة ملف اللاجئين، وذلك للأسباب التالية:
-
استيعابُ ودمج اللاجئين في المجتمع المصري: مصرُ تتميز بتاريخٍ طويلٍ في استقبال اللاجئين من دول عربية وأفريقية، يمكنُ لمصر أن تستفيدَ من التجارب الألمانية والكندية في دمج اللاجئين داخل المجتمع عبر برامج التدريب المهني واللغوي، مع تسهيلِ وصولهم إلى فرص عمل، وبالتالي المساهمة في زيادة الناتج المحلي الإجمالي،سيتيح هذا النهجُ استقرارًا اقتصاديًا واجتماعيًا للاجئين، ويخففُ العبءَ على الحكومة في تقديم الخدمات بشكل دائم.
-
تضييقُ الرقابة على الحدود وتحديد استقبال اللاجئين وفقًا للاحتياجات الوطنية: من جهةٍ أخرى، تحتاجُ مصرُ إلى تطبيق سياسات مراقبة حدودية صارمة على المعابرِ المستخدمة في عملية اللجوء مثل تلك التي تتبعها إيطاليا، لضمان عدمِ تجاوزِ الأعداد المقبولة من اللاجئين، وتجنب زيادة الضغط على البنية التحتية والخدمات العامة، يمكن أن يتمَّ استيعابُ اللاجئين بشكلٍ انتقائي بناءً على مهاراتهم أو قدرتهم على المساهمة في الاقتصاد الوطني.