المقالات
وفاة رئيسي… هل تربك حسابات إيران؟
- مايو 21, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
إعداد: شيماء عبد الحميد
بعد نحو 18 ساعة من عمليات البحث، أعلنت إيران رسميًا في صباح يوم الأثنين 20 مايو 2024، عثور فرق الإنقاذ على حطام مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والتي تعرضت لحادث أدى إلى هبوطها اضطراريًا يوم الأحد 19 مايو، مؤكدة وفاة الرئيس ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، إلى جانب محافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي، وإمام جمعة تبريز؛ آية الله علي آل هاشم[1].
وقد وقع الحادث أثناء عودة الرئيس الإيراني من أذربيجان حيث افتتح هو والرئيس الأذري إلهام علييف، مشروع سد قيز قلعة سي التعاوني والذي يقع على الحدود بين الدولتين، إذ سقطت الطائرة في غابات ديزمار الواقعة بين قريتي أوزي وبير داود بمنطقة ورزقان في إقليم أذربيجان الشرقية شمال غربي إيران.
ولا شك أن الغموض الذي يكتنف سقوط مروحية رئيسي، يثير جدلًا كبيرًا حول ما إذا كان الأمر مجرد حادث أم عملية الاغتيال، خاصةً وأن هناك مجموعة من المعطيات التي ترجح الاحتمال الثاني؛ ومنها:
- كانت مروحية الرئيس ضمن موكب ضم ثلاث طائرات، وفي حين تعرضت طائرة رئيسي للسقوط، عادت الطائراتان إلى وجهتهما بسلام، حيث اختارتا مسار مختلف عن مسار طائرة رئيسي للعودة إلى مدينة تبريز.
- عند سقوط الطائرة بفعل ظروف جوية، يُفترض أن يرسل الطيار رسالة استغاثة ويُفترض أن تستلم الطائرتان الأخريتان إشارة استغاثة أيضًا، وهذا لم يحدث، بدليل أن الطائرتان العائدتان بسلام، لم يهبطا بالقرب من طائرة رئيسي ولم يقدما أي دعم.
- كان يُنظر لإبراهيم رئيسي منذ فترة طويلة على أنه خليفة محتمل للمرشد علي خامنئي، حيث كان المرشح الأوفر حظًا لخلافته عندما يحين الوقت.
- يأتي الحادث بعد فترة وجيزة من تبادل الضربات الصاروخية المباشرة والعلنية بين إيران وإسرائيل، في ضوء التبعات الإقليمية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
- سقطت مروحية رئيسي في محافظة أذربيجان الشرقية، وهي من المحافظات الشمالية الغربية التي تقطن بها أقلية عرقية أذربيجانية يُعتقد أنها ثاني أكبر القوميات في إيران بعدد سكان يتجاوز 20 مليون نسمة، وبنسبة تُقدر بنحو 22% من إجمالي السكان، ودائمًا ما هددت هذه العرقية بالنزعة الانفصالية في شمال غرب إيران.
- كان رئيسي عائدًا من أذربيجان والتي شهدت علاقاتها مع إسرائيل طفرة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية على كافة الأصعدة، وخاصةً على المستوى الأمني والعسكري؛ فقد كشفت مصادر إسرائيلية وعالمية عن صفقات سنوية بمعدل مليار دولار كل عام لتزويد أذربيجان بطائرات مسيرة وبأنظمة الأقمار الصناعية الإسرائيلية، وهو ما يمكن تل أبيب من المراقبة المباشرة والرصد القريب من أراضي أذربيجان، وأن تمتلك قاعدة معلومات استخبارية واستعلامية ضخمة عن الأراضي الإيرانية.
وفي مقابل هذه التكهنات؛ اكتفت إيران بالإشارة إلى أن الأمر مجرد حادث ناتج عن سوء الأحوال الجوية، متجنبة توجيه أي اتهامات لأي طرف خارجي، وهذا انعكس في تصريح وزير الداخلية أحمد وحيدي، والذي قال أن “المروحية نفذت هبوطًا صعبًا بسبب سوء الأحوال الجوية، وكان من الصعب إجراء اتصال معها”، فيما أمر رئيس الأركان محمد باقري بفتح تحقيق في أسباب الحادث[2].
وبغض النظر عن حقيقة وفاة أو “اغتيال” الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، لا شك أن فقدانه أثار ردود فعل إقليمية ودولية واسعة، كما أثار تساؤلات عدة حول تداعيات هذا الحادث على حسابات طهران سواء في الداخل أو الخارج.
تباين في ردود الفعل:
– ردود الفعل العربية والإقليمية:[3]
لاقى حادث وفاة الرئيس الإيراني ردود فعل عربية واسعة؛ حيث نعاه كلا من مصر والسعودية والإمارات وسلطنة عُمان والعراق وفلسطين وقطر والجزائر ومجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، مؤكدين تضامنهم مع إيران وشعبها في هذا الحدث الجلل، بينما أعلنت سوريا ولبنان الحداد الرسمي لـ3 أيام.
أما إقليميًا؛ فقد تفاعلت تركيا مع الحدث بشكل كبير؛ حيث عبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن تعازيه بوفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، واصفًا رئيسي بأنه كان “رفيقًا وأخًا لا يقدر بثمن”، وكتب أردوغان على منصة إكس، “باعتباري رفيقًا شهد شخصيًا جهوده من أجل سلام الشعب الإيراني ومنطقتنا خلال وجوده في السلطة، أتذكر السيد رئيسي بتقدير وامتنان”.
وجدير بالذكر أن أنقرة أرسلت 32 عنصرًا متخصصًا في البحث والإنقاذ الجبلي، وست مركبات من مركزي فان وأرضروم في شرق تركيا، للمشاركة في عمليات البحث، وكذلك خصصت وزارة الدفاع التركية مُسيرة أقينجي ومروحية مزوَّدة بتقنية الرؤية الليلية من طراز كوغار، للمشاركة في أعمال البحث والإنقاذ[4].
– ردود الفعل الدولية:
لم تكن ردود الفعل الدولية على هذا النحو من الاتساق الذي جاء في المستوى الإقليمي، حيث تباينت المواقف وفقًا للحسابات السياسية؛ حيث:
- نعاه كلا من روسيا والصين والهند وفنزويلا وأفغانستان واليابان، فيما أعلنت باكستان الحداد يومًا واحدًا[5].
- أما في الولايات المتحدة؛ فقد صرح المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي بأن واشنطن ستواصل محاسبة إيران على بنشاطها المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، قائلًا “لا شك أن هذا كان رجلا يداه ملطختان بدماء كثيرة”، فيما نعته وزارة الخارجية الأمريكية[6].
- وعلى المستوى الأوروبي؛ رفض زعماء ومسؤولون أوروبيون رسالة التعزية التي وجهها رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، إلى إيران في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، حيث رد الزعيم اليميني الهولندي خيرت فيلدرز على منشور ميشيل على منصة إكس قائلًا “التعزية ليست باسمي”، كما ندد عضو البرلمان الأوروبي السويدي ديفيد ليج بذلك قائلًا “أيمكنك النظر في عيون النساء الشجاعات والمقاتلات من أجل الحرية في إيران، عار عليك”، وأنضم إليه وزير الخارجية البلجيكي السابق ثيو فرانكن الذي ندد أيضًا بـالتعازي الأوروبية في وفاة رئيسي واصفًا إياه بـ”جزار وقاتل جماعي وحشي”[7].
التداعيات على الداخل الإيراني:
سارعت إيران إلى تفعيل نص المادة 131 من دستورها، والتي تنص على أنه “في حالة وفاة أو غياب رئيس الجمهورية لأكثر من شهرين، يتولى النائب الأول لرئيس الجمهورية مهام رئيس الجمهورية، ويتمتع بصلاحياته بموافقة المرشد الأعلى، على أن يتكون مجلس من النائب الأول للرئيس ورئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية، لترتيب انتخابات رئيس جديد خلال فترة أقصاها 50 يومًا[8].
وبناءًا على هذه المادة؛ أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي رسمياً تعيين محمد مخبر، النائب الأول للرئيس الراحل، رئيسًا مؤقتًا يتولى مهام الرئاسة حتى يتم انتخاب رئيس جديد، كما تقرر تعيين كبير المفاوضين في الملف النووي علي باقري كني، المعروف بانتقاداته اللاذعة للغرب، وزيرًا للخارجية بالوكالة خلفًا لحسين أمير عبداللهيان.
وجدير بالذكر أن مخبر هو من المقربين للمرشد الإيراني، وقد شغل منصب النائب الأول للرئيس الإيراني منذ تعيينه في 8 أغسطس عام 2021، وذلك بعد أن حل مكان إسحاق جهانكيري، الذي كان النائب الأول للرئيس السابق حسن روحاني[9].
وكان قد أدرجه الاتحاد الأوروبي في يوليو 2010، ضمن قائمة الأفراد والكيانات التي فرض عليها عقوبات واتهمها بالتورط في أنشطة نووية أو أنشطة للصواريخ الباليستية، ولكن بعد مرور عامين رفع اسمه من القائمة، كما أُدرج على لائحة العقوبات من قبل وزارة الخزانة الأمريكية في يناير2021.
ماذا عن تبعات وفاة رئيسي؟
صحيح أن الرئيس له صلاحيات محدودة وأن الكلمة العليا تكون للمرشد الإيراني ومن ثم قد لا تختلف السياسات الداخلية في طهران عن فترة إبراهيم رئيسي، إلا أن هذا الحادث سيكون اختبار صعب للنظام الإيراني، حيث:
- فقدان رئيسي الذي كان مرشح لخلافة خامنئي، سيزيد من الجدل حول ملف الخلافة، إذ كان الرئيس الراحل جزءا لا يتجزأ من خطط خامنئي لتعزيز نفوذ المتشددين في النظام وضمان خلافة سلسة للمنصب الأعلى في الجمهورية في حال وفاة المرشد الأعلى، البالغ من العمر 85 عامًا.
- يتعين الآن على النظام الإيراني إجراء الانتخابات الرئاسية في غضون 50 يومًا، ويعني ذلك أن التيار المحافظ عليه أن يسارع ويوجد البديل لرئيسي حتى يضمن بقاءه في سدة الحكم، وهو تحدي كبير نظرًا للتراجع الواضح في الشرعية الشعبية للنظام، والذي برز خلال الانتخابات التشريعية التي عُقدت في مارس 2024، وشهدت أدنى نسبة مشاركة منذ قيام الثورة الإسلامية في البلاد.
- يضُاف إلى ذلك؛ أن الانتخابات القادمة ستُجرى في وقت تعاني فيه إيران من ضغوط داخلية وخارجية عدة، وأوضاع اقتصادية متدهورة، وكل ذلك سيؤثر بالطبع على حسابات التيار المتشدد الساعي للحفاظ على السلطة.
التداعيات على المستوى الخارجي:
لا يُعتقد أن يكون هناك تغيير في السياسة الخارجية الإيرانية أيضًا، وهذا يرجع إلى عدة أسباب؛ منها:
- أبرز محاور السياسة الإيرانية الخارجية؛ وهي العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل والبرنامج النووي، تقع في اختصاصات المرشد الأعلى وليس الرئيس، ولذلك من غير المرجح أن يكون هناك تغيير.
- تكليف باقري كني، والمعروف بمواقفه الصلبة فيما يخص المفاوضات النووية، يؤكد أنه من المستبعد أن يكون هناك تغيير في مواقف إيران في الملف النووي.
- أما فيما يخص حرب غزة والمشروع الإقليمي الإيراني؛ فلا جديد قد ينتج لأن هذه الملفات ترتبط بوجود النظام الإيراني نفسه، ولا ترتبط بوجود شخص معين في الرئاسة، وبالتالي سوف تستمر طهران في تطبيق سياساتها الإقليمية المعهودة، كما ستستمر تحركات أذرعها سواء حزب الله أو الحوثي أو غيرهما من المليشيات الإيرانية في العراق وسوريا.
- وأخيرًا فيما يخص إسرائيل؛ فقد تستغل تل أبيب هذا الارتباك الداخلي الذي تشهده طهران، وانشغالها بالترتيب للانتخابات الرئاسية القادمة، في تنفيذ هجمات نوعية وكثيفة على أماكن التواجد الإيراني سواء في سوريا أو لبنان.
وإجمالًا:
هناك غموض كبير يحيط بحادث وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، مما يثير العديد من التساؤلات والتكهنات، ولكن الحقيقة الواحدة والثابتة التي لا خلاف عليها، أن المرشد الإيراني سيبذل كل جهده حاليًا لضمان بقاء الجمهورية الإسلامية، لذا من غير المرجح أن تؤدي وفاة رئيسي إلى انحراف خامنئي أو النظام السياسي عن هذا الهدف، أو عن سياساته المعهودة سواء في الداخل أو الخارج.
المصادر:
[1] ما نعرفه عن حادث تحطم مروحية الرئيس الإيراني، صحيفة الشرق الأوسط السعودية، 20/5/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-
[2] إيران تفتح تحقيقاً في أسباب حادث تحطم طائرة رئيسي، صحيفة الشرق الأوسط السعودية، 20/5/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-
[3] ردود الفعل العربية والدولية على مصرع الرئيس الإيراني، سكاي نيوز عربية، 20/5/2024، متاح على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/world/1715206
[4] تركيا ترسل 32 عنصر إنقاذ للبحث عن مروحية رئيسي، صحيفة الشرق الأوسط، وكالة الأناضول، 19/5/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-
[5] بوتين يصف رئيسي بـ«الصديق المخلص»… والصين تعد وفاته «خسارة كبيرة»، صحيفة الشرق الأوسط، 20/5/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-
[6] واشنطن: رئيسي يداه ملطختان بالدماء، صحيفة الشرق الأوسط، 20/5/2024، متاح على الرابط، https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/%D
[7] مسؤولون أوروبيبون يرفضون التعزية بوفاة رئيسي، صحيفة الشرق الأوسط، 20/5/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/50
[8] ماذا يحدث في إيران بعد وفاة رئيس البلاد وهو في السلطة؟، سكاي نيوز عربية، 19/5/2024، https://www.skynewsarabia.com/world/1715202-
[9] ماذا نعرف عن محمد مخبر الذي سيتولى مهام الرئاسة في إيران بعد وفاة رئيسي؟، بي بي سي، 20/5/2024، متاح على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/articles/c3ggkx97kx9o