إعداد : مصطفى مقلد
تقييد روسيا:
تسعى “مجموعة السبع” لوضع حد لسعر صادرات النفط الروسية، ويبدو أنها تضع اللمسات الأخيرة بشأنها، مع ظهور تفاصيل عن الكيفية التي يهدفون بها إلى تقليص إيرادات مصدر حيوي للكرملين دون التأثير على الإمدادات والأسعار العالمية، وكانت “مجموعة السبع” قد اتفقت من حيث المبدأ على سقف الأسعار في سبتمبر المنقضى رداً على الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وتأمل دول المجموعة أن يتم التنفيذ بحلول الخامس من ديسمبر المقبل، وهو تاريخ دخول عقوبات الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ضد النفط الخام الروسي حيز التنفيذ.
وتتمثل الآلية فى أن الحد الأقصى سيعمل من خلال السماح للشركات الغربية بتوفير التأمين لصادرات النفط الروسية المنقولة بحراً، طالما تم بيع النفط الخام بسعر أقل من الحد الأقصى، وسيتم السماح لمشتري النفط الروسي الخاضعين للسقف ببيع النفط بأسعار السوق في أسواقهم المحلية أو إذا تم نقله إلى بلد آخر عبر خط أنابيب، لكن أي بيع لاحق يتضمن شحن النفط عن طريق البحر يجب أن يلتزم بقواعد الحد الأقصى، مما يحد من السعر الذي يمكن بيعه به.
ولكن التجار لن يتمكنوا من إعادة بيع شحنات النفط المنقولة بحراً بأسعار السوق، ومع ذلك يمكن بيع النفط الروسي الذي تم تكريره إلى وقود مثل الديزل أو البنزين بأسعار السوق، نجاح المبادرة سيتوقف على عدد الدول خارج مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى التي تختار التسجيل أو الشراء بسعر- أو أقل- من الحد الأقصى، حيث ينظر إلى الصين والهند على أنهما هدفان مهمان نظراً إلى حجمهما ومشترياتهما النفطية الطويلة من روسيا.
وفي الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022، جنت روسيا “117 مليار دولار” من مبيعات النفط والغاز، أي ما يقرب من 30 في المئة من الميزانية الفيدرالية للعام بأكمله، وهى مورد مالى حاسم وضرورى لتمويل حربها، لذا تعهدت موسكو بعدم بيع النفط لأي دولة تطبق السقف، وهو يمثل تهديد مزدوج يتعلق بالدول المشاركة في تلك العقوبة وتهديد مترتب بالضرورة يؤدى لاتفاع أسعار النفط عالميا.
تأثير قرار “أوبك+” الأخير بخفض الانتاج:
فى واشنطن، استمرت المناقشات حول سقف أسعار النفط الروسى، لكن بدأ البعض في إدارة بايدن يشعرون بالقلق من أن ذلك قد يأتي بنتائج عكسية، فبعد قرار خفض إنتاج “أوبك +”، زاد التقلب في سوق النفط بشكل ملحوظ، وقد يؤدي تحديد سقف سعر الخام الروسي إلى ارتفاع الأسعار بدلاً من الانخفاض، ويتوازى ذلك مع خوف آخر، وهو تنفيذ روسيا لتحذيرها من أنها قد تختار التوقف عن بيع النفط لأي دولة تطبق سقفًا لسعر نفطها.
سيؤدي هذا بالتأكيد إلى ارتفاع أسعار النفط، وسط تقديرات تشير إلى أن القفزة قد تؤدي إلى وصول خام برنت إلى 125 دولارًا للبرميل.
بالإضافة إلى الخطر الحقيقي المتمثل في حدوث المزيد من صدمات العرض، وهناك تحديات أخرى لسقف السعر كما هو متصور، بما في ذلك الطريقة الدقيقة لتنفيذه في عالم مع قواعد نقل الشحن التي تقدم مجموعة من الطرق للتحايل على مثل هذه الحدود القصوى، كانت كل هذه المخاوف موجودة قبل أن تقرر “أوبك +” خفض الإنتاج. ثم بعد القرار، أصبحت المخاوف أكبر وأثقل، وعلى الرغم من أن المحللين حذروا من أن أوبك لن تكون من المعجبين بأي سقف لأسعار النفط لأنهم سيضعون سابقة خطيرة قد تجعلهم يصبحون أهدافًا في أي وقت تصبح فيه الولايات المتحدة غير راضية عن سياساتهم.
إذن، يمكن النظر إلى قرار أوبك + بخفض الإنتاج ليس فقط كخطوة اقتصادية وقائية، ولكن كخطوة سياسية وقائية لتحدي تنفيذ سقف لسعر النفط قد تُحارب به مستقبلا.
مصادر البترول الأخرى:
فى منطقة غرب أفريقيا، تبرز نيجيريا كوجهة مهمة لتصدير النفط، لكن صادرات النفط الخام من نيجيريا تراجعت إلى أقل من مليون برميل يوميا، وهو أدنى مستوى لها على الإطلاق خلال شهر أغسطس الماضي، وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، انخفضت صادرات النفط الخام النيجيرية إلى النصف، وفقًا لشركة بترو لوجيستيكس لتحليلات تصدير النفط.
حيث أدى استمرار نقص الاستثمار في صناعة النفط النيجيرية والمشكلة المزمنة لسرقة النفط من خطوط الأنابيب إلى إعاقة القطاع في السنوات الأخيرة، بالإضافة لذلك فإن شركات النفط الكبرى لا تستثمر في العرض النيجيرى، وقد باعت العديد من الشركات الأجنبية أصولًا أو أشارت إلى أنها ستواصل تصفية الاستثمارات في صناعة النفط النيجيرية.
وفى زاوية أخرى من العالم، لايزال عدم البت فى الاتفاق النووى والتوصل لحل نهائى مستمر خاصة مع تصاعد التوترات بين إيران والدول الغربية على خلفية تزويد إيران لروسيا بطائرات مسيرة فى الحرب الأوكرانية، وهو إشكال يضاف لمجموعة سابقة من الخلافات بين الطرفين تطيل أمد عدم التوصل لإتفاق بشأن النووى الإيرانى، وبالتالى عدم رفع العقوبات الغربية على قطاع النفط الإيرانى والإستثمار فيه.
وهو ما يضع أوروبا تحديدا فى موقف يجعل خيارات المناورة ضد روسيا فى مجال النفط والطاقة محدودة. لذا تسعى دول تحاول الاستفادة من هذا بتقديم نفسها كمصدر للطاقة يمكن لأوروبا الإعتماد عليه.
مصر تُعدُّ استراتيجية للهيدروجين الأخضر:
تستعد مصر لإطلاق استراتيجية وطنية للهيدروجين الأخضر، من شأنها إضافة ما بين 10 إلى 18 مليار دولار للناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2025، سيتم الإعلان عن تلك الإسترتيجية خلال فعاليات مؤتمر قمة المناخ “كوب 27″، إذ تستهدف استفادة مصر من القدرات التنافسية لها للوصول إلى 8% من السوق العالمية للهيدروجين، فمصر لديها القدرة على إنتاج الهيدروجين الأخضر بأقل تكلفة في العالم، وتسعى لتخفيض واردات مصر من المواد البترولية.
يتم تنفيذ الاستراتيجية المقرر الإعلان عنها خلال القمة بالتعاون مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، والاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة، تتوقع مؤسسة “فيتش” أن تصبح مصر واحدة من أسرع أسواق الطاقة المتجددة غير الكهرومائية نمواً بالمنطقة على مدار العشر سنوات المقبلة.
فى هذا السياق، وقعت ألمانيا ومصر مذكرة تفاهم هذا الأسبوع للتعاون في إنتاج الهيدروجين الأخضر، وصرح وزير الطاقة الألماني أن الشراكة مع مصر في مجال الطاقة توجه رسالة واضحة قبل مؤتمر كوب 27، ودعم جهود مصر لتسريع التحول من إنتاج الطاقة بالوقود الأحفوري إلى مصادر طاقة صديقة للبيئة والمناخ، كما أن الحصول على الغاز الطبيعي المسال من مصر سيساعد على المدى القصير في زيادة تنويع واردات الطاقة لألمانيا وتقليل اعتمادنا على الغاز الطبيعي من روسيا.
وتسعى مصر لتطوير صناعة الهيدروجين الأخضر بهدف التحول للطاقة المتجددة وأيضاً للتحول كمصدر طاقة مهم إلى الدول المستهلكة للطاقة خاصة أوروبا التي تعتمد حالياً على الوقود الأحفوري، كما تسعى لتعزيز نصيبها من سوق الهيدروجين الأخضر في غضون السنوات المقبلة حيث يتوقع أن يصل حجم سوق التجارة فيه إلى ما يقارب نصف تريليون دولار.
وبذلك تسعى مصر لاستغلال المستجدات الدولية لصالحها والاستفادة من خلال تقديم نفسها كسوق للطاقة موثوق ويمكن الاعتماد عليه، وتوطين صناعات جديدة توفر العملة الأجنبية ما يساعدها فى مواجهة الصعوبات المالية التى تواجهها والتى تأتى جزئيا نتيجة الحرب الأوكرانية وما نتج عنها من أزمات فى الغذاء والطاقة بجانب تشديد البنوك المركزية سياساتها المالية وهو أثر سلبا على المالية العامة فى مصر.
ختاما، على الرغم من توفر الرغبة لدى الدول الغربية فى معاقبة روسيا وفرض سقف لسعر النفط الروسى، الإ أن قدرتها على تحقيق تلك الخطة محل شك، كما أنها تخشى تداعيات قرارها هذا، حيت تتزامن الخطة مع قرار أوبك بلس ورفضه الضمنى لتلك الخطوة، وهو ما يعقد الأمور على الدول الغربية.
في سياق موازِ، تنطلق مصر بخطة طموحة لتحقيق أكبر استفادة لها ولمستهلكى الطاقة، وهو ما يعود لها بمكاسب سياسية مهمة بتعميق العلاقات مع الأتحاد الأوروبى والذى يمثل الشريك التجارى الأول لها، وذلك لا يأتى على حساب أطراف الأخرى وهو ما يدعم سياسة مصر الخارجية الهادفة لتحقيق التوازن فى علاقاتها الدولية.