المقالات
وسط تهديدات باغتيال المرشد وإسقاط ولاية الفقيه.. قراءة في التداعيات والسيناريوهات المحتملة لإنهيار النظام الإيراني
- يونيو 30, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط

إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
كان لحرب الـ12 يومًا التي اندلعت بين إيران وإسرائيل خلال الفترة من 13-24 يونيو 2025، انعكاسات شديدة الخطورة على النظام الإيراني وصورته في داخل البلاد؛ نظرًا لما أثبتته من اختراق وهشاشة أمنية فاضحة بالنسبة للمنظومة الإيرانية الدفاعية، وما خلفته من تقويض وإضعاف لأدوات الردع الإيراني؛ البرنامج النووي والصاروخي الباليستي، وما حملته من تهديدات بإسقاط النظام الحالي باغتيال مرشده الأعلى علي خامنئي، ومن هنا؛ أُثيرت تساؤلات عدة حول مستقبل نظام الولي الفقيه في طهران، وقدرته على الصمود في مواجهة التحديات الراهنة، فضلًا عن السيناريوهات المستقبلية في حال انهار النظام الإيراني بالفعل، وما يتضمنه ذلك من تداعيات إقليمية ودولية:
أولًا؛ انعكاسات الصراع على الداخل الإيراني:
جاءت المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل، في توقيت يواجه فيه النظام الإيراني كثير من التحديات الداخلية والخارجية، وعلى رأسها؛ تآكل النفوذ الإقليمي لطهران بإضعاف أذرعها الإقليمية، سقوط النظام السوري السابق برئاسة بشار الأسد، انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، وبالتالي تراجع دعمها للنظام الإيراني، تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، فضلًا عن الاختراقات الأمنية والاستهدافات المتكررة لقيادات النظام العسكرية رفيعة المستوى، وهو الأمر الذي شوه صورة النظام، وأحرجه لعدم قدرته على ردع هذه التهديدات.
وفي ضوء هذا الوضع؛ كان للتصعيد العسكري الإيراني الإسرائيلي، تأثيرًا سلبيًا شديد الحساسية، يضع مستقبل النظام على المحك، وفيما يلي أبرز انعكاسات الصراع على وضع النظام بالداخل الإيراني:
1- إعادة ملف خلافة المرشد إلى الواجهة مجددًا؛ وهو الملف الذي يشهد جدلًا كبيرًا يهدد مستقبل النظام الإيراني وبقاءه، خاصةً مع تقدم عُمر المرشد علي خامنئي، والذي بلغ عامه الـ85، فضلًا عن غياب التوافق حول هوية المرشح لتولي منصب خليفة المرشد، وخصوصًا بعد وفاة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، والذي كان المرشح الأقوى لهذا المنصب. وقد أثار الصراع هذا الملف من خلال التهديد الإسرائيلي والأمريكي باغتيال المرشد الأعلى خامنئي؛ حيث:
لوح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بإمكانية اغتيال خامنئي، معتبرًا أن “اغتيال خامنئي من شأنه أن يضع حداً للنزاع مع طهران، وسيكون خطوة حاسمة لصالح أمن إسرائيل”.[1]
أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، يوم 19 يونيو الجاري، أن “وجود نظام مثل نظام خامنئي أمر خطر جداً؛ إذ تهدف آيديولوجيته إلى تدمير إسرائيل، فهو يستثمر جميع موارد دولته باستمرار لتحقيق مثل هذا الهدف، لذا؛ لا يمكن السماح لمثل هذا الشخص بالبقاء”.[2]
ألمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم 22 يونيو الجاري، إلى إمكانية تغيير النظام في إيران، قائلًا “ليس من الصواب سياسيًا استخدام مصطلح تغيير النظام، ولكن إذا كان النظام الإيراني الحالي غير قادر على جعل إيران عظيمة مجددًا، فلماذا لا يكون هناك تغيير للنظام؟”.[3]
كما أشار الرئيس ترامب إلى رفضه لخطة إسرائيلية كانت تخطط إلى اغتيال المرشد علي خامنئي، قائلًا “واشنطن تعرف تمامًا أين يختبئ المرشد الأعلى، إنه هدف سهل، لكنه لا يزال في مأمن، والولايات المتحدة ليست بصدد استهدافه، على الأقل في الوقت الحالي”.
وفي 27 يونيو الجاري، كرر ترامب تصريحاته بخصوص اغتيال المرشد علي خامنئي، قائلًا “كنت أعرف بالضبط مكان وجوده، ولم أسمح لإسرائيل، أو القوات المسلحة الأمريكية، بإنهاء حياته، لقد أنقذته من موت بشع وشائن للغاية”.[4]
2- استنزاف موارد النظام الإيراني واهتزاز صورته بالداخل؛ رغم أن إسرائيل كانت تدعي أن تصعيدها العسكري ضد إيران، كان يهدف إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني، وكذلك البرنامج الصاروخي الباليستي، إلا أن نطاق الاستهدافات الإسرائيلية اتسع بشكل كبير، ليشمل كل مرافق البنية التحتية في البلاد؛ مثل ضرب هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، وكذلك منشآت الطاقة، فضلًا عن تصفية كبار القادة والمستشارين المقربين من المرشد.[5]
ويُستدل من ذلك أن إسرائيل سعت من وراء التصعيد إلى ما هو أبعد من البرنامج النووي؛ إذ هدفت إلى تحطيم أسس الحكم الذي يقوده خامنئي، وتركه على حافة الانهيار، من خلال استنزاف قدرات وإمكانات النظام، وبالتالي؛ تدهور الأوضاع بالبلاد، مما قد يؤدي إلى انهيار التماسك الداخلي للشعب الإيراني.
3- الترويج للملكية كبديل متوفر ليحل محل نظام الولي الفقيه؛ مع بداية التصعيد الإيراني الإسرائيلي، تصدر رضا بهلوي؛ ابن الشاه الإيراني الراحل محمد رضا بهلوي، المشهد السياسي من خلال دعوته للشعب الإيراني إلى القيام بانتفاضة ضد النظام، حيث صرح يوم 19 يونيو الجاري بأن “الوقت قد حان لاستعادة إيران من ذلك النظام الديني القمعي”، مضيفًا “لا تنشغلوا باليوم التالي لسقوط الجمهورية الإسلامية، لن تدخل إيران في حالة من عدم الاستقرار أو الحرب الأهلية، فهناك خطة واضحة لـ100 يوم الأولى بعد السقوط، تتضمن تشكيل حكومة وطنية وديمقراطية”.[6]
كما طالب رضا بهلوي العسكريين والأمنيين بالوقوف إلى جانب الشعب، قائلًا “اضطلعوا بدور تاريخي في مرحلة الانتقال إلى المستقبل، وشاركوا في بناء إيران جديدة، ذات نظام ديمقراطي علماني، يبعد عن السياسات التوسعية والخطابات القومية المتشددة التي أضرت بمصالح إيران”.
وفي السياق ذاته؛ كشفت شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية أن رضا بهلوي، أجرى سلسلة لقاءات مع أعضاء في الكونجرس الأمريكي، لمناقشة خطط المرحلة الانتقالية في حال تغير النظام الحاكم في طهران، أو تغيب المرشد علي خامنئي عن المشهد.[7]
وجدير بالذكر أن؛ رضا بهلوي كان قد وُلد عام 1960 في طهران، وحصل على لقب ولي العهد في عام 1967، حيث كان يُفترض أن يخلف والده، محمد رضا بهلوي، على العرش، لكن اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979 أطاح بنظام الشاه، ما اضطر العائلة الملكية إلى الفرار من البلاد.
ويقيم بهلوي حاليًا في الولايات المتحدة، ويُعرف بمعارضته الشديدة للنظام الإيراني القائم، حيث يترأس المجلس الوطني الإيراني، الذي أُسس على يد معارضين سياسيين إيرانيين في المنفى، ويتخذ من باريس مقرًا له.
وحتى اليوم يعتبر رضا نفسه الوريث الشرعي للعرش الإيراني؛ ولذلك حاول خلال السنوات الأخيرة تعزيز تواجده على الساحة السياسية مجددًا، عبر تقوية علاقاته مع واشنطن وتل أبيب؛ حيث[8]:
عقد لقاءات متعددة مع زعماء وقادة غربيين، ومسؤولين في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا، إضافة إلى مشاركاته في مؤتمرات دولية ومنتديات حقوقية، إذ حرص رضا بهلوي على أن يقدم نفسه للعالم الغربي على أنه ـصوت للمعارضين الإيرانيين.
في سابقة هي الأولى من نوعها؛ قام بهلوي بزيارة لإسرائيل في أبريل 2023، حيث استقبلته وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية آنذاك غيلا غامليل، كما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو، وقد تزامنت هذه الزيارة مع إحياء ذكرى الهولوكوست، مما جعل لها رمزية سياسية كبيرة.
حضر رضا بهلوي قمة المجلس الإسرائيلي الأمريكي التي انعقدت في سبتمبر 2024، وصرح خلالها بأنه “يجب وضع حدًا للنظام الحاكم في طهران”.
في نوفمبر 2024؛ أعلن بهلوي استعداده للقيام بقيادة مرحلة انتقالية في البلاد، وتشكيل حكومة وطنية، داعيًا الشعب إلى “المضي بعزم نحو مستقبل مشرق وحر ومزدهر”.
4- إستغلال ورقة الأقليات وحركات المعارضة لإثارة الاحتجاجات ضد النظام الإيراني؛ تتكون إيران من عدد كبير من الأقليات العرقية التي لطالما عبرت عن معارضتها لحكومة طهران ذات الأغلبية الفارسية الشيعية، ومنها الأكراد، والبلوش.
ولا شك أن الضربات الإسرائيلية على مقرات الجيش والحرس الثوري الإيراني، وما سببتها من فوضى، وفرت فرصة للتنظيمات المسلحة التابعة لهذه الأقليات العرقية، والتي تنشط في المحافظات الحدودية، مثل بيجاك، للحراك ضد القوات الحكومية، وتنفيذ عدة تمردات هدفها التخلص من النظام الإيراني، وخدمة أهدافها الانفصالية.
وفي السياق ذاته؛ حاولت إسرائيل استمالة المعارضة الإيرانية، فقامت باعتماد اللغة الفارسية في رسائلها التي تبثها على وسائل التواصل الاجتماعي، واعتمدت هذه الرسائل على الرموز التاريخية مثل الأسد والشمس، وهي صور تحمل دلالات سياسية وثقافية؛ إذ كانت هذه الرموز جزءاً من العلم الرسمي لإيران في عهد الشاه، قبل الثورة الإسلامية عام 1979.[9]
كما حاول نتنياهو التذكير بالروابط القديمة بين الشعبين، قائلًا “لقد كان شعب إيران وشعب إسرائيل صديقين حقيقيين منذ أيام كورش الكبير، وقد آن الأوان لأن تتوحدوا تحت رايتكم وإرثكم التاريخي، من خلال الوقوف دفاعًا عن حريتكم في وجه نظام شرير وقمعي، هذه فرصتكم للنهوض وإسماع أصواتكم”.
5- تحريك ملف السجناء السياسيين في سجن “إيفين”؛ في خطوة تحمل الكثير من الدلالات والأهداف السياسية، قامت إسرائيل يوم 23 يونيو 2025، باستهداف بوابة سجن “إيفين” بشمال غربي طهران، مما تسبب في وقوع بعض الأضرار ببوابات السجن وجدرانه، بينما نفت طهران حدوث أي حالات فرار من السجن.[10]
وجدير بالذكر أن؛ سجن “إيفين” هو السجن الرئيسي للمعتقلين السياسيين والسجناء الأمنيين، لا سيما منذ الثورة الإيرانية عام 1979، كما أنه موقعًا لعمليات الإعدام التي تطال المعتقلين السياسيين والمعارضين.
ويُعتبر السجن سيء السمعة؛ حيث تفيد تقارير صارة عن منظمة العفو الدولية، بأنه يحتوي على مجموعة من غرف الاستجواب تحت الأرض، والتي يتعرض المعتقلون فيها للتعذيب بانتظام، وذلك لإجبارهم على التوقيع على اعترافات تقودهم إلى الأعدام في معظم الأحوال.
وفي ضوء ذلك؛ لا يمكن أن يكون استهداف السجن الإيراني كان قرارًا اعتباطيًا، بل أرادت إسرائيل أن تعيد الحديث عن هذا السجن ومساوئه، وذلك لإثارة احتجاجات المعارضة ضد النظام، وإشاعة الفوضى في حال حدوث حالات فرار منه، ويُستدل على ذلك من تعليق وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، على الهجوم على السجن، قائلًا “تحيا الحرية”.
ثانيًا؛ سيناريوهات مستقبل النظام الإيراني:
في ضوء ضغوط الداخل والخارج التي يعاني منها النظام الإيراني، وعلى خلفية التهديد الذي أثاره الصراع العسكري الإيراني الإسرائيلي، فضلًا عن الضربة الأمريكية والتراشق الحالي بالتصريحات بين المرشد علي خامنئي والرئيس دونالد ترامب، يبدو أن مستقبل نظام ولاية الفقيه واحتمالات بقاءه، يشوبهما الكثير من التهديدات والمخاوف، مما يطرح عدة سيناريوهات بشأن مستقبل النظام الإيراني، وفيما يلي أبرزها:
1- بقاء النظام الإيراني حتى في حالة وفاة المرشد الأعلى؛ يرى هذا السيناريو أنه مهما كانت المكانة التي يتمتع بها علي خامنئي بشخصه، إلا أنه في نهاية الأمر قائد ديني تم اختياره وفقًا لأسس حددها دستور الثورة الإسلامية؛ إذ تولى المنصب عام 1989 خلفًا للمرشد الأول وقائد الثورة آية الله الخميني.
وبناءً عليه؛ فإن نظام ولاية الفقيه سوف يستمر حتى في حالة غياب خامنئي لأي سببًا كان؛ سواء المرض أو الوفاة أو الاغتيال، وبالتالي؛ إذا تغيب المرشد علي خامنئي، سيتم تفعيل المادة 107 من الدستور الإيراني، والتي توكل مهمة اختيار خليفة المرشد إلى مجلس خبراء القيادة، وفقًا للشروط التي حددتها المادتين 105 و109 من الدستور، على أن تتم عملية الاختيار دون أي فوضى أو صراع سياسي يهدد استقرار النظام.
وفي هذا السياق؛ يُذكر أن هناك عدة تقارير تشير إلى وجود ترتيبات فعلية تم اتخاذها لاختيار خليفة خامنئي، وذلك استنادًا لما يتردد في بعض اللجان السرية بمجلس خبراء القيادة، وفي تصريحات بعض أئمة الجمعة، ومن الأسماء المرشحة بقوة لتولي هذا المنصب[11]:
صادق آملي لاريجاني؛ وهو الرئيس السابق للسلطة القضائية، كما أنه عضواً بمجلس صيانة الدستور.
سيد حسن خميني؛ وهو حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية، وله بعض الميول الإصلاحية.
عبد الله جوادي آملي، وهو أحد أبرز الفقهاء، ولو حضور ديني واسع.
محمد مهدي ميرباقري؛ وهو أيضًا فقيه بارز.
علي لاريجاني؛ وهو سياسي مخضرم، ورئيس سابق لمجلس الشورى.
علي رضا أعرافي؛ وهو رجل دين بارز، تولى عدة مناصب ومنها: رئيس للحوزات العلمية في البلاد، عضو مجلس صيانة الدستور، نائب رئيس مجلس خبراء القيادة، ممثل محافظة طهران في المجلس، إمام جمعة مدينة قم، ورئيسًا لجامعة “المصطفى”.
مجتبى خامنئي؛ وهو نجل المرشد الحالي علي خامنئي، ومن أبرز وأهم المرشحين لتولي هذا المنصب؛ حيث أنه يتمتع بنفوذ واسع داخل مراكز القرار الإيرانية؛ حيث يحظى بتأييد الحرس الثوري وبعض التيارات الدينية والسياسية. ولكن في المقابل؛ يرفض خامنئي تولي نجله هذا المنصب، خوفًا من فكرة التوريث التي كانت إحدى أسباب اندلاع الثورة الإسلامية ضد حكم الشاه عام 1979.
وقد أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، يوم 21 يونيو 2025، بأن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، قد سمى ثلاثة رجال دين كبار لخلافته في حال مقتله أو وفاته، وأوصى مجلس خبراء القيادة بأن يتم الاختيار منهم سريعًا؛ حتى يتم انتقال السلطة بشكل يسير، ومن ثم؛ الحفاظ على بقاء نظام ولاية الفقيه، وفي حين لم تكشف الصحيفة عن أسماء المرشحين الثلاثة، إلا أنها أكدت أن مجتبى خامنئي ليس من بينهم.[12]
وجدير بالذكر أن؛ مجلس خبراء القيادة هو هيئة تضم 88 عضوًا من فقهاء الشريعة الإسلامية، يُنتخبون في انتخابات وطنية كل ثماني سنوات، ويتولون مهمة الإشراف على أداء المرشد، وتعيين خليفة له.
2- انهيار السلطة الدينية في إيران وصعود قوى المعارضة؛ يرى هذا السيناريو أن خامنئي بات المحور الروحي والسياسي الذي تدور حوله كل مؤسسات الجمهورية الإسلامية، وبالتالي غيابه عن المشهد السياسي الإيراني، سيكون مأزق كبير بالنسبة للنظام، مما قد يؤدي إلى انهياره وسقوط السلطة الدينية الحاكمة لطهران.
ويستند هذا السيناريو على التغييرات التي طالت الستور عام 1989، والتي ألغت شرط أن يكون المرشد مرجعًا دينيًا، واكتفت بأن يكون مجتهدًا فقهيًا، إذ كان الغرض من هذه التعديلات تمكين خامنئي من تولي المنصب، لأنه لم يكن مرجعًا دينيًا في هذا التوقيت، وبهذا؛ تحولت ولاية الفقيه من نظرية فقهية إلى منصب سياسي شخصي، أي أن النموذج القيادي الحالي أصبح مرتبطًا بشخص خامنئي، ورحيله قد لا يؤدي فقط إلى أزمة في الخلافة، بل إلى انهيار الإطار الفكري والتنظيمي الذي بُني عليه النظام، مما يهدد بزواله، خاصةً إذا فشل مجلس خبراء القياة في التوافق سريعًا على شخصية واحدة تتولى المنصب بعد خامنئي.
وبناءً عليه؛ فإن رحيل شخص خامنئي قد يقتح الباب أمام فراغًا كبيرًا في السلطة، مما قد يوفر فرصة إلى سقوط النظام الإيراني بشكله الحالي، وتكوين نظام جديد تسيطر عليه قوى وفصائل المعارضة الإيرانية، والتي تختلف في التوجه والآراء، ومن هنا؛ توجد ثلاث احتمالات لمستقبل النظام الإيراني تحت قيادة المعارضة:
أ. سيطرة منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية على الحكم؛ وهي تمثل المعارضة الإيرانية المسلحة، الساعية إلى إسقاط نظام الحكم الإيراني، حيث[13]:
تأسست المنظمة عام 1965 على أيدى عدد من مثقفي إيران؛ مثل محمد حنيف نجاد، وسعيد محسن، وعلي أصغر بدیع زاد، بهدف إسقاط نظام الشاه، وقد انضمت إلى الخميني في ثورته الإسلامية، ولكن بعد نجاح الثورة ورحيل الشاه، عارضت المنظمة مبدأ ولایة الفقيه، مما أغضب الخمينى وأنصاره.
عانت المنظمة من التضييق والمطاردة بتصنيفها إرهابية، حتى اضطر أعضاءها إلى مغادرة البلاد، وممارسة نشاطها ضد النظام الإيراني من الخارج.
كان يقود المنظمة مسعود رجوي، ولكنه في المنفى منذ أكثر من 20 عامًا، وتتولى زوجته مريم رجوي، القيادة حاليًا، وتترأس الوجه السياسي للمنظمة وهو “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية”، والذي ينشط في العديد من الدول الغربية.
حاولت المنظمة العودة إلى دائرة الضوء في أعقاب اندلاع الصراع العسكري بين إيران وإسرائيل، حيث صرحت مريم رجوي، خلال خطاب لها أمام البرلمان الأوروبي يوم 17 يونيو الجاري، بأن “تغيير النظام يجب أن يكون على يد الشعب والمقاومة الشعبية، فالحل لا يكمن في المساومة أو الحرب”، مضيفةً بأن “هناك بديلًا يملك برنامجًا واضحًا وسجلًا طويلًا من النضال المتواصل ضد هذا النظام الديني الاستبدادي؛ وهو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، والذي يدخل عامه الرابع والأربعين هذا العام”.
ولكن؛ هناك تحديات كثيرة أمام صعود منظمة مجاهدي خلق الإيرانية إلى سدة الحكم في حال سقط النظام الإيراني الحالي، ومنها أنها لا تلاقي قبولًا شعبيًا في الداخل، خاصةً وأن المنظمة وقفت إلى جانب العراق ضد إيران خلال الحرب بين 1980 و1988، كما تعاونت مع إسرائيل لسنوات طويلة ضد إيران.
ب. سيطرة الملكين المعارضين “أنصار الشاه” على الحكم؛ الملكيون هم أنصار الشاه الإيراني، وهم من أبرز معارضي النظام في طهران، وكما اتضح سالفًا؛ فرضا بهلوي، نجل شاه إيران السابق والمقيم في الولايات المتحدة، يُعد من أهم أصوات المعارضة الإيرانية التي نادت كثيرًا بإسقاط نظام ولاية الفقيه، متعهدًا بإقامة نظام جديد قائم على الديمقراطية والحرية، بل إنه، وكما ذُكر أعلاه أيضًا، كشف عن خطة انتقالية لـ100 يوم الأولى بعد إسقاط حكم المرشد علي خامنئي، أي يقدم نفسه كبديل جاهز لحكم إيران.
ورغم أن رضا بهلوي يحظى بدعم وتأييد الدول الغربية، وخاصةً الولايات المتحدة وإسرائيل، فإنه يواجه الكثير من التحديات التي قد تعوق سيطرته على الحكم في طهران، وأهمها الرفض الشعبي لفكرة عودة نظام الشاه مرة أخرى، فضلًا عن الانتقادات التي تطاله من الإيرانيين على خلفية علاقته مع تل أبيب، والتي وصلت إلى حد أنه لم ينتقد الضربات الإسرائيلية على إيران، بل صرح بأنها “فرصة ذهبية للإطاحة بالنظام”.
ج. سيطرة قادة “الحركة الخضراء” على الحكم؛ وهم مجموعة من الإصلاحيين الذين يعارضون النظام الحالي، ويتبنون مواقف معتدلة، مثل رئيس الوزراء في عهد الخميني مير حسين موسوي، ورجل الدين مهدي كروبي.[14]
وجدير بالذكر أن “الحركة الخضراء” يقصد بها الاحتجاجات التي اندلعت عقب الانتخابات الرئاسية لعام 2009، والتي اُتهمت فيها الحكومة بتزوير النتائج لمصلحة محمود أحمدي نجاد ضد حسين موسوي.
ورغم أن قادة هذه الحركة يتمتعون بقبول شعبي، إلا أن سيطرتهم على الحكم تبقي احتمالًا صعبًا للغاية، خاصةً في ظل حالة الانقسام والاستقطاب السياسي الحاد الذي يعاني منه المجتمع الإيراني حاليًا، فضلًا عن عدم قبول أنصار التيار المتشدد أن ينتقل ثقل الحكم منهم إلى أنصار التيار الإصلاحي.
3- انفصال الأقليات العرقية وتفكك الجمهورية الإيرانية العظمى؛ يرى هذا السيناريو أنه في حال سقط النظام الإيراني الحالي، فإن ذلك سوف يوفر فرصة غير مسبوقة للأقليات العرقية المتواجدة في البلاد؛ مثل العرب والأكراد والبلوش والتركمان، كي تتحرك في مسارها الانفصالي عن السلطة المركزية في طهران، سواء انفصال جغرافي أو المطالبة بحكم ذاتي.[15]
ويستشهد هذا السيناريو بالنموذج العراقي بعد سقوط حكم صدام حسين، حيث حدث فراغ سياسي مهد الطريق لظهور فصائل متحاربة قائمة على أسس طائفية وعرقية ومناطقية، وقد يتكرر الأمر نفسه في إيران، نظرًا للتنوع العرقي والطائفي الكبير الذي يميز مجتمعها، ومن ثم؛ قد تنهار الجمهورية الإيرانية العظمى وتتشكل دويلات صغيرة.
وهذا السيناريو قابل للتحقق بشدة وخاصةً في المناطق ذات الغالبية العرقية غير الشيعية، وهنا يجب الإشارة إلى تحركات البلوش خلال الصراع العسكري بين إيران وإسرائيل، وكيف استغلوا الضربات الإسرائيلية للتحرك ضد القوات الإيرانية النظامية. ولا شك أن حدوث مثل هذا الأمر على أرض الواقع يحمل الكثير من التداعيات الأمنية الكارثية على أمن واستقرار الشرق الأوسط، والتي سيمتد أثرها إلى خارج الإقليم بالتأكيد.
4- سيطرة الحرس الثوري الإيراني على الحكم في طهران؛ يرى هذا السيناريو أنه في حال عدم التوافق على خليفة للمرشد علي خامنئي، وعلى اعتبار أن الحرس هو جهاز أمني تشكل بغرض حماية الثورة الإسلامية، وانطلاقًا من أن المرشد يُعد قائد حرس الثورة وفقًا لنص المادة 110 من الدستور، قد يقوم الحرس الثوري في أعقاب رحيل خامنئي بإعلان الأحكام العرفية بالبلاد، وتولي أمور الحكم في طهران، وذلك بغرض الحفاظ على استمرار وبقاء نظام ولاية الفقيه الذي خلفته الثورة.
وهنا يوجد احتمالين؛ إما السيطرة المؤقتة بغرض حماية الثورة وحتى يتم اختيار المرشد الجديد للبلاد، أو السيطرة الدائمة على مقاليد الحكم؛ أي بمعنى أن يقوم الحرس الثوري بإنقلاب على الرئيس مسعود بزشكيان، وتشكيل مجلس عسكري لإدارة البلاد، وبهذا تتحول إيران من دولة ثيوقراطية إلى “ديكتاتورية عسكرية”.[16]
ورغم التبعات الكارثية التي قد تنتج عن هذا السيناريو، إلا أنه يبقى السيناريو الأكثر ترجيحًا في حال سقط النظام الإيراني الحالي، أو تغيب المرشد علي خامنئي لأي سبب دون وجود خليفة يتولى بعده زمام الأمور.
ثالثًا؛ تداعيات إسقاط النظام الإيراني الحالي:
مع كثرة الحديث في الاونة الأخيرة عن احتمالية سقوط النظام الإيراني، يُثار تساؤلًا هامًا للغاية؛ ألا وهو “هل انهيار نظام ولاية الفقيه في إيران يُعد نعمة أم نقمة بالنسبة لأمن واستقرار المنطقة؟”، وبالنظر إلى معطيات الوضع الراهن، وبإمعان النظر في السيناريوهات المحتملة سالفة الذكر، يبدو أن إسقاط خامنئي ونظامه يحمل في طياته الكثير من التداعيات شديدة الخطورة؛ والتي من أهمها:
1- إحداث فوضى وفراغ سياسي استراتيجي في المنطقة؛ انهيار النظام الإيراني وسط انقسام المعارضة الإيرانية وتباين توجهاتها، قد يؤدي إلى حدوث نزاع على السلطة، وحرب أهلية داخلية في إيران، مما يجعل البلاد مصدرًا للفوضى والاضطراب في الشرق الأوسط، ويجعل الوضع الجديد في إيران هو تكرار للمشهد العراقي الفوضوي الذي أعقب سقوط حكم صدام حسين، وللمشهد الليبي بعد إسقاط معمر القذافي، وهو ما أكدت عليه التحذيرات الأوروبية نفسها؛ حيث:
حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال قمة مجموعة السبع التي انعقدت مؤخرًا في كندا، أن “أكبر خطأ اليوم هو السعي إلى تغيير النظام في إيران بسبل عسكرية، لأن ذلك سيؤدي إلى الفوضى، فلا أحد يعتقد أن ما حدث في العراق سنة 2003، أو ما حصل في ليبيا في العقد الماضي، كان فكرة سديدة”.[17]
أكد المتحدث باسم الكرملين الروسي دميتري بيسكوف، أن “تغيير النظام في إيران غير مقبول، لأنه سيؤدي إلى حدوث نزاعات متطرفة في إيران، ويجب أخذ هذا الأمر في الاعتبار قبل الحيث عن اغتيال خامنئي”.[18]
2- صعود بديل أكثر تطرفًا وتشددًا؛ يبدو من كافة السيناريوهات المطروحة أن البديل للنظام الحالي لن يكون أقل تطرفًا أو تشددًا من نظام ولاية الفقيه القائم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فلا ضمانة لأن تتحول طهران إلى دولة ديمقراطية برحيل المرشد علي خامنئي، وخاصةً إذا كان البديل هو ترأس الحرس الثوري للحكم مثلًا، وبالتالي؛ الاعتقاد بأن إسقاط النظام الإيراني سيؤدي إلى أمن واستقرار المنطقة، هو اعتقاد خاطيء تمامًا، حيث قد يكون النظام الجديد أسوأ وأخطر من الحالي، وهذا الأمر تدركه الولايات المتحدة وإسرائيل جيدًا.
3- خطر تجييش الشيعة في المنطقة؛ يتمتع المرشد علي خامنئي، ونظام ولاية الفقيه بشكل عام، بمكانة روحية ودينية كبيرة لدى أصحاب المذهب الشيعي المتواجدين في عدد من دول الشرق الأوسط، وهذا الرابط الديني يجعل أي استهداف للنظام وخاصةً مرشده الأعلى، بمثابة استهداف للشيعة نفسهم، وبالتالي؛ سيؤدي هذا الأمر إلى حالة من التجييش الطائفي الشيعي في كافة دول المنطقة، وسيكون هناك رد فعل عنيف للغاية، خاصةً وأن طهران ستصور هذا الاستهداف على أنه اعتداء على المذهب نفسه.
ويُستدل على هذا السيناريو الكارثي من تصريحات كبار قادة المذهب الشيعي في المنطقة، والتي خرجت تعقيبًا على التهديد باغتيال المرشد علي خامنئي، ومنها[19]:
أصدر المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني، بيانًا أكد فيه على أن التهديد باستهداف القيادة الإيرانية العليا ينذر بحدوث فوضى عارمة في المنطقة، قائلًا “القيام بخطوة إجرامية من هذا القبيل، ينذر بعواقب بالغة السوء في أوضاع هذه المنطقة برمتها، وربما يؤدي إلى خروجها عن السيطرة تمامًا، وحدوث فوضى تزيد من معاناة شعوبها، وتضر بمصالح الجميع إلى أبعد الحدود”.
حذر الأمين العام لميليشيا حركة النجباء العراقية أكرم الكعبي، من تبعات اغتيال المرشد الإيراني، قائلًا “إن لمستم شعرة من الإمام الخامنئي، لن يسلم منكم عسكري أو دبلوماسي، بل كل من يحمل جنسيتكم في منطقتنا، وكل مصالحكم المباشرة وغير المباشرة، ستكون أهدافًا مشروعة”.
أكد حزب الله اللبناني في بيان له أن “التهديد بقتل خامنئي هو حماقة وتهور، وله عواقب وخيمة، فمجرد النطق به فيه إساءة إلى مئات الملايين من المسلمين”.
دعا زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر، للخروج في مظاهرات سلمية تنديدًا بتهديدات اغتيال خامنئي، وبالفعل؛ تجمع رجال دين شيعة يوم 18 يونيو، بزي عسكري في مدينة البصرة بجنوب العراق قرب الحدود مع إيران، رافعين أعلامًا عراقية وإيرانية، وهاتفين شعارات تناصر المرشد علي خامنئي.
4- إخلال ميزان القوى في المنطقة لصالح إسرائيل؛ سقوط النظام الإيراني لا يعني فقط انتهاء حكم سياسي، بل هو تفكك لمشروع إقليمي واضح ومتكامل، كان يوازن معادلة الشرق الأوسط الأمنية والسياسية مع المشروعين التركي والإسرائيلي، ومن ثم؛ سقوطه يهدد بإحداث فراغًا استراتيجيًا خطيرًا، قد يعيد تشكيل خريطة توازن القوى في المنطقة.[20]
والأخطر من ذلك؛ أن هذا الفراغ سيعطي الفرصة لإسرائيل أن تكتسب مزيد من الهيمنة والنفوذ، بشكل يخدم مشروعها الإقليمي على حساب مصالح الأمن القومي العربي، وبالتالي؛ سيكون هناك شرق أوسط جديد تُدار سياساته وفقًا للمصلحة الإسرائيلية والأمريكية فقط، مع تهمييش الدول العربية ومصالحها.
وبناءً عليه؛ تدرك الدول العربية أن من مصلحتها أن تبقى إيران ونظامها الحالي، كي توازن النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، ولهذا؛ تميل الدول العربية إلى تقويض وتهذيب الممارسات الإيرانية، دون أن يصل الأمر إلى حد إسقاط النظام بشكل كامل.
5- احتمال انتقال القدرات النووية والصاروخية الإيرانية إلى الفصائل المسلحة؛ يمتلك النظام الإيراني قدرات نووية وصاروخية متقدمة للغاية، وفي حال إسقاط هذا النظام وسيطرة أي فصيل على السلطة، سواء الحرس الثوري أو منظمة مجاهدي خلق أو أنصار الشاه، سيكون هناك مصير مجهول لهذه القدرات، ومخاوف كبيرة من انتقالها إلى يد تلك الفصائل، والسؤال هنا؛ كيف يمكن أن تتعامل المنطقة مع خطر امتلاك الحرس الثوري وأذرعه في العراق ولبنان وسوريا واليمن، لقدرات نووية تمكنه من إنتاج سلاحًا نوويًا على سبيل المثال.
6- إثارة النزعات الطائفية والعرقية إقليميًا ودوليًا؛ لا شك أن إسقاط النظام الإيراني يثير أمرين في غاية الخطورة؛ أولهما العنصر الطائفي حيث اللعب على مشاعر الشيعة وتصدير راية المظلومية حول الاضطهاد الذي يتعرض له الشيعة، وثانيهما العنصر العرقي حيث تعدد العرقيات في إيران والتي قد تسارع بالانفصال أو بالحكم الذاتي في حال سقط نظام ولاية الفقيه.
فعلى افتراض حدوث السيناريو الثالث سالف الذكر؛ ألا وهو تفكك الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى دويلات عرقية صغيرة، فإن هذا الأمر سيكون كارثي على الأمن والاستقرار الدولي بشكل عام؛ حيث[21]:
قد تسعى أذربيجان إلى استغلال حالة الفوضى لخلق وحدة مع الأذريين في شمال غرب إيران، فيما قد يتحرك الأكراد لتأسيس كيان مستقل، ما يجعل تركيا محاطة بـ”هلال كردي” في العراق وسوريا وإيران، ويفتح الباب أمام تحرك أكراد تركيا أنفسهم، ما قد يدفع أنقرة إلى تدخل مباشر في إيران لحماية أمنها، كما سبق وأن فعلت في سوريا.
المكون البلوشي في إيران، الطامح إلى الاستقلال، سيتحرك لتحقيق الوحدة القومية مع بلوش باكستان، مما سيعيد إحياء الحلم القديم بالاتحاد مع إخوانهم في أفغانستان.
ستمنح هذه الفوضى لتنظيم داعش- ولاية خراسان، أن يتمدد داخل إيران، وبالتالي؛ إثارة الفوضى في آسيا الوسطى عن طريق طاجيكستان.
7- إحداث تداعيات اقتصادية خطيرة تهدد استقرار الشرق الأوسط؛ الفوضى التي قد تضرب إيران، ستؤدي إلى حدوث موجة كبيرة من النزوح والهجرة، مما يزيد من أعباء دول جوارها وخاصةً العراق وتركيا.
هذا إلى جانب التأثير سلبًا على حركة التجارة الدولية في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، وكذلك في المنطقة وخاصةً في مضيق هرمز، ولا شك أن هذا سيؤثر بشكل كبير على أسعار النفط والغاز وتكلفة الشحن البحري، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والمنتجات، ومن ثم؛ زيادة معدلات التضخم والركود الاقتصادي.
وإجمالًا؛ يواجه النظام الإيراني حاليًا الكثير من التحديات الداخلية والخارجية التي تهدد بقاءه واستقراره، وخاصةً مع استمرار أزمة الخلافة التي بدأت تتصدر المشهد في أعقاب التهديد باغتيال المرشد علي خامنئي، والذي سيمثل غيابه عن المشهد السياسي الإيراني لأي سببًا كان، أكبر مأزق قد يمر به نظام ولاية الفقيه، فهو سيفقد مرشده وقائده الأعلى الذي ترأسه على مدار 35 عامًا، مما يهدد بإنهيار النظام كاملًا.
ومع طرح فكرة إسقاط النظام الإيراني في العلن من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، ينبغي التوقف والإمعان في تبعات حدوث هذا الأمر، والتفكير جيدًا فيما إذا كان رحيل نظام خامنئي نعمة أم نقمة بالنسبة لأمن واستقرار الشرق الأوسط.
وبالنظر في السيناريوهات المتوقعة في حال انهار النظام الإيراني بالفعل، يبدو أن بقاءه أفضل بكثير من سقوطه، وبالتالي؛ ينبغي أن تدرك دول الإقليم أن خيار تقويم النظام الإيراني الحالي، أكثر منفعة وأقل تكلفة، من خيار إسقاط خامنئي ونظامه.
كما ينبغي إدراك أنه في حال صدقت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه “انقذ حياة خامنئي من الموت”، فإنه سيكون قد فعل ذلك خدمةً للمصالح الأمريكية التي يكفلها بقاء النظام الإيراني؛ حيث إن استمرار وجود إيران يحفظ لواشنطن أداة “شيطنة إيران”، والتي من خلالها تضمن بيع صفقات الأسلحة لدول المنطقة بمليارات الدولارات، كما تخدم مشروع “الناتو الإقليمي”، والذي من خلاله تغرس الولايات المتحدة، إسرائيل في قلب محيطها العربي، وبالتالي؛ الولايات المتحدة وإسرائيل تستفيدان من وجود النظام الإيراني، وأي تحرك ضده؛ فما هو إلا محاولة لتقويض النظام وتقليص نفوذه وليس إسقاطه.
المصادر:
[1] ماكرون يحذر من تداعيات تغيير النظام في إيران بالقوة، العرب اللندنية، 18/6/2025، متاح على الرابط: https://alarab.co.uk/%D9%85%D8%A7%D9%83%D8%B1%D9%88%D9%86-%
[2] إسرائيل تهدد باغتيال خامنئي ردا على هجوم إيراني على مستشفى إسرائيلي، العرب اللندنية، 19/6/2025، متاح على الرابط: https://www.alarab.co.uk/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8
[3] أول تصريح لترامب عن إمكانية “تغيير” النظام الإيراني بعد الضربة الأمريكية، سي إن إن، 22/6/2025، متاح على الرابط: https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2025/06/23/trump-suggests-a-
[4] ترمب: أوقفت تخفيف العقوبات عن إيران بعد خطاب خامنئي، الشرق الأوسط، 27/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%D
[5] أنباء عن ترشيح خامنئي ثلاثة مسؤولين لخلافته في حال مقتله، الشرق الأوسط، 21/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9
[6] رضا بهلوي يدعو لانتفاضة شاملة، صحيفة إيلاف، 23/6/2025، متاح على الرابط: https://elaph.com/Web/News/2025/06/1570646.html
[7] “فوكس نيوز”: نجل شاه إيران يبحث مع الكونغرس الأمريكي سيناريوهات ما بعد تغيير النظام في طهران، روسيا اليوم، 22/6/2025، متاح على الرابط: https://arabic.rt.com/world/1685579-%D9%81%D9%88%D9%83%D8%
[8] زار إسرائيل ويتبنى مشروع دولة علمانية.. ماذا تعرف عن “رضا بهلوي” نجل الشاه الذي يتأهب لدور سياسي في إيران؟، المصدر أونلاين، 18/6/2025، متاح على الرابط: https://almasdaronline.com/articles/319698
[9] الأسد والشمس.. رموز ودلالات ثقافية في رسائل إسرائيل بالفارسية إلى الإيرانيين، العرب اللندنية، 23/6/2025، متاح على الرابط: https://www.alarab.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-
[10] إسرائيل تهاجم سجن إيفين الإيراني.. وساعر يعلق: “تحيا الحرية”، رويترز، موقع إرم نيوز، 23/6/2025، متاح على الرابط: https://www.eremnews.com/news/world/8gcegwr
[11] رندة جباعي، سؤال ما بعد خامنئي.. زلزال يضرب “ولاية الفقيه”، موقع الحرة، 28/5/2025، متاح على الرابط: https://alhurra.com/591
[12] أنباء عن ترشيح خامنئي ثلاثة مسؤولين لخلافته في حال مقتله، الشرق الأوسط، 21/6/2025، مرجع سابق.
[13] سحر الجعارة، إيران: سيناريوهات السقوط أو البقاء، جريدة الوطن، 20/6/2025، متاح على الرابط: https://www.elwatannews.com/news/details/8091342
[14] إسلام التمساح، سيناريوهات ما بعد خامنئي.. من يقود إيران في حال اغتيال المرشد؟، جريدة الجمهور، 20/6/2025، متاح على الرابط: https://www.algomhor.com/253582#goog_rewarded
[15] 5 سيناريوهات افتراضية تنتظر سقوط النظام الإيراني، اندبندنت عربية، 19/6/2025، متاح على الرابط: https://www.independentarabia.com/node/626121/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%
[16] هل تهدف إسرائيل إلى إسقاط النظام الإيراني ومن البديل المحتمل؟، CNBC عربية، 19/6/2025، متاح على الرابط: https://www.cnbcarabia.com/139360/2025/20/06/%D9%87%D9%84-
[17] ماكرون يحذر من تداعيات تغيير النظام في إيران بالقوة، العرب اللندنية، 18/6/2025، مرجع سابق.
[18] الموقف من “اغتيال خامنئي وقلب نظام إيران”.. الكرملين يعلق برد صارم مع توضيح عواقب ذلك، سي إن إن عربية، 19/6/2025، متاح على الرابط: https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2025/06/20/russia-strong-response-
[19] تحذير شيعي في العراق ولبنان من فوضى عارمة حال استهداف خامنئي، صحيفة العرب اللندنية، 19/6/2025، متاح على الرابط: https://alarab.co.uk/%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D9%8A%D8%B1-%
[20] خبراء وسياسيون: النظام الإيراني لن يسقط بسهولة.. ويؤكدون: إسقاط إيران خطر على التوازن الإقليمي، البوابة نيوز، 22/6/2025، متاح على الرابط: https://www.albawabhnews.com/5221485
[21] أحمد دهشان، إذا سقط النظام الإيراني.. فمن يملأ الفراغ؟، مركز الدراسات العربية الأوراسية، 15/6/2025، متاح على الرابط: https://eurasiaar.org/%D8%A5%D8%B0%D8%A7-%D8%B3%D9%82%D8