المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > وساطةٌ مصريةٌ بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية… قراءةٌ في الدوافع والدلالات
وساطةٌ مصريةٌ بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية… قراءةٌ في الدوافع والدلالات
- سبتمبر 14, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: شيماء عبد الحميد
باحث في وحدة شؤون الشرق الأوسط
في ضوْء التحرُّكات الدبلوماسية المُكثَّفة التي تبْذُلُها مصر في ملفِّ البرنامج النووي الإيراني، والتي برزت إلى السطح خلال الآونة الأخيرة، استضافت العاصمة المصرية القاهرة، يوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025، اجتماعًا ثلاثيًّا بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الإيراني عباس عراقجي، والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي، والذي أفْضَى إلى توقيع طهران والوكالة اتفاقًا يُمهِّدُ الطريق لاستئناف التعاون بينهما، بما يشمل إعادة استئناف عمليات التفتيش على المنشآت النووية الإيرانية، وقد أثارت تلك الوساطة التي قامت بها القاهرة بين الجانبيْن، الكثير من التساؤلات حول دوافع ودلالات دخول مصر على خطِّ النووي الإيراني، وعلاقة هذا التحرُّك بالسياق الإقليمي والدولي الراهن:
1- حيثيات الاجتماع:
جاء توقيع اتفاق آلية استئناف عمليات التفتيش على المنشآت النووية الإيرانية بين طهران ووكالة الطاقة الذرية في ختام اجتماعٍ ضمَّ وزيريْ الخارجية المصري بدر عبد العاطي، والإيراني عباس عراقجي، والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي، استمرَّ قرابة الـ3 ساعات، وناقش الملف النووي الإيراني.
وفي ختام الاجتماع؛ عقد المسؤولون الثلاثة مؤتمرًا صحفيًّا مشتركًا، أكَّدَ خلاله الوزير بدر عبد العاطي، أن مصر عملت على دعْم جهود خفْض التصعيد، واستعادة الاستقرار في المنطقة، وذلك من خلال تيسير الاتصالات بين طهران والوكالة، موضحًا الآتي[1]:
ينبغي مواصلة الجهود لتهيئة الظروف التي تسمح بالتوصُّل إلى تسويةٍ مُرضْيةٍ ومستدامةٍ بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، تُراعي مصالح جميع الأطراف، وتُسهم في تحقيق التهدئة واستعادة الثقة، وإيجاد مناخ داعم لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي.
أيّ مواجهة مباشرة ستكون لها تداعيات خطيرة ليس فقط على المنطقة، بل على العالم بأسْرِهِ.
أبْدَى كُلٌّ من إيران والوكالة إرادة واضحة للحوار والتوصُّل إلى تفاهمات عملية؛ مما أسفر عن توقيع إجراءات لاستئناف التعاون الفني بين الجانبين، وهذا التطوُّر يُمثِّلُ نقطة انطلاق حقيقية نحو مرحلة جديدة من الشفافية ومعالجة الشواغل الأمنية المشروعة لجميع الأطراف.
مصر لديها التزامٌ راسخٌ بدعم منظومة عدم انتشار الأسلحة النووية، والاتفاق المُوقَّع يبعث برسالةٍ، مفادها أن الحوار والتفاهم لا يزالان ممكنيْن.
الطريق لا يزال طويلًا، فالاتفاق يُشكِّلُ بدايةً لمسار يتطلب التزامًا جادًّا من جميع الأطراف، ولهذا؛ ينبغي اتخاذ خطوات إضافية لتقريب وجهات النظر مع الترويكا الأوروبية؛ تمهيدًا للعودة إلى طاولة المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، بما يُفْضِي إلى اتفاق نووي شامل ومستدام، يُعزِّزُ الأمن والاستقرار على المستوييْن “الإقليمي والدولي”.
يجب تكثيف جهود جميع الأطراف المعنِيَّة لإيجاد حلول مبتكرة وعادلة للمسائل العالقة في الملف النووي الإيراني، والتعامل مع هذه القضية الجوهرية بصدق وجدية لمعالجة أسبابها من الجذور.
في السياق ذاته؛ يجب الإشارة إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كان قد استقبل كُلًّا من جروسي وعراقجي في لقاءات منفصلة، أعقبها اجتماعٌ ثلاثيٌّ بينهم جميعًا، وخلال تلك اللقاءات؛ أكَّد الرئيس المصري على الآتي[2]:
أهمية الاتفاق المُوقَّع في إقناع الأطراف المعنِيَّة بالتراجع عن التصعيد، وفتح المجال أمام الحوار والدبلوماسية؛ تمهيدًا للعودة إلى طاولة المفاوضات، والسعْي للتوصُّل إلى تسوية سِلْمِيَّة للبرنامج الإيراني.
موقف مصر الثابت في دعم جهود نزْع السلاح النووي، وتعزيز منظومة عدم الانتشار؛ انطلاقًا من حرصها على ترسيخ السِّلْم والأمن الدولييْن، وتحقيق هدف إخلاء العالم من الأسلحة النووية.
أهمية مواصلة العمل لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وتعزيز عالمية معاهدة عدم الانتشار النووي، بما يصُون مقدرات الشعوب من آثار هذه الأسلحة المدمرة.
تقدير مصر للدور الحيوي الذي تضطلع به الوكالة في دعْم منظومة عدم الانتشار النووي، وذلك دون الإخلال بحق الدول الأطراف في معاهدة عدم الانتشار، في الاستخدامات السِّلْمِيَّة للطاقة الذرية.
ضرورة تنفيذ الاتفاق واستئناف التعاون بين إيران والوكالة، وإجراء كافَّة الاتصالات اللازمة مع كل الأطراف المعنِيَّة؛ لاستئناف مسار المفاوضات.
من جانبه؛ أعرب عراقجي عن تقدير بلاده الكامل للرئيس المصري، وللجهود التي قام بها للتوصُّل إلى الاتفاق، والذي سيؤسس لمرحلة جديدة في المنطقة، ويؤدي إلى تجنُّب التصعيد، ويُمهِّدُ لاستئناف المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، وهو ما سيساهم في دعم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وبدوره؛ عبَّر جروسي عن تقديره للدور المصري في دعم أنشطة الوكالة، مؤكدًا أن سبب نجاح المفاوضات بين الوكالة وإيران، وإبرام الاتفاق بينهما، يرجع إلى وزن مصر ووضعها ومكانتها الاستراتيجية، وإشراف الرئيس ومتابعته للمفاوضات، قائلًا: “لولا ذلك ما كان ممكنًا التوصُّل إلى هذا الاتفاق التاريخي”.
2- جهود مصرية تمهد الطريق للاتفاق المُوقَّع:
لم يكن هذا الاتفاق وليد اللحظة، ولم يكن هذا الاجتماع هو الأول من نوْعه، بل إن القاهرة أجرت على مدار الثلاثة أشهر الماضية، بدْءًا من يونيو الماضي، تحرُّكات دبلوماسية مُكثَّفة تهدف إلى تقريب وجهات النظر، وتسيير مسار التفاوض بين إيران والوكالة، وقد شملت سلسلة من الاتصالات واللقاءات، ويمكن إيجاز التحرُّكات المصرية في هذا الشأن على النحو الآتي[3]:
شهدت الـ3 أشهر الماضية، نحو12 جولة مباحثات، والتي تنوَّعت بين 3 لقاءات مباشرة، قادها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، مع نظيره الإيراني والمدير العام للوكالة، و9 اتصالات هاتفية معهما، هذا إلى جانب اتصالات أخرى أجراها الوزير المصري مع دول الترويكا الأوروبية، والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
من ضمن هذه اللقاءات؛ اللقاء الذي جمع وزير الخارجية المصري مع رافائيل جروسي، يوم 2 سبتمبر الجاري، على هامش منتدى بليد الذي عُقِدَ في سلوفينيا؛ حيث تناولا الجهود الحثيثة التي تبذلها مصر، بالتنسيق مع الأطراف المعنية؛ لخفْض التصعيد في المنطقة، وتهيئة الظروف لاستئناف المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي الإيراني، خصوصًا عقب بدْء تفعيل آلية فرْض العقوبات الأممية “سناب باك”.
وكذلك اللقاء الذي جمع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره الإيراني عباس عراقجي، خلال زيارة الأخير إلى مصر، في 2 يونيو الماضي، وقد تزامنت هذه الزيارة مع زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي إلى القاهرة، وفي ضوء ذلك؛ عقد الأطراف الثلاثة اجتماعًا تناول الملف النووي الإيراني.
أمَّا على مستوى الاتصالات الهاتفية؛ يمكن الإشارة إلى أن وزير الخارجية المصري، أجرى يوم 30 أغسطس 2025، سلسلة اتصالات مُكثَّفة مع نظرائه من دول الترويكا الأوروبية؛ ألمانيا وفرنسا بريطانيا؛ بغرض إرساء تفاهمات تُسْهِمُ في تقريب وجهات النظر، وبالتالي إتاحة الفرصة للحلول الدبلوماسية والحوار، والتوصُّل إلى تسوية توافقية بالنسبة للملف النووي الإيراني.
هذا إلى جانب الاتصالات التي أجرتها الخارجية المصرية يوميْ 16 و18 يوليو 2025، مع وزيريْ الخارجية البريطاني ديفيد لامي، والإيراني عباس عراقجي، إضافةً إلى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي والمبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.[4]
يُضاف إلى ذلك؛ الاتصالات التي أجراها الوزير المصري، في5 يوليو الماضي، وشملت كُلًّا من: عراقجي، جروسي، ويتكوف، وزير الخارجية العُماني بدر بن حمد البوسعيدي، وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو؛ حيث تمَّ التأكيد على ضرورة تضافُر الجهود الإقليمية والدولية؛ لتثبيت وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، واستئناف المسار الدبلوماسي والمفاوضات؛ للتوصًّل لتسوية مستدامة حول البرنامج النووي الإيراني، على نحْوٍ يحقق التهدئة المنشودة، وخفْض التوتُّرات في المنطقة.[5]
وفي نهاية يونيو 2025؛ جمع اتصال هاتفي بين الوزير عبد العاطي وجروسي؛ حيث أكد الوزير المصري على أهمية تغليب الحلول الدبلوماسية في التعامل مع الملف النووي الإيراني، بما يسهم في تحقيق التهدئة، وخفْض التوتُّرات، وتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمييْن.